عرَّف البنك الدولي الفساد بأنَّه شكلٌ من أشكال خيانة الأمانة أو الجريمة يرتكبها شخص أو منظَّمة يُعهد إليها بمركز سُلطة؛ وذلك من أجْل الحصول على مزايا غير مشروعة أو إساءة استخدام تلك السُّلطة لصالح الفرد. يحدث الفساد السِّياسي عِندما يتصرف صاحب المنصب أو أيُّ موظف حكومي آخر بصفة رسميَّة لتحقيق مكاسب شخصيَّة.
بهذا التوصيف الدَّقيق يعرف المُجتمع الدولي مخاطر الفساد وسُبل درء مخاطره على الإنسان والمُجتمع معًا إلى حدِّ القول بأنَّ الفساد والجريمة هما حدثان اجتماعيَّان متوطنان يظهران بشكلٍ منتظم في جميع البلدان تقريبًا على نطاق عالَمي بدرجاتٍ ونِسَبٍ متفاوتة.
وفي العراق أصبح الفساد ظاهرة في المُجتمع وتحوَّلت إلى معضلة وآفة أتَتْ على أموال العراقيِّين وموازنات الدَّولة، ونقلت العراق من بلدٍ غنيٍّ إلى بلدٍ يمدُّ يدَه للعالَم بعد امتداد يَدِ اللصوص إلى ثروة العراق من قِبل مافيات الفساد المدعومة من قِبل قوى نافذة.
وما يؤكِّد ما ذهبنا إليه ما كشفته لجنة النَّزاهة النيابيَّة الَّتي أوضحت أنَّ حجم الأموال الَّتي تمَّ تهريبها عَبْرَ مزاد بيع العملة من قِبل المصارف الأهليَّة بفواتير مزوَّرة يعادل موازنة العراق لعامٍ أو اثنين، من قِبل «مافيات فساد» والمسؤولين عن تلك المصارف والمتنفذين بالمُجتمع.
وبحسب إحصائيَّة أصدرتها جهات ماليَّة موثوق بصدقيَّتها، فإنَّ ظاهرة الفساد أنقصت احتياطي العراق من العملة الصَّعبة بسبب تغوُّل الفاسدين وغياب قوانين الرَّدع الَّذي يحمي العراق من اللصوص بقوانين رادعة.
وثنائيَّة الفساد والجريمة هما وجهان لعملة واحدة يتخادمان في سعيهما للكسبِ غير المشروع؛ لإفقار الشعوب والسَّطو على أموالهم. ويعرِّف معجم أوكسفورد الإنجليزي الفساد بأنَّه «انحراف أو تدمير النَّزاهة في أداء الوظائف العامَّة من خلال الرشوة والمحاباة». وقَدْ يعني الفساد: التَّلف إذا ارتبط المعنى بسلعة ما غير مشروعة كالرشوة، الابتزاز، المحسوبيَّة، والاختلاس.
يشمل الفساد العامُّ فساد العمليَّة السِّياسيَّة والهيئات الحكوميَّة في عمليَّات تخصيص الأموال العامَّة للعقود والمنح والتوظيف للقوى العاملة.
إنَّ الفساد السِّياسي هو إساءة استخدام السُّلطة العامَّة أو المناصب أو الموارد من قِبل المسؤولين الحكوميِّين لتحقيق مكاسب شخصيَّة، عن طريق الابتزاز أو التماس أو تقديم الرشاوى عن طريق شراء أصوات الناخبِينَ إلى حدِّ توصيف الفساد بأنَّه يُمكِن أن يكُونَ له عواقب سياسيَّة تنعكس حتمًا على حاجات وتطلُّعات الشعوب.
ونخلص إلى القول إنَّ حماية المُجتمعات من خطر الفساد يكمن بتغليظ قوانين الرَّدع والمحاسبة بإجراءات تحدُّ من امتداد يَدِ اللصوص إلى الأموال العامَّة، وهذا لَنْ يتحقَّقَ إلَّا بوجود إرادة سياسيَّة قادرة على مواجهة الفساد، وكفِّ يَدِ أذرعه ومخاطرها على الإنسان وحاجاته وتطلُّعاته.
أحمد صبري
كاتب عراقي
a_ahmed213@yahoo.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: العراق من ة الفساد من ق بل
إقرأ أيضاً:
الدُّول الرَّخْوة.. وأكْل الأسود
تنتابُ دول كثيرة ـ خاصَّة المنتميّة للعالم الثالث ـ مخاوف من أن تصبح دولاً رخوة، نتيجة التحولات الاقتصادية والسياسية الكبرى والمفاجئة على المستوى العالمي، وتلك المخاوف مشروعة لكنها ليست مبررة، ذلك لأن تلك الدول كانت قادرة على تفاديها بتوفير الاحتياجات الأساسيّة لشعوبها، وتجنّب الفساد أو القضاء عليه، وعدم السماح باحتكار الموارد من جانب طبقة رجال الأعمال، ورفض احتكار السلطة لدى فئة من السياسيين، وبالعمل على سيادة القانون، واستنهاض وتشجيع مؤسسات الدولة للقيام بدورها.
نجد الفساد في الدول المتخلّفة مهدّداَ لوجود الدولة نفسها
على صعيد الخطاب السياسي، وما يتبعه من ترويج إعلامي، تعترف الدول، بما فيها المتقدمة منها، بانتشار الفساد على نطاق واسع، لكن يقع الاختلاف بينها في نسبته والنظر إليه، ففي الوقت الذي نجده مهدّداً في الدول المتقدمة لتطبيق القانون والعدالة وحقوق الإنسان والممارسة الديمقراطية بشكل عام، نجد الفساد في الدول المتخلّفة مهدّداَ لوجود الدولة نفسها، التي غالبا ما تنتهي بسبب ذلك إلى انهيار كامل، على النحو الذي آل إليها بعض الدول الأفريقية والآسيوية، ودول في أمريكا اللاتينية، وحتى دول عربية.
وتعرف الدول الرخوة، أو التي ستصبح كذلك قريباً، أن فشلها نابع من أمرين، الأول: داخلي، ويتمثل في انتشار الفساد، كما سبق الذكر، والذي يتسبب غالباً في الفقر والجوع والمرض، لعدم توفر الغذاء والدواء، الأمر الذي يحول دون الوصول إلى مجتمعات الكفاية.
والثاني: خارجي، يظهر في سيطرة الأقوياء على أسواق العالم، وهذا من خلال تحكمهم في رأس المال والسلع والتقدم العلمي والتكنولوجي، ووسائل الاتصال المتطورة، أي أنهم يتحكمون في كل شيء تقريبا.
ويحدث هذا كله في ظل رؤى عالمية، تنظر إلى دول العالم من زاوية انهاء الحدود الجغرافية نتيجة العولمة، على أن يكون التداخل الجغرافي لصالح المجتمعات الرأسمالية، كونها هي القادرة على فرض قيمها ومشاريعها ورؤيتها ضمن تنظير يطرحه كتابها، ومنهم على سبيل المثال الكاتب الصحفي الأمريكي توماس فريدمان، الذي تحدث منذ سنوات في كتابه "العالم المسطّح" The World Is Flat عن آفاق الحرية الاقتصادية العالمية، حيث رأى أن العالم أصبح مسطّحاً، وأن الحدود بين الدول لم تعد ذات أهمية، وأن التداخل بين الحدود أصبح كاملاً، وصارت كل الشعوب تعيش في عالمٍ واحد.
رؤية فريدمان هذه، إذا نظرنا إليها من زاوية الواقع سنجدها تشكل حضوراً إجباريّاً للعولمة، والتي بدت بعد سنوات من تعميمها لصالح الاقتصادات الكبرى، وفي الوقت ذاته تدفع الدول الرخوة نحو ضياع أكيد، وهذا يظهر في رصده لأسباب رؤيته للعالم اليوم على أنه مسطح، ومنها، قوله: "الانتقال إلى ما وراء الشواطئ، الركض كالغزلان والأكل كالأسود"، وتلك إحدى التجليات الكبرى للتوحش الرأسمالي العابر للحدود.
وبالعودة إلى تفسير عبارة "الركض كالغزلان والأكل كالأسود"، نجد توماس فريدمان يوضح لنا ما يقصده، بقوله:".. حيث يمكن لصاحب أيّ مشروع أن ينشئ مشروعه في البلاد ذات التكلفة الرخيصة في العمل والموارد، لكي يكسب ويحقق أرباحاً كبيرة، وهو ما يكشفه توجه كبرى الشركات العالمية إلى الصين".
الحال تلك موجودة اليوم، وإن كانت لا تزال في بدايتها، حيت توجه عدد من دول العالم الثالث إلى الخروج من دائرة "الدولة الرخوة"، باستغلال العمالة الرخيصة في الدول القريبة منها جغرافيّاً وثقافيّاً وقوميّاً، والتي تعاني تغير الاقتصاد العالمي، وشروط المؤسسات المالية، ومنها بوجه خاص البنك الدولي.
إذن، نحن أمام سيادة "تجربة أكل الأسود الرأسمالية"، والتي لم تُجْدِ معها المحاولات المبذولة في زمن السلم لتفادي مصير الدولة الرخوة، فما بالك ونحن في زمن الحرب، وما يرافقه من فساد في ظل مواصلة الدعوة إلى أمان يصعب تحقيقه.