قانون مساءلة الأحداث.. ضمانات وإجراءات تحقق المصلحة الفضلى
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
د. ناصر السيابي: يحال الحدث إلى الادعاء العام فور ضبطه ويجوز إخلاء سبيله
دراسة حالة الطفل الاجتماعية لبيان أسباب جنوحه ووضع أسرته
الإعفاء من أية مصاريف أمام المحاكم وعدم تسجيل السوابق الجرمية
يعتبر قانون مساءلة الأحداث من ضمن الإجراءات الواجب اتباعها بشأن الأحداث الجانحين والمعرضين للجنوح وبين إجراءات جمع الاستدلال بشأنهم، بموجب قانون المرسوم السلطاني رقم 30 / 2018، حيث تقرر إنشاء دور مختصة بهم سواء في مرحلة قبل المحاكمة أو بعد صدور الحكم، ونظم آلية عمل المراقب الاجتماعي واختصاصاته، وبين حقوق الحدث في مختلف مراحل الدعوى العمومية، وفصل قواعد سير إجراءات محاكمة الحدث الجانح، وفصل في التدابير التي يجوز توقيعها على الحدث الجانح أو المعرض للجنوح بحسب العمر، ثم بين قواعد الإفراج الشرطي للحدث الجانح المحكوم عليه.
وأضاف: إن قانون الطفل الصادر بموجب المرسوم السلطاني رقم 22 / 2014 ، فقد احتوى على الحقوق التي كفلتها الدولة للطفل وضمان تحقيق المصلحة الفضلى في أي إجراء يتخذ بشأنه، وقد فصّل قانون الطفل أبرز الحقوق المدنية والصحية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والاقتصادية التي يتمتع بها الطفل، كما تضمن القانون فصلا خاصا بحقوق الطفل المعوق، كما تضمن أيضا آليات المساءلة الجزائية وتدابير الحماية المقررة لمصلحة الطفل، ثم نص القانون على آليات حماية وتمكين الطفل لهذه الحقوق والتي أبرزها إنشاء لجان حماية الطفل والتي يتمتع أعضاؤها بصفة الضبطية القضائية، ثم أورد القانون العقوبات والتعويضات المدنية على من ينتهك حقوق الطفل المشار إليها.
الإجراءات الجوهرية
وعن آليات التحقيق المتبعة في سلطنة عمان قال الدكتور زاهر: تعتبر مرحلة التحقيق التي يتولاها الادعاء العام من المراحل المهمة في مراحل الدعوى والعمومية، وتتضمن العديد من الإجراءات الجوهرية التي تبنى عليها صحة الإجراءات، وقد اختص المشرع فئة الأحداث بإجراءات خاصة في هذه المرحلة نص عليها قانون مساءلة الأحداث رقم 30 / 2018 وعلى سبيل المثال نص المادة (7) على أنه " يتولى التحقيق في قضايا الأحداث ورفع الدعوى العمومية ومباشرتها أمام المحكمة أعضاء يخصصون لذلك من الادعاء العام "، وفي الواقع العملي يتولى التحقيق مع الأحداث في مرحلة التحقيق أعضاء ادعاء عام مخصصون بقرار من المدعي العام.
وأضاف الدكتور زاهر إن الأحوال التي يتم فيها ضبط الحدث الجانح، يحال من قبل جهة جمع الاستدلال إلى الادعاء العام فور ضبطه، ويتم التحقيق معه مباشرة من قبل عضو الادعاء العام المختص، دون انتظار مدة 48 ساعة المقررة لرجال الضبط في قضايا البالغين. وفي سبيل ضمان مراعاة ظروف الحدث النفسية والسيكولوجية أنشأ الادعاء العام غرفة خاصة بالتحقيق مع الأحداث مجهزة بأحدث الوسائل التقنية والنفسية وفق معايير عالمية تضمن تحقيق مصلحة الطفل الفضلى ومراعاة لظروفه النفسية والجسدية التي تلازم الطفل في مثل هذه الأحداث.
وأوضح الدكتور زاهر قائلا: إن قانون مساءلة الأحداث أوجب رجال الضبط على عرض الحدث الجانح عند ضبطه على عضو الادعاء العام لسماع أقواله، ولعضو الادعاء العام إخلاء سبيله، وإذ رأى أن مصلحته أو مصلحة التحقيق تستدعي بقاءه يصدر أمرا بإيداعه دار ملاحظة الأحداث لمدة 48 ساعة فقط وهي الدار المخصصة لإيداع الأحداث الجانحين قبل إحالتهم للمحكمة المختصة، على أن تمدد تلك الفترة إن لزم الأمر بقرار من المدعي العام لمدة أسبوع، وإذا استدعت المصلحة بقاءه، عرض الأمر على المحكمة للنظر في التمديد وذلك وفقا لما نصت عليه المادة (32) من قانون مساءلة الأحداث.
إجراءات التحقيق
وتطرق رئيس ادعاء عام عن قواعد حماية الطفل أثناء التحقيق، حيث يولي الادعاء العام إجراءات التحقيق مع الطفل عناية خاصة إعمالا للقواعد والإجراءات التي نص عليها قانون مساءلة الأحداث وقانون الإجراءات الجزائية، ومن أبرز أوجه الحماية التي قررها المشرع أن للحدث تحديد عمره تحديدا دقيقا بموجب شهادة الميلاد وإذا لم تكن له واقعة ميلاد، قدر عمره بمعرفة وزارة الصحة، وله كذلك حق الاستعانة بمحام يحضر معه جلسات التحقيق، كما يجوز لعضو الادعاء العام الاستعانة بأخصائي اجتماعي أو نفسي أو أي خبير مختص بحسب حالة الطرف محل التحقيق، وفي حال قرر عضو الادعاء العام عدم الإفراج عن الحدث الجانح يتم إيداعه بقرار في دار ملاحظة الأحداث المنشأة بوحدة شرطة الأحداث ويودع بها الأحداث الجانحون لحين تقديمهم للمحكمة دون الاختلاط بالبالغين.
أوجه حماية الطفل
وأفاد الدكتور زاهر قائلا: إن من أوجه الحماية المقررة للطفل في مرحلة التحقيق، ما أشارت إليه المادة 10 من قانون مساءلة الأحداث، التي قررت عدم تسجيل السوابق الجرمية في صحيفة الحدث الجانح، ولا تسري عليه أحكام التكرار، وإعفاء الأحداث من أية رسوم أو مصاريف أمام المحاكم وفقا لما نصت إليه المادة 11، كما حظرت المادة 12 من القانون ذاته نشر اسم الحدث أو صورته أو وقائع المحاكمة أو ملخصها أو خلاصة الحكم أو منطوقه في الكتب أو وسائل الإعلام المقروءة أو المرئية أو بأية طريقة أخرى. ومن أبرز أوجه الحماية المقررة للطفل في مرحلة التحقيق هي دراسة حالته تفصيلا من قبل المراقب الاجتماعي التابع لوزارة التنمية الاجتماعية ويعد تقريرا بذلك مبينا أسباب جنوحه وحالته الاجتماعية وحالة أسرته، مشفوعا بالتوصيات المناسبة من التدابير المناسب توقيعها على الحدث محل الدراسة، وتقديم تقارير دورية بشأنه.
إحصائية قضايا الأحداث
كشف الدكتور زاهر عن إحصائية أبزر القضايا للمهتمين بالأحداث لعام 2023 في المديريات العامة للادعاء العام في كل محافظات سلطنة عمان، حيث تصدرت محافظة مسقط أعلى القضايا بـ 129 قضية، وتلتها محافظة شمال الباطنة 64 قضية، ومحافظة ظفار 57 قضية، وعدد القضايا في محافظة الداخلية ومحافظة جنوب الشرقية 44 قضية لكل محافظة، أما محافظة جنوب الباطنة فبلغ عدد القضايا 33 قضية، وفي محافظة شمال الشرقية 28 قضية، وقارب عدد القضايا في محافظة البريمي 9 قضايا، وفي محافظة مسندم 7 قضايا ومحافظة الوسطى 5 قضايا وأخيرا محافظة الظاهرة 4 قضايا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مرحلة التحقیق الادعاء العام التحقیق مع فی محافظة فی مرحلة
إقرأ أيضاً:
"معًا نتقدم".. النسخة اللامركزية في ظفار
د. عبدالله باحجاج
العنوان أعلاه بمثابة مُقترح نُقدِّمه لتتبناه كل مُحافظة على غرار الملتقى السنوي "معًا نتقدَّم"، والذي تنظمه الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وقد جاءتنا فكرة المُقترح من تنظيم المجلس البلدي بمُحافظة ظفار لقاءً سنويًا تعريفيًا لعدد من المؤسسات الحكومية في ظفار، وفي عام 2024 أُقيم اللقاء السنوي تحت رعاية صاحب السُّمو السيد مروان بن تركي آل سعيد محافظ ظفار، وفي الخامس من مارس الماضي عُقد اللقاء بحضور سعادة رئيس بلدية ظفار.
انحصرت جلسات ذلك اللقاء على فروع ومكاتب الوحدات الحكومية في المحافظة، بحضور أعضاء المجلس البلدي، ويشهد كل لقاء سنوي استعراض أبرز المشاريع المُنجَزة خلال عام، والكشف عن الخطط المستقبلية لفروع ومكاتب الوحدات. وهي جلسات مُغلقة بمعنى أنها محصورة على مُمثلي تلكم الجهات دون مشاركة المجتمع المحلي مباشرة. فلماذا لا تكون هذه اللقاءات السنوية على غرار ملتقى "معًا نتقدَّم"، بحيث يُدعى لها الفاعلون في المحافظة من كُتَّاب وإعلاميين ومؤسسات المجتمع المدني ومهتمين بالشأن المحلي العام، وأن تكون تحت رعاية المحافظ؛ أي تحويل اللقاء السنوي إلى منصة حوار حول المُتحقَّق من الإنجازات والمُخطَّط له على المدى الزمني القصير.
هذه فرصة تُتاح للجهات الحكومية- المركزية واللامركزية- للتعريف بإنجازاتها، والكشف عن خططها، وتوضيح مُسوِّغات خياراتها التنموية والخدمية أمام الرأي العام المحلي؛ لأنَّ أي خيار تنموي أو خدمي من المؤكد له مبرراته العقلانية والوطنية، ولا بُد أن تصل للرأي العام المحلي، كما سنخرج من النقاشات بآراء بنَّاءة يُمكن الأخذ بها في خطط التطوير المقبلة.
هنا تتجسَّد فلسفة وغاية "معًا نتقدَّم" على صعيد اللامركزية كالنسخة المطبقة على صعيدنا الوطني، وهذا يخدم مسار اللامركزية- نظام المحافظين- لتعزيز التشاركية المجتمعية المسؤولة في مساراتها التنموية والخدمية. وهذه التشاركية نعوِّلُ عليها كثيرًا في كسب الرضا الاجتماعي المحلي، وفي تفعيل أدوار المؤسسات اللامركزية الحكومية والمستقلة وفروع المركزية؛ حيث ستحرص كل جهة وفرع على تقديم المنجزات الجديدة وذات الجودة سنويًا؛ لأنها ستكون تحت الرقابتين السياسية والاجتماعية المباشرة.
معظم فروع ومكاتب المركزية واللامركزية الخدمية مثل البلدية والتجارة والصناعة والبيئة والسياحة والتربية والتعليم والعمل والثقافة والرياضة والشباب والتنمية الاجتماعية، تستعرض سنويًا إنجازاتها، والقليل منها يخرج للرأي العام، ولا يتفاعل معها لعدم وجود إعلام وصحافة ناقلة للحدث بعيون المواطن والوطن، وإنما بما اعتادت عليه التغطيات التقليدية، وبالتالي فإنَّ رسالة الإنجازات المؤسسية لا تصل للرأي العام بمضامينها ووفق سياقاتها الزمنية ومعايير خياراتها التنموية، ولا تدفع بالفاعلين الذين شرفوا وتشرفوا بحمل الأمانة الوطنية على الإبداع وعلى الحرص على تقديم إنجازات نوعية وكمية كل سنة.
ولو أخذنا مثلًا عرض إنجازات بلدية ظفار؛ فهناك فعلًا ما يستحق التشاركية التفاعلية، فعرضها التفصيلي حول مشاريع البنية الأساسية، والتعرف على آخر مستجدات مشروع "بوليفارد الرذاذ" في منطقة إتين بصلالة الذي يُعد من أبرز المشاريع السياحية التي ستُعزِّز القطاع السياحي؛ هل وصلت رسالة إنجازاتها للرأي العام المحلي والوطني؟ التساؤل نفسه يُطرح على إنجازات فروع وزارات الصحة والتنمية الاجتماعية والعمل في محافظة ظفار؟ والسبب أنَّ عرض الإنجازات يجري في جلسات غير تشاركية. فكيف نكسب الرضا الاجتماعي في ظل هذا الانغلاق؟!
مثال آخر للاستدلال به، أنه في جلسة استعراض الجهود في ملف الأمن الغذائي ودور منطقة النجد فيه، استلزمت دواعي المصلحة الوطنية إثراء النقاشات ومعرفة حجم النسب المئوية المتحققة من أهداف وخطط الدولة في جعل النجد الظفاري، يمثل سلة غذاء متكاملة، وهنا كان ينبغي أن يُسمع صوت الرأي الآخر.
ومما سبق تتجلى مشروعية مقترحنا تطبيق تشاركية "معًا نتقدَّم" على صعيد كل محافظة وبصورة سنوية، وتحت رعاية المحافظين، لكي تصل المنجزات السنوية إلى الرأي العام، ومن ثم كسب الرضا الاجتماعي، والمساهمة الاجتماعية المباشرة في إنضاج الإنجازات والخطط، وحمل الفاعلين على تقديم الجديد كل سنة؛ لأنهم سيكونون تحت الرقابة الاجتماعية التي ستحفز الجهود على تقديم الجديد بجودة عالية.
ولماذا تحت رعاية المحافظين؟ لأن نظام المحافظين يجعل كل محافظة وحدة مُستقلة ماليًا وإداريًا يُمثِّلُها المحافظ، والمتأمِّل في ديناميات أو قوى كل واحدة منها، سيجد أنها ذاتها على الصعيد الوطني، لكنها بصورة تعكس توجهات البلاد نحو اللامركزية. ففي كل محافظة، محافظ ووالٍ ومجلس بلدي وأعضاء بمجلس الشورى وفروع لغرفة تجارة وصناعة عُمان ومؤسسات المجتمع المدني الزراعية والاجتماعية والمهنية والثقافية والصحفية.. إلخ، فلماذا لا تُشرَك في مثل هذه النقاشات المسؤولة تحت رعاية المحافظ؛ باعتباره رئيس الوحدة ومسؤول النظام اللامركزي في المحافظة؟!
الفصل الرابع الخاص بالمحافظ في قانون نظام المحافظات، بالمادة 11، نقرأ عن اختصاصات المحافظ أنه يتولى "التنسيق مع رؤساء الوحدات الحكومية بشأن أداء فروعها ومكاتبها في المحافظة في ضوء التقارير المرفوعة إليه من الولاة"، كما إن من صلاحيات الولاة حسب المادة 13 من ذات القانون "متابعة أداء فروع ومكاتب الوحدات الحكومية الأخرى في الولاية، ورفع تقارير دورية بشأنها الى المحافظ".
ومما تقدَّم تظهر الحاجة الوطنية في أولويتها اللامركزية، لنسخ فلسفة وغاية ملتقى "معًا نتقدَّم" من على المستوى الوطني الى المحافظات، لكي تُصبح قناة اتصالية تشاركية بين بين الأطراف سالفة الذكر في كل محافظة، لكسر الفجوة الفاصلة بين جهود ونتائج المركزية واللامركزية في كل محافظة، ومعرفة أفكار ومقترحات كل مجتمع محلي بشأن المُتحَقَّق والمُخطَّط، وهذا من دواعي تعزيز الإدارة المحلية، تماهيًا مع نظام اللامركزية وتفعيله، من حيث التطبيق من جهة، والاعتداد بالبُعد الاجتماعي لكل محافظة من جهة ثانية، ولأن التقدُّم في حقبة مُتغيِّرة تحتمه التشاركية بمنطق "معًا نتقدَّم".
رابط مختصر