سودانايل:
2024-12-28@01:20:49 GMT

السودان (وطننا الذي لم ننعم به)

تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم
ظللنا نستمتع بالاغاني الوطنية، وتغازل وجداننا اشعار الفروسية والجمال والنضال والثورة، وتطربنا احاديث نحن نملك اكبر قطر ومساحة زراعية وثروة حيوانية ومعدنية ونتوافر علي مصادر مياه متعددة وموقع جغرافي ونحن ونحن ونحن. والمؤسف ان كل ذلك لم يشفع لنا لبناء دولة محترمة تراعي حقوق المواطنين وتقدم لهم الخدمات.


والمضحك ان الشعار الذي حملنا علي نيل الاستقلال هو السودان للسودانيين، ولكن ما حدث فعليا هو نزع السودان من السودانيين! فمنذ الاستقلال او ما قبله حدث الصراع بين الحزبين الكبيرين علي ارضاء دولتي الاحتلال (الخارج) علي حساب معرفة حاجات الداخل وتُعرَّيف مصالحه. وبسبب ذات الصراع دخلنا في اسوأ نفق (حكم العسكر/فترة الجنرال عبود) الذي دشن بدوره دورة الارتهان للخارج (مصر والغرب) ولو بنسبة اقل، عكس حكم الجنرال نميري الذي سلم ذقنه تماما للمصريين وصناديق التمويل الدولية.
اما ما كان مجرد وسيلة (الارتهان للخارج) للبقاء في سدة السلطة، تحول علي عهد الانقاذ الي عقيدة اسلاموية مسلحة، مفارقة للوطن وحدوده وتلمس حاجات مواطنيه واحترام حقوقهم. اي بدل ان يحرر الاسلامويون الوطن من ثالوث (الفقر والجهل والمرض) المستوطنة في دول الجنوب، تحرر الاسلامويين من مسؤوليتهم تجاه المواطنين، لصالح تصورات وافكار هلامية تتوهم تحرير العالم اجمع!
والماساة لم تكن في الارتهان لهذه الهلاويس والافكار الملوثة التي تتخفي خلف قداسة الدين، ولكنها تجسدت في هدم كيان الدولة وتجيير مواردها لخدمة هذه الاهداف العبثية، التي تتلاءم واحساس العظمة والقدرات الخارقة التي تتلبس شيخهم الترابي. وبما ان الاهداف غير الواقعية تتطلب وسائل غير واقعية للسعي المستحيل خلفها، فقد ادي هذا السعار الديني لتضخم السلطة ونفوذها وامتيازاتها وهواجس الحفاظ عليها بطريقة مبالغ فيها، علي حساب استنزاف موارد الدولة، ورفع يدها عن تقديم الخدمات، وهو ما عبرت عنه بحق مقولة (المواطن في خدمة الدولة والاصح السلطة).
المهم، الانقاذ كمنظومة مشوهة عبرت عن انحراف شريحة مجتمعية تالفة، لم تنتج سلطة مشوهة فحسب، ولكن اجهزة وممارسات اشد تشوه، وعلي الاخص الاجهزة الامنية والعسكرية والشرطية! وتجلت مظاهر هذا التشوه في الخلط المعيب بين المهنية والمصلحة الخاصة! وبمعني اصح ليس هنالك تحديد للمهام او حدود بين السلطة الحاكمة واجهزتها، وكأن سلطة البشير اصبحت واجهة لسلطات متعددة بتعدد الاجهزة والمؤسسات، اي السلطة غرضها توفير الحماية (الحصانة) لمجموعة مصالح خاصة. والحال كذلك، تحولت سلطة الانقاذ بعد فشل مشروعها الهلامي الي محض امتيازات تنالها اجهزة الحماية! وبتعبير آخر، النزعة العسكرية الطاغية علي نظام الانقاذ لم تعد وسيلة لانجاز مشروع اي كان، ولكنها تحولت لبنية يرتكز ويشتغل عليها النظام. ولذلك اذا لم تكن هنالك مخاطر تواجه السلطة، فلابد من ايجادها! واذا كان هنالك مشكلة ذات طابع سياسي اجتماعي اقتصادي فالحل واحد وهو الحل العسكري. والقصد من تصعيِّد الهاجس العسكري، هو تخفيض هامش السياسة والقضايا الاقتصادية والاجتماعية والاهتمام باحوال المجتمع عامة، قبل ان يبرر هكذا هاجس عسكري مصادرة الحقوق والانتهاكات والنهب بحجة توفير الاستقرار، فلا صوت يعلو فوق صوت حماية السلطة، التي يتم ربطها تعسفيا بامن الوطن ودرجة الوطنية. وباختصار مع الاسلامويين تم احتكار الوطن لانصار النظام مع عداء مستحكم للسياسيين وتهميش لبقية المواطنين.
وبسبب توجه الاسلامويين الخارجي (ضعف صلتهم بالمجتمع) وتكوينهم العسكري (تبني العنف سياسيا) واستخدام الدين كرافعة سلطوية والردة الحضارية كسلطة ثقافية، شكل ذلك نقاط التقاءهم بحميدتي (غض النظر عن خلفيته التاريخية). اي كمغامر مرتزق يقوم بكل المهام القذرة نظير امتيازات مادية وعسكرية وسلطوية (الغاية تبرر الوسيلة). ولانعدام ارتباطه باي ارض او وطن، فهذا ما جعله في حل عن اي التزامات وطنية (الارتزاق عابر للحدود). واحتمال هذا ما يفسر حقد مليشيا الدعم السريع واستعلاءه علي اصحاب الارض الاصليين (المساليت). وكذلك تبدل تحالفته وما يطرحه من قضايا واطروحات يعتقد انها تفيده في طموحه. واصراره علي استخدام القبيلة بكامل حمولاتها التاريخية لخدمة اهدافه المستقبلية (وهذا مصدر السخرية والتندر من شخصيته).
من هذه الوجهة (مصادرة الوطن من المواطنين)، عملت الثورة علي رد الوطن للمواطنين، والإعلاء من شأن المصلحة العامة (قوافل الشهداء وعدم انقطاع الثورة) التي تعود علي الدولة بالتحديث والمأسسة ورد الاعتبار. ولكن كعادة حظنا العاثر، ارتطمت الثورة بتاريخ طويل من الارتهان لمصالح الخارج، التي تتصالح مع مصلحة النخبة المتسلطة علي السلطة والوطن والمواطنين. وبالتاكيد كانت الغلبة لحملة السلاح غصبا عن الشرعية الثورية وتعهدات الوثيقة الدستورية!
وبعد الانقلاب وتمدد نفوذ وسيطرة مليشيا الدعم السريع، خاصة بعد اجادته لعبة العمالة للخارج، وتضارب مصالح المكونات والدول الداعمة للانقلابيين، اصبحنا وجها لوجه امام هذه الحرب اللعينة. والتي ليست اكثر من نزع القناع عن الاطماع الشخصية واللغة السياسية المرواغة وتواطؤ شراكة الدم بين قيادات الجيش والدعم السريع. وبتعبير آخر، الدعم السريع جر الصراع علي السلطة لما يجيده، وهو اللغة العسكرية الهمجية (عدم التقيد باخلاقيات الحرب او هي اقرب لحرب العصابات). وهذا بدوره يقول شئ محدد، وهو ان حدود قدرات وقبلها تكوين الدعم السريع لا يتعدي خوض الحروب القذرة، وتاليا ليس في وسعه لا اقامة دولة ولا ادارتها (فنون ما عندو فيها نفقة)، اي يمكنه ان ينتصر ويستولي علي السلطة، اما بعد ذلك فمحلك سر (مجرد وجود حميدتي كنائب لرئيس مجلس السيادة بوضع اليد، صنع ربكة وفوضي قل نظيرها /ثور في مستودع الخزف او عرض مسرحية هزلية/، اما وجود الدعم السريع فخلق قلق عام، ورفع سقف المخاطر علي الدولة، لشذوذ تكوينه وضبابية مهامه، وهو ما قاد في آخر المطاف لهذه الحرب الكارثية) .
والحال كذلك، اذ ترك الاسلامويون هامش ضيق يسمح بالوجود والتملك والحركة، فإن مليشيا الدعم السريع كحالة متاخرة وهمجية من الاسلاموية، فهي لا تعد إلا بالنهب والسلب والاغتصاب واهدار الحياة بكل سهولة. اي تدمير ما راكمناه من قيم حضارية علي قلتها، وجعل الحياة قاعا صفصفا. اي ما يمارسه الدعامة علي الارض ويعدنا به سلوكهم البربري، هو الحرمان من الحياة بكل استهتار واسترخاص، ومن يصدف ويعيش، تُفرض عليه المذلة والسخرة لخدمة حملة السلاح الهمج العاطلين. اي ماضينا المخزي الذي جسدته التعايشية الهمجية المتخلفة، يصبح هو المستقبل الذي تعدنا به الحميدتية البربرية (اي نوع من التعايشية المستحدثة او الاكثر انتهاكات وتخريب).
لكل ذلك آخر من يحق له الحديث عن جرائم وانتهاكات مليشيا الدعم السريع او نهبها للموارد او استباحتها للبلاد، هم الاسلامويون. لانهم المؤسس للخراب الذي طال الدولة والمعاناة التي طاولت المجتمع، والمُنتج لممارسات الانحطاط التي تسرب منها الدعم السريع، وبمساعدة جنرال الغفلة البرهان، تفوق الدعم السريع حتي علي قدرات الجيش!
اما محاولة اضفاء مسحة تحررية وديمقراطية ووطنية علي مليشيا الدعم السريع وتلميع قائدها حميدتي او تبرير هذه الحرب، من قبل مستشاريه وكتابه، غض النظر عن دوافع ذلك، فهذا يسئ لهم ويكشف عن هشاشة وعيهم وتعرية لقيمهم، فوق انه ليس في وسعه قلب الحقائق او تزييف معرفة الناس بالدعم السريع وافعاله، وهم يلامسونها في املاكهم وكرامتهم ووجودهم.
والحال كذلك، سيطرة الدعم السريع علي مساحة واسعة في الخرطوم واغلب مدن دارفور، هو نموذج معاش للنهب والانتهاكات والفوضي والخراب وكل مآسي الحرب القذرة. وهو ما يعني توجه مليشيا الدعم السريع نحو مدينة ود مدني او غيرها من المدن، ليس له علاقة لا بالفلول ولا بالديمقراطية ولا دولة 56 ولا غيرها من المبررات الواهية والاكاذيب التي فاقت دجل الاسلامويين، ولكنه يصب في خانة سعي الدعامة لفرض سيطرتهم علي كافة البلاد، لاشباع شهوة النهب للجنود والسلطة لآل دقلو وضمان مصالح الامارات ومن يقف خلفها.
وبما ان ولاية الجزيرة ومدني بصفة خاصة، تضم كثافة سكانية عالية بمن فيهم النازحون، وبني تحتية ومؤسسات مدنية قد تكون بعد العاصمة التي تم تدميرها، كما انها تشكل مستودع الغذاء لكافة اهل السودان، وقبل ذلك ليس فيها هدف عسكري يهدد قوات الدعم السريع، وهذا غير ان في مسيرتهم العدوانية لم يتركوا ما يُنهب من المدنيين إلا نهبوه (العيلفون ابوقوتة تمبول) الشئ الذي يبطل مبرراتهم للزحف! فكل ذلك ينذر بمجازر جماعية ومجاعة شاملة وخراب عمراني اذا لم يتراجعوا عن مهاجمة ود مدني. وفي هكذا مهددات ومخاطر عالية، لا تنفع مجرد مناشدة من الامريكان لايقاف هذا الزحف العسكري الغادر، او البكاء علي الضحايا والخسائر بعد وقوع الواقعة! فما تملكه امريكا من قدرة ونفوذ، لا اعتقد انه اقل من قوة ونفوذ فرنسا التي استهدفت قوات القذافي الزاحفة لدك بنغازي. وكل المطلوب من امريكا ممارسة الضغط علي الامارات كفلاء قادة الدعم السريع، لايقاف تمدد هذه القوات تجاه المدن المكتظة بالسكان، وكذلك منع حاميات الجيش بالمدن من استفزاز قوات الدعم السريع. اي يجب محاصرة الحرب في اماكن اشتعالها، ومنع تمددها، حتي تقل خسائرها ويسهل اطفاءها.
وفي كل الاحوال اذا اصرت مليشيا الدعم السريع علي مهاجمة ودمدني، وعدم النزول عند رغبة الجميع بايقاف الحرب وتجنب توسيعها والجنوح للسلام، فعلي الجيش واجب التصدي بقوة وحزم لانقاذ المدينة واهلها، بل وعدم الاكتفاء بالدفاع ومواصلة الهجوم حتي اخراجها من ولاية الجزيرة. لانه اذا فشل الجيش في ذلك، فهذا ايذان بسقوط كافة مدن السودان في ايدي هذه المليشيا الهمجية، وسيادة حالة الفوضي والانتهاكات والمجازر الجماعية.
ولكن المؤكد لن يحدث اي تغيير في اداء الجيش البائس، دون التحرر من قياداته الحالية والابتعاد عن الكيزان والانفتاح علي المصلحة العامة، والمتمثلة في الجلوس مع قوات الدعم السريع بنية ايقاف الحرب واستعادة السلام، والاكتفاء بدوره العسكري، بعد انجاز الترتيبات الامنية. وهذا ما لن يحدث دون الاقتناع بتغيير موازين القوى السابق، الذي يبيح له فعل كل شئ. وتحوله لاحد طرفي القوة في البلاد، بما يفرضه ذلك من معادلات جديدة، تحتاج لمعالجات خاصة، حتي الوصول لجيش واحد، اذا ما كنا محظوظين ووصلنا لهذه المرحلة المتفاءلة، في واقع كل فيه يدعو للتشاؤم، بسبب تفاهة من يتسيدون مشهده المحترق.
واخيرا
ليس هناك مشكلة سياسية او عسكرية او غيرها من المشاكل المجتمعية ليس لها حل، ولكن الحلول تحتاج لتوسيع مساحة الحوار والتسامح والتعاون والشراكة والتنازل والاحترام المتبادل، والاهم التوافر علي قيادات حقيقية تستشعر المسؤولية الوطنية وتتحلي بالقيم الانسانية (من اين لنا هذا؟). كما انه ليس هنالك حلول والحروب مشتعلة (يحتاج ايقافها لمعجزة او عصا دولية غليظة). وفي هكذا اوضاع يبدو اننا في امس الحاجة لروح الشهيد محمود محمد طه، الذي ينسب له قول (انه لا يكره الترابي كشخص بل هذا موضع احترامه ولكنه يكره افعاله) او شئ من هذا القبيل. وتخيلو شخص يتسامح مع شخصية شريرة كالترابي لا تكن له غير الضغينة وتضمر له الغدر، ما اعظمك يامحمود وحاجتنا الماسة لامثالك. نسال الله ان يسلم بلادنا ويحفظ اهلنا، وان يلهم قادة هذه الحرب المدمرة وداعميها، الحكمة والبصيرة ولو لمرة واحدة. ودمتم في رعاية الله.
/////////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: ملیشیا الدعم السریع هذه الحرب کل ذلک

إقرأ أيضاً:

التفاوض أم التصعيد: أي مصير ينتظر السودان في 2025؟

في هذا التقرير تقدم بعض القيادات السودانية رؤى متباينة حول مصير النزاع: البعض يؤمن بالتفاوض كسبيل للسلام، بينما يدعو آخرون للتصعيد العسكري لحسم الحرب. ومع تصاعد الأزمات الإنسانية والتدخلات الدولية، تتزايد الدعوات المحلية لتوحيد الصفوف وإنهاء الحرب، مما يفتح باب الأمل لبناء سودان جديد قائم على المصالحة والعدالة..

التغيير: كمبالا

مع اقتراب حلول العام الجديد تتفاوت توقعات السياسيين السودانيين بشأن مستقبل الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، في حديثهم لـ”التغيير”، أشار عدد من القيادات السياسية إلى توقعاتهم حول تطورات النزاع، مسار العملية السياسية، ومستقبل السودان في ظل التعقيدات الحالية.

الحرب تفرض واقعاً جديداً

أكد القيادي بالحزب الشيوعي، كمال كرار أن الحرب المستمرة منذ عشرين شهراً لم تسفر عن انتصار أي طرف، بل عمقت معاناة الشعب السوداني، في ظل تفشي المجاعة واتساع المأساة الإنسانية.

وأشار إلى أن المخاوف من تحول النزاع في السودان إلى حرب إقليمية تهدد دول الجوار دفعت المجتمع الدولي إلى تكثيف الجهود للضغط على أطراف النزاع لإنهاء الحرب.

الحرب المستمرة عمّقت معاناة الشعب وخلقت دعوات متزايدة لإبعاد العسكر عن السياسة

كمال كرار

 

وأوضح كرار أن الجبهة الداخلية تشهد توسعاً ملحوظاً في الدعوات لوقف الحرب، حفاظاً على وحدة السودان وقطعاً للتدخلات الخارجية.

وأضاف: هذه التطورات قد تخلق واقعاً مختلفاً في العام المقبل، مع احتمال وقف الحرب جزئياً أو كلياً، مما يفتح الباب أمام أوضاع جديدة تنهي أسباب الاقتتال وتعيد الاستقرار.

وأشار إلى أن قوى عديدة بدأت تتبنى شعار “توحيد قوى الثورة”، بهدف الضغط على أطراف النزاع لإنهاء الحرب واستعادة الثورة، وهو ما يمثل عاملاً مؤثراً في تغيير المعادلة.

كما أكد أن الحرب نفسها أوجدت رغبة جامحة لدى الشعب السوداني لإبعاد العسكر تماماً عن السياسة، وحل جميع المليشيات، بما يساهم في بناء دولة مدنية حقيقية.

وختم كرار حديثه بالتأكيد على أهمية هذه العوامل في تحقيق السلام وإعادة بناء السودان على أسس جديدة، تتجاوز الحروب والانقسامات، وتحقق طموحات الشعب السوداني في العدالة والمساواة.

لاجئات سودانيات في تشاد – أرشيفية

 

التفاوض هو السبيل لإنهاء الحرب

على الجانب الآخر، رأى، القيادي البارز بتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)، رئيس الحزب الاتحادي الموحد، محمد عصمت، أن الأمل في عودة الطرفين إلى طاولة التفاوض ما زال قائماً، خاصة أن أكثر من عشرين شهراً من الحرب أثبتت عدم قدرة أي طرف على تحقيق انتصار حاسم.

وأشار إلى أن وقف الحرب لن يتم إلا عبر عملية تفاوضية شاملة، وهو ما يضع مسؤولية كبيرة على السياسيين والمدنيين للاستمرار في جهودهم.

التفاوض هو السبيل لإنهاء الحرب، ولا يمكن تحقيق الاستقرار إلا عبر تسوية شاملة تدعمها إرادة سياسية وجهود دولية

محمد عصمت

وأضاف عصمت “علينا تكثيف الضغوط بالتعاون مع شركائنا الدوليين والإقليميين لدفع الطرفين نحو إنهاء النزاع ومعالجة الكوارث الإنسانية المتفاقمة التي خلفتها الحرب”.

وشدد عصمت، على أن معالجة الأزمات المتجددة تتطلب إرادة سياسية حقيقية، ودعماً دولياً وإقليمياً لضمان الوصول إلى تسوية تعيد للسودان استقراره، وتضع حداً للمعاناة الإنسانية التي يواجهها المواطنون.

وقف إطلاق النار شرط للحوار

بالمقابل اعتبر رئيس حزب البعث السوداني محمد وداعة، أن الحوار السوداني لا يمكن أن يحقق نجاحاً دون وقف إطلاق النار أولاً، مشيراً إلى أن جوهر الحوار يرتبط بالموقف من قوات الدعم السريع، وتوصيف الانتهاكات والعدوان الذي وقع خلال فترة الحرب.

وأشار إلى وجود قوى داخلية ترفض الإقرار بالتدخل الدولي، خصوصاً التدخل الإماراتي، مما يعكس حالة من الانقسام الداخلي التي تعيق الوصول إلى توافق سياسي شامل.

وقف إطلاق النار شرط أساسي لنجاح الحوار السياسي، مع ضرورة معالجة القضايا العالقة مثل أطراف الحوار وأجندته

محمد وداعة

وأكد أن هناك العديد من القضايا العالقة التي تعرقل انطلاق العملية السياسية، أبرزها، تحديد أطراف الحوار، الاتفاق على أجندة الحوار، اختيار مكان انعقاد الحوار.

وأوضح أن هذه القضايا تحتاج إلى اتفاق واضح بين الأطراف لضمان نجاح الحوار وتحقيق نتائج ملموسة.

ودعا وداعة إلى أن يكون عام 2025 نقطة تحول في مسار الأزمة السودانية، يتم خلاله وقف الحرب بشكل كامل، وإزالة آثار العدوان. كما شدد على أهمية عودة المهجرين والنازحين إلى مناطقهم، واستئناف تقديم الخدمات الأساسية، وإطلاق عملية إعادة الإعمار لضمان استقرار السودان وبناء مستقبل أفضل.

هشاشة الدولة جذر الأزمة

ووصف القيادي في حزب المؤتمر الشعبي كمال عمر، العام الحالي بأنه كان من أصعب الأعوام على الشعب السوداني، إذ شهد اندلاع حرب شاملة طالت كل المدن، ولم تسلم منها أي منطقة.

وأوضح أن هذه الحرب عكست ضياعاً للاستقرار والسلام، وأكد أن جذور الأزمة تعود إلى هشاشة الدولة السودانية منذ تأسيسها، سواء في البناء الدستوري أو السياسي.

وأكد أن الدولة السودانية عانت تاريخياً من نظام فيدرالي ضعيف وقبضة مركزية متسلطة، إلى جانب تهميش وظلم كبيرين للمناطق المختلفة. وأضاف أن الأحزاب السياسية والمؤسسات، بما فيها العسكرية، ساهمت في تراكم الأخطاء التي أدت إلى الوضع الحالي. وأشار إلى أن السودان، منذ الاستقلال، فشل في كتابة دستور ديمقراطي دائم يلبي تطلعات الشعب، حيث كانت كل الدساتير مؤقتة وانتقالية وشمولية.

كما أشار إلى أن الحرب الحالية اندلعت لأسباب سياسية ودستورية، متعلقة بطموحات عسكرية. وأوضح أن رئيس مجلس السيادة يسعى لاستخدام الحرب كوسيلة لترسيخ حكمه، في حين يستغل آخرون النزاع لتصفية حسابات أيديولوجية، سواء من الإسلاميين أو العلمانيين.

في ظل هذا الاصطفاف الأيديولوجي الحاد، دعا عمر إلى تبني عقلية تصالحية ووجدان سليم لجمع السودانيين حول طاولة واحدة. وأكد أن السودان يحتاج إلى تحقيق المصالحة الوطنية، تطبيق العدالة الانتقالية، والتوصل إلى توافق سياسي شامل لإنهاء الحرب.

ورغم تشاؤمه من حجم التحديات، أبدى القيادي بالمؤتمر الشعبي، تفاؤلاً محدوداً، معرباً عن أمله في أن يمنح الله الشعب السوداني والقادة العسكريين البصيرة والرشد السياسي لتبني عملية سياسية توقف الحرب وتحقق الاستقرار. واختتم حديثه قائلاً “نحن بحاجة إلى نهج تصالحي يضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبارات أيديولوجية أو سياسية.”

آمال في سودان جديد

في ذات السياق أكد رئيس القطاع الإعلامي في حزب التجمع الاتحادي محمد عبدالحكم، أن السودان يواجه تحديات غير مسبوقة بعد مرور أكثر من عشرين شهراً على اندلاع حرب 15 أبريل، والتي أسهمت في تعميق الأزمات السياسية والاجتماعية والإنسانية.

وقال إن خطاب العنصرية والجهوية بلغ مستويات خطيرة، مع إقرار قوانين مثل “الوجوه الغريبة” التي تهدد وحدة النسيج الاجتماعي، فضلاً عن حرمان ملايين السودانيين من حقوقهم الطبيعية في استخراج أوراق ثبوتية، مما يفاقم معاناة الشعب السوداني.

وأشار إلى أن هذه الأوضاع المأساوية تُنذر بمستقبل قاتم، خاصة مع الحديث المتزايد عن تقسيم البلاد بحكم الأمر الواقع، في ظل تقارير عن تشكيل حكومة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع. لكنه شدد على أن السودانيين قادرون على تجاوز هذا الواقع السوداوي، وتحويله إلى فرصة لتحقيق السلام والعدالة والمساواة.

وقال عبدالحكم “نؤمن في التجمع الاتحادي بأن السودانيين يمتلكون القدرة والإرادة لتوحيد صفوفهم ورفض الحرب. وقد لمسنا مؤخراً إشارات إيجابية بانسحاب عدد من المجموعات من دعم الحرب والانضمام إلى منصة دعاة السلام”.

وأضاف “سنعمل خلال العام الجديد على توسيع دائرة رافضي الحرب، وتحفيز الجهود الشعبية للضغط على أطراف النزاع للالتزام بخيار السلام واستعادة المسار الديمقراطي”.

وختم حديثه قائلاً “نحن في التجمع الاتحادي ملتزمون بالسعي لبناء سودان جديد يُرسخ قيم الحرية والعدالة والسلام، ويقوم على التعايش السلمي وسيادة القانون. لن نتوقف عن العمل حتى نحقق تطلعات شعبنا في بناء دولة مدنية ديمقراطية تلبي طموحات جميع السودانيين”.

مساران للحل سياسي وأمني

من جهته وضع أمين الإعلام والناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة والكتلة الديمقراطية، محمد زكريا رؤية لحل الأزمة السودانية من خلال مسارين منفصلين.

قال زكريا أن الحوار السياسي يتطلب توفير الأمن كشرط أساسي لضمان مشاركة شاملة وفعالة. وأشار إلى أن مليشيا الدعم السريع تُعد عقبة رئيسية أمام هذا الهدف، حيث تسيطر على الطرق، وتمنع حركة المواطنين بحرية.

وأكد أن تحقيق الأمن يتطلب حسم التمرد العسكري، مما يسمح للسودانيين بالعودة من المنافي والمشاركة في الحوار. كما شدد على ضرورة توافق القوى السياسية على القضايا الإجرائية للحوار السياسي، مشيراً إلى أن المناخ الملائم يمكن أن يمهد الطريق للسودانيين لحل خلافاتهم ووضع أسس انتقال ديمقراطي حقيقي.

الأزمة تتطلب مسارين: سياسي وأمني. تحقيق الأمن يعتمد على حسم التمرد ودمج الدعم السريع في الجيش

محمد زكريا

المسار الأمني والعسكري

فيما يتعلق بالمسار الأمني، لفت زكريا إلى أن الدعم السريع رفضت الالتزام بتنفيذ إعلان جدة، الذي نص على خروجها من الأعيان المدنية. وأوضح أن هذا التعنت يُضعف فرص الوصول إلى حل أمني عبر منبر جدة، مشيراً إلى أن الوساطة الدولية لم تنجح في إجبار المليشيا على الالتزام بما تم الاتفاق عليه.

ورأى أن الواقع الميداني يدعم خيار حسم “التمرد” عسكرياً، إلى جانب تنفيذ عملية دمج وتسريح شاملة لما تبقى من الدعم السريع.

وبيّن أن دمج هذه القوات في الجيش يمكن أن يؤدي إلى إنهاء وجود الدعم بشكل نهائي في المشهد السوداني، مما يفتح المجال أمام تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي.

التفاوض خيارنا والجيش يتحمل المسؤولية

فيما أكد مستشار قائد الدعم السريع أيوب نهار، استعداد قواته للتفاوض، لكنه ألقى باللوم على الجيش، مشيراً إلى أن الأخير “مختطف من قبل فلول النظام البائد” وغير راغب في التفاوض. وشدد على أن الدعم السريع لم يشعل الحرب وأن همه الأول هو المواطن السوداني.

رغم تعدد الرؤى واختلاف المقاربات، يتفق الجميع على أن السودان يقف عند مفترق طرق، حيث يتطلب إنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار بإرادة سياسية حقيقية، وتوافقاً داخلياً شاملاً.

الوسومالسلام في السودان القوى السياسية المصالحة الوطنية حرب الجيش والدعم السريع حرب السودان

مقالات مشابهة

  • السودان.. الكارثة المنسية
  • الحرب الأهلية في السودان تخلّف أزمة إنسانية غبر مسبوقة: 150 ألف قتيل و12 مليون نازح
  • التفاوض أم التصعيد: أي مصير ينتظر السودان في 2025؟
  • السودان: حكومات الحرب الموازية
  • عام آخر والناس في متاهة الحرب أين الطريق ؟
  • رغم إنها حربكم ربما تفصد السموم التي حقنتم بها الوطن!
  • وحدة السودان بين تعددية الجيوش والمليشيات وتعددية المراكز الجغرافية السياسية
  • تحديات السودان مع مطلع 2025
  • السودان.. حرب «منسية» و ملايين يعانون في صمت
  • الحركة الشعبية والدعم السريع- رؤى متضاربة وصراع المصير