عربي21:
2024-09-19@11:16:59 GMT

صمود غزة.. هل يكون انتصارا تاريخيا؟

تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT

1- شرف النهايات وعظمة البدايات

تحتاج بذور الخير تربة خصبة وطقسا مناسبا من أجل أن يكون المنتوج وفيرا والمحصول عالي الجودة وقابلا للادخار؛ ومعاودة البذر ضمن مسار تاريخي تتراكم فيه الخيرات والخبرات والانتصارات على كل مشتقات الموت.

إن أصحاب القضايا الكبرى وهم يقاتلون لا يبحثون فقط عن شرف النهايات ولا يستعجلون الشهادة كخلاص ذاتي من وضع صعب، إنما يبحث أصحاب القضايا الكبرى أساسا وهم يقاتلون عن عظيم البدايات، حين تكون انتصاراتهم مقدمات لانطلاقة عارمة نحو التحرر والريادة والمجد.



إن كثيرا من عمليات البذر تُحبطها التربة الجدباء ويعبث بمحصولها الكسالى والمفسدون والسفهاء، فلا يكفي تخيّر جودة البذور ولا يجدي بذل الجهد ما لم تتوفر حراسةٌ للمحصول وما لم "تُفتَح" فضاءات أوسع ومساحات أرحب لعرض ذاك المحصول والتعريف به وحمايته.

لقد علّمنا التاريخ أن كثيرا من دماء الشهداء استولى على نتائجها العملاء، وأن تعفف المقاومين ركبه المساومون يجنون المكاسب ويمضون على التسويات المائلة.

لقد تعلم المقاومون من التجارب السابقة بداية من حروب التحرير زمن الاستعمار للبلاد العربية، تعلموا كيف يُمسكون ملفاتهم بأيديهم ولا يكتفون بأن يكونوا هم الدماء ليكون غيرهم "الحكماء"، ولا أن يكونوا هم الشهداء ليكون غيرهم هم "الزعماء"، لم تعد لتنطلي على وعي المقاومين مقولة "لنا الآخرة ولكم الدنيا" أو "لنا الشهادة في عالم الأرواح ولكم الزعامة في عالم التاريخ"، إن الشهداء لم يعودوا بغير "أهل"، إنما أهلهم هم رفاق دربهم وشركاء معركتهم ممن يقتربون من الحياة كما يقتربون من الآخرة من نفس "المسافة صفر".

2- من "انتصار معجز" إلى "انتصار تاريخي"

القول بكون انتصار المقاومة في غزة هو "انتصار معجز"، ليس قولا خارج الأسباب، فلعل الأسباب لم تتكثف كما تكثفت في معركة "طوفان الأقصى"، إنما قولنا بـ"المعجز" هو للتعبير عن حالة العجز الخارجي عن فهم ما حدث وما يحدث، لكونه ما فوق المعتاد على كل المستويات العسكرية والإنسانية والأخلاقية، (نشرت في "عربي21" مقالين في هذا المعنى). لقد مثّلت طوفان الأقصى رجة في كل المسلّمات التقليدية وعلى رأسها الفلسفة الليبرالية وما روجته حول حقوق الإنسان وحول المدنية والحداثة والكونية.. "طوفان الأقصى" جرفت مساحيق الحضارة المادية المنافقة وفرض على النخب مراجعة فلسفات الغرب، خاصة بعد خيبة فلسفية كبرى أحدثها الفيلسوف الشهير يورغن هابرماس بعد توقيعه صحبة ثلاثة مفكرين ألمان رسالة دعم للكيان الصهيوني يوم 15 تشرين الثاني/ نوفمبر، ذاك الموقف كان إهانة للفلسفة وتعرية لنفاق حضارة مادية متوحشة تتخفى خلف نظريات مغرية وشعارات بارقة ولكنها خادعة وخاوية.

ماذا نعني بـ"انتصار تاريخي"؟ إننا نعني كيف يتحول "انتصار معجز" من كونه انتصارا في مكان وزمان معينين؛ إلى انتصار في سياق التاريخ وضمن رؤية حضارية تصطحب الماضي وتتجه نحو المستقبل متعالية على الكراهية والعنصرية والهيمنة، ومتحركة ضمن أفق إنساني مستند إلى مبدأ "التعارف" وإلى قيم العدالة والحرية والكرامة الإنسانية.

ستتوقف الحرب بالتأكيد وسيتم التبادل على قاعدة "الكل مقابل الكل" وسيُستجاب لطلبات المقاومة بمفتح المعابر وإدخال المساعدات، وسيكون الانتصار مبينا لا يحتاج ترجمة ولا تفصيلا، وإنما سنحتاج نحن طرح أسئلة عن مجالات "صرف" هذا الانتصار، وعن مدى استعداد الأمة للاستفادة منه، وعن إمكانية يقظة همّة بعض الأنظمة العربية الخائفة أو المطبعة أو المترددة، هل ستقتنع بأن هذا العدو إنما هو "أوهن من بيت العنكبوت"؟ وهل ستنتفض الشعوب على بعض الحكومات المتمادية في التذلل والعمالة والخيانة؟ وهل سيُستفاد من يقظة ضمير الشعوب في العالم من أجل تحويل تلك اليقظة إلى وعي إنساني مقاوم للظلم والهيمنة ومنتصر لكرامة الشعوب وحريتها؟.. لقد أنجزت المقاومة أكثر مما كان متوقعا، وحققت ما عجزت عنه جيوش رسمية.

twitter.com/bahriarfaoui1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة غزة غزة الاحتلال المقاومة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

نادي العامرات.. موقف مُشرِّف سيذكره التاريخ

 

حمد الناصري

عُرِفت العامرات وهي أحد أحياء مسقط العاصمة قديمًا بأسماء تعاقبت عليها، مثل الفتح.. لأنها فتح مُتقدم لكلّ القُرى المُشرفة على الوادي العظيم، ومن أسمائها "المُتهدمات"؛ إذ حلّت بها جائحة كُبرى، فجّرت المياه في كل مكان وأغرقت كلّ شيء، وسُمّيت بالمُتهدّمات، لأنه تهدّم كل بِناء فيها مُرتفع وسقط من عليائه.

وقد استقرّت "العامرات" على هذا الاسم الكبير بأمر من السُلطان الراحل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، الذي كثيرًا ما كان يقوم في جولاته بتفقّد القرى والولايات وكان يُركّز على أسماء الشوارع والقُرى ويختار مُسمّيات بذوقه الراقي، فأكسب تلك المناطق والشواهد جمالًا وهيبة، فغيّر أسماء كثيرة إلى أسماء جميلة تليق بتلك القُرى والمناطق ومنها تغيير اسم قرية المُتهدّمات إلى ولاية العامرات الحالية.

والعامرات هي قصة الانسان الشامخ الصّامد أمام كل مُهلكات الطبيعة في ماضي الأزمان والمُتقلبات والظروف المُستحيلة وأهوالها. وقد جمعت ولاية العامرات بين الأصالة والحداثة وحافظت على مُكوناتها الأثرية، وحافظ إنسانها على ثوابت القِيم والعادات والتقاليد الموروثة، وهي زاخرة بالبُيوت الأثرية الجميلة ومزارعها الغنّاء وأفلاجها النابضة بالحياة.

وفي العهد المُتجدد لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- حظيت الولاية بِمُبادرات ولفتات كريمة ومُتنوعة؛ منها تأسيس نادٍ رياضي وثقافي، باسم نادي العامرات الرياضي؛ ليعكس ذلك النادي الروح المُتحفزة والوقّادة لأهالي تلك الولاية الكريمة، ويُعبّر عن حُبّهم وتوقهم للرياضة المُتميزة والمُلتزمة، ولِيُعبِّروا عن طاقاتهم وقدراتهم الكبيرة في ذلك المجال.

والعُمانيون كشعب من أصُول العرب عرف الرياضة وتمسّك بها على أنها ذوق وأخلاق والتزام وأصالة، ولم تُغيّر الظروف والاختلاط بالآخرين طبعه الوفيّ الكريم ونقائه والتزامه تجاه قضايا أمته العربية والإسلامية ومنها وأوّلها قضية أمتنا العربية فلسطين.

وعندما ترشّح نادي العامرات لبطولة أندية العالم للكرة الشاطئية لم يكن يدر بِخُلد لاعبيه أو مسؤوليه أنّ القُرعة ستضعهم بمواجهة نادٍ يُمثل دولة الاحتلال والعُدوان الإسرائيلية، ولذلك جاء موقفهم الأصيل والعفوي وبلا أيّ تردد، الانسحاب من بطولة كأس أبطال العالم للأندية الشاطئية 2024، والمُقامة في إيطاليا، رفضًا لوجود نادٍ يُمثّل دولة تعتدي على أهلنا في فلسطين وتغتصب أرضهم وتقتل أطفالهم، وهو موقف طبيعي ومُتوقع مِن أبناء وطننا الأصلاء، مُتعهدين بتحمّل كافة العواقب مهما غلا ثمُنها تضامنًا مع إخواننا في فلسطين المُغتصبة.

وصرّح رئيس النادي الأستاذ محسن بن هاني البحراني، مُعلّقًا على الانسحاب من البُطولة قائلًا: "جاء القرار انسجامًا مع موقفنا الرافض لممارسات هذا الكيان والتي تتعارض مع المبادئ الإنسانية والأخلاقية التي نؤمن بها؛ وذلك رغم العقوبات والاجراءات الجزائية المترتبة على هذا الانسحاب من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم.. نحن ملتزمون بدعم القضية الفلسطينية، وسنعمل على البحث عن فرص للتنافس وتمثيل السلطنة في بطولات أخرى".

وكان مشهد عودة النادي البطل غير المُتوج إلى أرض الوطن، مُؤثرًا، فقد جرى استقباله في مطار مسقط الدولي استقبال الأبطال، وكانت جماهير النادي وكلّ الجماهير الرياضية في عُمان الحضارة والأصالة، تحتفل وتحتفي بعودة لاعِبيهم وفريقهم من إيطاليا، مزهُوّيين بالفخر والكرامة والعِزّة.

وعلق الأستاذ محمد المخيني عُضو لجنة الاعلام بالنادي بالقول: "شكرًا لكل من تواجد لاستقبال هذا النادي الكبير في عيون مُحبيه".

وقد أشاد سماحة الشيخ الجليل أحمد بن حمد الخليلي مُفتي عام السلطنة بهذا الموقف عبر منشور على حسابه بمنصة "إكس" جاء فيه: "سرنا كثيرًا ما كان من نادي العامرات في سلطنة عُمان، إذ قرر الانسحاب من مُسابقة دولية يُشارك فيها الكيان الصهيوني". وأشار إلى أنّ النادي "أبى إلاّ أن يُسجل موقفًا مُشرّفًا للتضامن مع المظلومين في غزة وفلسطين".

خلاصة القول.. إن فرحة عودة أبطالنا بموقف مُشرّف وعظيم، تُعادِل لدى شعبنا في عُمان وفلسطين وفي كلّ الوطن العربي، كُل كؤوس الكون، وأنّ كأس الفخر للموقف الشُجاع والمُتميز سيبقى وِسام شرف وأغلى الكؤوس لذلك النادي الأصِيل، وإنّ التميّز الحقيقي كان وسيبقى في المواقف المُشرِّفة، وعلى رأسها الموقف المُناصِر للقضية العربية الأولى؛ قضية فلسطين.

مقالات مشابهة

  • نادي العامرات.. موقف مُشرِّف سيذكره التاريخ
  • هذه هي دائرة حزب الله المستهدفة
  • العلوم كأهل السماء.. لا لسان لها
  • بو صعب: الجريمة أمس عمل ارهابي لن يجلب انتصارا للعدو والمطلوب التضامن
  • مصر تسجل انخفاضا تاريخيا في معدل الإنجاب
  • في ختام مهامها بليبيا.. “غانيون”: صمود وشجاعة الناس في ليبيا مصدر إلهام لي
  • أمجد الشوا: التعليم من أشكال صمود الشعب الفلسطيني.. ونستخدم الخيام
  • خضيرة يكشف عن مفتاح صمود شتوتجارت أمام ريال مدريد في دوري الأبطال
  • باحث إسرائيلي يكشف عن الرعب الذي تنتظره إسرائيل بسبب صمود حماس .. خياران كلاهما مر أمام نتنياهو
  • الحشد يحقق فوزاً تاريخياً في بطولة اليد العربية