زيارة جلالة السلطان لسنغافورة والهند.. دلالات عميقة في مد جسور الصداقة والتعاون
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
نقلت زيارتا "الدولة" التاريخيتان اللتان قام بهما حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- لكل من جمهوريتَي سنغافورة والهند الصديقتَين العلاقات إلى مرحلة جديدة وفتحت آفاقا للتعاون والشراكة في كافة المجالات، بما يسهم بمد مزيد من جسور التبادل والتعاون الاقتصادي والتجاري والاجتماعي والسياسي، الذي بدوره ستنعكس تأثيراته الإيجابية على تحقيق تطلعات شعوب المنطقة والعالم.
وأكدت المباحثات التي أجراها جلالته -أيده الله- مع فخامة الرئيس ثارمان شانموغاراتنام رئيس جمهورية سنغافورة، ودولة ناريندرا مودي رئيس وزراء جمهورية الهند، على عزم سلطنة عمان على مد أواصر الصداقة والتعاون والتبادل التجاري والاقتصادي والثقافي.
وحملت الزيارتان دلالات عميقة، تؤكد في مضامينها الرغبة الصادقة لفتحت مزيد من مجالات التعاون والتفاهم الذي يتكئ على تاريخ عريق وروابط قديمة ممتدة لآلاف السنين بين كل من سلطنة عمان وجمهوريتَي سنغافورة والهند، حيث تؤكد الروابط التاريخية على التبادل التجاري والثقافي والتعاون الممتد من القدم، حيث تأتي هذه الزيارة لتجديد تلك الروابط التاريخية.
وتفتح زيارة "دولة" التي قام بها جلالته -أعزّه الله- إلى جمهورية سنغافورة، فرص التعاون في قطاع الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر، حيث تعرّف الجانبان العماني والسنغافوري على احتياجات كل جانب والممكنات التي يمكن الاستفادة منها، وتوجهات سلطنة عمان فيما يتعلق بإنتاج الهيدروجين الأخضر واستخدامه والسعي نحو تخفيض الانبعاثات الكربونية، وما يمكن أن تقدمه السلطنة لسنغافورة في هذا المجال الحيوي.
وأكد اتفاق سلطنة عُمان وجمهورية سنغافورة على تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي في مجالات عدّة، منها تنمية الربط بين الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة مع الأسواق العالمية، وإقرار البلدين بأهمية التكنولوجيا في تعزيز الاقتصاد والابتكار بما في ذلك التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي ونظم المعلومات، وتعزيز التعاون التجاري في مجالات الاستزراع السمكي، والأمن الغذائي، والنقل واللوجستيات، وتنمية الربط بين الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة مع الأسواق العالمية، إضافة إلى التعاون لتنمية وتنويع التجارة البينيّة من خلال الاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية وسنغافورة (GSFTA) وتطويرها.
وسياسيا تتفق سلطنة عمان وسنغافورة على الرغبة في حلّ النزاعات الإقليمية والدولية سلميًّا، إذ دعا البلدان إلى الحوار والتفاوض، والالتزام بالقانون الدولي والنظام العالمي المبني على القواعد لتعزيز العدالة والحرية وكرامة الإنسان دون تحيّز، إضافة إلى تعزيز الالتزام القوي لقيم التسامح والتعايش السلمي، ورفض جميع أشكال التطرّف، والالتزام بدعم عالمٍ أكثر أمانًا وشمولًا يحترم التنوع ويعزّز الاحترام المتبادل بين الثقافات والمجتمعات المختلفة.
وثمة لفتة ذات رمزية خاصة حظيت بها الزيارة، حملت دلالات على الرغبة للانتقال بالعلاقات بين سلطنة عمان وسنغافورة لآفاق أرحب، حيث تمت تسمية إحدى زهور الأوركيد باسم (وردة السلطان هيثم) تكريمًا واعتزازًا من جمهورية سنغافورة حكومةً وشعبًا بزيارة جلالته التاريخية للجمهورية.
كما كانت الزيارة السامية إلى جمهورية سنغافورة حافلة بالنتائج الناجحة والإيجابية، إذ جاءت زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- إلى جمهورية الهند الصديقة لتضيف بعدا آخر للعلاقات التاريخية والتجارية بين البلدين، حيث وصفها دولة رئيس الوزراء الهندي بالتاريخية في العلاقات الهندية.
وتتمتع سلطنة عمان وجمهورية الهند بعلاقات طيبة ممتدة لآلاف السنين، وتجمع البلدين العديد من العوامل المتشابهة التي تسمح بمزيد من التعاون والتبادل التجاري والثقافي.
وتكللت زيارة جلالته -أبقاه الله- بالتوقيع على اتفاقية بشأن تصريح عمل مرافقي الموظفين الرسميين وعدد من مذكرات التفاهم، في مجالات الثقافة والاتصالات وتقنية المعلومات وتبادل المعلومات المالية، إضافة إلى مجال تقنية المعلومات، وتبادل المعلومات الاستخبارية المتعلقة بغسل الأموال والجرائم المرتبطة بها وتمويل الإرهاب، والتوقيع على الرؤية المشتركة 2023 بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند.
كما عززت نتائجها الإيجابية بتوسيع جهاز الاستثمار العُماني تعاونه مع بنك الدولة الهندي بإطلاق الصندوق العُماني الهندي المشترك الثالث؛ حيث تم التوقيع على إنشاء الصندوق بحجم 300 مليون دولار (تبلغ مساهمة الجهاز فيها ٥٠ مليون دولار)، ستُستثمر في مجموعة متنوعة من القطاعات أبرزها التكنولوجيا، والصحة والصيدلة، والبنوك والخدمات المصرفية، الصناعات، والخدمات الاستهلاكية لتحقيق زيادة في رأس المال على المدى الطويل، وتحقيق عوائد مجزية من خلال الاستثمار في الشركات التي تملك مستويات عالية من الحوكمة، وتتمتع بميزة تنافسية مستدامة، ولديها مسار قابل للتخارج بعد تحقيق العوائد الجيدة منها.
وأكدت الكلمة السامية التي أدلى بها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- أثناء جلسة المباحثات مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على توجّه سلطنة عمان الثابت والمؤمن بسياسة حسن الجوار والتعايش السلمي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، والسعي لدعم كافة السبل السلمية لفض الخلافات والنزاعات الإقليمية والدولية والتمسّك بقواعد القانون الدولي وإعلاء مناخ الأمن والسلم والعدالة للجميع، إذ إن هذا التوجه الثابت هو نهج عماني راسخ أعطى عمان مكانة بين الدول والشعوب حول العالم.
كما أكدت كلمة جلالته -أيّده الله- أثناء لقائه بفخامة الرئيسة دوربادي مورمو رئيسة جمهورية الهند على مبدأ سلطنة عمان نحو الحاجة لتحقيق السلام العادل والوئام في هذه المنطقة وفي العالم، والتطلعات لمستقبل قائم على كل ما يُؤلف بين الشعوب ويخدم آمالها حاملًا صوت الجنوب للعالم أجمع حتى يُصبح رافدًا للتطوُّر والعلم والمعرفة وحافزًا للابتكار والنمو والازدهار.
وبحجم ما حملته الزيارتان الساميتان لسنغافورة والهند من دلالات ذات أبعاد محلية وإقليمية، فإن المستقبل يحمل مزيدا من الآمال والتطلعات لامتداد العلاقات المتينة التي بلا شك ستسهم في تحقيق الآمال بإنشاء مشاريع تخدم الشعوب وتسهم في تنميتها ورفاهها.
إن سلطنة عمان وهي تمد مزيدا من جسور الصداقة مع دول آسيا فإنها بذلك تفتح مجالات وآفاقا أرحب للتعاون والتبادل التجاري والاقتصادي، وتضع مشاريعها الاستراتيجية واللوجستية أمام الراغبين في الاستثمار والتعاون، عبر بيئة استثمارية واعدة، وبنية أساسية متينة، وبلد يتمتع باستقرار وازدهار وأمن وأمان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جمهوریة سنغافورة جمهوریة الهند السلطان هیثم سلطنة عمان
إقرأ أيضاً:
ما هي معاهدة نهر السند بين باكستان والهند التي أعلنت نيودلهي تعليقها
تعتبر المعاهدة المبرمة قبل 65 عامًا نجاحا دبلوماسيا نادرا بين باكستان والهند الخصمين النوويين اللذين خاضا حروبا عدة.
مع تصاعد التهديدات المتبادلة، يتفق الخبراء على جانبي الحدود أنه رغم أهميتها، لن يكون لتعليق المعاهدة سوى تأثير فوري محدود على تدفق المياه.
ما الذي حصل؟
نهر السند هو أحد أطول الأنهر في آسيا، ويمر عبر خطوط ترسيم حساسة للغاية بين الهند وباكستان في إقليم كشمير ذي الأغلبية المسلمة والمتنازع عليه. ويطالب البلدان بكامل الإقليم الواقع في جبال الهيمالايا.
وعلقت نيودلهي مشاركتها في المعاهدة بعد أن قتل مسلحون في الجزء الهندي من كشمير 26 سائحا في 22 نيسان/ أبريل.
اتهمت الهند باكستان بدعم "الإرهاب عبر الحدود"، في حين نفت إسلام أباد ذلك.
وقالت باكستان إن الهند انتهكت القانون الدولي، مؤكدة أنها سترد "بكل قوة" على أي محاولة لوقف تدفق المياه.
ما هي تفاصيل المعاهدة؟
تنص المعاهدة المبرمة عام 1960 بعد مفاوضات رعاها البنك الدولي على مدى سنوات، على "الاستخدام المنصف" لستة روافد تغذي نهر السند.
وتعتبر قضية المياه حساسة للغاية بالنسبة لكلا البلدين.
والمياه ضرورية للشرب والزراعة في باكستان التي تعاني الجفاف.
وبموجب المعاهدة، تم الاتفاق على أن تسيطر الهند بشكل كامل على ثلاثة من روافد شرق نهر السند، وهي نهر رافي، ونهر سوتليج، ونهر بياس.
وللهند حق غير محدود في استخدام الروافد الثلاثة لأغراض الري وتوليد الطاقة.
رغم استغلال الهند معظم مياه الروافد، فإنها لا تزال تتدفق إلى باكستان، وخصوصا خلال موسم الأمطار عندما تمتلئ السدود.
في المقابل، تقع ثلاثة روافد غربية هي نهر تشيناب، ونهر جيلوم، ونهر السند، في باكستان.
لكن يمكن للهند استغلالها لأغراض غير استهلاكية، مثل توليد الطاقة الكهرومائية.
ومن المتوقع أن تؤدي السدود التي تعمل الهند على إقامتها على نهر تشيناب إلى زيادة استفادتها منه.
ما هو أثر تعليق المشاركة؟
يقول هيمناشو تاكار، منسق شبكة جنوب آسيا للسدود والأنهر والشعوب ومقرها الهند، إنه "في الأمد القريب، قد لا تكون هناك أي آثار عملية مباشرة".
ويضيف أن إقامة "أي بنية تحتية آمنة لتحويل المياه، بخلاف ما يحدث الآن، تستغرق سنوات عدة، وغالبا أكثر من عقد".
ولا تتيح السدود القائمة حاليا في الهند قطع المياه أو تحويل وجهتها.
بدوره، يقول خبير المياه الباكستاني حسن عباس: "لا تستطيع الهند وقف تدفق هذه الأنهر على الفور، لأن ذلك غير ممكن من الناحية الفنية وغير مستدام اقتصاديا".
والفائدة الأكبر للمعاهدة كانت إيجاد آلية لحل النزاعات، لكن تاكار يشير إلى أنها كانت بالفعل "في حالة جمود" منذ سنوات.
لماذا علقت الهند مشاركتها؟
يرى برافين دونثي من مجموعة الأزمات الدولية أن قرار الهند بمثابة خطاب تهديدي لإظهار تحركها بطريقة "تفهمها الجماهير".
يضيف دونثي أن "الجمهور كان يطالب بالانتقام، لكن الانتقام العسكري يستغرق وقتا".
ويتابع: "قد يستغرق أسبوعا أو أسبوعين، ولكن هناك حاجة إلى رد فعل فوري".
وبالتالي فإن الرأي العام الهندي سينظر إلى هذا الأمر باعتباره "عقابا جماعيا يتم فرضه على باكستان"، وفق الخبير.
سبق أن هدد رئيس الوزراء القومي الهندوسي ناريندرا مودي باستخدام المياه سلاحا في عام 2016 بعد هجوم في الجزء الذي تديره الهند من كشمير.
وقال حينذاك: "لا يمكن للدم والماء أن يتدفقا معا".
هل هناك أثر بعيد الأمد؟
جاء في رسالة التعليق التي بعثت بها الهند إلى باكستان أن هناك "تغييرات جوهرية في الظروف" منذ توقيع المعاهدة، من بينها "ديناميات السكان" فضلا عن "الحاجة إلى تسريع تطوير الطاقة النظيفة".
ويتعرض المورد الثمين إلى الاستنزاف نتيجة زيادة عدد السكان وتنامي الاحتياجات الزراعية، فضلا عن مشاريع الطاقة الكهرومائية التي تغذيها احتياجات الطاقة المتزايدة.
ويعد بناء المزيد من السدود التي يمكن أن تعوق تدفق المياه بشكل أكبر مهمة صعبة في التضاريس الجبلية الوعرة، ولكنها ليست مستحيلة.
والتأثيرات المتزايدة لتغير المناخ، وتغير أنظمة الطقس، وذوبان الأنهر الجليدية في منطقة الهيمالايا على نطاق أوسع، تعني أن المياه أصبحت أكثر قيمة من أي وقت مضى.
هل هناك تداعيات أخرى؟
أشارت صحيفة "ذي داون" الباكستانية إلى أن هذه الخطوة "ليست بلا ثمن" بالنسبة للهند.
ولفتت إلى أن الصين تسيطر على منابع نهر براهمابوترا، وهو نهر كبير شديد الأهمية لشمال شرق الهند.
وقالت الصحيفة إن "تعليق المعاهدة والتصرف بشكل أحادي الجانب، يشكلان سابقة يمكن استخدامها ضد (الهند) يوما ما".