جولة جلالته الآسيوية واستشراف آفاق المستقبل
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
الزِّيارة السَّامية الَّتي قام بها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم إلى جمهوريتَي سنغافورة والهند، تأتي في وقتٍ يشهد العالَم تحدِّيات جيوسياسيَّة متعدِّدة، تُنبئ بتحوُّلات جذريَّة في أوروبا ومنطقة الشَّرق الأوسط؛ جرَّاء الحرب الروسيَّة الأوكرانيَّة الَّتي تُهدِّد دوَل أوروبا، واستمرار العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزَّة، ومخاطر اتِّساع رقعة الصراع الممتدِّ منذ عقودٍ لِيشملَ دوَلًا أخرى في الإقليم، الأمْرُ الَّذي يفرض تعديل بوصلة العلاقات الخارجيَّة وإدارة الشراكات السِّياسيَّة والاقتصاديَّة إلى مناطق أكثر أمنًا، ولعلَّ الشَّرق الآسيوي يُعدُّ حاليًّا أكثر مناطق العالَم تقدُّمًا واستقرارًا.
جاءت الزِّيارتان في إطار سعي سلطنة عُمان للتحوُّل من الاعتماد على النفط والغاز كمصادر للطَّاقة وأداة رئيسة لتمويل خطط التنمية، إلى مصادر الطَّاقة النَّظيفة، والوصول إلى الحياد الكربوني وصفر انبعاثات في 2050، الأمْرُ الَّذي يستلزم تسريع استراتيجيَّة تنويع مصادر الدخل وتطوير العلاقات الاقتصاديَّة والاستثماريَّة مع الاقتصادات الواعدة؛ مِثل الهند وسنغافورة، فهما دَولتان مستوردتان للنفط والغاز، ورغم ذلك يحقِّقان في السنوات الأخيرة أرقامًا قياسيَّة من الصادرات غير النفطيَّة بفضل استخدامهما التكنولوجيا الحديثة في قِطاعات الزراعة والصناعة، كما حقَّقا تقدُّمًا كبيرًا في مجال الإدارة، خصوصًا سنغافورة الَّتي تفوَّقت على العالَم في مجالات التعليم والصحَّة والتنمية البَشَريَّة، ممَّا يتيح فرصًا كبيرة لتدريب وتأهيل الكوادر البَشَريَّة العُمانيَّة، والاستفادة من تجربة سنغافورة في تطوير الموانئ البحريَّة واللوجستيَّات، في دعم قِطاع التجارة الخارجيَّة لعُمان، وفتح أسواق جديدة وتوطين الصِّناعات غير النفطيَّة.
جاءت زيارة جلالته لسنغافورة والهند، لِتعيدَ إحياء علاقات عُمان الثقافيَّة والاجتماعيَّة مع القارَّة الآسيويَّة، الَّتي كانت مزدهرة على مدار قرون مضَت؛ بفضل علاقات عُمان البحُريَّة منذ فجر التاريخ وامتلاكها أسطولًا بحريًّا طافَ البحار والمحيطات، وأقام علاقات تجاريَّة نشطة مع الحواضر الآسيويَّة، وقَدْ وصَلَ البحَّارة العُمانيون قديمًا إلى سنغافورة، وتمَّ منذ سنوات قليلة إحياء رحلة السَّفينة جوهرة مسقط إلى جمهوريَّة سنغافورة؛ لِتكُونَ شاهدة على متانة العلاقات والروابط الحضاريَّة بَيْنَ البَلدَيْنِ، والَّتي تكلَّلت بزيارة جلالته، بعد تطوير العلاقات الدبلوماسيَّة وتبادل فتح السفارات بَيْنَ البَلدَيْنِ مطلع هذا العام. زيارة جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ تأتي في وقت تحوَّلت فيه آسيا إلى قوَّة عظمى، وتسعى الصين لإحياء طريق الحرير التاريخي الَّذي كان مصدر إلهامٍ للعلاقات بَيْنَ الشَّرق والغرب، وشريان التعاون بَيْنَ آسيا والعالَم العربي، وكانت موانئ عُمان التاريخيَّة إحدى أهمِّ محطَّاته، وتضخُّ الصين مليارات الدولارات لتمويل إنشاء الطُّرق البَرِّيَّة والسِّكك الحديد والموانئ البحريَّة؛ لكَيْ تسهلَ حركة تبادل السِّلع والبضائع بَيْنَ آسيا وأوروبا عَبْرَ شبكة مواصلات حديثة تمرُّ بدوَل المنطقة. وترتبط عُمان والهند بعلاقات تاريخيَّة، تَعُودُ إلى قرونٍ مضَتْ من التجارة والصداقة وحُسن الجوار، بَيْنَ بلدَيْنِ يطلَّان على ضفتَي المحيط الهندي، وهناك فرص وإمكانات عظيمة لتطوير مجالات التعاون وتعزيز الاستثمار مع الدَّولة القارَّة، العضو في مجموعة العشرين، والَّتي قطعت مؤخرًا أشواطًا كبيرة من التقدُّم في كافَّة المجالات. وهناك بالفعل مشروعات ضخمة يتشارك في تنفيذها البَلدانِ، لعلَّ أهمَّها إنتاج الهيدروجين الأخضر والطَّاقة المُتجدِّدة، و تُعدُّ الهند سُوقًا ضخمًا للمنتجات العُمانيَّة، كما أنَّ هناك آفاقًا للتعاون في مجالات الصحَّة والتَّعليم والصِّناعة والتكنولوجيا والبحث العِلمي.
محمد عبد الصادق
Mohamed-abdelsadek64@hotmail.com
كاتب صحفي مصري
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
نائب رئيس مجلس الوزراء يستقبل وزير الدولة الأول للدفاع والقوى العاملة بسنغافورة
استقبل الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، زكي محمد وزير الدولة الأول للدفاع والقوى العاملة بدولة سنغافورة، والوفد المرافق له، لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وأوجه التعاون المشترك، فضلًا عن دعم الجهود المصرية الإغاثية ومساندة الأشقاء الفلسطينيين بقطاع غزة في ظل الأوضاع الإنسانية التي يمرون بها.
يأتي اللقاء، في إطار تنفيذ توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، بتقديم كل أوجه الدعم الصحي المساعدات الإنسانية، للأخوة الفلسطنيين.
تداعيات أزمة غزةخلال الاجتماع، استعرض الدكتور خالد عبدالغفار، جهود الدولة المصرية ودورها في تقديم المساعدات الإنسانية والرعاية الصحية، مؤكدا أهمية التباحث حول وضع خطة لإعادة إعمار غزة وتوفير الاحتياجات الإنسانية للفلسطينيين، لافتا إلى متابعة الوزارة لتداعيات أزمة غزة، وحرصها على تقديم كافة أوجه الدعم للمصابين والجرحى منذ اندلاع الأحداث.
الخدمات العلاجية والدعم النفسيوأردف «عبدالغفار» أن نائب رئيس مجلس الوزراء ناقش مع الجانب السنغافوري، خطة البلدين ومحاور العمل، في تقديم الخدمات العلاجية والدعم النفسي للشعب الفلسطيني وعلى رأسهم الأطفال، جراء هذه الأحداث الدامية، بالإضافة إلى التعاون في تقديم الخدمات الطبية والوقائية وتوفير الطعوم والأمصال اللازمة.
وقال إن نائب رئيس مجلس الوزراء، أكد أهمية التعاون في توفير الاحتياجات العاجلة لسكان قطاع غزة، بالإضافة إلى التعاون في توفير الأجهزة والمستلزمات الطبية، بما يساهم في توفير متطلبات الأشقاء الفلسطينيين وتخفيف معاناتهم، ودعم المنظومة الصحية الفلسطينية وإعادة إعمار قطاع غزة.
وأضاف «عبدالغفار» أن الوزير أكد أهمية التواصل المستمر وعقد الاجتماعات الدورية لمتابعة الموقف داخل غزة، وإتخاذ القرارات العاجلة التي من شأنها استدامة الجهود «المصرية السنغافورية» في دعم الشعب الفلسطيني.
ومن جانبه، أشاد وزير الدولة الأول للدفاع في دولة سنغافورة، بالدور المصري المحوري في دعم الشعب الفلسطيني منذ اندلاع الأحداث، مثمنًا جهود دول العالم المختلفة سواء العربية أو الأجنبية في دعم الشعبي الفلسطيني وإعادة الإعمار بقطاع غزة، مشيدًا بالعلاقات القوية التي تجمع مصر وسنغافورة في العديد من المجالات، وعلى رأسها الملفات الصحية، موجهًا الشكر للدولة المصرية لاستجابتها السريعة في دعم الأشقاء الفلسطينيين، مؤكدًا حرص بلاده على التعاون مع الدولة المصرية، واستعدادها لتقديم كافة المساعدات الإنسانية، استكمالا لدور مصر البارز في الأزمة الفلسطينية.
حضر اللقاء من جانب وزارة الصحة، الدكتور عمرو قنديل نائب الوزير، والدكتور أحمد سعفان مساعد الوزير لشؤون المستشفيات، والدكتور بيتر وجيه رئيس قطاع الطب العلاجي، والدكتور حاتم عامر معاون الوزير للعلاقات الدولية، ومن جانب سنغافورة، دومينيك جوه سفير سنغافورة لدى مصر، آلان تان مدير الشؤون الدولية بمكتب سياسة الدفاع السنغافورية، والدكتور بنجامين تونج ضابط طبي بالقوات المسلحة السنغافورية، تشان تشين هي رئيس الفرع بمقر قوة العمليات الخاصة القوات المسلحة السنغافورية، غوين نج مديرة مكتب سياسة الدفاع، تان يي فان السكرتير بسفارة سنغافورة، وفانيسا تشوانج مديرة عمليات السياسات بمكتب سياسة الدفاع السنغافورية.