محمد غنيم يكتب: التدقيق اللغوي والذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
أحبوا العربية فإنها أم اللغات، هي لغة الذوق والجمال، كلما اقتربت منها أكثر زادتك حلاوة وأغدقت عليك من فيض عطائها الواسع، لا تمل دراستها ولا تنتهي أسرارها وفيها ما فيها من الدقائق والفوارق وإن اللفظة الواحدة تتعدد معانيها بإبدال حرف أو تغيير حركة، فهي أم لغات العالم، إنها اللغة العربية.
وأقول لمن أراد أن يتقن اللغة العربية فعليه أن يبدأ بالقرآن؛ حفظًا ودراسةً وفهمًا وتدبرًا، وأن يداوم ما استطاع على قراءته ختمةً تلو أخرى، وأن يدرس الإعراب والبلاغة تطبيقًا على الشواهد القرآنية، حينها تجد من الفتوحات والبركات ما الله به عليم، ومن استزاد من القرآن زاده الله من كل خير، يقول تعالى: {نَرۡفَعُ دَرَجَـٰتࣲ مَّن نَّشَاۤءُۗ وَفَوۡقَ كُلِّ ذِی عِلۡمٍ عَلِیمࣱ} [سُورَةُ يُوسُفَ: ٧٦]
واعلم أن من أتقن علوم اللغة العربية فقد امتلك قوة الفهم ورجاحة العقل ودقة التعبير، وزادت حكمته في الكلام ولذته في القراءة وتركيزه في السماع.
وفي اليوم العالمي للغة العربية أحببت أن أتكلم عن أحد أبواب اللغة العربية التي أكرمني رب البرية بأن أكون طويلب علم أقف خادمًا على عتبته ألا وهو باب التدقيق اللغوي، وموضوعنا عن الذكاء الاصطناعي والتدقيق اللغوي.
في الفترة الأخيرة جاءتني كتب ومقالات كي أدققها لغويًّا فإذ بي أعرف أنها مكتوبة بواسطة بالذكاء الاصطناعي، فاستوقفتني تلك المسألة وأدركت أن الذكاء الاصطناعي سيحتل جزءًا كبيرًا في عملية الكتابة والتأليف والبحث العلمي واستحداث المادة الأدبية وإنتاجها، فسنجد رسالة علمية مكتوبة بالذكاء الاصطناعي وسنجد رواية مكتوبة بالذكاء الاصطناعي وسيقتصر دور الإنسان على إعطاء الأوامر المطلوب تنفيذها وسيبدأ الذكاء الاصطناعي في استخراج النتائج، فرأيت أن هذا سيوفر كثيرًا من الوقت والمجهود، فكما كانت الكتابة قديمًا على الحجارة والألواح ثم تطورت لاستخدام الريشة والمحبرة ثم دخلت الآلة الكاتبة إلى أن وصلت إلى الكتابة باللمس على شاشة أو تحويل الصوت لكلام مكتوب، وهذا التطور ساعد الإنسان ولكنه لم يلغِ دور الإنسان، فهل سيكون الذكاء الاصطناعي قادرًا على أن يلغي دور الإنسان في عملية التدقيق اللغوي؟
إن التدقيق اللغوي بحر واسع لا يستوعبه غير العقل البشري الدارس لقواعد اللغة العربية، وكل المحاولات الإلكترونية مهما بلغت جودتها لا يمكنها أن تلغي دور العنصر البشري، فضلا عن المذاهب اللغوية وتعدد الآراء في كثير من المسائل.
وإن كان البشر في التدقيق اللغوي متفاوتين، والنص الواحد قد تختلف صورته من مصحح لآخر وفق رؤيته وعلمه ومذهبه، فكيف للتدقيق الإلكتروني أن يعي كل هذا! وقد يتوهمه غير المتخصصين أنه بديل عن البشر، فيضرون لغتهم ولا ينفعونها بشيء.
إن استخدام التكنولوجيا يكون في مساعدة البشر تحت توجيههم وفق تحكمهم، وليس لإلغاء دورهم واستبدالهم.
كما أن اللغة العربية وعاء لكل الألفاظ الأجنبية تقبل التعريب والاشتقاق، ومنذ قديم الأزل وتدخل ألفاظ غير عربية إلى اللغة العربية وتخضع لقواعد اللغة العربية كتابةً ونطقًا، وكثير من الألفاظ ينضم إلى اللغة العربية نتيجة كثرة التداول والاستعمال، مثل: ماجستير ودكتوراة وفيسبوك وإنستجرام وكمبيوتر وترند ولابتوب وآيفون وإستراتيجية وغيرها كثير من الألفاظ الأجنبية، كما جاء في المعاجم القديمة بتضمين ألفاظ غير عربية ووضعها في المعاجم لكثرة الاستخدام واكتساب مدلول عربي اصطلح عليه العرب، وهذا مقبول ومُتعارف عليه على مرِّ العصور، وهو من مميزات اللغة العربية واتساعها لتقبل كلِّ اللغات؛ لأنها لغة عالمية نزل بها القرآن الكريم للعالم أجمع، كما أنها لغة متطورة ونابضة بالحياة، وليست لغة متحجرة أو قديمة أو تقف عند حدود زمان أو مكان، ولكنها متجدِّدة باستمرار بتجدد الألسنة والاختراعات التي لم تكن موجودة من قبل، فكيف لذكاء اصطناعي مهما بلغ ذكاؤه أن يعي كل ذلك ويواكب تجدد اللغة العربية الذي يواكبه أبناؤها بصعوبة فهي دائمًا تسبقهم إلى ما لا يتصورون أن تصل إليه هذه اللغة الشابة العصرية الممتدة جذورها في أعماق التاريخ ومنذ نطق الإنسان وعرف اللغات.
فتمسكوا بلغتكم العربية، وحافظوا عليها، وعلموها أبناءكم، وازرعوا فيهم أن اللغة هُوية، وأن الحفاظ على الهُوية لا يتعارض مع الحداثة ورَكْب التقدم، فلقد اختُصَّت العربية دون بقية اللغات بفضائل عدة؛ فكانت وعاء لخاتم الرسالات، وشاهد عيان على تقدم المسلمين والعرب وتفوقهم في مختلف العلوم على مرِّ العصور.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی اللغة العربیة
إقرأ أيضاً:
مبادرة “بالعربي” تحصد جائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية بدورتها الثالثة
حصدت مبادرة “بالعربي”، إحدى أبرز المبادرات المعرفية التابعة لمؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، والرامية إلى تشجيع استخدام اللغة العربية ومفرداتها في الحياة اليومية جائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية بدورتها الثالثة، تقديراً للإنجازات الكبيرة التي حقَّقتها في خدمة اللغة العربية ونشر الوعي اللغوي بين أفراد المجتمعات العربية. وكرَّم مجمع الملك سلمان للغة العربية، فريق المؤسَّسة خلال حفل تكريم الفائزين بالجائزة والذي تم تنظيمه مؤخراً في العاصمة السعودية الرياض.
وأعرب سعادة جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، عن بالغ سعادته بحصول مبادرة “بالعربي” على هذا التكريم الرفيع الذي يثبت من جديد نجاح المؤسَّسة في تعزيز اللغة العربية وتكريس حضورها داخل الأوساط المعرفية والأدبية والمجتمعية، وتوسيع مساهمتها في المحتوى الرقمي العربي على الشبكة العنكبوتية، وقال سعادته: “لطالما سعت المؤسَّسة إلى إطلاق المبادرات واحتضان الفعاليات التي تُعنى باللغة العربية وتؤكد مرونتها وحيويتها وقدرتها على احتواء إبداعات الفكر الإنساني في كل زمان. وتمثِّل مبادرة “بالعربي” مثالاً نموذجياً في هذا السياق، إذ نجحت على مدار السنوات في تحفيز الأجيال الشابة لاستخدام لغتهم العربية كلغة تواصل على منصات التواصل الاجتماعي، وعمَّقت معرفتهم بكنوز العربية وقدرتها الاستثنائية على تقديم أساليب متنوعة ودقيقة للتعبير عن الأفكار”.
وأضاف سعادته: “يمثِّل الفوز بهذه الجائزة حافزاً جديداً للمؤسَّسة لمواصلة جهودها الدؤوبة في دعم اللغة العربية وتعزيز استخدامها اليومي عبر مختلف القنوات، والتمسك بها لغةً للعلم والمعرفة، فهي تمثل هويتنا وتختزل تاريخنا الحضاري وتعبر عن انتمائنا الأصيل لحضارتنا العربية العريقة”.
وحصدت مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة الجائزة عن فئة المؤسَّسات لفرع نشر الوعي اللغوي وإبداع المبادرات المجتمعية، تقديراً لما حققته مبادرة “بالعربي” من تعزيز لحضور العربية على المستويين الإقليمي والدولي، عبر تشجيع الفئات الشابة على التوسع في استخدام اللغة العربية على شبكة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي وتحفيزهم إلى إنتاج محتوى إبداعي يبرز جمالية اللغة ومكانتها الحضارية الفريدة.
ومن جهة أخرى، قدَّمت المؤسَّسة العديد من المشاريع الأخرى الدافعة لمسارات تمكين اللغة العربية، عبر استضافة العديد من المحاضرات والفعاليات، وإعداد الدراسات العلمية، وتنظيم الجلسات النقاشية التي تعنى بموضوعات الترجمة والأدب، فضلاً عن احتضانها المبادرات والمشاريع والفعاليات التي تُسهم في زيادة الوعي بأهمية اللغة العربية بصفتها جسراً للتواصل بين المجتمعات، ووسيلة حيوية لحمل الفكر واحتواء التطور العلمي والتكنولوجي المتسارع الذي يشهده العالم.
وتُعد الجائزة تأكيداً جديداً لأهمية التعاون بين المؤسَّسات المعرفية العربية من أجل تعزيز الهوية اللغوية وإثراء الحراك الفكري داخل الأوساط المختلفة، حفاظاً على التراث اللغوي العربي الغني، وترسيخاً لقدرة اللغة على استيعاب تطورات المستقبل بكل ما تحمله من تحديات وفرص.