سودانايل:
2024-07-04@01:43:00 GMT

السودان (وطننا الذي لم ننعم به)

تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم
ظللنا نستمتع بالاغاني الوطنية، وتغازل وجداننا اشعار الفروسية والجمال والنضال والثورة، وتطربنا احاديث نحن نملك اكبر قطر ومساحة زراعية وثروة حيوانية ومعدنية ونتوافر علي مصادر مياه متعددة وموقع جغرافي ونحن ونحن ونحن. والمؤسف ان كل ذلك لم يشفع لنا لبناء دولة محترمة تراعي حقوق المواطنين وتقدم لهم الخدمات.


والمضحك ان الشعار الذي حملنا علي نيل الاستقلال هو السودان للسودانيين، ولكن ما حدث فعليا هو نزع السودان من السودانيين! فمنذ الاستقلال او ما قبله حدث الصراع بين الحزبين الكبيرين علي ارضاء دولتي الاحتلال (الخارج) علي حساب معرفة حاجات الداخل وتُعرَّيف مصالحه. وبسبب ذات الصراع دخلنا في اسوأ نفق (حكم العسكر/فترة الجنرال عبود) الذي دشن بدوره دورة الارتهان للخارج (مصر والغرب) ولو بنسبة اقل، عكس حكم الجنرال نميري الذي سلم ذقنه تماما للمصريين وصناديق التمويل الدولية.
اما ما كان مجرد وسيلة (الارتهان للخارج) للبقاء في سدة السلطة، تحول علي عهد الانقاذ الي عقيدة اسلاموية مسلحة، مفارقة للوطن وحدوده وتلمس حاجات مواطنيه واحترام حقوقهم. اي بدل ان يحرر الاسلامويون الوطن من ثالوث (الفقر والجهل والمرض) المستوطنة في دول الجنوب، تحرر الاسلامويين من مسؤوليتهم تجاه المواطنين، لصالح تصورات وافكار هلامية تتوهم تحرير العالم اجمع!
والماساة لم تكن في الارتهان لهذه الهلاويس والافكار الملوثة التي تتخفي خلف قداسة الدين، ولكنها تجسدت في هدم كيان الدولة وتجيير مواردها لخدمة هذه الاهداف العبثية، التي تتلاءم واحساس العظمة والقدرات الخارقة التي تتلبس شيخهم الترابي. وبما ان الاهداف غير الواقعية تتطلب وسائل غير واقعية للسعي المستحيل خلفها، فقد ادي هذا السعار الديني لتضخم السلطة ونفوذها وامتيازاتها وهواجس الحفاظ عليها بطريقة مبالغ فيها، علي حساب استنزاف موارد الدولة، ورفع يدها عن تقديم الخدمات، وهو ما عبرت عنه بحق مقولة (المواطن في خدمة الدولة والاصح السلطة).
المهم، الانقاذ كمنظومة مشوهة عبرت عن انحراف شريحة مجتمعية تالفة، لم تنتج سلطة مشوهة فحسب، ولكن اجهزة وممارسات اشد تشوه، وعلي الاخص الاجهزة الامنية والعسكرية والشرطية! وتجلت مظاهر هذا التشوه في الخلط المعيب بين المهنية والمصلحة الخاصة! وبمعني اصح ليس هنالك تحديد للمهام او حدود بين السلطة الحاكمة واجهزتها، وكأن سلطة البشير اصبحت واجهة لسلطات متعددة بتعدد الاجهزة والمؤسسات، اي السلطة غرضها توفير الحماية (الحصانة) لمجموعة مصالح خاصة. والحال كذلك، تحولت سلطة الانقاذ بعد فشل مشروعها الهلامي الي محض امتيازات تنالها اجهزة الحماية! وبتعبير آخر، النزعة العسكرية الطاغية علي نظام الانقاذ لم تعد وسيلة لانجاز مشروع اي كان، ولكنها تحولت لبنية يرتكز ويشتغل عليها النظام. ولذلك اذا لم تكن هنالك مخاطر تواجه السلطة، فلابد من ايجادها! واذا كان هنالك مشكلة ذات طابع سياسي اجتماعي اقتصادي فالحل واحد وهو الحل العسكري. والقصد من تصعيِّد الهاجس العسكري، هو تخفيض هامش السياسة والقضايا الاقتصادية والاجتماعية والاهتمام باحوال المجتمع عامة، قبل ان يبرر هكذا هاجس عسكري مصادرة الحقوق والانتهاكات والنهب بحجة توفير الاستقرار، فلا صوت يعلو فوق صوت حماية السلطة، التي يتم ربطها تعسفيا بامن الوطن ودرجة الوطنية. وباختصار مع الاسلامويين تم احتكار الوطن لانصار النظام مع عداء مستحكم للسياسيين وتهميش لبقية المواطنين.
وبسبب توجه الاسلامويين الخارجي (ضعف صلتهم بالمجتمع) وتكوينهم العسكري (تبني العنف سياسيا) واستخدام الدين كرافعة سلطوية والردة الحضارية كسلطة ثقافية، شكل ذلك نقاط التقاءهم بحميدتي (غض النظر عن خلفيته التاريخية). اي كمغامر مرتزق يقوم بكل المهام القذرة نظير امتيازات مادية وعسكرية وسلطوية (الغاية تبرر الوسيلة). ولانعدام ارتباطه باي ارض او وطن، فهذا ما جعله في حل عن اي التزامات وطنية (الارتزاق عابر للحدود). واحتمال هذا ما يفسر حقد مليشيا الدعم السريع واستعلاءه علي اصحاب الارض الاصليين (المساليت). وكذلك تبدل تحالفته وما يطرحه من قضايا واطروحات يعتقد انها تفيده في طموحه. واصراره علي استخدام القبيلة بكامل حمولاتها التاريخية لخدمة اهدافه المستقبلية (وهذا مصدر السخرية والتندر من شخصيته).
من هذه الوجهة (مصادرة الوطن من المواطنين)، عملت الثورة علي رد الوطن للمواطنين، والإعلاء من شأن المصلحة العامة (قوافل الشهداء وعدم انقطاع الثورة) التي تعود علي الدولة بالتحديث والمأسسة ورد الاعتبار. ولكن كعادة حظنا العاثر، ارتطمت الثورة بتاريخ طويل من الارتهان لمصالح الخارج، التي تتصالح مع مصلحة النخبة المتسلطة علي السلطة والوطن والمواطنين. وبالتاكيد كانت الغلبة لحملة السلاح غصبا عن الشرعية الثورية وتعهدات الوثيقة الدستورية!
وبعد الانقلاب وتمدد نفوذ وسيطرة مليشيا الدعم السريع، خاصة بعد اجادته لعبة العمالة للخارج، وتضارب مصالح المكونات والدول الداعمة للانقلابيين، اصبحنا وجها لوجه امام هذه الحرب اللعينة. والتي ليست اكثر من نزع القناع عن الاطماع الشخصية واللغة السياسية المرواغة وتواطؤ شراكة الدم بين قيادات الجيش والدعم السريع. وبتعبير آخر، الدعم السريع جر الصراع علي السلطة لما يجيده، وهو اللغة العسكرية الهمجية (عدم التقيد باخلاقيات الحرب او هي اقرب لحرب العصابات). وهذا بدوره يقول شئ محدد، وهو ان حدود قدرات وقبلها تكوين الدعم السريع لا يتعدي خوض الحروب القذرة، وتاليا ليس في وسعه لا اقامة دولة ولا ادارتها (فنون ما عندو فيها نفقة)، اي يمكنه ان ينتصر ويستولي علي السلطة، اما بعد ذلك فمحلك سر (مجرد وجود حميدتي كنائب لرئيس مجلس السيادة بوضع اليد، صنع ربكة وفوضي قل نظيرها /ثور في مستودع الخزف او عرض مسرحية هزلية/، اما وجود الدعم السريع فخلق قلق عام، ورفع سقف المخاطر علي الدولة، لشذوذ تكوينه وضبابية مهامه، وهو ما قاد في آخر المطاف لهذه الحرب الكارثية) .
والحال كذلك، اذ ترك الاسلامويون هامش ضيق يسمح بالوجود والتملك والحركة، فإن مليشيا الدعم السريع كحالة متاخرة وهمجية من الاسلاموية، فهي لا تعد إلا بالنهب والسلب والاغتصاب واهدار الحياة بكل سهولة. اي تدمير ما راكمناه من قيم حضارية علي قلتها، وجعل الحياة قاعا صفصفا. اي ما يمارسه الدعامة علي الارض ويعدنا به سلوكهم البربري، هو الحرمان من الحياة بكل استهتار واسترخاص، ومن يصدف ويعيش، تُفرض عليه المذلة والسخرة لخدمة حملة السلاح الهمج العاطلين. اي ماضينا المخزي الذي جسدته التعايشية الهمجية المتخلفة، يصبح هو المستقبل الذي تعدنا به الحميدتية البربرية (اي نوع من التعايشية المستحدثة او الاكثر انتهاكات وتخريب).
لكل ذلك آخر من يحق له الحديث عن جرائم وانتهاكات مليشيا الدعم السريع او نهبها للموارد او استباحتها للبلاد، هم الاسلامويون. لانهم المؤسس للخراب الذي طال الدولة والمعاناة التي طاولت المجتمع، والمُنتج لممارسات الانحطاط التي تسرب منها الدعم السريع، وبمساعدة جنرال الغفلة البرهان، تفوق الدعم السريع حتي علي قدرات الجيش!
اما محاولة اضفاء مسحة تحررية وديمقراطية ووطنية علي مليشيا الدعم السريع وتلميع قائدها حميدتي او تبرير هذه الحرب، من قبل مستشاريه وكتابه، غض النظر عن دوافع ذلك، فهذا يسئ لهم ويكشف عن هشاشة وعيهم وتعرية لقيمهم، فوق انه ليس في وسعه قلب الحقائق او تزييف معرفة الناس بالدعم السريع وافعاله، وهم يلامسونها في املاكهم وكرامتهم ووجودهم.
والحال كذلك، سيطرة الدعم السريع علي مساحة واسعة في الخرطوم واغلب مدن دارفور، هو نموذج معاش للنهب والانتهاكات والفوضي والخراب وكل مآسي الحرب القذرة. وهو ما يعني توجه مليشيا الدعم السريع نحو مدينة ود مدني او غيرها من المدن، ليس له علاقة لا بالفلول ولا بالديمقراطية ولا دولة 56 ولا غيرها من المبررات الواهية والاكاذيب التي فاقت دجل الاسلامويين، ولكنه يصب في خانة سعي الدعامة لفرض سيطرتهم علي كافة البلاد، لاشباع شهوة النهب للجنود والسلطة لآل دقلو وضمان مصالح الامارات ومن يقف خلفها.
وبما ان ولاية الجزيرة ومدني بصفة خاصة، تضم كثافة سكانية عالية بمن فيهم النازحون، وبني تحتية ومؤسسات مدنية قد تكون بعد العاصمة التي تم تدميرها، كما انها تشكل مستودع الغذاء لكافة اهل السودان، وقبل ذلك ليس فيها هدف عسكري يهدد قوات الدعم السريع، وهذا غير ان في مسيرتهم العدوانية لم يتركوا ما يُنهب من المدنيين إلا نهبوه (العيلفون ابوقوتة تمبول) الشئ الذي يبطل مبرراتهم للزحف! فكل ذلك ينذر بمجازر جماعية ومجاعة شاملة وخراب عمراني اذا لم يتراجعوا عن مهاجمة ود مدني. وفي هكذا مهددات ومخاطر عالية، لا تنفع مجرد مناشدة من الامريكان لايقاف هذا الزحف العسكري الغادر، او البكاء علي الضحايا والخسائر بعد وقوع الواقعة! فما تملكه امريكا من قدرة ونفوذ، لا اعتقد انه اقل من قوة ونفوذ فرنسا التي استهدفت قوات القذافي الزاحفة لدك بنغازي. وكل المطلوب من امريكا ممارسة الضغط علي الامارات كفلاء قادة الدعم السريع، لايقاف تمدد هذه القوات تجاه المدن المكتظة بالسكان، وكذلك منع حاميات الجيش بالمدن من استفزاز قوات الدعم السريع. اي يجب محاصرة الحرب في اماكن اشتعالها، ومنع تمددها، حتي تقل خسائرها ويسهل اطفاءها.
وفي كل الاحوال اذا اصرت مليشيا الدعم السريع علي مهاجمة ودمدني، وعدم النزول عند رغبة الجميع بايقاف الحرب وتجنب توسيعها والجنوح للسلام، فعلي الجيش واجب التصدي بقوة وحزم لانقاذ المدينة واهلها، بل وعدم الاكتفاء بالدفاع ومواصلة الهجوم حتي اخراجها من ولاية الجزيرة. لانه اذا فشل الجيش في ذلك، فهذا ايذان بسقوط كافة مدن السودان في ايدي هذه المليشيا الهمجية، وسيادة حالة الفوضي والانتهاكات والمجازر الجماعية.
ولكن المؤكد لن يحدث اي تغيير في اداء الجيش البائس، دون التحرر من قياداته الحالية والابتعاد عن الكيزان والانفتاح علي المصلحة العامة، والمتمثلة في الجلوس مع قوات الدعم السريع بنية ايقاف الحرب واستعادة السلام، والاكتفاء بدوره العسكري، بعد انجاز الترتيبات الامنية. وهذا ما لن يحدث دون الاقتناع بتغيير موازين القوى السابق، الذي يبيح له فعل كل شئ. وتحوله لاحد طرفي القوة في البلاد، بما يفرضه ذلك من معادلات جديدة، تحتاج لمعالجات خاصة، حتي الوصول لجيش واحد، اذا ما كنا محظوظين ووصلنا لهذه المرحلة المتفاءلة، في واقع كل فيه يدعو للتشاؤم، بسبب تفاهة من يتسيدون مشهده المحترق.
واخيرا
ليس هناك مشكلة سياسية او عسكرية او غيرها من المشاكل المجتمعية ليس لها حل، ولكن الحلول تحتاج لتوسيع مساحة الحوار والتسامح والتعاون والشراكة والتنازل والاحترام المتبادل، والاهم التوافر علي قيادات حقيقية تستشعر المسؤولية الوطنية وتتحلي بالقيم الانسانية (من اين لنا هذا؟). كما انه ليس هنالك حلول والحروب مشتعلة (يحتاج ايقافها لمعجزة او عصا دولية غليظة). وفي هكذا اوضاع يبدو اننا في امس الحاجة لروح الشهيد محمود محمد طه، الذي ينسب له قول (انه لا يكره الترابي كشخص بل هذا موضع احترامه ولكنه يكره افعاله) او شئ من هذا القبيل. وتخيلو شخص يتسامح مع شخصية شريرة كالترابي لا تكن له غير الضغينة وتضمر له الغدر، ما اعظمك يامحمود وحاجتنا الماسة لامثالك. نسال الله ان يسلم بلادنا ويحفظ اهلنا، وان يلهم قادة هذه الحرب المدمرة وداعميها، الحكمة والبصيرة ولو لمرة واحدة. ودمتم في رعاية الله.
/////////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: ملیشیا الدعم السریع هذه الحرب کل ذلک

إقرأ أيضاً:

البندقية التي تقتل السودانيين.. ماذا تريد من الأرض؟

ما يحدث اليوم في السودان يعد كافيًا للحكم على أن نظرية المؤامرة ليست مجرد تخيلات، أو مبالغة سياسية بوجود قوة خفية تقوم بإشعال الحروب، وتدمير الدول النامية، عبر سيناريوهات مختلفة، لأسباب غامضة، وأخرى لا تخفى على أحد بالطبع، لكن المحزن والمثير للحيرة ما يجري للسودانيين من قتل وترويع، جراء هذه الحرب، نتيجة أيادٍ خفية وأجندات دولية، لا نعرف ماذا تريد وحقيقة أهدافها!

شيء ما يحدث في الخفاء

في أيامه الأخيرة كان الرئيس السوداني عمر البشير يطالع مذكرات القرصان الأميركي جون بيركنز (الاغتيال الاقتصادي للأمم)، وقد شعر بأن هنالك شيئًا ما خطيرًا يحاك ضد بلاده، لدرجة أنه ذهب إلى روسيا لعقد تحالفات معها، وذلك بعد إدراكه أن السودان – المحاصر اقتصاديًا – يوشك على الانهيار، كما أنه كان يشعر في قرارة نفسه، أنه قد يكون آخر رئيس للسودان بشكله وحدوده القديمة. وذلك ما يجري الآن إذا لم تنتهِ الحرب لصالح الجيش السوداني، ولم تتوقف بالمقابل عمليات التهجير القسري، ومحاولات تغيير الطبيعة الديمغرافية للسكان، بتلك الصورة الممنهجة التي تقوم بها قوات الدعم السريع.

سحابة من الدم والدموع

تتوالى الأخبار المروعة من السودان بشكلٍ متكرر حول ما يجري على الأرض، وكانت البداية بالجنينة عاصمة غرب دارفور، والتي حدثت فيها عمليات إبادة جماعية لقبيلة المساليت، السكان الأصليين الذين تصدوا، من قبل، للغزو الفرنسي، ومن نجا منهم من جرائم الجنجويد فرّ إلى تشاد بحالة يرثى لها، خصوصًا النساء والأطفال، لينتهي الحال بالجنينة اليوم إلى مدينة أشباح، تغطيها سحابة من الدم والدموع.

وهو تقريبًا نفس السيناريو الذي يحدث في ولايات وسط السودان، تحديدًا الجزيرة، جرائم غير مسبوقة، ترتكب بدمٍ بارد. فالسكان ضُرب عليهم حصار كامل بين القناطر والترع، مع نهب وقتل وتجويع، وتحويل مزارع مشروع الجزيرة إلى معسكرات للتدريب، وثكنات لمرتزقة أجانب من شتى البلدان.

وقد حرصت قوات الدعم السريع على الانتشار في مواقع مأهولة بالسكان، وبعيدة نسبيًا عن مواقع الجيش، لتقوم بحملات التهجير القسري، مع انقطاع شبكات الإنترنت والاتصالات، كما أن المجازر التي لا تزال تحدث في تلك القرى ليست مسألة عرضية، وآخرها مجزرة ود النورة، وقرية الشيخ السماني، شمال ولاية سنار، فضلًا عن أن طريقة القتل البشعة والوحشية، أقرب إلى هجمات الفايكنغ، وهي بمثابة رسالة لمن يفكّر في البقاء أو العودة، بأن مصيره لن يختلف عن هؤلاء الضحايا.

مؤامرة دولية

عندما تصف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ما يحدث في السودان بالمأساة، وتتحدث عن شبح مجاعة تلوح في الأفق، فهي بذلك تقدم لمحة واحدة من أفلام الرعب التي يعايشها السكان هنالك يوميًا، وتتجاهل الحقيقة المرة، وهي تهيئة الأرض لمن هو مدجج بالأسلحة ولديه مآرب خفية، ويعمل بدأب على غلق كافة طرق العودة والنجاة. إذ كيف تسنى للمجتمع الدولي أن يناشد قوات الدعم السريع التي تحاصر الفاشر بفتح ممرات آمنة لخروج المدنيين، أين يريدهم أن يذهبوا؟ ولمن يتركون بيوتهم؟ وهل توجد أماكن آمنة حاليًا لينزحوا إليها؟ الإجابة عن تلك الأسئلة تزيل الغطاء عن حقيقة من يريد تهجير السكان، وقد فعّل خطته باكرًا في ولايات دارفور، منذ أيام عمر البشير.

هنالك ما لا يقل عن 11 مليونًا نزحوا من ولاية الخرطوم وحدها جراء الحرب، فيما تتحدث التقارير الأولية عن 33 ألف مبنى تحولت لأنقاض في العاصمة السودانية، التي أجبر سكانها على النزوح، ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد القتلى والمفقودين.

ثمة قرى بالكامل هجّرت، والقليل يكابد للبقاء، في وقتٍ يتم تدمير المصانع والمستشفيات، ونهب مخازن الإغاثة العالمية، والاستيلاء على المحاصيل في المناطق الزراعية، مثل: مشروع الجزيرة، وجبل موية، وحرق الغابات، وقطع خطوط الإمداد، وخطف النساء وتجنيد الأطفال، وكل ما يجعل الحياة ممكنة.

بندقية حميدتي

تقوم قوات الدعم السريع في الظاهر بكل تلك الفظائع، لكن الأمر أبعد من ذلك، وهو في الغالب يرتبط بتصورات قائمة على طرد السكان الأصليين من السودان والسيطرة على الموارد، ولأن ذلك لا يتم في وجود جيش وطني متماسك، هو بمثابة النواة الصلبة للدولة السودانية، تم استئجار قوات الدعم السريع للمهمة من "المسافة صفر"، وتعزيزها بآلاف المرتزقة من دول الجوار، وتدريبهم وتوفير شحنات الأسلحة الحديثة لهم عبر الحدود، وهي أسلحة متطورة مدعومة بمنظومات تشويش لا تتوفر للجيش السوداني، فضلًا عن توفير المعلومات الاستخباراتية والدعم الإعلامي لهم، كما أن خطط الهجوم وتحريك القوات تأتيهم من خلف الكواليس، في ظل الغموض الذي يكتنف أحيانًا حالة حميدتي، إذ يظهر بين الحين والآخر في خطابات مسجلة بحِرفية عالية، لا تشبه حتى طريقته في الكلام!

الدعاية السوداء التي خلفتها هذه الحرب أشاعت اليأس وسط النازحين، داخل وخارج السودان، بفقدان الأمل نهائيًا في العودة القريبة إلى بيوتهم، ومن قبل كانت ذات الأسر – خلال البحث عن الأمان – في مواجهة حتمية مع خيارات صفرية، فتحت أمامهم طريقًا واحدًا للهرب، وقد شاهدوا بيوتهم يتم نهبها وتدميرها، ولا يعرفون من أين سيتم تعويضهم، ليبدؤوا حياتهم من جديد، فالحرب قضت على كل ما يملكونه تقريبًا، وهي ليست حربًا اختيارية، وكذلك النزوح من ولاية إلى أخرى، عطفًا على أن قوائم طلبات اللجوء الخارجي المتزايدة بشكلٍ مطَرد، توحي بأنه لم يعد أمامهم من خيار سوى ترك الوطن.

تدمير الدولة تدميرًا شاملًا ليس هو خيار أسرة آل دقلو التي تقود الدعم السريع، لكنه خيار من استأجر بندقيتهم من قبل لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وأعني بذلك بعض الدول الأوروبية – وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا – فهي التي لا تزال توفر الدعم والغطاء السياسي والحماية من الملاحقات القانونية، وتتجاهل عدم تقيدهم بقوانين الحرب، كما تنسق الجهود العالمية لإدانة الحكومة السودانية عبر الأزمة الإنسانية، والتذرع بعدم إمكانية وصول الإغاثة للمتأثرين بالحرب، بينما تثير قوافل الإغاثة نفسها، التي تتحرك في مناطق سيطرة الدعم السريع، المزيد من الشكوك حول طبيعة الأنشطة العسكرية المشتركة.

سيناريو الأرض البديلة

لا شك أن تلك الخطة بدأت منذ أمد بعيد، لتأتي لحظة الانقضاض دون أي مقاومة للعدو الغاصب وأحلامه التوسعية، لا سيما أن العالم يشهد زيادة مطردة في السكان، لدرجة أنه خلال عقود قليلة قد يصل إلى 11 مليار نسمة. وفي الوقت ذاته، ثمة نقص واضح جدًّا في الأراضي الزراعية، بعد أن شاخت أراضي أوروبا، ولاحت في الأفق أزمة غذاء ونقص في الأراضي الخصبة، وشح في المياه، والبديل المحتمل لا شكّ أنه السودان، سلة الغذاء المجمّدة، بعد تفتيته وإشاعة اليأس بين أهله.

الهدف الخفي والذي بات واضحًا اليوم هو مشروع تفكيك السودان، بعد إفراغه من السكان، وإجبارهم على التفكير في أوطان بديلة، وخلق واقع جديد على الأرض، على غرار ما يحدث في فلسطين، أو استنساخ تجربة الهنود الحمر في أميركا، الذين قضت عليهم الغزوات الأوروبية، لكن متى أدرك أهل السودان ما يحاك ضدهم، وانتبهوا للمؤامرة، يمكنهم قطع الطريق أمام ذلك المشروع الاستعماري، لأنه لا أحد يستطيع، أيًا كانت قوته، أن يقهر إرادة الشّعوب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الكلام ده اكبر من البرهان واكبر من حميدتي … لكن الله اكبر
  • ياسر العطا يحدد (4) شروط للتفاوض مع الدعم السريع
  • الجيش السوداني يحدد 4 شروط للتفاوض مع الدعم السريع
  • “إلا بعزة”.. البرهان يحدد شروط التفاوض مع الدعم السريع
  • البرهان يحدد شروطا للتفاوض مع الدعم السريع.. وتوسع في خطة مساعدة السودان
  • إلا بعزة.. البرهان يحدد شروط التفاوض مع الدعم السريع
  • الدعم السريع تواصل تقدمها في سنّار بالسودان والقتال يتجدد في أم درمان  
  • حرب السودان: ثم ماذا بعد سنجة !!
  • البندقية التي تقتل السودانيين.. ماذا تريد من الأرض؟
  • الانتحار السوداني ... متى يتوقف وكيف؟!