السنوار.. الميت الحي على رأس القائمة السوداء
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
(إنهم موتى أحياء يمشون على الأرض)، هكذا يصف "الشاباك " المقاومين الفلسطينيين والنخبة المستهدفة لقادة حماس!
(سكاي نيوز) في حديثها للقائم بأعمال المتحدّث باسم جيش الاحتلال (جوناثان كونريكوس)، أكدت أن قادة حماس- الذين استهدفهم الموساد مرارًا – لا يزالون على قيد الحياة، وعلى رأسهم السنوار، والضيف، العدوّان رقم واحد على قائمة الموت، واللذان أطلقت عليهما: "العقل المدبر" لأحداث السابع من أكتوبر، وهو مصطلح تتناقله وسائل الإعلام الغربي بشكل ببغائي، ولكن ما دلالته؟ وهل يُعدُّ إساءة أم إشادة؟
إذ الملاحظ أنّ الإعلام الصهيوني حاله حال الشيطان: كلما فشل بالتسرب إلى ضمير العالم، استعان بالإعلام الغربي ليقوم بشطف العقول- أي غسل الأدمغة- عبر خطاب تحريضي ينزع عن المسلم والفلسطيني صفتهما الإنسانية، ببروباغندا ممنهجة، تتدرجُ من الأسفل إلى الأعلى، في "هرم الكراهية" الذي تُشكِل المشاعرُ العنصرية قاعدته الأساسية، وتحتل الإبادة العِرقية رأس قمته!
الإسلام والغرب وشعوذة المرايا!يَعتبِرُ العربي -الذي يُعاد تدويره استشراقيًا- أن من يؤمن بنظرية المؤامرة مصابٌ بالوهم والارتياب من كل ما هو غربي.
نحن، جميعًا، مُستهدفون ومُستخدمون، ولوحة استهدافنا هي إسلامنا -عقيدة الفضيلة التي منحتنا الأفضليّة بين الأمم- ما أشعلَ الكيدَ الذي اتّقدت به شرارة المدنيّة الحديثة، فأخذت تشوّه الفضيلة وتُزينُ الرذيلة، وتحارب الإسلام على اعتباره النواة لأكبر خطرين على الحضارة: الجهل والتخلف، ثم الإرهاب والتطرف، فكان تشويهه قناعًا يُخبئ به الغرب قُبحه، ومرآةً يختبئ فيها من وجهه المشوّه!
خلق العقلُ الغربي التآمري عقلًا إرهابيًا غير واقعي" فانتازيًّا"، ليُفرّغ فيه سمومه، جاعلًا منه عُبوّة ثقافية ناسفة، يهدّد بها أمن البشرية، وهو بهذا ينسُب الدور التآمُريّ- الذي يقوم به عقله المُدبر الحقيقي- إلى العقل المدبر " الوهمي" الذي اخترعه.. فهل ستُساير الكذاب، أم تُحلّفه، أم تصدق كذبته التي لا يصدقها هو!
عادة تُطبّقُ نظرية "العقل المدبر"، على العباقرة والعظماء والرموز البطولية في الغرب، حيث تُعتبر (Mastermind)، عبارة مديح. ولكن، حين تستدعي الحاجة لخلق عدُوٍّ افتراضي جديد يُناسب القائمة السوداء، يُهرع الإعلام الغربي للتلويح بـ "العقل المدبر" كفزاعة يروّع بها الجماهير من خطر إرهابي (مسلم أو عربي أو فلسطيني)؛ فأي حضارة مريضة ومختلة هذه التي تحيك وتُدبّر المؤامرة، وتنفذها على مرأى العالم، ثم تعاقبك وتتهمك بالجنون والإرهاب إن لم تشكك بالدسيسة وتنكرها!
يستخدم الإعلام الغربي علم النفس كطقس من طقوس الشعوذة، يُريك صورتك في مرآة عدوك، وصورة عدوك في مرآتك، يُطبّق النظرية على الشيء ونقيضه في الوقت نفسه. فالمُؤشّر على عبقرية عدوك، هو نفسه ما يستخدمه العدو كمؤشرعلى خطورتك، بحيث يبدو مجرموه أبطالًا، وأبطالك مجرمين؛ "إلباس الحق بالباطل والعكس"، ومن هنا تأتي ازدواجية المعايير؟!
الظروف القاهرة جعلت عظماء الغرب مقدّسين في ذاكرة شعوبهم، فلماذا تصبح معاناة أبطالنا مادة للسخرية والتشويه!
ما معنى ازدواجية المعايير الغربية؟اربط الحزام أيها القارئ.. فعدمُ إدانة السنوار، خروجٌ سافرٌ عن السياق الوحدوي لـ (أمة العالم الحر)!
يقع المطبعون العرب في تناقض عجيب، فهم إذ يتباهون بتطبيعهم، ينشرون معلومات -تشويهية- يُخوّنون بها السنوار كعميل لليسار الإسرائيلي! فهل تجادل الأحمق بحماقته ليظن أنه أحكمُ منك؟
التطبيع والتطويع بَرْزخان لا يلتقيان. من يُضطر للعيش مع عدوه إلى حد الالتصاق، لا بدّ أن يبتكر سُبلًا يُطوع بها هذا الالتصاق بما لا ينافي تنافره مع عدوه.. كأن تقاوم وجوده فيك، بفصلك عنه، وهذه تكتيكات فلسفية لا يفهمها سوى من اعتادوا السير على النهج النبوي الحكيم الذي يرى أن الحرب خدعة! حسنًا إذن، كيف تُفهم الازدواجية؟
أولًا: يصف الإعلام الغربي السنوار بـ (جزّار خان يونس الذي لا يبتسم، أسس قُوّة " المجد" للقبض بيد من حديد على الجواسيس)!
أين العيب؟ ألا يُعاقِب أي قائد عظيم الخونة والعملاء؟ كيف يُشوّهون مهمة الشرف في الأعراف القيادية؟ ألا ترى أنهم كلما حوّلوا الفضيلة إلى رذيلة، ازدادوا تشوُّها؟!
ثانيًا: قال (مايكل ملشتاين) ضابط المخابرات العسكرية: " لم نفهمه على الإطلاق، قدم لنا صورة كاريزماتية لرجل كلامُه قليل وحضوره قوي". "أبو إبراهيم" حسب "فايننشال تايمز" – قائد أسرى حماس في السجون – منصب مؤثر داخل التسلسل الهرمي للحركة- شخصيةٌ موثوقةٌ وأسطورية للفلسطينيين الذين يشعرون بالفخر تجاهه، لكن الفلسطينيين المعتدلين يعرفون أنه أعادنا إلى العصر الحجري".
أليست هذه سمات شخصية استثنائية؟ أين الإرهاب في أن يكون موثوقًا مثلًا؟ هل تحس بنبرة إعجابهم به؟ ولكن ما هي حقيقته التي أخفاها عنهم؟ هل في كونه مصدرَ فخر لشعبه؟!
طبعًا، هذه جريمة من وجهة نظرهم؛ لأن المشاعر الفلسطينية العقلانية التي يُمجدونها هي تلك التي تحتقر البطل، وانظر إلى اللغة التي يحاربونك بها، فـ (العصر الحجري) يرمز للإسلام، بالتالي فـ (المعتدلون) ليسوا إسلاميين!
ثالثًا: العقلية التآمرية تضخم التفاصيل بتأويلات معكوسة وغير منطقية.. فاللاجئ ضحية الاحتلال ونهجه الترانسفيري، ولكن " الجوويش كرونيكل" تعتبر اللجوء خطيئة ومسؤولية السنوار وحده، وتبلغ الوقاحة حد مُعايرته به وبسجنه وفقره ورضاه بالقليل، ثم ينشرون أخبارًا عن سنوار -أقرب إلى النموذج الإيطالي – صاحب أموال في بنوك فرنسا التي تقرر تجميدها كإجراء عقابي، يا للهول!
الظروف القاهرة جعلت عظماء الغرب مقدّسين في ذاكرة شعوبهم، فلماذا تصبح معاناة أبطالنا مادة للسخرية والتشويه!
عواقب توراتية وقائمة سوداءمن حقك الإنساني أن تحترم مناضليك، وترفض حرمانك من هذا الحق، وإلا ستبقى عاريًا أمام سرديتهم التعسفية، مكشوفًا أمام لوحة التهديف، لا يُسمح لك بإثبات براءتك من جريمة عدوك: (العقل التآمري)!
لن يرضى عنك عدوك، حتى لو أدنت نفسك، فماذا يريد أكثر من تمييعك وقد منعك حتى من الحياد؟ وبما أنه لا يهتم بافتضاح حقيقته، فلماذا يكذب إذن؟
إنها عقيدة الشر، يفرضونها بالقوة، محولين الجريمة إلى مهمة حضارية، ترتقي بك من إرهابي إلى مُطبع، ووريث لغُزاتك تتبنى إداناتهم لأبطالك، وتمتنّ لهم على تشويهك.. هكذا يستخدمونك لتكون عدو نفسك وفريستها!
تُصور "نيويورك تايمز" و"فرانس 24″ الاحتلال بأنه رحيم: " أجرى للسنوار عملية جراحية وعالجه في السجن حيث تعلم العبرية، وقرأ أعمال الصهاينة الأوائل، وأصبح يرتدي القمصان بأزرار".. فهل شر البليّة مضحك إلى هذا الحد!
يُظهرُ الغربُ الاحتلالَ صاحبَ الفضل وليس صاحب الجريمة، يقتبس تصريحات السنوار للصحافة الغربية – التي قال فيها؛ إن الحرب ليست من مصلحة أحد – ليثبت أن عقوبة السجن مُستحقة للفلسطيني، ورادعة، تحوله من إرهابي إلى داعية للهدنة.
أما وقد منح الاحتلال تصاريح عمل في إسرائيل لبعض الجواسيس الذين رسموا خرائط اقتحمَ المظليون بها الغِلاف، بعد هدنة اختفاء طويلة للسنوار – تمويهًا وكسبًا للوقت- مستفيدًا من المعونات القطرية، لإنشاء فلسطين إسلامية، فهذا اعتراف صريح بفشلهم، وتحريض يجعل الاطمئنان والتعايش مع الفلسطيني جريمة بحق أنفسهم، وبهذا يجردون الفلسطيني من دواعي وجوده، ما يستدعي قتله والفتك به في كل مكان.. يا الله!
يصرّحون: (لا بد من التكفير عن هذا الخطأ الاستخباراتي الفادح الذي مرّغ أنف إسرائيل، وأي مظهر للاعتدال يبدو سخيفًا، العواقب ستكون توراتية، وأما السنوار فلن يستسلم، سيموت هناك في غزة).
القائمة السوداء التي ستحل بها العقوبة التوراتية "حزقيال 9: 5-7”، تضم أيضًا "الضيف"- يلقبونه بابن الموت- ثم إسماعيل هنية، ومروان عيسى رجل الظل واليد اليمنى للضيف- هدف رئيسي لوحدة (نيلي) التعقبية التي أنشأها الشاباك بعد 7 أكتوبر- ثم صالح العاروري الذي تقدم أميركا 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.. ولم يزل خالد مشعل ضمن قائمة (الموتى الأحياء)، كما أطلق عليهم وزير الدفاع الإسرائيلي (يوآف غالانت) .
الحرب فكريّة، وأنت كمقاوم، تُباد وتُعاقب وتتعرّض لأبشع أشكال العنصرية والتشويه؛ لأنك تملك مقومات القيامة والحياة. ما يُرعب عدوك منك: أنك إنسان البعث والخلود، فكيف نتوقع أن يهزمك من يراك الميت الحي، غير القابل للموت أو لإعادة التدوير؟
أراد لك عدوُّك سوءًا حين اعتبرك " العقل المدبر" و " الميت الحي"، ولكن إساءته انقلبت إليك ثناءً، إنه يعرفك جيدًا، يعرف أنك خطر عليه؛ لأنك نقيض شره.. لم ينجح بتحويلك إلى ضحية مريضة مهووسة بجلادها. أبطلت بصمودك علمه الزائف المُشوّه حين خلقت منطقك النفسيّ السويّ والسليم، كضحية قوية أجبرت الجلاد على تقمّصها إلى درجة الهوس.
يصبح رجال المقاومة إذن، عُقدة عدوهم وقد هزموا عقيدته، وأوقعوه في عقله المتآمر فقلبوا عليه شرّهُ.. يعيشون وهم يتوقّعون موتهم دون أن ينتظروه.. يذهبون إليه ليس لأنه هدفهم، بل لأنهم أهداف حيوية للحياة!
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الإعلام الغربی العقل المدبر
إقرأ أيضاً:
لعنة ميونخ تعود من جديد
"ميونخ" هو الاتفاق الذي أبرمته بريطانيا وفرنسا مع هتلر في ميونخ، بعد استيلائه على تشيكوسلوفاكيا، سنة 1938 أقرتا فيه بالأمر الواقع، تجنبًا للحرب.
ظل ما يسمى بروح ميونخ، لعنة في وجدان الغربيين، يحيل إلى الانهزامية التي لم تُفد في شيء؛ لأنها لم تعصم من المواجهة.
فهل تكون مغازلة ترامب لبوتين ميونخ جديدة؟ أي التضحية بأوكرانيا، من أجل تجنب حرب عالمية ثالثة.
لوّح الرئيس ترامب في تقريعه للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اللقاء الشهير بالبيت الأبيض، بخطر حرب عالمية ثالثة، وحمّله مسؤولية ذلك، إن هو تمادى في رفض "عرض السِّلم".
التاريخ لا يتكرر، ولكن من الواضح، أن العالم عاش تحولًا إستراتيجيًا، غير مسبوق في غضون أسبوعين، بعد اللقاء الخائب في البيت الأبيض ما بين الرئيس الأميركي ترامب والرئيس الأوكراني زيلينسكي (28 فبراير/ شباط 2025)، ثم خطاب الاتحاد للرئيس الأميركي أمام الكونغرس (4 مارس/ آذار)، فاجتماع رؤساء الدول الأوروبية في بروكسل (6 مارس/ آذار) من أجل وضع لبنة دفاع مشترك خارج المظلة الأميركية.
وقبل هذا وذاك، الاجتماع الدوري الذي انعقد في شهر فبراير/ شباط حول قضايا الأمن بميونخ، واعتبار نائب الرئيس الأميركي فانس في خطابه، أن ما يتهدد أوروبا ليس الصين ولا روسيا، وإنما الخطر الداخلي، بضربها عرضَ الحائط بالقيم الغربية، ومنها الديمقراطية وحرية التعبير.
إعلاننحن الآن في بداية مسار يهيئ لتحولات جذرية، هي أكثر من تحالفات ظرفية، أو تموقع تكتيكي، لانزياح إستراتيجي، يهم القوى الكبرى الفاعلة؛ الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وأوروبا، مما سينعكس على العالم بالتبعية.
هناك قوى ترقُب ما يعتمل، بتوجس، بل بهلع، كما كوريا الجنوبية، واليابان، وتايوان، التي تخشى تخلّي الولايات المتحدة عنها، وأخرى ترصد التطورات السارية، لتعيد تموقعها.
أول التغييرات، هو ما يرتبط بالغرب نفسه، أو تحديده على الأصح. كان الغرب يبدو وحدة متراصة، في التقاء مرجعية قيمية وفضاء جغرافي يتكون من الولايات المتحدة، وأوروبا، فضلًا عن أستراليا، ونيوزيلندا واليابان وإسرائيل.
يُعرِّف بعض الإستراتيجيين الغرب بالقوة العسكرية ممثلة في الناتو، والقوة الاقتصادية والمالية ممثلة في السبعة الكبار، والقوة الاستخباراتية، أو ما يسمي بخمس عيون: (الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، أستراليا، نيوزيلندا)، وكلها في ركاب الولايات المتحدة.
تُنهي التحولات الجارية هذه التعريفات عن الغرب، مما يجعل من العسير صمود مصطلح ائتلاف الغرب الذي كانت تستعمله روسيا، في شيء من الزراية.
يقوم تمايز بداخل الغرب، بين غرب تقليدي، محافظ، تحمله الشعبوية اليمينية، ينبني في اختزال شديد على محددين: إنسان أبيض ومسيحي، من جهة، وغرب ليبرالي، من جهة أخرى.
تلتقي الأحزاب الشعبوية اليمينية حول قيم مشتركة، على المستوى الداخلي، محورها ما يسمى اللاليبرالية الديمقراطية، أي أنها تستمد شرعيتها من الشعب، وترى أنها من يعبر عن الديمقراطية، وترفض هيمنة النخب، وبنيات "الدولة العميقة"، وترفض الليبراليةَ سواء أكانت اقتصادية، أم ثقافية، أو اجتماعية، ويتغلغل هذا التوجه في كل من الولايات المتحدة، وأوروبا، في شكل أممية شعبوية تنبني على توجهات موحدة على مستوى السياسة الخارجية.
إعلانإلى ذلك، لا تتعارض الشعبوية اليمينية الغربية مع الشعبوية اليمينية غير الغربية، كما في روسيا، أو الهند.
التحول الجيو-سياسي الدراماتيكي الأكبر هو الذي يهم الولايات المتحدة، وقد رسم ملامحه الرئيس الأميركي، في خطاب التتويج (21 يناير/ كانون الثاني)، وخطاب الأمة الموجّه إلى الكونغرس (4 مارس/ آذار).
وهو يضرب صفحًا عن القواعد المتعارف بها في العلاقات الدولية، كما التعاون، واحترام القانون الدولي، والدبلوماسية متعددة الأطراف، والقيم، ليغدو محددَّ السياسة الخارجية الأميركية أمنُها القومي، ورسم مناطق نفوذ، وإجراءات حمائية، اقتصاديًا ولو أدى الأمر إلى حروب تجارية، واجتماعيًا، مع الحد من الهجرة، بل وضع اليد على مناطق من العالم باسم الأمن القومي، كما غرينلاند، وقناة بنما.
لا يعدم ترامب مؤيدين داخل الولايات المتحدة وخارجها. كل الاتجاهات الشعبوية اليمينية، تمشي في ركابه، من جورجيا ميلوني في إيطاليا، وفيكتور أوربان في هنغاريا، ممن هم في المسؤولية، واتجاهات يمينية مؤثرة، كما التجمع الوطني في فرنسا، أو البديل من أجل ألمانيا في ألمانيا، أو فوكس في إسبانيا. تتطابق رؤى هذه الاتجاهات مع تعاطي ترامب للملف الأوكراني.
التحول الإستراتيجي الثاني يهم روسيا، التي كان رهانها أن تصبح جزءًا من الغرب الكبير، مثلما عبّرت مادلين أولبرايت، عن انطباعها حول أول لقاء لها ببوتين، بصفتها وزيرة، وإسراره لها برغبته في أن تكون روسيا جزءًا من الغرب الكبير.
تلتقي توجهات ترامب وبوتين، فيما يخص دور الدين، والأسرة، والتقاليد. وبتعبير آخر، فالتناقض الأساسي، بالنسبة لترامب، هو مع أوروبا الغربية، وليس مع روسيا.
أما الصين فلم تتوانَ في الرد على خطاب الرئيس الأميركي للأمة، من أنها مستعدة للحرب، أيًا كان شكلها. تدرك أن التموقعات التي يجريها الرئيس الأميركي، سواء من خلال التقارب مع روسيا، أو وضع اليد على قناة بنما، هي من أجل احتواء الصين، فضلًا عن الحرب التجارية التي يشنها عليها.
إعلانالتقارب الأميركي الروسي، يُحوّل التحدي إلى الساحة الأوروبية التي راهنت على المظلة الأميركية، وتتبين أنها لا تستطيع أن تستمر في ذلك.
بيد أن اللعبة بالنسبة لأوروبا تبدو معقدة، لأنها تلعب على زمنين: المدى القصير، وهو تعويض وقف دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا من حيث الإمدادات العسكرية، والمعلومات المخابراتية، وهو ما يبدو عسيرًا بل شبه مستحيل.
والمدى الطويل، الذي تتوخى فيه أوروبا إرساء منظومة أمنية أوروبية موحدة خارج المظلة الأميركية، من خلال سياسات عسكرية جديدة، عبر رفع الإنفاق العسكري، وتطوير الصناعة الحربية، والردع، وتعبئة المواطنين، وإعادة الخدمة العسكرية، والتنسيق بين قيادة الجيوش، وحتى في صنع السلاح واستعماله.
وليس مؤكدًا أن تتوحد كلمة أوروبا في وضع سياسة دفاعية موحدة. إذ لا تنظر إيطاليا بارتياح إلى قيادة عسكرية أو سياسية تتزعمها فرنسا، وتنظر بدلًا من ذلك في اتجاه الولايات المتحدة.
ومن البديهي أن التغييرات الدراماتيكية الكبرى سوف تنعكس على العالم، أو بتعبير أدق، ترصد الأطراف الأخرى، ومنها ما يسمى بالجنوب الكبير، التحولات الكبرى، لترسم توجهاتها.
وماذا عن محور الصين روسيا، أو الصداقة الدائمة بينهما؟ أليست غاية تحركات ترامب فلّ حلف موسكو بكين؟ هل يستطيع ترامب، إعادة ما قام به نيكسون، بفل الوحدة الأيديولوجية ما بين الصين والاتحاد السوفياتي؟ أليس هذا هو الرهان الأكبر لكل هذه التحولات؟
ما يجري هو تتمة لفصل جرى في الشرق الأوسط، وفي الحرب على غزة ولبنان. هل كان للاختراقات التي حققتها إسرائيل على حزب الله، في سوريا، ولبنان، أن تحدث لولا دعم روسيا؟ ألم يكن ذلك دفعًا مسبقًا من قِبل روسيا، لجني مكاسب في ملف أوكرانيا؟
لا ينبغي النظر إلى التوجهات الخارجية التي أسفرت عنها الولايات المتحدة، بحسبانها قرارات مزاجية، بل رؤى راسخة لدى توجهات عميقة وبنيات مؤثرة، يرفعها الرئيس الأميركي ويعبر عنها، بأسلوبه الخاص.
إعلانومن غير المحتمل أن يقع تراجع في التوجهات التي أسفرت عنها الإدارة الأميركية الحالية. قواعد اللعبة تغيرت، ولن تعود عقارب التاريخ إلى الوراء. وكل تحوُّل يُفرز رابحين، وخاسرين، ومن يحسنون انتهاز الفرص.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline