مسافة صفر مصطلح سياسي وعسكري جديد دخل إلى سرديَّة اليوم بعد أن صاغته دماء مقاتلين أشاوس لا يخشون في الله لومةَ لائم، قهروا للمرَّة الأولى جيشًا كان يدَّعي أنَّه لا يُقهَر فأخذ بقتل أسراه تهرُّبًا من مفاوضات وصفقات تملك المقاومة بها اليد العُليا. ومسافة صفر بهذا المعنى والمعاني الكثيرة الَّتي يوحي بها ليست تعبيرًا بسيطًا أو عابرًا أبدًا؛ فهو مسافة صفر بَيْنَ من هو مُحاصَر لسنوات ولا يملك إلَّا سلاحًا شخصيًّا لِيواجِهَ به قصف الطائرات والدبَّابات والمدرَّعات، وآخر ما تمَّ التوصُّل إلى إنتاجه من الأسلحة المتطوِّرة والقذرة.
ولكنَّ هذا البأس وهذا الشموخ وهذا الفداء قَدْ قوبل من قِبل عدوٍّ جبان مدعوم إعلاميًّا وعسكريًّا من قِبل طغاة الغرب بإبادة الأطفال والنِّساء وتطهير عرقيٍّ لشَعب فلسطين الأصيل لَمْ يشهد التاريخ لهما مثيلًا، وإيقاف هذه الإبادة ليست مسؤوليَّة الفلسطينيِّين المنخرطين في مقاومة مشرِّفة بكلِّ ما أوتوا من قوَّة، ولكنَّها مسؤوليَّة الآخرين، كلِّ الآخرين من البَشَر وفي أيِّ رقعة صدف أن يوجدوا على هذه الأرض وبأيِّ موقع كانوا. هي مسؤوليَّة إنسانيَّة؛ كُلِّ إنسان يرى أنَّ قوَّة غاشمة تحرم إخوته في الإنسانيَّة الماء والغذاء والوقود والدواء، وتحرمهم السَّكن والسَّكينة، وتحرمهم من أدنى مُقوِّمات الحياة الكريمة، فكيف لأيِّ إنسان عربي أو أعجمي، ومن أيِّ معتقد أو بلد كان أن تقبلَ إنسانيَّته بالصَّمت والعيش والنَّوم الهادئ وهو يرى ما يرى ويسمع ما يسمع ويعْلَم ما يعْلَم. إنَّ مسافة صفر تُملي على كُلِّ إنسان على هذه البسيطة ويحمل قدرًا من الشعور الإنساني أن يعْلَمَ أنَّ مسافة صفر هي بَيْنَ إنسانيَّته وإنسانيَّة كُلِّ طفل فلسطيني وكُلِّ امرأة وكُلِّ رجُل قضى دفاعًا ليس عن أرض فلسطين وحْدَها وليس عن شَعب فلسطين وحْدَه، وإنَّما عن كرامة الإنسان في كُلِّ مكان وعن حقِّه أن يعيشَ حرًّا عزيزًا على أرضه، وأن يدحرَ القوى الظالمة الَّتي تعمل على سَلبه أركان إنسانيَّته وعيشه الكريم.
في هذا التوقيت، وبعد كُلِّ ما شاهدناه من بسالة إنسانيَّة فلسطينيَّة ومقاومة في فلسطين والعراق ولبنان واليمن، أصبحت مسافة صفر فرضًا وواجبًا على كُلِّ كُتَّاب ومُفكِّري وممثِّلي وفنَّاني العالَم أن يكرِّسوا إنتاجهم الأدبي والدرامي والفنِّي والمسرحي والسينمائي لنُصرة الحقِّ في معركة حوَّلت المسافة بَيْنَ الحقِّ ودُعاته وأبطاله الحقيقيِّين إلى مسافة صفر، وأيُّ تقاعس عن إشهار أكبر أساليب وآيات التبنِّي لهذه المقاومة الرائدة الَّتي تقاوم دفاعًا عن إنسانيَّة كُلِّ إنسان في هذا الكوكب، أيُّ تقاعس هو خذلان وانحياز مقصود أو غير مقصود للباطل والمستعمِر والمستوطن والنازيِّين والعنصريِّين.
مسافة صفر فضحت كُلَّ أكاذيبهم الَّتي درجوا على إقناع العالَم بها لعقودٍ خلَت؛ فقَدْ برهنت ألَّا حُريَّة ولا ديمقراطيَّة ولا حقوق إنسان لدَيْهم على الإطلاق، وأنَّ رؤساء الجامعات الَّتي يُفاخرون بها أمام العالَم يتمُّ إخضاعهم لتحقيق واستجواب مُهين، ثمَّ يُرغمون على الاستقالة من مواقعهم الأكاديميَّة؛ لأنَّهم لَمْ يسيروا كالرّعاع وراء المقولات المُعدَّة مسبقًا من قِبل حفنة من النازيِّين المعتدِين على كرامة وإنسانيَّة الإنسان. ومسافة صفر فضحتهم أخلاقيًّا وبرهنت ألَّا أخلاق لدَيْهم على الإطلاق حين يُرغمون معتقلين أن يسيروا شِبه عُراة ويعرِّضونهم على وسائل الإعلام دُونَ أدنى تنديد من إعلام غربي منافق، فهذا سقوط أخلاقي مزْرٍ لأيِّ أحدٍ أو قوَّة في العالَم تقوم بمِثل هذه الممارسة الدنيئة والشنيعة. وهذا يُضاف إلى سجلِّهم الزاخر بالمجازر الوحشيَّة وبالتنكيل بالأسرى وتكسير عظامهم وحرمانهم من أبسط حقوق الأسرى المنصوص عَلَيْها في الأديان والشرائع والقوانين الدوليَّة. وبالمقارنة فإنَّ وجوه الأسرى الإسرائيليِّين والآخرين من جنسيَّات مختلفة ممَّن غادروا المقاومين كانت تنبض بالمحبَّة والمودَّة وتقول أعيُنهم شكرًا لكم، وهذا لا يُمكِن أن تراه إلَّا نتيجة معاملة أخلاقيَّة لائقة تفرضها معتقدات وتراكم حضاري لا يُمكِن للمال شراؤه ولا للتكنولوجيا تصنيعه. وما التنكيل بالأسرى وتعذيبهم وقتلهم وإهانتهم إلَّا أن يكُونَ تراثًا غربيًّا شائعًا منذ القرون الوسطى ولحدِّ اليوم وما تعذيب المستعمِر الفرنسي والإيطالي والبريطاني والأميركي للأسرى وقتلهم إلَّا أمثلة قريبة كما حدَث في أبو غريب وجوانتانامو وسبرينتث وكما يحدُث منذ 75 عامًا في السِّجن الكبير الَّذي اسمه «إسرائيل» العنصريَّة.
في اليوم الـ72 لاستحضار حاملات الطائرات والغوَّاصات النوويَّة، وفتح أبواب السِّلاح الأميركيَّة والأوروبيَّة على مصراعيها للكيان الغاصب، والدِّفاع المستميت في سرديَّاتهم عن أكذوبة ((الدِّفاع عن النَّفْس))، ووسط التجويع والتدمير والإبادة المشينة والتطهير لعشرات الآلاف من الأطفال والنِّساء والمَدنيِّين، يزحف مقاتلون على تراب عشقوه والتحموا به من مسافة صفر، تتيمَّم أرجلهم وألبستهم بقداسة هذا التراب الجميل الَّذي يدافعون عَنْه بدمائهم، يزحفون ومن مسافة صفر يُجهزون على المغتصبِينَ والمعتدِين والمحتلِّين، ويُحرِّرون البقعة المقدَّسة الَّتي هي أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم. لا يُمكِن لمعتدٍ أجنبي لقيطٍ ودخيلٍ على هذه الأرض والثقافة والتاريخ أن يفهمَ نفسيَّة مَن تنطق أقدامهم بحنان التراب عَلَيْهم وعلى أجسادهم الغضَّة، لا يُمكِن له أن يفهمَ كيف يفكِّر هؤلاء، وما هو الدَّافع الَّذي يدفعهم للتضحية بأنفُسهم ومحاربة كُلِّ أساليب القوَّة والغدر والقسوة والسطوة، ذلك لأنَّهم لَمْ يكُونُوا يومًا أصحاب قضيَّة ولا يعلمون ماذا يعني أن تكُونَ صاحب قضيَّة!
أن تكُونَ صاحب قضيَّة، أي أن تكُونُ إنسانًا حُرًّا فخورًا بإنسانيَّتك وحُريَّتك وكرامتك وانتمائك. أن تكُونَ صاحب قضيَّة ملتزمًا بها وعاملًا على رفعتها؛ أي أن تكُونَ في أعلى درجات السُّموِّ الإنساني بعكس كُلِّ آلاف الكتب الَّتي أنتجها الغرب عن خطورة ومساوئ الالتزام على الحُريَّة الفرديَّة، وأنَّ الأدب الملتزم لا يُمكِن أن يكُونَ مبدعًا، والفنَّ الملتزم لا يُمكِن أن يكُونَ عالَميًّا. لقَدْ برهنت مسافة صفر واحتضان المقاومة الأصيل في كُلِّ البلدان المقاوِمة لقضاياها أنَّ القضيَّة هي الَّتي تَسمُو بإنسانيَّة الإنسان مهما دفع من أثمان، وأنَّ الإنسان بِدُونِ قضيَّة لا يُمكِن أن يكُونَ حُرًّا ولا إنسانًا مكتمل الإنسانيَّة. إنَّ المقاومة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن تُقدِّم هديَّة ثمينة للبَشَريَّة أن يحتضنوا قضيَّة تحرير الأرض من المحتلِّين، وأن يقفوا إلى جانب الحقِّ، وإلى جانب الارتقاء بإنسانيَّتهم وكرامتهم وحُرِّيَّتهم فعلًا لا قولًا، والتخلُّص من كُلِّ المفاهيم الكاذبة والمزيَّفة الَّتي استخدمها الغرب لخداع البَشَريَّة، والَّتي أصبحت في مقبرة النفايات بعد صمود مسافة صفر، وتجلِّي مفاهيمها النبيلة للعالَم أجمع.
أ.د. بثينة شعبان
كاتبة سورية
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: مسافة صفر العال م
إقرأ أيضاً:
حملات توعوية بضوابط "إصدار إباحة بناء التشجير خارج المبنى السكني".. وغرامات مالية بحق المخالفين
مسقط- الرؤية
تُنفذ محافظة مسقط ممثلةً بالقطاع البلدي، حملة إعلامية توعوية حول خدمة إصدار إباحة بناء صغرى لتصريح التشجير خارج حدود المبنى السكني، وذلك بهدف نشر الوعي بآليات الاستفادة من الخدمة وضوابطها الفنية والتنظيمية.
وتُعد خدمة إصدار إباحة بناء صغرى لتصريح التشجير خارج حدود المبنى السكني إحدى الخدمات الرقمية التي تهدف إلى الحفاظ على جمالية الأحياء السكنية وتحسين المشهد الحضري بما يتماشى مع متطلبات الاستدامة البيئية ويحافظ على المرافق والخدمات العامة.
وتُحدد الاشتراطات وجوب الحصول على تصريح رسمي قبل الشروع في تنفيذ أي أعمال تشجير خارج حدود قطعة الأرض السكنية، ويُسمح بهذه الأعمال فقط على الأضلاع المطلة على الشوارع أو الجهات المطلة على الأودية، شريطة الالتزام بترك ممرات للمشاة والخدمات بعرض لا يقل عن 3 أمتار، وفق ما هو موضح في المخططات المعتمدة من وزارة الإسكان والتخطيط العمراني.
ولا يجوز إقامة أعمال التشجير لمبنى سكني واقع ضمن مشروع تشجير متكامل إلا بموافقة إدارة المشروع أو الجهة المشرفة عليه، ويلتزم المرخص له بترك مسافة فاصلة لا تقل عن (1.5م) كممر باتجاه الشارع، بما يضمن انسيابية مرور المشاة، وسير كراسي ذوي الإعاقة، ومسارات الدراجات الهوائية، مع ضرورة ترك مسافة فاصلة لا تقل عن (0.5 م)، ما بين السور الخارجي للمبنى السكني وحوض الزراعة لمنع تأثير مياه الري على السور، على ألا يقل الحد الأدنى للمسافة الفاصلة بين السور الخارجي للمبنى السكني وحدّ الشارع عن (3م).
وفي حال توفر مسافة (6 م) فأكثر يجب ألا تزيد مسافة التشجير عن (4م)، وعند توفر مسافة (2م) بين السور الخارجي للمبنى السكني وحدّ الشارع يلتزم المرخص له بزراعة المسطحات الخضراء والزهور الموسمية.
وتُمنع أعمال التشجير في مواقع معينة، منها مداخل السيارات والمناطق المحاذية للسكة أو تلك المخصصة للمنفعة العامة، والمسار الذي يمر به خطوط الخدمات العامة أو القريبة من مجمعات الكهرباء، والمساحة الأمامية المشتركة بين قطعتي أرض متجاورتين بزاوية قائمة، والمساحة المحاذية للمبنى السكني من جهة مفتوحة وغير معرفة بالرسم المساحي، إضافة إلى أنه لا يجوز زراعة أشجار من جهة الضلع المطل على تقاطع شارعين للأرض الركنية، ويتم استبدالها بالمسطحات الخضراء والزهور الموسمية، للحفاظ على خطوط رؤية واضحة بين المشاة وسائقي السيارات وراكبي الدراجات.
ويُشترط عدم استخدام المواد الثابتة لتسوير الأشجار، مع الاكتفاء بحواجز جانبية من الكريستون أو أي مادة مشابهة بارتفاع لا يتجاوز (20) سم من مستوى الأرضية المبلطة بالبلط المتشابك (الانترلوك) أو غيره، ويُسمح باستخدام سياج نباتي لا يتجاوز ارتفاعه 50 سم، أو سياج شبكي معدني بحد أقصى 1.5 متر لكل شجرة، وذلك لحمايتها خاصة في المناطق التي تكثر بها الحيوانات السائبة.
وتُلزم التعليمات بأن تكون المزروعات ملائمة للظروف البيئية المحلية من ارتفاع في درجات الحرارة صيفا وقلة مياه الأمطار وقلة خصوبة التربة وارتفاع نسبة الأملاح في بعض المناطق، ويُحظر زراعة الأشجار ذات الجذور الطويلة أو ذات الأثر البيئي الضار التي يمكن أن تؤثر على سلامة المبنى وخطوط الخدمات العامة، كما يُسمح بتركيب إنارة أرضية على الممرات وبين الأشجار مع مراعاة سلامة مستخدمي الطريق، مع ضرورة تحمل المرخص له المسؤولية القانونية عن أي ضرر يلحق بأي من خطوط الخدمة بسبب الأعمال اللازمة لتشجير، حيث يجب أن يكون الحفر لأعمال التشجير يدوياً، وعلى المرخص له الالتزام بتقليم الأشجار وتنظيف الموقع وضمان عدم تسرب المياه للشارع أو للمباني المحاذية والمحافظة على المظهر العام للحي السكني.
والترخيص لا يُعد سبباً لكسب الملكية أو أي حق عيني للموقع المقام عليه أعمال التشجير، فضلاً عن أنه يجوز للبلدية أن تطلب من المرخص له إزالة المزروعات في حالة الإخلال بالضوابط والاشتراطات البلدية، أو لتمرير خطوط خدمات من الجهات المعنية أو لأي سبب تقتضيه المصلحة العامة، كما يجوز للبلدية في حالة عدم الإزالة خلال المهلة المحددة أن تقوم بإزالة المزروعات على نفقة المرخص له، دون أن يكون له الحق في المطالبة بأي تعويض.
وتتضمن آلية الحصول على التصريح تقديم طلب إلكتروني عبر موقع بلدية مسقط الإلكتروني www.mm.gov.om أو من خلال مكاتب سند للخدمات، وإرفاق المستندات المطلوبة، ويتم بعد ذلك مراجعة وتسجيل الطلب إلكترونيا، وتحديد موعد لزيارة المفتش للموقع، وبعد الموافقة يتم إصدار تصريح للخدمة.
وبعد الانتهاء سيخضع الموقع للتفتيش الميداني من قِبل المختصين للتأكد من الالتزام باشتراطات البلدية، على أن يتم إصدار التصريح خلال فترة تتراوح من يومين إلى خمسة أيام عمل، وتُمنح هذه الخدمة مجانًا، مع دفع رسوم تأمين قدرها 50 ريالًا عمانيًا.
وتُفرض غرامة إدارية قدرها 100 ريال عماني على المخالفين، وفي حال عدم الالتزام تُفرض غرامة يومية قدرها 10 ريالات عمانية، تصل إلى حد أقصى 200 ريال عماني، مع إلزامهم بإزالة الأشجار والإنشاءات غير المرخصة أو تصحيح وضعها.