لماذا نقلت الدعم السريع المعركة من الخرطوم إلى ود مدني؟
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
الخرطوم- نقلت قوات الدعم السريع حربها مع الجيش السوداني التي دخلت شهرها التاسع من الخرطوم إلى ود مدني الإستراتيجية عاصمة ولاية الجزيرة في وسط السودان، في خطوة مفاجئة اعتبرها مراقبون تحولا نوعيا في مسار القتال يستهدف توجيه رسائل متعددة وممارسة ضغوط على المؤسسة العسكرية لضمان مستقبل عسكري وسياسي للدعم السريع عبر طاولة المفاوضات.
وتعتبر ولاية الجزيرة هي الثانية في عدد السكان والثقل الاقتصادي بعد العاصمة، وفيها أكبر مشروع زراعي في البلاد عمره 98 عاما، ولديها موقع إستراتيجي حيث تربط الخرطوم التي تبعد عنها 186 كيلومترا مع ولايات شرق البلاد، وتؤوي أكثر من نصف مليون نازح، أغلبيتهم من العاصمة.
مناوشات واقتحام
وشهدت الأشهر الثلاثة الأخيرة مناوشات وتحركات لقوات الدعم السريع في القرى والبلدات في شمال ولاية الجزيرة المتاخمة للخرطوم وقعت خلالها أحداث نهب وسلب لممتلكات المواطنين ومحاولات أيضا من هذه القوات لتحسين صورتها عبر زيارة بعض قادتها العسكريين "خلاوي" تدريس القرآن ودعمها بالمواد الغذائية.
وهاجمت قوات الدعم السريع الخميس الماضي منطقة أبو قوتة في جنوب ولاية الجزيرة بعشرات المركبات القتالية، وسيطرت عليها ونهبت بعض ممتلكات المواطنين وأحد المصارف، قبل أن تنسحب من المنطقة، في عملية يبدو أن الغرض منها التمويه لصرف نظر الجيش عن الهدف الحقيقي الذي تخطط له.
وصباح يوم الجمعة الماضي، تحركت أكثر من 200 مركبة مقاتلة للدعم السريع انطلقت أغلبها من منطقة شرق النيل في شرق الخرطوم واتجهت صوب ود مدني بعد اقتحام قرى عدة.
واستطاعت القوة المهاجمة الوصول إلى مسافة 15 كيلومترا شرق المدينة، ورافق ذلك حالة هلع ونزوح قرابة 15 ألف شخص نحو ولايتي سنار والقضارف المجاورتين من حوالي 90 ألف نازح تستضيفهم المدينة.
ومنع الطيران العسكري والقصف المدفعي للجيش تقدم قوات الدعم السريع لاقتحام جسر حنتوب على النيل الأزرق المؤدي إلى المدينة، واستمرت الاشتباكات 3 أيام متتالية حتى تمكن الجيش من إبعاد الخطر عن المدينة.
رسائل وضغوطبدوره، يرى الباحث في الشؤون العسكرية علي الحمادي أن قوات الدعم السريع تريد تخفيف الضغط على قواتها في العاصمة بعد مواجهتها ضغوطا عسكرية خلال الأسابيع الماضية في الخرطوم، حيث استطاع الجيش تحقيق تقدم وإلحاق خسائر كبيرة في صفوفها في عمليات صامتة.
ورجح الحمادي أن يكون الجيش حصل على أسلحة نوعية جديدة واستخدم المسيّرات بكثافة، مما دفعه للتحول من الدفاع على مقاره الحيوية إلى الهجوم.
وبحسب حديث الباحث للجزيرة نت، فإن قوات الدعم السريع تواجه صعوبة في تحقيق مكاسب عسكرية بولاية الجزيرة لأنها تقاتل في بيئة غير صديقة وتضاريس جغرافية مفتوحة تسمح للجيش بتوجيه ضربات جوية مؤثرة، إلى جانب أن قرب ود مدني من مناطق عسكرية للجيش في سنار والنيل الأزرق والقضارف يمكنها من الحصول على إمداد عسكري وبشري متواصل.
أما المحلل السياسي علي عبد الرحمن فيرى أن قوات الدعم السريع أرادت من الهجوم على ولاية الجزيرة ومركزها ود مدني تحقيق أهداف سياسية وعسكرية وإعلامية، أبرزها أنها لا تزال قوية ومتماسكة وتستطيع زعزعة الأمن والاستقرار في وسط البلاد وليس دارفور إذا لم يحدث اتفاق معها.
وفي حديث للجزيرة نت، يوضح المحلل أن قوات الدعم السريع أرادت أيضا إحداث فرقعة إعلامية قوية بالزحف نحو وسط البلاد، وتهديد قلب ولاية الجزيرة وتقوية موقفها في أي جولات مفاوضات مقبلة حتى تضمن لنفسها دورا عسكريا وسياسيا في مرحلة ما بعد الحرب.
الهجوم على مدينة ود مدني غير مبرر وانتهاكاً صريحاً لحقوق المدنيين وحمايتهم، فهي مدينة تضم الملايين من سكانها والنازحين من الخرطوم وغيرها، والهجوم عليها يأتي بعد النهب الواسع الذي مارسته قوات الدعم السريع ضد سكان الخرطوم ومنازلهم وممتلكاتهم. والقتل والتدمير الكبير الذي الحقته…
— Yassir Arman (@Yassir_Arman) December 15, 2023
تبرير وإدانةوفي تبريرها الهجوم على ود مدني، قالت قوات الدعم السريع إن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش قرر أن تكون ولاية الجزيرة نقطة الانطلاق لمهاجمتها.
وذكرت -في بيان أمس الأحد- أنه كان من الواجب عليها الدفاع عن نفسها بوقف الهجوم عليها، والذهاب إلى معاقلها بولاية الجزيرة.
وأكدت قوات الدعم التزامها بالقانون الدولي الإنساني والتعاون مع الفاعلين في الحقل الإنساني للاستمرار في القيام بمهامهم بمساعدة المتأثرين بالحرب، حسب البيان ذاته.
في المقابل، أكد الجيش استقرار الأوضاع الأمنية بولاية الجزيرة، ودعا المواطنين إلى عدم مغادرة منازلهم وعدم الالتفات للشائعات التي تدعو إلى تثبيط الهمم وإثارة الهلع بين الناس.
وقال بيان للناطق الرسمي باسم الجيش العميد نبيل عبد الله أمس الأحد إن "مليشيا آل دقلو (حميدتي) الإرهابية استهدفت قرى أبو قوتة وشرق الجزيرة وحاولت استهداف مدينة ود مدني، وهي مناطق ليس فيها أي أهداف عسكرية، مما يؤكد أنها تشن هذه الحرب على المواطن السوداني".
وأضاف البيان أنه "في الوقت الذي ترفع فيه المليشيا الإرهابية شعارات كذوبة تتضمن الديمقراطية وغيرها من شعارات تشن هذه الحرب على المواطن السوداني في مسكنه ومأمنه وممتلكاته ونفسه قتلا وترويعا ونهبا للممتلكات الخاصة والعامة".
وفي موقف لافت، رفض تحالف قوى الحرية والتغيير -الذي يعتبره خصومه ظهيرا سياسيا للدعم السريع- الهجوم على ولاية الجزيرة، ورأى الناطق باسمه ياسر عرمان أن الهجوم "غير مبرر ويعد انتهاكا صريحا لحقوق المدنيين وحمايتهم".
وقال عرمان في تغريدة على منصة "إكس" إن "ود مدني مدينة تضم الملايين من سكانها والنازحين من الخرطوم وغيرها، والهجوم عليها يأتي بعد النهب الواسع الذي مارسته قوات الدعم السريع ضد سكان الخرطوم ومنازلهم وممتلكاتهم".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع ولایة الجزیرة من الخرطوم الهجوم على ود مدنی
إقرأ أيضاً:
هزائم الدعم السريع
يبدو أن الجيش السوداني يسير وفق خطة استراتيجية محكمة لاستعادة جميع المدن من قوات الدعم السريع المتمردة بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، فبعد تمكن الجيش في عملية خاطفة من استعادة جبال موية الاستراتيجية، عاد السبت الماضي لبسط سيطرته على مدينة سنجة الاستراتيجية، عاصمة ولاية سنار.
في هذا الإطار، أكد الجيش السوداني عبر موقعه الرسمي، سيطرته على قيادة الفرقة 17 مشاة، ومداخل ومخارج ووسط المدينة، وهو ما يعكس إصراره على استعادة المدن، والمناطق الرئيسية من قوات التمرد.
وجاءت هذه الخطوة بعد معارك عنيفة اعتمدت فيها القوات على استخدام الطائرات المسيّرة والقصف المدفعي. وقد تقدم الجيش تدريجيًا من مناطق عدة، مثل الدندر والسوكي، حتى أحكم قبضته على سنجة، مشيرًا إلى نيته مواصلة التقدم نحو المناطق المجاورة مثل الدالي والمزموم وأبو حجار لاستكمال العملية العسكرية.
الانتصار العسكري في سنجة كان له صدى واسع بين السكان المحليين، حيث نظمت احتفالات في المدينة، لتحية الجيش ودعمه، كما شهدت مدينة الحواتة بولاية القضارف، التي لجأ إليها سكان سنار، احتفالات مماثلة، مما يعكس التفاف الشعب السوداني حول جيشه، وتوحد الجميع على هدف تحرير البلاد في حرب الكرامة.
إحباط تهريب الأسلحة وتأمين الحدود
ويبدو أن الجيش السوداني، والحركات المسلحة المتحالفة معه ينتظرهما جهد كبير لتحض قوات الدعم السريع المتمردة، التي تمتاز بسرعة العمل والحركة في المناطق الحدودية، إضافة إلى نجاحها في عقد تحالفات إقليمية ودولية لإمدادها بالأسلحة الحديثة بشكل مستمر، حيث كشفت تلك الحركات الخميس الماضي عن نجاحها في إحباط عملية كبرى، لتهريب الأسلحة إلى قوات الدعم السريع عبر الحدود الليبية- التشادية- السودانية.
وأوضح بيان لحركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، أن العملية تمت بالتنسيق بين الحركات المسلحة، والجيش السوداني لحماية حدود البلاد، مما يعكس تقدمًا كبيرًا في هذا الاتجاه، وتطور على مستوى التنسيق العسكري والاستخباري بين الطرفين.
وأظهرت الحركات المسلحة في تسجيلات مصورة عددًا من المركبات القتالية، بالإضافة إلى صناديق ذخيرة ومدافع "كورنيت"، وهو سلاح مضاد للدروع.
وتظهر نوعية الأسلحة مدى التحدي الذي يواجهه الجيش السوداني في تحقيق أهدافه الخاصة بطرد التمرد من داخل المدن، وتأمين حدوده المتسعة مع سبع دول جوار.
مسيرات الدعم
وفي اتجاه موازٍ، لا تزال هجمات الطائرات المسيرة التابعة لقوات الدعم السريع تشكل تحديات تقنية وعسكرية للجيش السوداني، حيث نفذت قوات التمرد هجمات موسعة ومنسقة بالمسيرات على مطار عطبرة الدولي بولاية نهر النيل، ورغم تصدي دفاعات الجيش للهجوم، إلا أن تكرار هذه يبرز حجم الدعم والإصرار الإقليمي والدولي على إمداد التمرد بتلك التقنيات الحديثة، ومحاولة حصار الجيش وحرمانه من الحصول على الأسلحة.
وكانت أجهزة الأمن السودانية قد كشفت كميات كبيرة من الأسلحة المهربة للتمرد في شاحنات المواد الإغاثية للنازحين واللاجئين السودانيين، وهو ما يظهر أيضًا تورط منظمات الإغاثة الدولية في دعم التمرد، وإشعال الحرب بغرض تقسيم السودان وخاصة فصل ولايات دارفور الخمسة عن السودان، حيث يسيطر الدعم على أربعة منها، ويحاصر ما تبقى من ولاية شمال دارفور، وعاصمتها الفاشر.
ويتبقى أمام الجيش السوداني فرصة تاريخية لاستعادة أراضيه والحفاظ على وحدة بلاده مستغلاً انشغال التحالف الاستعماري الجديد في الحرب مع روسيا من ناحية، وحتى انتهاء مرحلة البطة العرجاء في أمريكا والتي تنتهي في العشرين من يناير المقبل.