المسجد العمري الكبير من أقدم المساجد وأعرقها في قطاع غزة، أسس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، يعد ثالث أكبر مسجد في فلسطين بعد المسجد الأقصى ومسجد أحمد باشا الجزار.

كان معبدا في العصر الروماني ثم تحول لكنيسة، وبعد الفتح الإسلامي أصبح أكبر مسجد في قطاع غزة، وصفه ابن بطوطة بالمسجد الجميل.

الموقع

يقع المسجد العمري الكبير في قلب مدينة غزة القديمة المعروفة اليوم بـ"البلد" في حي الدرج جنوب شرق ساحة فلسطين بجوار سوق القيسارية (سوق الذهب)، وسوق الزاوية الأثري.

المساحة

تبلغ مساحة المسجد العمري حوالي 4100 متر مربع، وبلغت مساحة فنائه 1190 مترا مربعا. ويتسع لأكثر من 3 آلاف مصل.

الموروث المعماري

يحمل بنيانه 38 عمودا من الرخام يعكس طراز الفن المعماري القديم، تحيط به أقواس دائرية، وتتوسطه قباب مرتفعة، وله 5 أبواب تخرج لشوارع وأزقة عريقة ينبعث منها تاريخ الحضارات التي استوطنت مدينة غزة.

بني المسجد من الحجر الرملي الكركي، تزين فناءه الخارجي زخارف تضفي عليه السمة الإسلامية، إضافة لأقواسه الدائرية.

تتميز مئذنته الشامخة بزخارف متنوعة تحمل الطراز المعماري المملوكي، التي بنيت بشكل مربع في نصفها السفلي ومثمنة في النصف العلوي المؤلف من 4 مستويات.

التسمية

تحول هذا الصرح التاريخي إلى مسجد بعد الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي، وأطلق عليه اسم "الجامع العمري" تكريما للخليفة عمر بن الخطاب، و"الكبير" لأنه من أكبر مساجد قطاع غزة.

من معبد وثني إلى كنيسة

شهد المسجد العمري على ديانات عديدة مرت على قطاع غزة، بدأت بالوثنية، فقد كان هذا المسجد منذ أكثر من ألفي عام من أكبر معابد الوثنيين، إذ كانت غزة آخر المدن الفلسطينية والشامية تمسكا بالوثنية، فقد كان عبارة عن معبد بقلاع متينة تزيد مساحته على 70 ألف متر مربع. وكان نصب ما يعتقدونه الإله "زيوس" مكان مئذنته اليوم، واحتضن المعبد بين زواياه البوابة الرئيسية لمدينة غزة.

كان المسيحيون في غزة يعتنقون دينهم بشكل سري، بسبب ما كانوا يواجهونه من اضطهاد وعمليات إعدام بشعة بحقهم من قبل الوثنيين، الأمر الذي أدى للجوء القديس الفلسطيني الأول "هيلاريون" إلى قبرص، حيث توفي هناك.

وخلفه الراهب بريفيريوس الذي كان معه وعيّن راهبا لمسيحيي غزة، لكنه لاقى ممانعة لدخولها، وتزامن ذلك مع فترة جفاف وجوع شديد عمت المدينة لأكثر من 6 أشهر، اعتبرها بعضهم عقابا إلهيا.

مشهد من أروقة الساحة الخارجية للمسجد العمري الكبير وسط مدينة غزة (وكالة الأناضول)

الأمر الذي جعل الوثنيين يتوجهون لبرفوريوس ليدعو الله لحل هذه الأزمة، فاستضافوه في المعبد، وعندما رُفعت عنهم الغمة طردوه ولاحقوه بتهمة التخطيط مع ربه للتشكيك في عبادة آلهتهم.

ذهب برفوريوس للقسطنطينية عاصمة الروم (إسطنبول حاليا) يشكو إلى أفذوكسيا "هيلانا" زوجة الإمبراطور الروماني "ثيودوديوس الأول" ما يعانيه المسيحيون من اضطهاد وتعذيب من الوثنيين بمساعدة الوالي الروماني على غزة "إيلاريوس"، الذي سمح بتماديهم مقابل رشى يدفعونها له.

وعدت "أفذوكسيا" برفوريوس بأن تضع حدا للوثنيين بغزة، ولحاكمها الفاسد، بعد وضعها أول مولود لها الذي أصبح لاحقا إمبراطور الدولة البيزنطية "ثيودوديوس الثاني"، وفعلا بعد ولادته انطلق أسطول من جيش الروم لتحرير مدينة غزة من الوثنية، بأمر من زوجها "ثيودوديوس الأول"، ونفذ مذبحة بحق الوثنيين سقط على إثرها أكثر من 10 آلاف شخص.

ثم أمرت أفذوكسيا بدفن الصنم زيوس تحت الأرض، وتحويل المعبد الوثني لكنيسة سميت باسمها، وذلك في القرن الخامس الميلادي، وأعلن رسميا انهيار دولة الوثنيين بغزة واعتبرت المسيحية الدين الرسمي لها.

تحتوي مكتبة المسجد العمري على 187 مخطوطة بالإضافة للعديد من الكتب العريقة في علوم متنوعة (الجزيرة) من كنيسة إلى مسجد

رغم أن غزة كانت آخر مدن المنطقة اعتناقا للمسيحية، فإنها من أولى المدن التي دخلها المسلمون، وذلك عام 635 ميلادي بقيادة عمرو بن العاص، في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.

اعتنق أغلبية سكان المدينة الدين الإسلامي، وكان أول ما قدموه للمسلمين أنهم طالبوا بتحويل أكبر كنائس القطاع وهي كنيسة "أفذوكسيا" إلى مسجد، لتصبح "الجامع العمري الكبير".

فترة الحروب الصليبية

تلاحقت الحملات الصليبية على قطاع غزة، ودمرت الجامع العمري الكبير وأنشأت على أنقاضه كنيسة القديس يوحنا عام 1149، وبقيت قائمة حتى أعاد صلاح الدين الأيوبي بناءه مجددا بعد انتصاره على الصليبيين عام 1187.

في عهد المماليك والدولة العثمانية

بقي المسجد على حاله حتى أواخر القرن الثالث عشر الميلادي في عهد المماليك، عندها خضع لعدة إصلاحات وتجديدات معمارية، إلا أنه هدم تماما على يد المغول، ثم أعاد المماليك بناءه مجددا وتوسيعه بعد عدة سنوات.

وبنيت أول مئذنة للجامع في العهد المملوكي. وجاءت التوقيعات على المسجد تحمل اسم الناصر قلاوون وقايتباي والخليفة العباسي المستعين بالله الذين تتراوح فترة حكمهم بين القرنين الـ14 والـ16 الميلاديين. بالإضافة إلى توقيع موسى باشا الوالي العثماني على غزة عام 1663.

أصاب غزة زلزال ألحق ضررا كبيرا بالمسجد وتعذر إصلاحه، مما أدى لتحويل المنطقة المتضررة إلى شارع يفصل بين البناء القديم والمنطقة التي تم توسيعها والتي تحولت فيما بعد لجامع أطلق عليه "كاتب ولاية".

ومع دخول فلسطين تحت حكم الدولة العثمانية أعيد ترميم المسجد وتوسيع إيواناته وتجديد الأبواب والنوافذ والمحراب والمنبر، وبناء صهريج لجمع مياه الأمطار للشرب والوضوء.

بعد الحرب العالمية الأولى

تدمر قسم كبير من المسجد وسقطت مئذنته أثناء الحرب العالمية الأولى نتيجة قصف الطائرات البريطانية، ولكن اهتمت الدولة العثمانية بالمساجد عموما وبالمسجد العمري خاصة، وأعادت إعماره بشكل كامل وجدد المجلس الإسلامي الأعلى تصميمه عام 1926، مما أعاد له رونقه القديم.

مكتبة المسجد العمري تضم آلاف الكتب ومئات المخطوطات النادرة (الجزيرة) مكتبة المسجد العمري

أنشأ الظاهر بيبرس مكتبة في المسجد العمري قبل أكثر من 7 قرون (1277م) عرفت قديما باسم مكتبة الظاهر الذي أرفدها بحوالي 20 ألف كتاب في مختلف العلوم والآداب، والعديد من المخطوطات.

تعد مكتبة المسجد العمري من أساسيات هذا الصرح العظيم، إذ تكتنز بداخلها -إضافة إلى كتبها العريقة- حوالي 187 مخطوطة، أبرزها مخطوطة "شرح الغوامض في علم الفرائض" لبدر الدين المرديني، التي نسخت قبل 500 عام تقريبا. إضافة إلى ديوان "ابن زقاعة" الغزي الذي يعكس وجه التراث العربي الإسلامي في غزة.

شهدت المكتبة انتكاسات عديدة أدت لتشتت محتوياتها بين مكتبات القاهرة وباريس وبرلين، وذلك تزامنا مع شن الحملة الفرنسية على مصر والشام في 1801.

ولم يضف إليها أي كتاب بعد الحملة الفرنسية حتى جاء الشيخ عثمان الطباع في أواخر عشرينيات القرن العشرين فرممها وجمع شتاتها بعد تواصله مع المجلس الإسلامي الأعلى الشرعي في القدس، فأحيا المكتبة بنحو 5 آلاف كتاب، وبعد وفاته عام 1950 تعهدها الشيخ جميل الريس الذي سار على درب سلفه.

بعد الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة عام 1967 تشتت المكتبة مجددا وتعرضت للسطو من قبل سلطات الاحتلال، التي أجبرت الريس على إخراج 3 مخطوطات قديمة منها ولم يستطع أحد استرجاعها منذ ذلك الحين.

تتحدى المكتبة الأوضاع المتردية من حصار وحروب متكررة للقطاع، وسط إسهامات المؤرخين للمحافظة عليها، فقد بدؤوا ترميم وتجليد نحو 1400 كتاب، وإثراء المكتبة بحوالي 3 آلاف كتاب، وذلك بين عامي 1994 و1998.

كومة ركام

تعرض المسجد العمري لقصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي يوم الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2023، مما أدى إلى تدميره بشكل شبه كلي، أثناء العدوان على قطاع غزة الذي بدأ يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 عقب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة في مستوطنات غلاف غزة.

وسبق أن دمرت إسرائيل أجزاء منه في حربها على غزة عام 2014.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: العمری الکبیر مدینة غزة قطاع غزة فی عهد

إقرأ أيضاً:

«مكتبة محمد بن راشد» تعلن عن برنامجها في أكتوبر

دبي (الاتحاد) في إطار رؤيتها لخلق بيئة تعليمية ملهمة وتعزيز التواصل الثقافي بين أفراد المجتمع، تنظم مكتبة محمد بن راشد، على مدار شهر أكتوبر، سلسلة ثرية من الفعاليات الثقافية والفنية المتنوعة التي تلبي اهتمامات زوارها من مختلف الفئات العمرية، وتعزز الجانب الإبداعي والمعرفي لديهم، إلى جانب تشجيع الحوار الثقافي وتبادل الأفكار.
وتنطلق أولى فعاليات الشهر باحتفاء المكتبة باليوم العالمي للقهوة، من خلال تنظيم فعالية مميزة تجمع بين الفن والإبداع ونكهات القهوة والأجواء الاستثنائية، والتي تبدأ بمعرض «أدوات تحضير القهوة من الماضي إلى الحاضر»، بالتعاون مع متحف القهوة، يلي ذلك ورشة عمل «كيف تصبح باريستا؟»، وورشة «فن الرسم بالقهوة السائلة» مع الفنانة ماجدة نصر الدين، و«فن الرسم بحبوب القهوة» مع الفنان جورج صبحي.
وتختتم الفعالية بمعرض فني تشكيلي لأعمال مصنوعة من القهوة، مع جلسات قهوة على أنغام البيانو والفلوت. وسيحظى زوّار المكتبة خلال هذه الفعالية بفرصة الحصول على نسخة مجانية من كتابهم المفضل، وذلك ضمن مبادرة «عالم يقرأ» التي تهدف إلى تعزيز القراءة ونشر المعرفة في المجتمع.وفي ذكرى رحيل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، تستضيف مكتبة محمد بن راشد حفل إطلاق كتاب «الشيخ راشد: محطات وصور في الصحافة العربية» للكاتب محمد المنصوري، بتنظيم من مركز أبوظبي للغة العربية. وعلى هامش الإطلاق، ستُعقد ندوة حوارية تسلط الضوء على دور الشيخ راشد العظيم كمؤسس في بناء دولة الإمارات، وأبرز محطاته وحضوره في الصحافة العربية، وذلك بمشاركة وحضور نخبة من المفكرين والشخصيات الرسمية الثقافية. وفي إطار اهتمامها برفع مستوى الوعي بالصحة النفسية وأهميتها في تعزيز رفاهية الأفراد والمجتمع، تحتفي المكتبة باليوم العالمي للصحة النفسية، من خلال عقد جلسة «يوغا وتأمل» مع المدربة نسرين دوما، تتضمن مجموعة من تمارين اليوغا الهادئة وتقنيات التأمل، التي ستساعد المشاركين على تحقيق التوازن الداخلي والتخلص من التوتر والقلق، إلى جانب تقديم نصائح عملية لتحسين جودة الحياة من خلال الاسترخاء والتنفس العميق.
وتقدم المكتبة، محاضرة بعنوان «تغيير حياتك يبدأ بتغيير عاداتك» للدكتور كريم علي، حيث يستعرض التأثير المهم لتغيير العادات كأساس للنمو الشخصي وتحسين الحياة، وطرق التغيير المستدام من خلال خطوات صغيرة ومتسقة تبدأ بتخصيص 30 دقيقة فقط يوميًا لتطوير عادات جديدة وإيجابية. كما توفر الجلسة نصائح ورؤى تحفيزية لمساعدة الحضور على بدء هذه الرحلة بهدف استدامة نموهم النفسي والجسدي. وبالتزامن مع الأسبوع العالمي للرواية العربية، تحتفي مكتبة محمد بن راشد بالكتّاب العرب من خلال استضافة مجموعة من الكتّاب الإماراتيين والمقيمين للمشاركة في سلسلة من الفعاليات الثقافية والتي تتضمن معرضاً للكتب، وتوقيع إصدارات جديدة للكتّاب المشاركين، بالإضافة إلى جلسة حوارية مفتوحة لمناقشة «مستقبل الكتابة في ظل وجود الذكاء الاصطناعي».كما ستُعقد جلسة عصف ذهني بعنوان «إبداع في مواجهة التحديات: أدوات الكتابة العربية في عصر التغيير»، بحضور نخبة من ضيوف الشرف، حيث سيتم من خلالها تقديم حلول للتحديات التي تواجه الكتّاب في العصر الحديث.
وخلال شهر أكتوبر، تشارك مكتبة محمد بن راشد، في معرض «جيتكس جلوبال»، الذي سيقام في الفترة من 14 - 18 أكتوبر، حيث تستعرض خلال مشاركتها أبرز مستجداتها، وخدماتها وتقنياتها ومبادراتها المعرفية. وتحت رعاية معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، تتعاون مكتبة محمد بن راشد مع وزارة التسامح والتعايش والمؤسسة الاتحادية للشباب، لتنظيم «منتدى الشباب العالمي» تحت شعار «شباب التسامح: من أجل الاستدامة»، والذي يهدف إلى استكشاف السبل العملية لبناء برامج مستدامة في مختلف المجالات، وتمكين الشباب وتعزيز مساهماتهم من خلال الإبداع والابتكار. وتختتم المكتبة فعالياتها للشهر بحفل موسيقي بالتعاون مع أوركسترا الإمارات السيمفونية للشباب وبمشاركة مجموعة من المواهب الشابة من جميع أنحاء دولة الإمارات، ضمن سلسلة حفلات المواهب والموسيقى الثقافية التي يتم تنظيمها على مدار العام، وبقيادة مدير الأوركسترا رياض قدسي، حيث يأتي تنظيم هذه السلسلة في إطار حرص مكتبة محمد بن راشد على دعم المواهب الشابة وتعزيز التفاعل الثقافي والفني، وتلبية لتطلعاتهم الأدبية والفنية، إلى جانب إيمانها الكبير بدور الموسيقى وتأثيرها كلغة عالمية توحد الشعوب، وأداة قوية للارتقاء بالذائقة الثقافية والفكرية للمجتمع.

أخبار ذات صلة حمدان بن محمد يعتمد استراتيجية شاملة لدفع مسيرة التعليم في دبي بحلول 2033 حمدان بن محمد يعتمد عدداً من الاستراتيجيات لدعم تحقيق أجندة دبي الاقتصادية D33

مقالات مشابهة

  • 236 مستوطنًا يقتحمون باحات الأقصى
  • 20 تحفة في «نوادر مخطوطات» مجمع القرآن الكريم
  • «مكتبة محمد بن راشد» تعلن عن برنامجها في أكتوبر
  • عاجل: أول رد للجيش الإسرائيلي على الهجوم الإيراني الكبير
  • 20 تحفة فريدة بمعرض «نوادر المخطوطات» بالشارقة
  • الاحتلال يغلق 4 أبواب في الأقصى ويحدد عدد المصلين
  • 149مستوطنًا يقتحمون باحات الأقصى
  • وليد العمري يروي للمرصد تفاصيل ليلة اقتحام الاحتلال مكتبَ الجزيرة
  • مستوطنون صهاينة يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
  • «مكتبة» تكرّم الفائزين بمسابقة «القارئ المبدع»