بين الدعم السريع والحركة الشعبية: نقض عهود (2-2)
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
أثار الصحافي عثمان فضل الله مسألة متعلقة بطبيعة قوات "الدعم السريع" وتراكيبها قلت إثارتها في الخطاب حولها. قال فضل الله إن الوضع في الحرب اقترب من الانفلات. وذكر للجيش عيوبه من هذه الجهة، لكنه قال إن دلائل هذا الانفلات أوضح ما تكون في "الدعم السريع". فتركيبة هذه القوات، بحسب قوله، اختلفت اليوم عنها في 15 أبريل يوم نشوب الحرب القائمة في السودان.
فلم يعد "الدعم السريع"، بحسب فضل الله، جيشاً موحداً وإنما مجموعات عسكرية يرغب قادة "الدعم" في التنسيق بينها. لكن "المؤشرات جميعها ترجح احتمالية تفككها وتحولها إلى عصابات تهاجم المدن من أجل السلب والنهب في ظل الضعف البائن على الأجهزة الأمنية والعسكرية". والمصادر عند فضل الله تشير إلى وعي قادة "الدعم" بهذا التطور السلبي وسعيهم لتحاشي مآلاته التي جلبت لهم تقريع أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي الذي اتهمه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ودفع وعي "الدعم السريع" بشرور الانفلات عليه للتعبير عن أسفه لأحداث العنف القبلي التي جرت في مدينة الدلنج وما حولها بولاية جنوب كردفان قبل أسبوع. ونعى فقد الأرواح جراء هذا العنف، ودمار الممتلكات، والاستقطاب القبلي دون المنتظر من الجميع في هذه المرحلة المفصلية في الحرب ضد فلول النظام القديم من وراء الجيش. فأدان "الدعم" بقوة العنف القبلي في الدلنج وما حولها، وأكد وقوفه على مسافة واحدة من المكونات القبلية. وناشد رموز المنطقة تفويت الفرصة على المتربصين بأمنهم واستقرارهم "لتحقيق مكاسب سياسية عجزوا عن تحقيقها في ميدان الحرب التي أشعلوها في الخرطوم". وجدد "الدعم" التزامه بتأسيس دولة المواطنة بلا تمييز في بلد تميز بالتنوع الذي يريدون له أن يكون عاملاً من عوامل القوة والثراء والاستقرار.
ولم تكن وقائع الدلنج التي استنكرها "الدعم السريع" نزاعاً قبلياً كما أراد لنا أن نفهم منها. إذ كانت في الواقع حربه هو ضد الحركة الشعبية - جناح الحلو، التي تقيم دولة لها في "أرض محررة" من إقليم جبال النوبة منذ 2011. وهي حربه نيابة عن جماعته العرقية من عرب البقارة ضد الحركة الشعبية وجماعتها من شعب النوبة. ودارت المعركة بينهما في قاعدة "التكمة" العسكرية (10 كيلومترات من الدلنج). فجاء "الدعم السريع" بآلاف المقاتلين واقتحموا القاعدة التي سيطر عليها الجيش الشعبي في أغسطس (آب) الماضي. وبعد ساعتين من القتال انسحبت قوات الجيش الشعبي ليضرم "الدعم السريع" النار في مساكن الأهالي وأغلبهم من النوبة ففروا إلى الدلنج، ثم عاد الجيش الشعبي بعد تنظيم صفوفه ليسيطر مجدداً على "التكمة". وتفرق سكان المدينة عرقياً تحت وابل القذف والنيران، فلاذ البقارة إلى منطقة سيطر عليها "الدعم السريع"، بينما اتجه النوبيون إلى الجبال الغربية التي يسيطر عليها الجيش الشعبي. واكتنف هذه التفرقة خطاب كراهية شديد بين الأطراف ترك الأسر المختلطة الأعراق منهما في حيرة من أمرها من جهة فرز كومها الذي تأوي إليه.
إذا لم نعد بيان "الدعم السريع"، الذي تبرأ فيه من حرب "التكمة" وعدها نزاعاً قبلياً ضريراً عمي عن المعركة الكبرى ضد الفلول وجيشهم، من بين خططه لتجلية صورته مما علق بها من عرقية، فلربما عددناه مبادرة منه لعدم توسيع شقة الخلاف بينه والحركة الشعبية. فباندلاع هذه الحرب بينهما خرقا اتفاقاً مبرماً بينهما في مايو (أيار) الماضي يكونان به معاً بندقية واحدة على الجيش. وتكفل "الدعم السريع" بالسيطرة على شمال وغرب ولاية كردفان، بينما تكفل الجيش الشعبي باحتلال كل حاميات الجيش في جبال النوبة. وانبنت هذه الخطة على فهم للصفاء العرقي جغرافياً لا مكان له من الإعراب في شأن التداخل التاريخي والاجتماعي بين الجماعتين. ووقع الصدام بينهما فاستدعت جماعة البقارة في شمالي مدينة الدلنج "الدعم السريع" لنجدتهم ففعل. ورتب في الأثناء أن يحتل الدلنج نفسها التي تسيطر عليها القوات المسلحة. وهو ما لم تقبل به الحركة الشعبية. فالدلنج زهرة مدائن جبال النوبة والأغلب في الجيش هم النوبيون أنفسهم بنسبة 40 في المية. ومع ما بدا على الجيش من حياد بينهما فإنه غض الطرف عن تحركات الجيش الشعبي في مدينة الدلنج وإقامة منصاته المسلحة ليرد الصاع صاعين على "الدعم السريع" متى حاول الهجوم على الدلنج.
الانفلات الذي يسم تكوين "الدعم السريع" وتراكيبه، الذي نوه به فضل الله، ناشب بمفاصله مهما يكن من أمر المواجهة بين "الدعم" والحركة الشعبية. فلم يكن بوسع الدعم الوفاء بميثاقه مع الحركة لأنه "فزع" (وهو الجماعة في البادية تفزع لنصرة الواحد منهم متى أصابه مكروه في ماله ونفسه) حاضنته العرقية وهم بقارة جنوب كردفان. فمتى استصرخوه لبى لا يسألهم في النائبات على ما قالوا برهاناً. وهذا ما حدث هذه المرة. فما تضررت الحاضنة حتى جاء "الدعم السريع" لنجدتها حتى لو خرق ميثاقاً مثل ميثاقه مع الجيش الشعبي الذي أخلى ما بينه وبين الجيش.
وسبق لـ"الدعم" التدخل لنصرة بقارة هذه المنطقة في أغسطس (آب) 2022 ولكن بصورة سلمية. فطلب الفريق محمد حمدان دقلو من سلفا كير، رئيس جمهورية جنوب السودان، التوسط عند عبد العزيز الحلو، زعيم الجيش الشعبي ليطلق سراح نفر من البقارة محتجزين لديه بدل زمالة السلاح بينهما في الحركة الشعبية لتحرير السودان في السودان القديم. وربما، وقد دق "الدعم السريع" والجيش الشعبي عطر منشم بينهما، أن عاودتهما أيام معركة طروجي بينهما في 2015. وكان نظام الإنقاذ قد بعث بـ"الدعم السريع" ليقتحم مقر الحلو الحصين فوق جبال النوبة (كاودا)، ومنّى الرئيس المخلوع عمر البشير نفسه بـ"الصلاة في كاودا" متى انهزم الحلو، أو كما قال. وخسر "الدعم السريع" المعركة وعاد بخفي حنين.
لربما تأخرنا كثيراً في فحص تكوين وتراكيب قوات مثل "الدعم السريع" التي ربما حملها واحد من احتمالات الحرب الثلاثة إلى سدة الحكم في البلاد.
IbrahimA@missouri.edu
//////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرکة الشعبیة الدعم السریع الجیش الشعبی بینهما فی فضل الله
إقرأ أيضاً:
شبكة أطباء السودان: ندعو المجتمع الدولي للضغط على قوات الدعم السريع
قالت شبكة أطباء السودان إننا نتأسف لاستخدام الدعم السريع لعمليات القصف المدفعي كوسيلة للتهجير القسري للمدنيين نحو القرى والفرقان خارج مدينة الفاشر.– ندعو المجتمع الدولي للضغط على قوات الدعم السريع بفرض مزيد من العقوبات عليها وإلزامها بتنفيذ قرار مجلس الأمن الداعي لوقف الهجوم على الفاشر وفك حصارها لعودة الحياة بالمدينة إلى طبيعتها.الجزيرة – السودان إنضم لقناة النيلين على واتساب