جريدة الوطن:
2025-02-12@01:10:35 GMT

مســافـة صــفـر

تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT

مســافـة صــفـر

مسافة صفر مصطلح سياسي وعسكري جديد دخل إلى سرديَّة اليوم بعد أن صاغته دماء مقاتلين أشاوس لا يخشون في الله لومةَ لائم، قهروا للمرَّة الأولى جيشًا كان يدَّعي أنَّه لا يُقهَر فأخذ بقتل أسراه تهرُّبًا من مفاوضات وصفقات تملك المقاومة بها اليد العُليا. ومسافة صفر بهذا المعنى والمعاني الكثيرة الَّتي يوحي بها ليست تعبيرًا بسيطًا أو عابرًا أبدًا؛ فهو مسافة صفر بَيْنَ من هو مُحاصَر لسنوات ولا يملك إلَّا سلاحًا شخصيًّا لِيواجِهَ به قصف الطائرات والدبَّابات والمدرَّعات، وآخر ما تمَّ التوصُّل إلى إنتاجه من الأسلحة المتطوِّرة والقذرة.

فهذه هي المرَّة الأولى الَّتي يتمكَّن بها أيُّ طرف أن يقاومَ الجيش الصهيوني لسبعين يومًا ونيِّف، وهذه هي المرَّة الأولى الَّتي يتكبَّد فيها العدوُّ الصهيوني هذا الحجم من الخسائر وتهتزُّ أركان وجوده الاستعماري الاستيطاني الظالم نتيجة تصميم شَعبٍ أبيٍّ أصيل على أن يفديَ أرضه وشَعبه وتاريخه وتراثه بروحه، وأن يزلزلَ الأرض تحت أقدامهم دُونَ أن يتمكَّنوا من إزاحته أو تهجيره.
ولكنَّ هذا البأس وهذا الشموخ وهذا الفداء قَدْ قوبل من قِبل عدوٍّ جبان مدعوم إعلاميًّا وعسكريًّا من قِبل طغاة الغرب بإبادة الأطفال والنِّساء وتطهير عرقيٍّ لشَعب فلسطين الأصيل لَمْ يشهد التاريخ لهما مثيلًا، وإيقاف هذه الإبادة ليست مسؤوليَّة الفلسطينيِّين المنخرطين في مقاومة مشرِّفة بكلِّ ما أوتوا من قوَّة، ولكنَّها مسؤوليَّة الآخرين، كلِّ الآخرين من البَشَر وفي أيِّ رقعة صدف أن يوجدوا على هذه الأرض وبأيِّ موقع كانوا. هي مسؤوليَّة إنسانيَّة؛ كُلِّ إنسان يرى أنَّ قوَّة غاشمة تحرم إخوته في الإنسانيَّة الماء والغذاء والوقود والدواء، وتحرمهم السَّكن والسَّكينة، وتحرمهم من أدنى مُقوِّمات الحياة الكريمة، فكيف لأيِّ إنسان عربي أو أعجمي، ومن أيِّ معتقد أو بلد كان أن تقبلَ إنسانيَّته بالصَّمت والعيش والنَّوم الهادئ وهو يرى ما يرى ويسمع ما يسمع ويعْلَم ما يعْلَم. إنَّ مسافة صفر تُملي على كُلِّ إنسان على هذه البسيطة ويحمل قدرًا من الشعور الإنساني أن يعْلَمَ أنَّ مسافة صفر هي بَيْنَ إنسانيَّته وإنسانيَّة كُلِّ طفل فلسطيني وكُلِّ امرأة وكُلِّ رجُل قضى دفاعًا ليس عن أرض فلسطين وحْدَها وليس عن شَعب فلسطين وحْدَه، وإنَّما عن كرامة الإنسان في كُلِّ مكان وعن حقِّه أن يعيشَ حرًّا عزيزًا على أرضه، وأن يدحرَ القوى الظالمة الَّتي تعمل على سَلبه أركان إنسانيَّته وعيشه الكريم.
في هذا التوقيت، وبعد كُلِّ ما شاهدناه من بسالة إنسانيَّة فلسطينيَّة ومقاومة في فلسطين والعراق ولبنان واليمن، أصبحت مسافة صفر فرضًا وواجبًا على كُلِّ كُتَّاب ومُفكِّري وممثِّلي وفنَّاني العالَم أن يكرِّسوا إنتاجهم الأدبي والدرامي والفنِّي والمسرحي والسينمائي لنُصرة الحقِّ في معركة حوَّلت المسافة بَيْنَ الحقِّ ودُعاته وأبطاله الحقيقيِّين إلى مسافة صفر، وأيُّ تقاعس عن إشهار أكبر أساليب وآيات التبنِّي لهذه المقاومة الرائدة الَّتي تقاوم دفاعًا عن إنسانيَّة كُلِّ إنسان في هذا الكوكب، أيُّ تقاعس هو خذلان وانحياز مقصود أو غير مقصود للباطل والمستعمِر والمستوطن والنازيِّين والعنصريِّين.
مسافة صفر فضحت كُلَّ أكاذيبهم الَّتي درجوا على إقناع العالَم بها لعقودٍ خلَت؛ فقَدْ برهنت ألَّا حُريَّة ولا ديمقراطيَّة ولا حقوق إنسان لدَيْهم على الإطلاق، وأنَّ رؤساء الجامعات الَّتي يُفاخرون بها أمام العالَم يتمُّ إخضاعهم لتحقيق واستجواب مُهين، ثمَّ يُرغمون على الاستقالة من مواقعهم الأكاديميَّة؛ لأنَّهم لَمْ يسيروا كالرّعاع وراء المقولات المُعدَّة مسبقًا من قِبل حفنة من النازيِّين المعتدِين على كرامة وإنسانيَّة الإنسان. ومسافة صفر فضحتهم أخلاقيًّا وبرهنت ألَّا أخلاق لدَيْهم على الإطلاق حين يُرغمون معتقلين أن يسيروا شِبه عُراة ويعرِّضونهم على وسائل الإعلام دُونَ أدنى تنديد من إعلام غربي منافق، فهذا سقوط أخلاقي مزْرٍ لأيِّ أحدٍ أو قوَّة في العالَم تقوم بمِثل هذه الممارسة الدنيئة والشنيعة. وهذا يُضاف إلى سجلِّهم الزاخر بالمجازر الوحشيَّة وبالتنكيل بالأسرى وتكسير عظامهم وحرمانهم من أبسط حقوق الأسرى المنصوص عَلَيْها في الأديان والشرائع والقوانين الدوليَّة. وبالمقارنة فإنَّ وجوه الأسرى الإسرائيليِّين والآخرين من جنسيَّات مختلفة ممَّن غادروا المقاومين كانت تنبض بالمحبَّة والمودَّة وتقول أعيُنهم شكرًا لكم، وهذا لا يُمكِن أن تراه إلَّا نتيجة معاملة أخلاقيَّة لائقة تفرضها معتقدات وتراكم حضاري لا يُمكِن للمال شراؤه ولا للتكنولوجيا تصنيعه. وما التنكيل بالأسرى وتعذيبهم وقتلهم وإهانتهم إلَّا أن يكُونَ تراثًا غربيًّا شائعًا منذ القرون الوسطى ولحدِّ اليوم وما تعذيب المستعمِر الفرنسي والإيطالي والبريطاني والأميركي للأسرى وقتلهم إلَّا أمثلة قريبة كما حدَث في أبو غريب وجوانتانامو وسبرينتث وكما يحدُث منذ 75 عامًا في السِّجن الكبير الَّذي اسمه «إسرائيل» العنصريَّة.
في اليوم الـ72 لاستحضار حاملات الطائرات والغوَّاصات النوويَّة، وفتح أبواب السِّلاح الأميركيَّة والأوروبيَّة على مصراعيها للكيان الغاصب، والدِّفاع المستميت في سرديَّاتهم عن أكذوبة ((الدِّفاع عن النَّفْس))، ووسط التجويع والتدمير والإبادة المشينة والتطهير لعشرات الآلاف من الأطفال والنِّساء والمَدنيِّين، يزحف مقاتلون على تراب عشقوه والتحموا به من مسافة صفر، تتيمَّم أرجلهم وألبستهم بقداسة هذا التراب الجميل الَّذي يدافعون عَنْه بدمائهم، يزحفون ومن مسافة صفر يُجهزون على المغتصبِينَ والمعتدِين والمحتلِّين، ويُحرِّرون البقعة المقدَّسة الَّتي هي أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم. لا يُمكِن لمعتدٍ أجنبي لقيطٍ ودخيلٍ على هذه الأرض والثقافة والتاريخ أن يفهمَ نفسيَّة مَن تنطق أقدامهم بحنان التراب عَلَيْهم وعلى أجسادهم الغضَّة، لا يُمكِن له أن يفهمَ كيف يفكِّر هؤلاء، وما هو الدَّافع الَّذي يدفعهم للتضحية بأنفُسهم ومحاربة كُلِّ أساليب القوَّة والغدر والقسوة والسطوة، ذلك لأنَّهم لَمْ يكُونُوا يومًا أصحاب قضيَّة ولا يعلمون ماذا يعني أن تكُونَ صاحب قضيَّة!
أن تكُونَ صاحب قضيَّة، أي أن تكُونُ إنسانًا حُرًّا فخورًا بإنسانيَّتك وحُريَّتك وكرامتك وانتمائك. أن تكُونَ صاحب قضيَّة ملتزمًا بها وعاملًا على رفعتها؛ أي أن تكُونَ في أعلى درجات السُّموِّ الإنساني بعكس كُلِّ آلاف الكتب الَّتي أنتجها الغرب عن خطورة ومساوئ الالتزام على الحُريَّة الفرديَّة، وأنَّ الأدب الملتزم لا يُمكِن أن يكُونَ مبدعًا، والفنَّ الملتزم لا يُمكِن أن يكُونَ عالَميًّا. لقَدْ برهنت مسافة صفر واحتضان المقاومة الأصيل في كُلِّ البلدان المقاوِمة لقضاياها أنَّ القضيَّة هي الَّتي تَسمُو بإنسانيَّة الإنسان مهما دفع من أثمان، وأنَّ الإنسان بِدُونِ قضيَّة لا يُمكِن أن يكُونَ حُرًّا ولا إنسانًا مكتمل الإنسانيَّة. إنَّ المقاومة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن تُقدِّم هديَّة ثمينة للبَشَريَّة أن يحتضنوا قضيَّة تحرير الأرض من المحتلِّين، وأن يقفوا إلى جانب الحقِّ، وإلى جانب الارتقاء بإنسانيَّتهم وكرامتهم وحُرِّيَّتهم فعلًا لا قولًا، والتخلُّص من كُلِّ المفاهيم الكاذبة والمزيَّفة الَّتي استخدمها الغرب لخداع البَشَريَّة، والَّتي أصبحت في مقبرة النفايات بعد صمود مسافة صفر، وتجلِّي مفاهيمها النبيلة للعالَم أجمع.

أ.د. بثينة شعبان
كاتبة سورية

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: مسافة صفر العال م

إقرأ أيضاً:

شباب الأهلي يوسع مسافة الأمان.. ورقم قياسي لعمر خريبين

استطاع شباب الأهلي "41 نقطة" أن ينفرد بصدارة جدول الترتيب بفارق 4 نقاط عن الشارقة "37 نقطة" أقرب ملاحقيه، والذي خسر أمام كلباء بالجولة ذاتها وهي الخسارة الثانية له هذا الموسم بعد أن كانت الأولى في الجولة السادسة أمام شباب الأهلي، وذلك في ختام الجولة الخامسة عشرة من دوري أدنوك للمحترفين لكرة القدم  الأحد.

وتعد هذه هي المرة الأولى التي ينفرد فيها شباب الأهلي بفارق 4 نقاط ويوسع مسافة الأمان مع أقرب ملاحقيه، إذ كان العدد الأكبر من النقاط التي تصدر بها شباب الأهلي المسابقة على حساب الشارقة بعد الجولة السادسة، بفارق 3 نقاط فقط ثم تراجعت في الفترات السابقة لتصبح نقطة واحدة في أفضل الأحوال.

جدول ترتيب #دوري_أدنوك_للمحترفين بعد انتهاء الجولة 15 pic.twitter.com/GTUTxpDrjg

— 24.ae | رياضة (@20foursport) February 10, 2025


وخلال الجولة التي شهدت تسجيل 28 هدفاً، استطاع الوصل أن يحقق الفوز الأول له خارج أرضه هذا الموسم ، وذلك على حساب دبا الحصن بنتيجة 3-2، فيما عاد الوحدة لسكة الانتصارات بعد غياب استمر من الجولة الـ11، حيث خاض 3 مواجهات بعدها، تعادل دون أهداف في واحدة أمام الجزيرة، وخسر في اثنتين أمام البطائح وعجمان.
وقال ميلوش ميلوييفيتش مدرب الوصل عقب فوز فريقه أمس، سعيد بالفوز، لم نحقق ذلك منذ فترة طويلة، هي مباراة وانتهت لكن علينا الاستعداد لما هو قادم، وأن ننظر بشكل أفضل للمرحلة المقبلة.
ولم يحقق الوصل الفوز في المسابقة منذ الجولة 11 إذ تعادل مع كل من بني ياس وكلباء وخسر أمام الشارقة، إلى أن حقق فوزه الأخير أمس على دبا الحصن.
وأضاف مدرب الوصل أن الحل في نادي الوصل يكمن في العمل بشكل أفضل وليس تغيير اللاعبين في الميركاتو، لدينا لاعبون على مستوى رفيع يعرفون كيفية تحقيق الفوز.

#الشارقة يلتقي #الحسين_إربد في "أبطال آسيا2" #24Sport https://t.co/L2zfPsd140

— 24.ae | رياضة (@20foursport) February 10, 2025


وشهدت الجولة فوز أصحاب الأرض في 4 مباريات، وذلك لكل من كلباء على الشارقة، والعين على البطائح، وشباب الأهلي على عجمان، والوحدة على خورفكان، فيما كان بني ياس والنصر الفريقان الوحيدان اللذان حافظاً على شباكهما نظيفة في الجولة بعد تعادلهما دون أهداف.
واتفق كل من مدربي بني ياس والنصر على أن نتيجة المباراة التي جمعتهما كانت عادلة بعد أن قدما مستوى جيدا.
وقال ايسايلا مدرب بني ياس، إن فريقه لم يتلق أي أهداف منذ 4 جولات ، وهو أمر جيد، ولكنه قلق لعدم التسجيل رغم صناعة الكثير من الفرص، لكنه على ثقة بإن القادم أفضل.
من جهته أكد الفريد شرودر مدرب النصر ، أن الفريق كان الأفضل في بعض أوقات اللقاء، وقد عمد على التركيز الدفاعي أمام بني ياس، لافتا إلى رضاه التام عما قدمه اللاعبون خلال اللقاء.
وعلى صعيد سباق هدافي المسابقة، لايزال لابا كودجو لاعب العين في الصدارة برصيد 16 هدفا، رغم غيابه عن التسجيل في هذه الجولة، يليه عمر خريبين لاعب الوحدة بـ 13 هدفا، ثم مهدي قايدي لاعب كلباء بـ 9 أهداف، وعلي مبخوت لاعب النصر، وسردار أزمون لاعب شباب الأهلي بـ8 أهداف لكل لاعب.
كما حقق عمر خريبين رقماً قياسياً بحسب رابطة المحترفين الإماراتية بعد أن وصل إلى 100 مساهمة هجومية له في دوري المحترفين الإماراتي، خلال 122 مباراة، سجل خلالها 78 هدفاً، وصنع 22 هدفاً.
وخلال الجولة أشهر قضاة الملاعب 28 بطاقة صفراء، وبطاقة واحدة حمراء، وغابت البطاقات عن لاعبي الوحدة.

مقالات مشابهة

  • تنفيذ عملية إجلاء إنساني لـ«139 لاجئاً» من جنسيات مختلفة
  • موسكالكوفا: أمل في حل إيجابي لقضية فتح ممر إنساني بكورسك
  • تطوير «كاميرات» تعالج «الصور» فور التقاطها وتكشف «الهوية» من مسافة بعيدة!
  • الدويري عن ترامب .. إنسان عجيب غريب يصعب وصفه هل هو تاجر أم مقامر ام جاهل ؟
  • الخدمات الإدارية والاجتماعية: رفع الحد الأدنى للأجور قرار إنساني لتوفير حياة كريمة
  • شباب الأهلي يوسع مسافة الأمان.. ورقم قياسي لعمر خريبين
  • اعرف طرق الوقاية من الحوادث أثناء سقوط الأمطار بالمحاور
  • استشهاد مقاوم في مخيم نور شمس.. اشتبك مع الاحتلال من مسافة صفر
  • عبقرية أعظم إنسان فى التاريخ...!"1"
  • سيد رجب يكشف سبب اهتمامه بتجسيد أدوار متنوعة