على شواطئ غزة.. حرب أخرى تشنها إسرائيل على الصيادين
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
يتعمد الجيش الإسرائيلي تدمير كل سبل العيش في غزة ضمن عدوانه المتواصل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والذي أدى لاستشهاد نحو 19 ألفا معظمهم من النساء والأطفال.
ومن بين سبل العيش التي قتلها العدوان الإسرائيلي مهنة صيد الأسماك ومكوناتها، ما يقضي على مداخيل شريحة كبيرة من الناس.
ورغم القصف الإسرائيلي العنيف برا وبحرا وجوا، يخاطر بعض الصيادين بحياتهم وينزلون إلى شاطئ البحر لصيد الأسماك، لعلّهم يجدون ما يسدون به رمقهم وأطفالهم، في ظل الحصار الخانق المفروض والذي حرمهم كل مقومات الحياة الأساسية.
من بين أولئك الصيادين، أبو تامر فياض من مخيم دير البلح وسط قطاع غزة، الذي يقول إن معاناتهم مستمرة منذ سنوات الحصار الإسرائيلي الممتدة طوال 17 عاما، وتفاقمت مع بدء العدوان الحالي.
لا بديل عن الصيدويضيف أن "العدوان الإسرائيلي متواصل منذ 70 يوما وآلة الحرب والخراب لم تتوقف للحظة، والظروف المعيشية والحياتية للصيادين صعبة، والاحتياجات كثيرة، فمن أين سنوفرها إن لم نمارس عملنا"؟
وأثناء جلوسه على الشاطئ رفقة نجله في انتظار صيدٍ يعلق في صنارته، يقول فياض "الصياد يهرب من العدوان الإسرائيلي وما خلّفه من ضغوط الحياة المادية والاجتماعية والنفسية إلى البحر رغم خطر الاستهداف".
ويؤكد أن الزوارق الحربية الإسرائيلية لا تتوقف عن استهداف مراكب الصيد والصيادين في كافة مناطق قطاع غزة، مبينا أن معاناة الصيادين مستمرة منذ سنوات الحصار الإسرائيلي الطويلة.
ويعيش في قطاع غزة نحو 2.4 مليون فلسطيني يعانون -حتى من قبل هذه الحرب- من أوضاع كارثية، جراء حصار إسرائيلي مستمر للقطاع منذ أن فازت حركة حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006.
وتعد مهنة الصيد مصدر رزق أساسي لآلاف العائلات في القطاع، وتقيد إسرائيل حدود قوارب الصيد في غزة بـ6 أميال فقط، وتحرسها السفن الإسرائيلية والقوات الخاصة البحرية التي تطلق النار على أي شخص يعبر تلك الحدود.
جانب من نشاط الصيادين في غزة في ظل العدوان الإسرائيلي على القطاع (الأناضول) وضع كارثيوفي موقع آخر على شاطئ البحر، يجلس الصياد حسن حجي أمام حصاد يومه من بعض الأسماك التي اصطادها ويفرزها كل حسب نوعه.
حجي الأربعيني يصف أوضاع الصيادين في ظل الهجمات الإسرائيلية المتواصلة بـالكارثية.
يقول حجي -وهو نازح من مخيم الشاطئ شمال القطاع باتجاه دير البلح- إن من يمارس مهنة الصيد الآن، يخاطر بحياته بسبب الاستهداف من قبل البوارج الحربية الإسرائيلية.
ويلفت إلى استهداف زوارق الجيش الإسرائيلي قبل أيام أحد الصيادين من عائلة المسارعي في عرض البحر على مقربة من الشاطئ وهو على مركب بسيط يدوي، ما أدى إلى استشهاده.
ويضيف "يحاول الصياد الحصول على قوت يومه في النزول إلى البحر بقوارب بسيطة أو باستخدام شباك صيد يدوية أو باستخدام صنارة"، مبينا أن الجيش استهدف موانئ غزة ودير البلح وخان يونس ورفح ومراكب الصيادين.
وفيما يتعلق بكميات الصيد، يذكر أنها بسيطة جدا ولا تفي باحتياجات السكان والنازحين في المناطق الوسطى والجنوبية.
وينوه إلى أن أسعار الأسماك أصبحت مضاعفة مقارنة بالسابق، ورغم ذلك المواطنون مقبلون على شرائها في ظل غلاء أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء والمواد التموينية.
ويختتم حجي قائلا "ما يحدث بحق سكان قطاع غزة إجرام منظم، وسط صمت عربي ودولي".
يشار إلى أن كميات الأسماك التي كان يتم اصطيادها في قطاع غزة سنويا تبلغ 2800 طن (قبل عدوان السابع من أكتوبر/تشرين الأول)، في حين كانت قبل فرض القيود الإسرائيلية على عمل الصيادين عقب اندلاع انتفاضة عام 2000 تزيد على 4 آلاف طن سنويا.
ونصت اتفاقية أوسلو الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993 على أن المسافة القانونية التي يسمح للفلسطينيين بالتحرك داخلها بحرية بدون أي اعتراضات إسرائيلية هي 20 ميلا بحريا.
الاعتقال والملاحقة
أما الصياد العشريني سعيد أبو هولي، فتحدث هو الآخر عن معاناته في ظل الحرب والحصار. وقال "نتعرض إلى إطلاق نار وملاحقة مستمرة، والزوارق تستهدف الصيادين عند وجودهم في عرض البحر".
وبيّن أن الصياد الفلسطيني بات في وضع لا يحسد عليه، فالاحتلال دمر العديد من الأسر بتدمير مراكب الصيد و"الحسكات" (قوارب صيد صغيرة)، ومنع الصيادين من دخول البحر.
وأبو هولي نازح من منطقة المطاحن شرق دير البلح إلى المشاعلة غربا هربا من التوغل البري العسكري الإسرائيلي، ويعمل على صيد الأسماك بوسائل بدائية.
من ناحيته، يقول نقيب الصيادين الفلسطينيين نزار عياش إن الاحتلال يحارب الصيادين منذ 17 عاما، بالاستهداف والاعتقال والملاحقة، لكن ذلك تجلى بوضوح في الحرب الحالية.
ويستغرب عياش صمت المجتمع الدولي والعربي تجاه العدوان الإسرائيلي على القطاع، متسائلا "ألا يكفي كل ما حدث من جرائم بحق أبناء شعبنا، ومن بينهم الصيادون"؟.
كما يطالب بالعمل الفوري على وقف العدوان ورفع الحصار وترميم ما دمره الجيش الإسرائيلي بحق قطاع الصيد لأن الصيادين لا يقدرون على إصلاح مركب متضرر واحد، علما بأن الاحتلال ومنذ سنوات يمنع إدخال المواد والأجهزة الأساسية الضرورية لعمل قطاع الصيد الذي يضم نحو 1500 قارب للصيد مختلفة الحجم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: العدوان الإسرائیلی قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
شواطئ.. بديعيات حسن طلب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
الشاعر حسن طلب، قطب من أقطاب شعراء السبعينيات في مصر، ولد في مدينة طهطا بمحافظة سوهاج عام 1944، ثم التحق بكلية الآداب بجامعة القاهرة. وتخرج في قسم الفلسفة عام 1968. وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الفلسفة، ويعمل حاليًا عضو هيئة تدريس في كلية الآداب بجامعة حلوان، وعضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضو مجلس أمناء بيت الشعر وكان قد تولى منصب نائب رئيس تحرير مجلة إبداع. والشاعر يتبع مدرسة شعر التفعيلة أو الشعر الحر، ويمزج أحيانا بينه وبين الشعر العمودي في نسيج بعض قصائده. وبالنسبة إلى اتجاهه الفني، فهو ضمن مجموعة من شعراء السبعينيات الذين أطلقوا على أنفسهم فريق شعراء "إضاءة 77" ويعد حسن طلب من أبرز شعرائها الذين شاركوا في تشكيل الملامح الشعرية لهذا الفريق وبلورة إطاره الثقافي. من هنا تأتى أهمية كتاب "بديعيات حسن طلب: قراءة في الشكل والمضمون" للباحثة نهى مختار محمد والصادر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
وتشير الباحثة إلى بنية التجنيس في شعر حسن طلب بقولها: التجنيس هو أكثر الأشكال البديعية – داخل بنية التكرار – شيوعا في خطاب حسن طلب الشعري، وهو من البديع اللفظي، ويعرفه القزويني بقوله: "الجناس بين اللفظين هو تشابههما في اللفظ"، والإيقاع الظاهر الذي يتميز به شعر حسن طلب معتمد بشكل كبير على التجنيس، وبشكل أكبر على التشابهات الصوتية بين الألفاظ، والألفاظ المسجوعة، ومثال ذلك في شعره جمعه بين: (ديني / حنيني)، (أفكاري/ أسراري)، (مسحورة / صورة)، (النهد / الوجد)، (أريج / ضجيج)، وغيرها كثير. والتكرير اللفظي في شعر حسن طلب، يأتي في المنزلة الثانية بعد (التجنيس) من حيث نسبة شيوع في قصائده، حيث بلغ استخدامه حوالي (250) مرة، وبعد التكرير اللفظي تفعيل لإمكانات الدال اللغوي وطاقاته النغمية والدلالية داخل سياق محدد، وما يقوم به التكرير – من وظيفة أو دور بالنسبة للسياق – هو الذي يمنحه قيمته وأهميته، مما يعنى أن اللفظة – عند تكريرها في موضعين أو أكثر – تكتسب وجودا صوتا ودلاليا. ومن مواطن (التكرير) في ديوانه الأول (الوشم)، تكريره اسم محبوبته (سلوى) في قوله:
نهاري عاصب يا "سلوى"
وليلى ما له آخر
شريد الخطو.. أرتاد المدى وحدي
فمن درب إلى درب
ومن بلد إلى آخر
بعيد الدار يا "سلوى"
جوادى ما له حافر
حزين النفس يا "سلوى"
سقيم الوجه والعينين والخاطر.
ويأتي تكرير نداء المحبوبة هنا لأداء وظيفة تقليدية: هي الاستعذاب والتلذذ بترديد اسم الحبيبة على اللسان، وتدعم دلالة الاسم (سلوى) معاني التسلية التي يكررها على نفسه الحزينة عزاء لها عما تجد من الوجد والأسى والتشوق، تلك المشاعر التي سيطرت على الجو النفسي للقصائد في ديوان (الوشم -1972) وكذا في (شموس القطب الآخر1973) في ارتباطه بالوطن، أي أن (التكرير) هنا مرتبط بدلالات نفسية وعاطفية يأتنس بها الشاعر، في رحلته الدائمة (من درب إلى درب).
ولآن الشاعر حسن طلب من صعيد مصر – هذا الصعيد المشهور بشغفه بالنبرة الإيقاعية والطقوس الموسيقية العالية – فإن لغة هذا العالم أضحت كأنها تنطلق من أصوات الآلات الإيقاعية المختزنة في الذاكرة لتنقل شحنات الدلالة من خلالها وعبر أثيرها. وانتماء حسن طلب لتلك النزعة الطقسية الجمعية لا يعنى أن الشعر المصري عند أهل الجنوب يتجه كله إلى هذا التيار، ولكن اختيار طلب جاء مؤكدا لتلك الجمعية. وهذا ترتبط الوظيفة الإيقاعية عند (طلب) بوظيفة طقسية تعود بالشعر إلى ارتباطه بالجذور الأولى في مرحلة الشعر الشفهي، وترسخ كونه نغما ينقل مشاعر المغنى وعاطفته النفسية ممتزجة بالفكرة والصورة والمعنى، كما ترتبط الوظيفة الإيقاعية بوظيفية تعويضية، يمثل فيها (التجنيس) و(التكرير) وغيرها من بني التكرار تعويضا من القافية وبديلا عن الوزن.
ويعد (التقابل) في شعر حسن طلب سمة لغوية بديعية أساسية في شعره، كما هو سمة لغوية أساسية في الشعر القديم والحديث على حد سواء، لكن لكل شاعر خصوصية في تعامله مع هذا اللون من البديع المعنوي، الذي يبتعد إلى حد كبير – بطبيعته –عن الوظيفة الإيقاعية والموسيقية، ويؤدى وظائف دلالية تختص بالفكر والنفس والثقافة والفلسفة والشعور. ومدونه حسن طلب الشعرية تزخر بالثنائيات ما يزيد عن (400) زوج متضاد في دواوينه التي تضم:(الأرض/ والسماء). و(الليل / والنهار)، و(الصعود / والهبوط)، و(الحرب / والسلام )، و(العداوة / والصداقة)، و(الضحك / والبكاء)، و(القبح / والجمال)، و(الصدق/ والكذب)، و(الصحة / والمرض)، و(الظن/ واليقين) و(الجهل / والمعرفة)، و(الحزن / والفرح)، و(الضعف/ والقوة)، و(الصواب/ والخطأ) و(الحرية / والعبودية)، و(الكلية/ والجزئية)، و(الكلام / والصمت)، و(الخروج / والدخول) و(الظلال والهدى). وقد تبين أن دراسة بنية (التقابل) داخل كل تجربة شعرية مر بها الشاعر ممثلة في كل ديوان على حدة ستخرج بنتائج دالة – بوصفها بنية من بديع المعنى – إذ يمتاز كل ديوان من دواوين الشاعر بسمة دلالية تتشكل منها القصائد.
والبديع عند الشاعر حسن طلب يمثل ظاهرة مطردة بحيث تضعه ضمن إطار مدرسة شعراء البديع كمسلم بن الوليد، وابن المعتز، وأبى تمام، والشاب الظريف، ممن لهم عناية خاصة بترديد أشكال البديع في أشعارهم، وإسراف الشاعر في استخدام بني البديع في بعض المواضع جعل عديدًا من الأقلام النقدية تصفه بالتكلف، واللعب بالكلمات، وقد اتضح أن هذا اللعب يعتمد على مرجعية فلسفية يؤمن بها الشاعر، ويتبناها برغم تأثيرها – الذي يبدو سلبيا – في مقبولية النص وتداوله.
ويستثمر الشاعر مصطلحات علم البديع في خطابة الشعري بصورة لافته، تجعل البديع نفسه حقلا دلاليا يمكن دراسته داخل شعره، وهو يستخدم ألفاظ علم البديع بصورة استعارية غالبا. وهذا يؤكد سيطرة الرؤية البديعية على إدراكه، بحيث يسقطها على العلاقات في الكون من حوله، وعلى العلاقات بين البشر التي تتحدد وفق منظور البديع، فيكون التشابه بين البشر (جناسًا)، والتنافر بينهم (طباقا)، وتكون مسيرة الإنسان في الحياة نوع من (رد العجز على الصدر)، فضلا عن استخدام المفاهيم البديعية بمعناها اللغوي، وهذا يعنى أن البديع عند الشاعر: رؤية، وأداء. كما يتحقق عند حسن طلب البديع على مستوى نصي. هذا التعامل مع النص بوصفة بنية كشف أن ثمة علاقة بديعية بين ديوان البنفسج وديوان الزبرجد يمثلها (الطباق)، كما يكشف النص الدائري الذي يتكرر فيه مطلع القصيدة في الختام عن تحقق فكرة (رد العجز على الصدر) ولكن على مستوى نصي، يتجاوز البيت الواحد والسطر الشعري الواحد إلى رؤية أكثر اتساعا تخص النص، هذه الرؤية تتشكل من خلال التوسع في تلمس علاقات البديع بين البني اللغوية الكلية. وفى الخاتمة تقول الباحثة نهى مختار محمد: أن البديع عند حسن طلب مفتاح لغوى بالغ الأهمية للولوج إلى عالمة الإبداعي، إذ يتجلى في مساحة عظيمة من نصوصه الشعرية يصاحب فيها رؤاه الذهنية، ومشاعره العاطفية، ومواقفه الصوفية، ومعتقداته الفلسفية، كاشفا عنها، تلك الرؤى والمشاعر والأفكار التي أراد أن يرسلها إلى ذاكرة الإنسانية بهذه الخصوصية في إدراك معنى البديع.