أبجديات أهداف التنمية المستدامة وموقع السودان منها
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
الهدف التاسع، الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية (9 من 17)
د. حسن حميدة – ألمانيا
يتضمن الهدف التاسع من أهداف التنمية المستدامة الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية، ويمثل هذا الهدف عمليا، القاعدة الأساسية للنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة العالمية حتى العام 2030. وتتجسد أهميته في مقابلة التحديات المستقبلية التي تتعدد في مجابهة الآتي: ازدياد التعداد السكاني العالمي، ازدياد تعداد سكان المدن، الحوجة للطاقة واستخداماتها، المتطلبات البيئية الملحة، تطوير سبل الاتصالات، النهوض بتكنولوجيا المعلومات، تشجيع البحث العلمي والاكتشافات، تأسيس الصناعات الجديدة الصديقة للبيئة وطبيعة الكائنات الحية ومآويها، تطوير مصادر الطاقة المتجددة، والحث على تبادل الخبرات والمنافسة.
تعتبر الصناعة الدينامو المحرك للتنمية عالميا، والتي إذا توقفت ذات يوم، توقفت التنمية بشتى أنواعها. وتختلف التنمية في استدامتها باختلاف أنواع الصناعة ومعداتها. فمنها الصناعات الثقيلة والمتوسطة والخفيفة. وهذه الأنواع تختلف أيضا على تأثيرها على البيئة المحيطة بالكائنات الحية، بما فيها الإنسان. وفي هذا العصر الحالي يودع فيه العالم صناعات ذات تأثير أكبر على البيئة، والسعي بجد لوجود صناعات أخرى صديقة للبيئة. وتأخذ بعض أنواع الصناعات التقليدية موضع خاص، فيما يختص بدورها في تحقيق الاستدامة محليا، خصوصا الصناعات اليدوية. ومن هنا تنبريء أهمية هذه الصناعات ودورها في طريق الاستدامة.
وللوصول لصناعات مستدامة محليا وعالميا، لا بد من تشجيع الابتكار الصناعي والتكنولوجي والبحثي، الذي يلعب دورا ذا أهمية في المجتمع الحديث، ويعمل بإيجابية على دعم المؤسسات والشركات والتوظيف والإنتاج والتنافس. ويبني الابتكار على تقوية المقدرات في استخدام الموارد والثروات استخدام مرشد ومستدام، يكون أساس البناء لعالم غد ينعم بالسلام، تتوجه العدالة والمساواة والمشاركة بمنتجات متطورة ومواكبة. ويعبر الابتكار في خلاصة مضمونه التعريفي عن شكل منتج جديد أو خدمة مبتكرة، أو عملية تصنيع جديدة أو تكنولوجيا حديثة تواكب تطورات العصر ومتطلبات إنسانه، وتعمل على محاربة المؤثرات المحيطة بمجتمعات الإنسان من جهل وفقر وجوع ومرض، والذي إذا تأثر يوما، تأثرت بقية المخلوقات التي تحيط به في الغابات والبحار وغيره..
لتمهيد طريق الوصول للابتكار، يتطلب الأمر توفر الهياكل الأساسية لذلك، التي تمثل قاعدة الهرم للهدف التاسع من أهداف التنمية المستدامة. ويصنف الابتكار لعدة أنواع منها، الابتكار في التكنولوجيا والتصنيع، الابتكار في العرض والتسويق، الابتكار في العمل والإنتاج، الابتكار في تطوير المنتجات، الابتكار في الإعلان والتجارة، والابتكار في تبادل الخبرات. وتنضوي تحت مظلة الهياكل الأساسية هنا قطاعات مختلفة ترتبط ارتباطا وثيقا بضرورتيها القصوى لتحقيق هذا الهدف وبقية أهداف التنمية المستدامة. ويتمثل هذا في سبل اكتساب الطاقة البديلة واستخداماتها وسبل النقل ونظم الري وتحديث تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات. كلها تعتبر ذات أهمية قصوى في الوصول للتنمية المستدامة المنشودة عالميا، ليس فقط في المدن والحضر، بل أيضا في القرى والأرياف.
بناء على الإحصائيات التي تعني بهذا الهدف، هناك حوالي 4 مليار شخص في العالم، 90 % منهم يعيشون في الدول النامية التي لا تتوفر فيها خدمات الإنترنت. وهناك 40 % من الدول الأفريقية الفقيرة التي تعاني من محدودية البنية التحتية، وعدم توفر سبل النقل فيها، الشيء الذي تنعكس آثاره على تدني إنتاج الشركات العاملة في هذه الدول بنسبة 40 %. كما أن هناك 2.6 مليار شخص لا يتوفر لهم التيار الكهربائي اللازم لتغطية متطلبات الحياة اليومية في العصر الحديث. وفي مجال الإنتاج تقدر نسبة المنتجات الزراعية في الدول النامية التي تخضع للمعالجات الصناعية بنسبة 30 %. وهذا بعد حصدها وعرضها للأسواق العالمية، مقابل نسبة 98 % من المعالجات الصناعية لمنتجات الدول المتقدمة لنفس الأسواق. وفيما يخص التسويق العالمي لمنتجات الدول النامية الفقيرة، فهي لا تتعدى في التجارة العالمية نسبة 2 % في المشاركة بأهم منتجاتها، وهذا حسب الحوجة والعرض والطلب.
فيما يختص بالهدف التاسع من أهداف التنمية المستدامة "التصنيع، الابتكار والهياكل الأساسية": لا بد من أن يضع في الاعتبار هنا تحقيق هذا الهدف مع مرعاة مستقبل الحياة على كوكب الأرض، تحديدا التصنيع، استخدامات الطاقة، وآثار الانبعاثات الكربونية الناتجة عن التصنيع والإنتاج والترحيل، والمتمثلة في المقام الأول في غاز ثاني أكسيد الكربون. وتدل آخر الدراسات في هذا المجال على أن هذه الانبعاثات الكربونية قد تراجعت بالفعل في السنوات الماضية في كثير من بلدان العالم. إلا أن هذا التراجع محصور إنتاجيا وإستهلاكيا، كما أنه غير متساو في مختلف أرجاء العالم، على سبيل المثال انخفاض الانبعاثات الكربونية في الدول الفقيرة، عما سواه في الدول الغنية. وتتبوأ الدول المنتجة والمستهلكة للطاقة الأحفورية قمة الهرم فيما يخص الإنبعاثات الكربونية ذات الأبعاد المؤثرة على ازدياد الاحتباس الحراري على كوكب الأرض، وبدوره التأثير المباشر على بيئات ومآوي الكائنات الحية على سطح الأرض، وفي أعماق البحار والمحيطات. حصيلته أن الانبعاثات الكربونية تعد ذات تأثير مدمر لطبقة الأوزون الواقية للغلاف الجوي الخارجي للأرض، والتي تؤدي بدورها إلى تفاقم من الأزمة المناخية العالمية، عبر مؤثرات كتأثير الغازات الدفيئة من صنع الإنسان.
عرف عن السودان قديما كرقعة جغرافية ثرية بحضاراتها القديمة وغنية بتطورها. واشتهرت حضارات السودان القديمة بأنها مهد لأهم الصناعات الحديثة، وموطن للصناعات التقليدية واليدوية التي يرجع تاريخها إلى القدم. ويحملنا موضوع التصنيع والابتكار والهياكل الأساسية هنا في رحلة طويلة ترجع إلى ما قبل الحضارة الكوشية، ثم الحضارة الكوشية والحضارة المروية ومنتوجاتها التي تزين مختلف متاحف العالم. نجد هناك مصنوعات من الفخار والصخر والبرونز والذهب والأصداف والخرز وغيره من مواد تتشابه وتختلف. ولحضارات السودان القديمة دور لا يستهان به، حتى في أساسيات الميكانيكا الحديثة، وخصوصا أساسيات ميكانيكا الزراعة وميكانيكا الري، التي كان منبعهما الحضارات النوبية القديمة في شمال السودان. كل هذا بصورة منفصلة ذاتيا وغير متمازجة نوعيا مع الحضارات المصرية القديمة، التي كانت المنازع والمنافس الأول للحضارات النوبية القديمة في الرقعة الأفريقية القديمة. وهنا على سبيل المثال، صناعات تتمثل في معدات وآلات الزراعة والري التي كان موطن مولدها تلك الحضارات النوبية القديمة الجدير بالذكر هنا. ولنذكر هنا الدلو، الشادوف، الساقية، البكرات، الكرجاكات، التروس وغيره من آلات قديمة توجد في متاحف العالم المتقدم، لتوثق تاريخها وموطنها الأصلي، والتي ما زالت تستخدم حتى الآن في أرض السودان الكبير للإنتاج المستدام في مختلف مناطق الإنتاج.
يبدأ التصنيع البسيط في السودان بإنتاج الأواني والأثاثات المنزلية، التي يدخل في إنتاجها كل ما يتوفر محليا من مواد كالسعف والجلد والريش الصدف والحاء والحبال والخيوط منسوجة تقليديا من القطن، ليمتد إلى صناعة المراكب القوارب النيلية (على امتداد نهر النيل من أقصى الجنوب، مرورا بوسط السودان، إلى أقصى الشمال) من الخشب وتصنيع الطوب ثم حرقه لبناء المنازل. ويختلف صنع المأوى في السودان من مكان إلى آخر، وحسب اختلاف مناخ المناطق. فهي قد تكون في المناطق المطيرة مآوي موقته، يعاد بناؤها أو تجديدها في كل بداية عام. تتكون أساسا من القش والأعواد والخشب واللحاء وحبال وعريش وسعف النخيل. وفي المناطق الأخرى، خصوصا المتاخمة للنيل، يتم بناؤها من الطين المخلوط بروث الحيوانات الأليفة. وتعتبر هذه الطريق هي من أقدم الطرق لبناء المنازل التي لها خواص معمارية وبيئية فريدة ومستدامة، تعيد تعريف مصطلح الاستدامة العالمية في البناء والتعمير وأبجديات تصميم المباني والمعمار. وفي كثير من مناطق السودان التي تتمتع بقدر من الرفاهية والتمدن المحليين، يستعين الناس بالطوب الأحمر في بناء مآويهم. كما أن للقبائل الرحل والرعاة المتجولين من سكان السودان مآوي متجولة ومترحلة أيضا، تعتمد في بنائها على استخدام المنسوجات وجلود وصوف الماشية (الشمال بكسر حرف الشين).
زيادة على ذلك يأتي السودان في المقدمة كأول قطر ينال استقلاله في القارة الأفريقية. الشيء الذي مهد له الاستفادة من المؤسسات الصناعية الحديثة التي تركها الاستعمار البريطاني لكي يواصل السودان الاستفادة منها من بعد ذلك. وهنا نعني بالتحديد سكك حديد السودان، وهيئة المواني البحرية، ومحالج الأقطان، وشركات الغزل والنسيج. ثم دخلت في وقت مبكر للسودان إذا ما قورن ببقية دول المنطقة ودول الجوار، الصناعات المختصة بالحياة اليومية كتصنيع الجبن والألبان، والصابون ومعجون الأسنان، والصلصة والمكرونة، والملبوسات والأحذية، وغيرها من منتجات ذات أهمية. والتي أدت لأن يكتفي السودان في أوج سنواته الصناعية ذاتيا، مشاركا بالفائض المتبقي من منتجاته لدول الجوار، في شكل تبادل تجاري عادل، وعلى أسس وأعراف التجارة العالمية التي تدعم موضوع الاستدامة إلى حين عصر العولمة وما يحفه اجحاف على الدول النامية الفقيرة وحياة الإنسان، خصوصا في القارة الأفريقية جنوب الصحراء. وللأسف كله لصالح دول متقدمة تدق طبول العدالة، وتنادي بحقوق الإنسان، ولكنها تتجاهل معنى هذه الحقوق عن قصد، وبإشراق صباح كل يوم باكر.
في العصر الحديث توسعت صناعات مختلفة في السودان، خصوصا صناعات السكر، والخبز، والجلود، والدقيق، والمشروبات، والزيوت، والنسيج، والحلويات، والبسكويت، والمكرونة، والمربى، والطحينة، والجبنة، والصلصة، والصابون بمختلف أنواعه ، والعطور، ومعجون الأسنان، وصناعة بعض المواد الطبية سهلة التركيب من محاليل ومعقمات ومراهم وكريمات. كما تقدم السودان خطوات محسوسة في الصناعات الثقيلة المتمثل في تركيب السيارات ووسائل النقل، وتصنيع قط الغيار التي لا تمثل عقبة تكنولوجية كبيرة بتصنيعها محليا، بتوفر السبائك الصلبة الضرورية للتصنيع، ووجود الخبرات العاملة المدربة والقادرة على التصنيع وتطويره.
من أهم النقاط التي يمكن أن تضاف هنا فيما يخص التصنيع والابتكار في السودان هو حماية المنتجات الوطنية للسودان من قرصنة الدول المصنعة والأسواق العالمية. فمن كان بإمكانه القرصنة على التكنولوجيا الحديثة والمتطورة، طباعتها وصنعتها واستباحتها في الأسواق العالمية، من دون مراعاة الحقوق الأصلية، يمكنه استباحة الصناعات الخفيفة من هبابات وقفاف وأطباق وبخس ومحافظ وقرب وبنابر وعناقريب في السودان. وقرصنة الأسواق لا تطال الأعمال اليدوية فقط، بل لا تنجو منها أيضا المأكولات الشعبية في السودان. ويوجد على سبيل المثال عدد مهول من وصفات للأطباق السودانية التي توثق بالصورة والصوت وطريقة إعدادها عمليا، من دون الإشارة إليها من قبل المشاركين بها في منصات التواصل الاجتماعي، على أنها أطباق سودانية الأصل. والملاحظ حتى المنتجات الوطنية المعمولة بصنع اليد في السودان، صارت تنتج في كثير من الدول الجائعة للإنتاج و التسويق، من دون وجود رقابة عالمية دقيقة وعادلة عليها. ومن هنا نناشد كل المختصين في مجالات التصنيع والابتكار، والعاملين في مجالات حماية المنتجات الوطنية والإستهلاك والثقافة والفولكلور السوداني، من الوقوف على حماية منتجات السودان، بداية بالأطباق الغذائية الشعبية، ونهاية بالمنتجات اليدوية المستدامة، ليبقى موطنها وأصلها معروفا، وتكون حقوقها الثقافية محمية، كما هو عليه الحال في بقية منتجات العالم.
من أجل الوصول لتحقيق هذا الهدف كليا أو جزئيا في السودان، لا بد أول من وضع حد حاسم للحرب الدائرة رحاها في السودان الآن. والتي بها تتم الإبادة البشرية لإنسان السودان، خصوصا للقوة البشرية العاملة (الشباب) التي يمكن أن توظف من أجل التنمية والتقدم في مختلف المجالات بدلا عن الحرب وتشريد المواطن من مكان إلى مكان آخر أقل أمنا. بالحرب الجارية وفي مختلف مناطق السودان تم تدمير أهم قطاعات التنمية الاقتصادية فيه "قطاع الصناعة" بنسبة 90 %. الشيء الذي يأخذ موقع حجر عثرة، يقف حيال التنمية المستدامة في السودان، وحيال كيفية تحقيقها أيضا في الدول المجاورة وحتى العام 2030 في الدول المجاورة التي تعتمد كليا أو جزئيا عل موارد السودان الزراعية والحيوانية المنشأ، بل تعتمد أيضا على أرضه وثرواته الحيوانية وموارده الزراعية ومصادره المائية. إن تعطيل قطاع الصناعة في السودان يعني تحطيم همة الابتكار والتنافس فيه بمختلف ضروبه، وهدم الهياكل الأساسية التي كانت بدايتها احتلال مآوي المواطنين التي كانت آمنة من فئات دخيلة عليها بقوة السلاح. ثم تلاه تحطيم المنشآت والمؤسسات وهيئات الدولة عبر السلاح الثقيل الموجه بغرض التدمير، لتتحول سلطة الدولة الحاكمة إلى حالة همجية تنشغل بالكر والفر، بدلا من إدارة الدولة التي فقدت عنانها منذ أكثر من ثمانية أشهر. فاللدولة السودانية أن تعود وتسترد عافيتها في ظل حكم ديمقراطي يختاره المواطن بإدلائه بصوته، ولا يفرض عليه بالقوة والتسلط.
مختصر في نقاط فيما يخص الحرب القائمة وآثارها في تدمير القطاع الصناعي والإنتاجي في السودان:
أولا: أدت الحرب القائمة في السودان إلى شلل الهياكل الأساسية شلل تام، مما يعني وضع عقبات كبيرة تجاه تطوير هذه الهياكل لتكون في المستقبل أكثر قوة وجودة واستدامة، والتي كان دورها المنتظر أن تدعم الاقتصاد ورفاهية الإنسان محليا. الشيء الذي تنعكس آثاره على أوجه التقدم والمساواة إقليميا أيضا.
ثانيا: أثرت الحرب القائمة تأثيرا مباشرا على العمالة والصناعة والإنتاج، وانجلى هذا التأثير في صور قلة الإنتاج الذي تنعكس عواقبه كيفية الاكتفاء الذاتي للمواطن، والاحجام عن التصدير لأهم المنتجات التي تعود على السودان ومواطنه، ومواطني دول الجوار بالنفع، والشيء الذي يمهد لخلق الفقر والجوع.
ثالثا: عطلت الحرب اللعينة المشاريع المهمة للصناعة والإنتاج ومحاربة الفقر والجوع، خصوصا مشاريع الإنتاج الزراعي والحيواني. وتحتوي هذه المشاريع المعنية على المشاريع الصغيرة التي تعني بحياة الأفراد والأسر، والمشاريع الكبيرة التي يعتمد عليها السودان في اقتصاده، متمثلة في مختلف المنتوجات.
رابعا: أوقفت الحرب المصطنعة كل السبل المتاحة لتحسين وتحديث الصناعة المستدامة في السودان، كما أوقفت إمكانيات الاستفادة من سبل استخدام التكنولوجيا النظيفة في كل مجالات التصنيع المحلي. الشيء الذي يكون ناتجه عدم مواكبة السودان كقطر أفريقي نام، له بعد إستراتيجي مؤثر تنمويا في نمو المنطقة.
خامسا: أدت الحرب الهمجية إلى ركود استخدام الثروات والموارد الذاتية للسودان، استخدام يخدم أغراض الاستدامة محليا وعالميا. بغياب أهم منتجات السودان عن الأسواق العالمية، يتولد خلل كبير في العرض والطلب لهذه المنتجات، مما يمهد مستقبليا لفقدان أهم القطاعات بتأثر إنتاجها في الأسواق العالمية.
سادسا: نجحت الحرب المتخلفة في تعطيل البحث العلمي والتطور التكنولوجي المستدام بعد أن دمرت أهم القواعد الأساسية التي يقف عليها. الشيء الذي يمثل حجر عثرة كبير تجاه تعزيز البحث العلمي وتطوير التقدم التكنولوجي وتشجيع الابتكار في القطاع الصناعي في دولة نامية وذات أهمية إقليمية كالسودان.
سابعا: أثرت الحرب العبثية على حياة إنسان السودان، وأجبرته على العطالة عن العمل وانعدام الأجور والمرتبات، وتعطل الإنتاج وغلاء الأسعار وزيادة الفقر والجوع. ويتمثل هذا في الهجرة القسرية للمواطن داخليا وخارجيا، زيادة على ذلك احتلال مآوي الأفراد ومنازل الأسر، ونهب ممتلكاتهم بقوة السلاح.
ثامنا: أوقفت الحرب العدوانية الدعم المالي الدولي المتبادل بين السودان والدول الصديقة والمنظمات الإنسانية، وغاب توظيفها في مشاريع مستدامة، تدعم تقدم السودان، وتجعله ينجح في محاربة الجهل والفقر والجوع والمرض، ليسهم في الوصول لأهداف التنمية المستدامة لمنظمة الأمم المتحدة بحلول العام 2030.
لتحقيق هذا الهدف المنشود أو الاقتراب منه قليلا في السودان، يتعين على الدول الغنية وبعض دول الجوار التي تحسد السودان على كل خطوة إيجابية يمشيها تجاه التنمية والتطور، أن تعترف بعملها من أجل هدم مقومات التقدم والتنمية والإنتاج في السودان، بما فيه القطاع الصناعي الحديث. وأن تعترف بكشفها للسودان كقطر ذي سيادة، ولمواطنه كإنسان ذي كرامة عن الوجه القبيح، بأنها هي المسؤول الأول في حمل الحرب لأحضان الدولة، لكي تبسطها في أرض بلد كان ينعم من قبل بالسلام والتنمية والتقدم. لهذه الدول المعنية، والتي تدري من هي، أن تدفع للسودان التعويضات اللازمة لإعادة البناء والتعمير فيه بعد أن شاركت بيدها في التخطيط لجر الحرب للسودان، في عاصمته الخرطوم، وأهم مدنه الجنينة، الأبيض، نيالا، الفاشر، كتم، زالنجي، كادقلي، وأخيرا ود مدني. تنفيذ كل مخططات الحرب في قطر أفريقي لا يعنيها تقدمه وتقدم إنسانه، بل يعنيها أن تسلب ثرواته وموارده الذاتية في عصر حروب الثروات، وليظل قابع في الفقر والجوع والمرض أبديا، لتنعم هي بثرواته في المستقبل. وحرب السودان ما هي إلا أكثر من دليل واضح على خرق هذه الدول لاتفاقيات حقوق الإنسان، متمثلا في المساعدة في قيام في الحرب في السودان، والإبادة البشرية لإنسان دول أفريقيا جنوب الصحراء، وفي تدخلها في شؤون السودان كدولة ذات عهد قديم بعضويته في منظمة الأمم المتحدة. ومن هنا لا بد أن تأتي مصداقية المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة، في تحريك موضوع هذه التعويضات بسبب الدمار الذي لحق بالسودان ومؤسساته، والتي إن تمت بإيفاء مكتملة، أوفت بما ينتظره إنسان الدول الأعضاء المتأثرة بالحرب المفتعلة، وكما هو يحدث مع إنسان السودان وفي بلده السودان وبمساعدة دول جائرة، تحسب أنها دول عظمى ودول أكثر قوية.
وأخيرا: على هذه الدول الداعمة والمطبلة للحرب أن تكف عن رفد الجهات المتصارعة في السودان من أجل السلطة بالسلاح، لكي لا يروع ويشرد إنسان السودان مرة أخرى بعد أن أخلى لهم دياره وبحث واختار ملاذه الأخير. هذه "الملاحقة بعد الملاحقة" إن لم يضع لها حدا عاجلا وحاسما، سوف تعدم السودان في ظرف أيام طاف النار. وعندها ليطيب المقام للمواطنين الجدد أن يحكموا السودان ويسمون أنفسهم بالسودانيين الأصليين.
(نواصل في الهدف العاشر: الحد من أوجه عدم المساواة...)
E-Mail: hassan_humeida@yahoo.de
المصدر: ترجمة معدلة من أوراق ومحاضرات للكاتب.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: أهداف التنمیة المستدامة الانبعاثات الکربونیة الأسواق العالمیة الدول النامیة إنسان السودان الفقر والجوع الابتکار فی دول الجوار فی السودان السودان فی الشیء الذی هذه الدول هذا الهدف فی الدول التی کان فیما یخص فی مختلف من أجل
إقرأ أيضاً:
خيبة أمل إسرائيلية من سرعة انتشار شرطة حماس في غزة.. فشل أهداف الحرب
ما زالت مشاهد مقاتلي حماس المنتشرين في قطاع غزة تترك دهشتها لدى الإسرائيليين، وهم يرون تصدّع شعار "القضاء على حماس" الذي طالما أعلنته حكومة الاحتلال، مع أن الأمر لم يقتصر على المقاتلين فقط، بل يضاف إليهم مئات من رجال الشرطة الذين انتشروا في أنحاء القطاع، وبدأوا بمراقبة تدفق المساعدات، وتنظيم عودة النازحين، مما اعتبرته أوساط إسرائيلية عديدة تناقضا صارخا مع أهداف الحرب.
وقال مراسل صحيفة "يديعوت أحرونوت" عيناف حلبي، إن "الشعارات التي رفعتها الحكومة بشأن تلقي قطاع غزة لضربة تاريخية في هذه الحرب، وما تعرضت حماس نفسها لأضرار بالغة تمثلت بالقضاء على العديد من قادتها، لكن فور الإعلان عن وقف إطلاق النار في غزة، أرسلت حماس رجالا مسلحين ملثمين إلى الشوارع لإرسال رسالة إلى العالم مفادها: أننا لا نزال هنا، وسيتعين عليكم أن تأخذونا بعين الاعتبار".
وأضاف حلبي في تقرير ترجمته "عربي21" أن "المئات من رجال شرطة حماس انتشروا في الطرقات مكشوفي الوجوه، يرتدون الزي الأزرق، مع أنهم هم ذاتهم الذين لاحقهم الجيش بشكل منهجي خلال شهور الحرب، مما يعني أن استمرار وجودهم، والدور الذي استعادوه بسرعة، يرمز، أكثر من أي شيء آخر، إلى حقيقة أن حماس لا تزال تسيطر على قطاع غزة، مع أن قوتها الشرطية، وقرار الجيش باستهدافها، بقيت قضية مثيرة للجدل طوال الحرب".
وأشار أن "الجيش الإسرائيلي يعتبر القوة الشرطية المسلحة تابعة لحماس من جميع النواحي، فيما يعتبرها العالم مكلفة بإعادة النظام للقطاع بدل الفوضى الناشئة خلال الحرب، لاسيما تأمين توزيع المساعدات الإنسانية، وردع اللصوص الذين يسرقونها، لكن الجيش لم يأخذ ذلك في الحسبان، في ضوء أن أحد أهداف الحرب الرئيسية، بجانب إعادة المختطفين، هو القضاء على القدرات العسكرية والحكومية لحماس".
وأوضح أنه "في الوقت نفسه، لم يتحرك الجيش لخلق بديل لشرطة حماس، وبالتالي فإنها تحركت لملء الفراغ القائم في غزة بطريقة مباشرة، مما دفع الحركة للمباهاة بأن الشرطة المحلية تمكنت من جلب السلامة والأمن إلى الأماكن التي يمكنها القيام بها لمنع محاولات النهب، وملاحقة اللصوص، وإعادة المسروقات، رغم أن الجيش هاجم عشرات من مراكز الشرطة، وقتل المئات من رجالها منذ بداية الحرب، وزعمت أنها قوّضت قدرتها على العمل، بهدف زرع الفوضى، وتعطيل الأمن في غزة، وخلق فراغ إداري وحكومي".
وأشار إلى أن "شرطة حماس واصلت مهامها خلال الحرب دون زيّها الرسمي، رغم تعرض مراكزها لقصف الجيش، وقُتل العديد من ضباطها، ونزح آخرون من المناطق التي عملوا فيها، واضطر آخرون لتوفير الضروريات الأساسية لأسرهم، مما جعلهم يواجهون صعوبة بفرض القانون والنظام، رغم محاولتهم ونجاحهم في بعض الأحيان، وقد حرصوا على عدم ارتدائهم الزي الشرطي بهدف تجنب استهدافهم، وفي الوقت نفسه عدم مناقشة قوة أخرى لتحل محلهم، مما ساهم بنشر الفوضى في غزة".
وأكد أن "الفلسطينيين في القطاع يعتمدون بالكلية على شرطة حماس، فلولاها لما استطاع ربّ أسرة في غزة يستطيع أن يعيد النظام إلى القطاع، ولذلك فقد شاهدوا مشاهد مذهلة مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، ورفع التهديد بشن غارات جوية، حيث ظهرت الشرطة الفلسطينية بزيها الرسمي فجأة في شوارع القطاع، وأعلنت بصمت عودة حماس كسلطة حاكمة على غزة، حيث يوجد الآن ستة آلاف من أفراد الشرطة في جميع أنحاء القطاع".
وأوضح أن "الشرطة في غزة اليوم لديها أدوار عملية تتعلق بتأمين وتسهيل دخول قوافل المساعدات، وعودة السكان لشمال القطاع، ومنع أعمال النهب والسرقة، حيث عادت جميع مراكزها للعمل، وهي ملتزمة بالحفاظ على النظام، وحماية المواطنين أثناء إعادة بناء حياتهم، لأن وجودها جاء ضمن ملحق لوقف إطلاق النار، الذي يسمح للشرطة المدنية التابعة لحماس بالعمل بزيها الأزرق الرسمي في المناطق المكتظة بالسكان، وتم الاتفاق عليها مسبقًا، على أن تتولى المسؤولية الكاملة عن إدارة حركة النازحين، ونقلهم من جنوب القطاع لمدينة غزة وشمالها، ولا يحملوا أسلحة إلا عند الضرورة القصوى، بالتنسيق مع الفريق الأمني المصري القطري".
واستدرك بالقول أن "العديد من ضباط الشرطة تم توثيقهم مسلحين بأسلحة طويلة، وبعد أن انتشر عناصرها في وسط قطاع غزة، أظهروا تواجدا في الشمال والجنوب، وحظوا بترحيب من الفلسطينيين، ورغم الدعاية الإسرائيلية التي تروج بأن الشرطة جزء لا يتجزأ من حماس، لكن الفلسطينيين لا يرون ذلك، ويعتبرون أن قوات الشرطة لا تشبه المسلحين المقنعين، ويرون أن نشر الشرطة أمر إيجابي، وسيعمل على ردع اللصوص، ويعتبرون أنهم بحاجة لحماس في هذه المرحلة لتحقيق الأمن، دون السيطرة على غزة".
وأكد أنه "في غياب أي خيار آخر، أصبح سكان غزة يعتمدون مرة أخرى على حماس في حفظ أمنهم الشخصي، لكنهم يواجهون مشاكل أخرى أكبر، أهمها إزالة الأنقاض الهائلة، وإعادة بناء البنية الأساسية، ولن تكون الشرطة قادرة على توفير كل هذه الخدمات، ومع ذلك فإن نشر قواتها في القطاع تعتبر رمزا للحكم، رغم أنها لا تزال في مرحلة إعادة تأهيل طويلة، وليس من الواضح ما إذا كانت ستكون جزءًا من "اليوم التالي" في القطاع، بعد أن فقدت المئات من أفرادها، بينهم ضباط كبار ورؤساء أقسام، أكبرهم قائد الشرطة محمود صلاح، خلال غارة جوية اسرائيلية على منطقة المواصي أوائل يناير، وتعيين محمود أبو وطفة بدلاً منه".
وأضاف أنه "في حال بقيت حماس مسؤولة عن الشرطة، فإن هذا يشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية فشلت في تحقيق أحد الأهداف الرئيسية للحرب، وهي القضاء على القدرات الحكومية والسلطوية لحماس في غزة".