جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-01@12:05:42 GMT

المقاطعة والنظم الفوضوية

تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT

المقاطعة والنظم الفوضوية

 

أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

 

بعد الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة، تصاعدت الحملات الداعية إلى مقاطعة بضائع الشركات الداعمة للكيان المعتدي الظالم، وقد تجاوب مع حملة المقاطعة هذه الكثير من أبناء الشعوب العربية والإسلامية، ومقابل هذا التجاوب شكَّك البعض بجدوى هذه المقاطعة؛ مبررًا بأن هذا النوع من المقاطعة قائم على أسس عاطفية وقد حدثت في فترات سابقة ولم تُثمر، بينما رأى البعض الآخر أن هذه الشركات الداعمة هي شركات عملاقة ولن تتأثر بمقاطعتنا لها؛ فلها أسواق ضخمة في مختلف دول العالم، ولذا فإنَّ الدعوة إلى المقاطعة تحرك عبثي أو غير مجدٍ، ولذا دعوا إلى عدم التجاوب معها.

نرى أن الاستدلال الذي جرى الركون إليه في عدم جدوى المقاطعة، استدلال غير دقيق، ولذا لا يمكن الركون إلى النتائج المنبثقة عنه. ولكي نفهم السبب في مكمن الخلل في هذا الاستدلال، لابُد من أن نفرق بين النظم العشوائية والأخرى الفوضوية، والواقع أن التفريق بينهما ليس من الأمور السهلة والميسرة، ولكننا سنحاول أن نسلط بعض الضوء على الفوارق بين هذين النظامين، النظم العشوائية والنظم الفوضوية والأثر المترتب على ذلك.

تُعرَّف النظم العشوائية بأنها النظم التي لا يمكن التحكم في المتغيرات الأولية لها، فمثلًا عندما نرمي قطعة نقد معدنية فإننا لا نعلم على أي وجه ستسقط، هل الرسم أم الكتابة، وتعرف هكذا أنظمة بأنها أنظمة عشوائية.

أما النظم الفوضوية فهي نظم قد نعرف المتغيرات الأولية لها ولنا القدرة على التحكم بها ولكننا وعلى الرغم من ذلك لا نستطيع أن نعرف ما ستؤول إليه الأمور، والسبب في ذلك أن هذه النظم نظم معقدة تتكون من حوادث متتالية وكل حادثة تعتمد على متغيرات سابقة، ومجموع هذه الحوادث المتتالية تولد النتيجة، ويعد المناخ من أشهر الأمثلة على هذه النظم؛ فالمناخ يعتمد على سلسلة من الحوادث، وكل حادثة تعتمد على أسباب معينة وتلك الأسباب تعتمد على أسباب مختلفة، وهكذا فسلسلة الأسباب طويلة، وأي تغير في الأسباب الأولية يُنتِج تغيُّرًا كبيرًا في النتائج، ويُقال عن هذه النظم المعقدة إنها نظم فوضوية ولا يقال عنها إنها نظم عشوائية؛ بل يُطلق لفظ النظم العشوائية على الأنظمة البسيطة والتي لا يُمكننا التحكم في متغيراتها الأولية المسببة لها إلّا أنها ليست نُظمًا مُعقدة.

لكن الفارق الأهم بين النظم الفوضوية والعشوائية يتمثل في إمكانية التنبؤ بدقة عالية جدًا في النظم العشوائية عند تكرارها مرات عديدة، على الرغم من عدم تمكننا من التنبؤ بتلك الدقة في الحالات الفردية، بينما لا يمكننا القيام بذلك في النظم الفوضوية، ففي مثال قطعة النقد المعدنية، فإننا لو قمنا بتكرار التجربة لآلاف المرات، فإننا نعرف بأننا سنحصل على وجه الكتابة في خمسين بالمائة من الحالات، لكن هذه الحسابات الاحتمالية يصعب تطبيقها على النظم الفوضوية ونسب الصحة فيها منخفضة للغاية حتى لو قمنا بتكرارها آلاف المرات.

إن أفضل الطرق للتنبؤ بالنظم الفوضوية يكون من خلال إعداد نماذج رياضية، ونقوم من خلال النموذج الرياضي بإجراء تغيُّرات في المُتغيِّرات الأوليّة، ومن ثمَّ نرى نتيجة تلك التغيُّرات. فمثلًا لكي نعرف احتمال سقوط الأمطار في منطقة ما، فإننا نقوم بإعداد 100 نموذج، وفي كل نموذج نُجري تغيُّرات طفيفة على المتغيرات الأولية، ونرى أثرها على سقوط المطر، فاذا كانت نتيجة 60 نموذجًا- مثلًا- يُشير إلى سقوط الأمطار، فإننا حينها نقول إن نسبة احتمال سقوط المطر هو 60%.

وهكذا نجد أن طريقة حساب الاحتمالات تختلف كثيرًا في النظم العشوائية والنظم الفوضوية.. لذا من المهم أن نضع في أذهاننا الفارق بين النظامين وعن أي نظام نتحدث.

وبيع السلع وشراؤها في واقع الأمر نظم فوضوية وليست عشوائية، ولذا فاذا أردنا أن نصل إلى نتائج تقترب من الصحة وقائمة على أسس علمية؛ فالطريق إلى ذلك انما يكون عبر استخدام النماذج الرياضية وليس الاعتماد على التجارب السابقة أو تأثير المتغير على شراء وبيع السلع؛ لأن النظم الفوضوية قد تتأثر تأثرًا بالغًا بتغيُّر مُتغيِّر واحد فقط، ولو كان التغيُّر بسيطًا؛ لأنه قد يتوسع بشكل غير متوقع وينتج نتائج كبيرة جدًا كما تتدحرج كرة الثلج، لكن لا بُد من الانتباه إلى أننا لا ندّعي أن مقاطعة بضائع الشركات الداعمة لهذا الكيان الغاشم ستُثمر وستؤدي غرضها، لكننا في حالة عدم النجاح نكون قد حصلنا على شرف المحاولة.

إنَّ التخطيط للنظم المعقدة أمر صعب للغاية؛ لأنها- كما أسلفنا- تتأثر بأبسط المتغيرات، غير أنها من جانب آخر تفتح لنا نافذة أمل كبيرة، لذلك علينا ألَّا نتهاون بالتغيُّرات البسيطة التي يُمكننا القيام بها في هذه الحياة؛ إذ إن رَفرَة جناح الفراشة ربما تسبب إعصارًا، وكلمة حق تكتبها قد تؤتي أُكلها في كل حين بإذن ربها، ومقاطعة بضاعة لشركة داعمة، رُبما تتسبب في سقوط كيان كامل وانهياره!

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

المشاط: السياسات الإصلاحية انعكست على تعافي المؤشرات الأولية للنمو

استعرضت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أهم تطورات الاقتصاد العالمي وتداعياتها المحلية وبوادر تحسن مؤشرات الاقتصاد المصري، وذلك خلال مناقشتها التنفيذ الفعلي لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للسنة المالية 2023/2024، بلجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب برئاسة الدكتور فخري الفقي.

وخلال الجلسة، أكدت الدكتورة رانيا المشاط، حرص وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي بمواصلة التعاون والتنسيق الكاملين مع مجلس النواب واللجان المعنية كافة، وفي مقدمتها لجنة الخطة والموازنة، في إطار النهج التشاركي الذي تتبناه الوزارة والحكومة لوضع الخطط والبرامج التنموية في ظل المستهدفات الحاكمة والرؤية الاشمل للدولة، والتي تستهدف خلق اقتصاد تنافسي، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام يقوده القطاع الخاص، بما يعزز التشغيل وخلق فرص العمل المنتج واللائق، وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة بإبعادها المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية مع ضمان تحقيق التنمية الإقليمية المتوازنة.

وحول أهم تطورات الاقتصاد العالمي وتداعياتها المحلية وبوادر تحسن مؤشرات الاقتصاد المصري؛ أوضحت «المشاط»، أن ما يشهده الاقتصاد العالمي من متغيرات وتحديات مستمرة خلال السنوات الأخيرة، ولازالت ممتدة ومتصاعدة، تزيد من حالة عدم اليقين التي يمر بها الاقتصاد العالمي، مشيرة إلى تأثير تلك التحديات السلبي على معدلات النمو العالمي خلال العاميين الماضيين، لتلقي بظلالها على التوقعات بشأن أداء الاقتصاد العالمي  في العام القادم.
وتابعت المشاط أن تلك التداعيات أثرت على معدلات النمو المحققة خلال العام المالي الماضي، مضيفة أن ذلك تراجع معدلات النمو يرجع إلى التفتيت الاقتصادي بسبب القيود المفروضة على حركة التجارة والاستثمار والتعاون التكنولوجي وانتقال العمالة.

وأكدت "المشاط"، أن المؤشرات توضح تعافي النمو الاقتصادي لمصر خلال الربع الأخير من عام 23/2034، كما تشير المؤشرات الأولية إلى استمرار التعافي في الربع الأول من العام المالي الجاري 24/2025 وذلك رغم التحديات، وبفضل السياسات الإصلاحية التي اتخذتها الحكومة المصرية بهدف استعادة استقرار الاقتصاد الكلي وتعزيز حوكمة الاستثمارات العامة، متابعه أن ذلك النمو جاء مدفوعًا بتحسّن ملحوظ في بعض الأنشطة الاقتصادية الرئيسية ومنها؛ الصناعة التحويلية، مضيفه أنه من المتوقع استمرار تحسن النشاط الاقتصادي خلال الفترة المقبلة في ظل التزام الحكومة بتطبيق تدابير فعالة لدعم استقرار الاقتصاد الكلي وتحفيز نشاط القطاع الخاص.

وأشارت إلى الجهود المبذولة من قبل الدولة وما يتمتع به الاقتصاد المصري من تنوع؛ بما عزز قدرة الاقتصاد  على الصمود ، موضحة أن التطورات الإيجابية في الاقتصاد المصري نالت إشادة المؤسسات الدولية حيث شهد التصنيف الائتماني لمصر تحسنًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، وفقاً لمؤسسات الائتمان الدولية، مشيرة إلى قيام وكالة "فيتش" في الأول من نوفمبر 2024 بتعديل تصنيف مصر من B- مع نظرة مُستقبليّة إيجابيّة إلى B مع نظرة مُستقبليّة مُستقرّة، فضلًا عن إبقاء وكالة "ستاندرد آند بورز" على تصنيف مصر عند B-/B، مع نظرة مُستقبليّة إيجابيّة كذلك.

وأوضحت الدكتورة رانيا المشاط، أن هذا التطور في تصنيف مصر جاء نتيجة لتدفّقات الاستثمار الأجنبي الكبيرة، والإجراءات الاقتصادية الحكيمة التي انتهجتها الدولة الـمصريّة، والتي تمثّلت في تحرير سعر الصرف واتباع سياسات نقديّة أكثر مرونة وزيادة الاحتياطي النقدي، مشيرة إلى المؤشرات الإيجابية التي بدأت تتحقق بتواصل معدلات التضخم في التراجع بشكل عام حتى نوفمبر 2024، والاتجاه النزولي الملحوظ لمعدل التضخم الأساسي (على أساس سنوي)، اتساقًا مع الاتجاه النزولي بنسب متفاوتة في معدلات التضخم الشهرية للسلع الاستراتيجية في النصف الثاني من 2024 مقارنة بالربع الأول.

وأضافت أن التقديرات تشير الى انخفاض معدلات التضخم بشكل ملحوظ في شهر فبراير 2025 مدفوعًا بتأثير سنة الأساس، فضلًا عن التوقعات بانخفاض الأسعار عالميًا في أسواق السلع الأولية في 2025، مشيرة إلى حرص الدولة في الوقت ذاته على مواصلة الجهود وتنفيذ الآليات الداعمة لضبط الأسعار.
 

مقالات مشابهة

  • الصحة: 183 اصابة بالألعاب النارية والرصاصات العشوائية في ليلة رأس السنة بالعراق
  • اختتام دورة في الإسعافات الأولية بمستشفى السبعين
  • صندوق التنمية الحضرية: القيادة السياسية تولى اهتماما كبيرا بتطوير المناطق العشوائية
  • جماعات ترابية تزيل مخففات السرعة العشوائية
  • تركيا.. ضبط مخدرات داخل دمية!
  • المقاومة المجدية: مقاطعة شعبية لمنتجات حلفاء «إسرائيل»
  • المقاطعة.. كيف نجحت مقاومة الناس العاديين في عزل إسرائيل أكثر؟
  • إختتام دورتين تدريبتين حول الإسعافات الأولية والسكرتارية الآلية في عدن
  • مستقبل وطن: تخطيط منطقة الرابية تم على أحدث النظم العمرانية الجديدة
  • المشاط: السياسات الإصلاحية انعكست على تعافي المؤشرات الأولية للنمو