التقاعد.. مرحلة جديدة من العطاء والتفرغ الاجتماعي
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
تتعدد الأنشطة والأدوار الوظيفية حسب المراحل العمرية التي يعيشها الإنسان، ويمر عمر الإنسان عبر محطات ومراحل يقف فيها ليؤدي متطلبات تلك المحطة، فلكل منها أسلوب حياة مختلف، ويقضى كبار السن والمتقاعدين وقتهم بعد رحلة طويلة من العطاء والتجارب ليصل إلى مرحلة السكون والتفرغ، وهي مرحلة قد يتكيف لها الإنسان سلبا أو إيجابا، "عمان" استطلعت أراء هذه الفئة وتعرفت عن قرب كيف قضوا وقتهم وكيف خاضوا هذه التجربة المكللة بالخبرات الحياتية التي مروا بها.
التفرغ
يرى يحيى أبو زكريا أن حياة المتقاعد مليئة بالإثارة، وهي نقلة نوعية كبيرة للمتقاعد من حياة العمل والكفاح إلى حياة الراحة والتفرغ لزيارات الأهل والأرحام والمساجد بشكل جيد، ويقول حول ذلك: أصبحت أكثر محافظة على أوقات الصلاة في المسجد، وأرتب وأتابع شؤون البيت كل صباح خصوصا بعد صلاة الفجر، حيث أصبحت أكثر دقة وملاحظة لالتزامات المنزل واحتياجاته التي غفلت عنها ولم أعطها أي اهتمام سابقا، كما أن متابعة الأبناء أولا بأول أصبح يسرني كثيرا من خلال الجلوس والحديث معهم وتفقدهم في غرف نومهم واللعب والمرح معهم مما زاد من ترابطنا الأسري، بالإضافة لذلك أصبح روتين الأكل أكثر منظما وصحيا لدي.
الهواية
أما عبد الستار بن عبدالله الميمني لم يرسم هدفا معينا لما بعد التقاعد، فقط أحب تغيير نمط الحياة السابقة، والنظر للمرحلة القادمة وهو في سن تقاعدي مبكر يسمح له بتجديد نشاطه الصحي والبدني، موضحا: طلبت التقاعد المبكر وافتتحت شركة اتصالات، ولكن مع الأسف لم أستمر في إدارتها لأسباب خاصة، واضطررت لبيع المشروع، وكان عندي فراغ كبير فأحببت استغلاله في ممارسة هوايتي الجديدة والتي وجدتها في السيارات الكلاسيكية، فقمت مع أحد أصدقائي القدامى والذي كان يملك ورشة إصلاح سيارات، بمناقشة هذا الأمر وكان يشاطرني الاهتمام بهذه الهواية، وأبدى رغبة منه في إبرازها، ثم طرأت على بالنا فكرة تجميع السيارات الكلاسيكية القديمة من خلال التواصل مع بعض الشباب المهتمين بهذا الجانب، فهناك فرق وأندية كثيرة تهتم بهذه الهواية ممن يقومون بتجميع أنواع مختلفة من السيارات، والحمد لله نجحت الفكرة، فقمنا بإنشاء نادي بمسمى نادي السيارات القديمة وقمنا بتقديم عروض لهذا النوع من السيارات في سلطنة عمان وفي دول الخليج، ولا زلت مستمرا في ممارسة هذه الهواية التي أحببتها كثيرا.
الطبخ
أما مريم بنت سعود القاسمية كونها تجيد الطبخ استغلت تلك الهواية، فهي تقضي وقت فراغها لتصنع ما تحب وأنشأت تجارة بسيطة بدأت من منزلها، قائلة: بما أنني أجيد معظم أنواع المأكولات العمانية والحلويات الشعبية فأحببت أن أستعيد تلك الممارسة منها أقضي وقتي الطويل ومن ناحية أخرى أحصل على دخل جيد، ولله الحمد أصبحت لدي قاعدة زبائن جيدة، كما أنني أستمتع بإعداد تلك الأطباق الشعبية لأبنائي عند زيارتهم لي فهم يستعيدون معها ذكرياتهم الطفولية، كما أنه لدي حديقة منزل كبيرة أعتني بها بزراعة شتلات الورود وبعض الخضار التي أستفيد بالطبخ منها، وفي المساء نقضي وقتنا أنا وزوجي بالمشي يوميا في المتنزهات القريبة من منطقتنا.
التفرغ للرياضة
وقال سليمان العبري: بعد تقاعدي من الوظيفة وجدت لنفسي الكثير من الوقت لممارسة هواياتي التي انقطعت عنها بسبب التزاماتي الوظيفية، وتعرفت على نفسي أكثر بعد التقاعد وبما تستهويه نفسي وجسدي قررنا أنا وزملائي البدء بممارسة رياضة المغامرات، حيث نخطط في كل أسبوع وجهة معينة لاكتشافها والتمتع فيها، كما نقوم بممارسة المسير الجبلي بين الأودية والكهوف، مشيرا إلى المتعة الكبيرة التي تصاحب هذه الهواية من خلال التعرف على الأماكن الجميلة في سلطنة عمان، وتعلم الصبر والمجازفة، والإطلاع على طرق مختصرة لهذه الأماكن، ومواجهة المخاوف وحلها في نفس الوقت.
الاستعداد النفسي والمادي
وقال الدكتور علي بن عبدالله الكلباني مؤلف كتاب المرحلة الثالثة: إن مرحلة التقاعد تعد المرحلة الثالثة من العمر ما بعد مرحلة التعليم ومرحلة العمل، ويمكن أن تكون بمثابة المرحلة التي تتحقق فيها بعض الطموحات، ويتاح للإنسان من خلالها أكبر قدر من الوقت ومساحة أكثر من الحرية وممارسة الهوايات أو القيام بالواجبات الاجتماعية ما انقطع منها بسبب الالتزامات والواجبات العملية، وعندما يصل الفرد لهذه المرحلة فقد كون لديه حصيلة من الخبرات والمعرفة بأمور الحياة المختلفة، مضيفا أنه من الضروري أن يتهيأ الإنسان لهذه المرحلة نفسيا وإن الانتقال من حياة إلى حياة قد تكون ثرية كالمراحل السابقة من الهمة والنشاط والعمل وقد تكون أكثر ثراء وخصبا، وهي بمثابة مكافأة له على سنوات العمل والعطاء، وعلى الإنسان أن يكون متفائلاً خاصة وأنه مقبل على حياة جديدة، وتحديد كيف سيملأ وقت فراغه لينظم حياته بما يتلاءم مع طبيعته وشخصيته، مشيرا إلى أهمية الاستعداد المادي لهذه المرحلة فهي وسيلة ضرورية لتوفير الحياة الكريمة للإنسان من خلال عدة طرق منها الادخار وتنويع مصادر الدخل، وتعلم مهنة أو حرفة يميل إليها، وممارسة أي عمل أو نشاط يجده مناسباً لخبراته وإمكانياته وقدراته.
كما أشار د. الكلباني إلى أهمية الاستعداد الاجتماعي أيضا بالعمل على تقوية الأواصر الاجتماعية فمشاركة الآخرين أفراحهم وأتراحهم كفيلة بشغل وقت الفراغ الذي قد ينشأ لديه، كما أن المتقاعد يستطيع أن يخطط لتحقيق نجاحات أخرى في حياته مثلما حققها طيلة فترة عمله، نجاحات في محيط أسرته وحياته الاجتماعية أو نجاحات ترتبط باستمتاعه بالحياة ذاتها، متطرقا أن هناك نماذج ناجحة حققت مزيدا من الطموح بعد التقاعد.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذه الهوایة من خلال کما أن
إقرأ أيضاً:
الدائرة تضيق
مع اتساع الحلم في بداية النشأة الأولى وتعدد الرؤى والآمال والمطامح والأماني، تتسع الدوائر وتكبر، فما بين مسافة نور تسحبه الشمس رويدًا رويدًا إلى آخر زاوية للظل، تبدأ مسافة الألف ميل تتقلص، وكأن كل ما تم بذله وتحقيقه والمراهنة على بقائه واستمراره يتراجع شيئًا فشيئًا. قال الله تعالى: «الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفًا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير» (الروم: 54)، فما بين فترة الضعف الأولى وفترة الضعف الثانية، ثمة مسافة زمنية تتسع لذات الأحلام والأماني والطموحات. تطول هذه المسافة لتستهلك كل القوة التي وهبها الله للإنسان لإعمار الأرض. ومع أنها طويلة جدًا من العمر الأول (مرحلة الصبا) إلى العمر قبل الأخير (مرحلة الشباب والفتوة والرجولة)، هذه المرحلة الثائرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، تبدأ بعدها المرحلة الأخيرة التي تستجمع ما تبقى من قوى لعلها تسعف هذا الجسم المنهك من الجهد المضني ليُتكئ على رجله الثالثة «العصا».
في هذه الفترة، ثمة تصارع مستمر بين عمري الإنسان: العمر البيولوجي والعمر الزمني. هذا الصراع هو الذي ينهك العمر البيولوجي أكثر من العمر الزمني. فقد يكون عمر الإنسان الزمني (60 عامًا)، ولكن عمره البيولوجي أقل من ذلك انعكاسًا لمجموعة الأمراض التي يعاني منها، ومجموعة الانتكاسات والظروف القاسية التي يمر بها. ومع ذلك، لا يزال يتسلح بأمل «إن غدًا لناظره قريب»، وثمة قرب قد يكون أقسى من سابقه. والإنسان يجاهد حتى لا تضيق به الدوائر التي تحيط به من كل صوب: دائرة الفقر، ودائرة المرض، ودائرة تأزم العلاقات، ودائرة عدم تحقق الآمال والطموحات، ودائرة الصد والرد من القريب والبعيد، حتى يكون قاب قوسين أو أدنى من مرحلة «ثم جعل من بعد قوة ضعفًا وشيبة» حسب نص الآية الكريمة، حيث تعود الحالة إلى مربعها الأول {الله الذي خلقكم من ضعف...}. هنا لم تعد هناك دوائر كثيرة تترك لهذا الإنسان فرصة الاختيار. حيث لا خيارات متاحة، هي دائرة واحدة تضيق أكثر فأكثر. فلا رغبة في جديد تبدأ مرحلة تأسيسه الآن، ولا رغبة في إنشاء صداقة جديدة، فكل الصداقات التي كانت كانت مجرد وسيلة لأمر ما، وقد تحقق هذا الأمر أو تعذر. ولا رغبة في حلم يدغدغ المخيلة، فكل الأحلام أصبحت فراغًا منسيًا. ما يتذكر منه لن يغري بما كان الحال قبل ذلك؛ لأن الشعور الآن هو أننا لا نريد أن ندخل في معترك فقدنا ملكيته بالفعل. فلا القوة هي القوة، ولا الصحة هي الصحة، ولا التفكير هو التفكير، ولا مساحة العطاء الممنوحة لنا من لدن رب العزة والجلال هي المساحة ذاتها كما كان الأمر مع بداية النشأة.
«الدائرة تضيق»، هنا، وحتى لا يُساء الفهم، ليس ثمة يأس يعيشه أحدنا لحالة خاصة، ولكن الأمر سياق طبيعي في حياة كل منا وصل إلى مرحلة «ضعفًا وشيبة». والمجازفة بالشعور خارج هذا السياق تبقى حالة غير مأمونة العواقب، كمن يحب أن يردد «أن العمر الزمني مجرد رقم» فيظل سابحًا في غيه، متناسيًا فيه فضل ربه، ومتجاوزًا بذلك العمر البيولوجي، وهو العمر الذي تقاس عليه الحالة الحقيقية لما يصل إليه الإنسان في مرحلة «ضعفًا وشيبة». ولذلك، فلا مغامرة مقبولة ومستساغة في مرحلة «ضعفًا وشيبة». فهل ننتبه؟ أو ينتبه أحدنا لذلك؟ هنا تكمن المشكلة، ويكمن الحل أيضًا.
عاجل - ولي العهد يوجه باتخاذ عدد من الاجراءات المرتبطة بأسعار الاراضي والايجارات