وزيرة الهجرة تشهد حلقة نقاشية بعنوان «اللغة العربية: إبداعات الحاضر وآفاق المستقبل»
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
عقدت حلقة نقاشية بعنوان «اللغة العربية: إبداعات الحاضر وآفاق المستقبل»، شهدتها السفيرة سها جندي وزيرة الهجرة، بحضور الدكتور هشام عزمي، رئيس المجلس الأعلى للثقافة، والدكتور نوريا سانز، المدير الإقليمي لمكتب اليونسكو بالقاهرة، والدكتور جمال مصطفى، مدير قصر الأمير طاز، ومجموعة من كبار الكُتاب والأدباء والمفكرين والشخصيات العامة.
ويأتي ذلك ضمن فعاليات مؤتمر إحياء اليوم العالمي للغة العربية، الذي نظمته وزارة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج بالتعاون مع وزارة الثقافة ومنظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة «اليونسكو»، في قصر الأمير طاز بالقاهرة،
وزيرة الهجرة تشهد حلقة نقاشيةأدار الحلقة النقاشية الشاعر عادل سميح، مدير عام النشر بالهيئة المصرية العامة للكتاب، وشارك فيها كل من بهية شهاب، أستاذ في قسم الفنون ومؤسسة برنامج تصميم الجرافيك بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وأول سيدة عربية تحصل على جائزة اليونسكو للثقافة العربية، و محمود موسى، شاعر ومؤسس مبادرة «كبسولات لغوية» على مواقع التواصل الاجتماعي، محمد وهدان، المدير التنفيذي لأكاديمية القلم.
وقد أشاد الشاعر عادل سميح بحرص مؤسسات الدولة على اللغة العربية وصونها، مشيرا إلى أن اللغة العربية وعاء الفكر والثقافة، ولديها القدرة على تطويع مختلف المعارف.
من ناحيته، أوضح محمود موسى، شاعر ومؤسس «كبسولات لغوية» على مواقع التواصل الاجتماعي، أن اللغة العربية تحتاج إلى ممارسة، مضيفا أن حلمه أن يخصص مسرحا لممارسة اللغة العربية، وأن تصبح مفرداتها الفصيحة متداولة وغير مقتصرة على النخبة وفقط.
وزيرة الهجرة تشهد حلقة نقاشيةوتابع موسى أنه حريص على أن تصبح مبادرته «كبسولات لغوية» منصة لنشر اللغة العربية ببساطة وسلاسة، سواء في عمل القواعد بشكل فني مبسط، بطريقة "أغاني الراب" أو المسرح الشعري، أو غيرها من الأشكال الأكثر شيوعا بين الشباب في الأجيال الحالية.
فيما أعربت بهية شهاب، أستاذ في قسم الفنون ومؤسسة برنامج تصميم الجرافيك بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، في مداخلتها حول «مستقبل الخط العربي»، أن مختبر الخط العربي بدأ في الجامعة الأمريكية احتفالا بمئوية الجامعة، مضيفة إلى أن الخط الكلاسيكي يختلف عن الحرف المطبوع، ويحتاج لبناء رؤية بصرية عن الحرف المطبوع.
كما أشارت شهاب إلى عدد من أبرز الفنانين والمصممين لحروف الخط العربي المطبوع، وأهمية التعاون للانطلاق بمشروع أكبر، وصون التراث العربي من خطوط ورسمها إلكترونيا، وهو الجانب الذي نحتاجه في الوقت الحالي، بجانب شكل الحرف في كل مدينة، سواء القاهرة أو بيروت أو عمان أو بغداد وغيرها من العواصم، موضحة أهمية الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية لمصممي الخطوط، لتشجيع المبدعين على الانطلاق لآفاق أرحب في هذا المجال، ومستعرضة كتاب "تاريخ التصميم الجرافيكي العربي" وما يرصده من سيدات الحروف وسيدات التصميم، والعمل على إعداد نسخة عربية يتم طرحها قريبًا.
وفي السياق ذاته، أوضح محمد وهدان، المدير التنفيذي لأكاديمية القلم للخط العربي والزخرفة الإسلامية، أهداف هذه المدرسة التي تضع في خدمة الفنانين والخطّاطين معدّات ووسائل فنية ولوجستية لمساعدتهم على الإبداع والترويج لأعمالهم.
وزيرة الهجرة تشهد حلقة نقاشيةوزيرة الهجرة تشهد حلقة نقاشيةوتابع وهدان، الذي تخرج في كلية الهندسة المعمارية، أن الخط العربي مهمل في المدارس، ولا يوجد متخصصون لتدريسه، ويتم إلغاء الحصص المخصصة له لصالح مواد أخرى تضاف للمجموع، مقترحا أهمية إيلائه عناية واهتماما، باعتباره جزءا من تراثنا الثقافي المتميز.
وفي نهاية الحلقة النقاشية، قدمت السفيرة سها جندي لهم الشكر على مداخلاتهم الثرية، مشيرة إلى دراسة التعاون المشترك في إطار المبادرة الرئاسية «اتكلم عربي»، لتعليم أبنائنا بالخارج اللغة العربية بشكل بسيط ومن خلال أشكال مختلفة يسهل عليهم تعمل مفردات اللغة من خلالها، وذلك من شأنه مجابهة حرب طمس الهوية التي يواجهونها بالخارج والحفاظ على هويتهم الوطنية والمصرية وربطهم بوطنهم، واعدة بأن يكون لكل مبادرة من مبادراتهم مكانا تفاعليا على تطبيق "اتكلم عربي" وصفحات الخاصة بالمبادرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومعسكرات الجيلين الثاني والثالث المقبلة.
اقرأ أيضاًوزيرة الهجرة تستقبل الخبير التعليمي ومدير أكاديمية «تانكيو عرب» في اليابان
وزيرة الهجرة تبحث مع شركات «تأمين الأمان» الفرنسية فرص الاستثمار في مصر
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: وزيرة الهجرة وزارة الهجرة مبادرة اتكلم عربي اللغة العربیة الخط العربی
إقرأ أيضاً:
الشِّعر ديوان العربية الفصحى
أتيح للغة العربية أن ترتبط بشيئين ارتباطًا نزعم أنه لم يُتَح لغيرها من اللغات، وهو ارتباط ساعد كثيرًا، ليس فقط على غناها وثرائها بأدواتها ومفرداتها، ولكن أيضًا على تميزها وذيوعها وانتشارها. أمّا هذان الشيئان اللذان ارتبطت بهما فهُما الشِّعر والقرآن الكريم، ويمكن إدراك هذا الارتباط بتفاصيله بتأمّل فترة التدوين العربي، ونشأة المعجمات.
أمّا ارتباطها بالقرآن فيحتاج إلى قراءة طويلة مستقلة تفي به، لكننا في مساحة كهذه الممنوحة لنا هنا يمكن لإطلالة موجزة أن تشير إلى شيء من نشأة العربية ثم ارتباطها بالشعر، مشيرين أولًا إلى أن اهتمامنا بالعربية لا ينبع فقط من أنها لغتنا، ولكن لأنها واحدة من أهم لغات العالم؛ إذ يتحدث بها 500 مليون نسمة تقريبًا في العالم، وهو رقم ليس صغيرًا، إذ يشكل 5% من سكان الأرض.
والعرب -في الأساس- هم الذين كانوا يتحدثون اللغة العربية، ومِن السهل -الآن- أن يطلَق لفظ «العرب» هذا فينصرف الذهن جغرافيًا إلى بعض دول الوطن العربي في آسيا وإفريقيا، لكن قديمًا وتاريخيًا لم تكن كلمة «عرب» دالة إلا على معنى البدو والبداوة، ولم تكن تطلَق إلا على سكان شِبه الجزيرة العربية وبعض مناطق الشام والعراق، حتى ظهر الإسلام ودخل المسلِمون بلادًا وأقاليم تحولت بمرور الوقت وانتشار لغة الغالبين إلى مناطق وأقاليم عربية ليتسع مفهوم العرب جغرافيًا إلى ما استقر في الذهن والعيان حتى يومنا هذا.
وإذا كانت شبه الجزيرة العربية موطن العرب، فإن القدماء كانوا يذهبون إلى أن هناك جنوبًا وشمالًا لعرب تلك الجزيرة، وكانوا يطلِقون على عرب الجنوب اسم «القحطانيين»، ويرونهم أصل العرب ولغتهم العربية، بينما كانوا يطلِقون على عرب الشمال اسم «العدنانيين»، ويرونهم «مستعربين» أخذوا لغتهم عن القحطانيين وهي اللغة التي يقولون إن القرآن نزل بها، وهو الأمر الذي أثار جدلًا كبيرًا بين الباحثين المستشرقين وهُم يقارنون بين لغة القحطانيين والعدنانيين؛ ليكتشفوا بفضل كثير من النقوش والنصوص التي تم العثور عليها اختلافات كثيرة بين لغة عرب الجنوب ولغة عرب الشمال، الأمر الذي كان واحدًا من أهم أسباب ذيوع وانتشار ما سمّي بقضية الانتحال في الشعر الجاهلي، حيث إن الشعر الذي وصلنا كله وصلنا بلغة عربية واحدة ضمت شعراء من الشمال وشعراء من الجنوب، وقيل إنّ ما تردد من اتخاذ اللغة العربية لغة أدبية واحدة للفريقين يمكن فهمه بعد نزول القرآن لا قبله. ولا يعنينا الآن الخوض في تفاصيل قضية الانتحال بقدر ما تعنينا إطلالتنا على ارتباط العربية بالشعر.
والحق أنه إلى الآن يصعب على باحث أن يقطع برأي محدد في أصل اللغة العربية؛ فكل النقوش والنصوص الأركيولوجية التي تم العثور عليها كانت خاصة بالفترة التاريخية ما بين أواخر القرن الثالث إلى القرن السادس الميلادي، وهي نصوص ونقوش تؤكد أن الخط العربي نشأ شمال الحجاز متطورًا عن الخط النبطي، ويمكن الزعم أن الخط العربي أخذ صورته النهائية في أوائل القرن السادس الميلادي، وهو ما أكدته تلك النقوش التي عثر عليها عدد من علماء الساميات شمال الحجاز على طول طريق القوافل إلى دمشق، وأهم هذه النقوش حجر عثر عليه سنة 270م في قرية أم الجمال غرب حوران، ثم حجر آخر سمّي نقش النمارة تم اكتشافه سنة 1901م كان مؤرخًا بسنة 328م وهو خاص بامرئ القيس ثاني ملوك الحيرة، وهو نص يقول: «هذا قبر ملك العرب»، وهو الأمر الذي يشي بأن تلك الفترة شهدت إحساس العرب بكيانهم ورغبتهم في وحدة سياسية تجمعهم، خاصة مع وجود قوتي الروم والفرس اللذين فرضا نفوذهما على كثير من المناطق العربية في سلع وتدمر، وفي الحيرة في الشمال، كما هاجم الحبش اليمن واستولوا عليها في الجنوب في منتصف القرن الرابع تقريبًا، فيمكن الزعم أن كل هذه الأحداث دفعت العرب للبحث عن هويتهم، ومن الطبيعي أن تأتي اللغة على رأس ذلك البحث.
بدأ الاهتمام بمكة وتحوّل القوافل التجارية إليها، وكان من الطبيعي أن تنمو الشخصية اللغوية للعرب الشماليين تحديدًا خطًا ونطقًا، وهو ما تؤكده عدة نقوش أخرى ظهرت، كنقش زيد المؤرَّخ بسنة 512 ميلاديًا، ونقش زبد خربة اللذين يؤكدان بخطوطهما وتفاصيلهما اقتراب الملامح من اللغة العربية الفصحى، فضلًا عن نقش حران اللجا المؤرخ بسنة 568 م وقد وجد جنوب دمشق، وكل كلماته عربية.
وقد دلّ تاريخ العرب، وتاريخ الأدب فيه، أن العرب أمّة صناعتها الكلام ومفخرتها البيان، ولم تجد وسيلة لتسجيل انتصاراتها أو لتخليد مآثرها أو للتغني بأمجادها وذكر أفراحها وأتراحها إلا الشعر تنشده وترويه؛ إذ كان حظها من تجليات الحضارات الأخرى كالرسم والنقش والكتابة ضئيلا، فإذا أضفنا إلى ذلك طبيعة المحيط الجغرافي الذي عاش فيه العرب قديمًا حيث الصحراء المترامية، والفضاء المفتوح، وقلة العشب والكلأ، وندرة الماء والزاد، كان طبيعيًا أن نفهم كيف نشأ الشعر عند العرب الذين كان الرصد والتأمل أهم ملمحين من ملامح الحياة المفروضة عليهم، بعد أن كان العربي القديم مضطرًا اضطرارًا إلى أن يصغي إلى مفردات محيطه من تناوح الرياح، وتعاقب الليل والنهار، وتساقط المطر، كل ذلك في وتيرة واحدة وإيقاع ثابت لا يتغير، ولنا أن نفترض أن العربي القديم بدأ يصغي لموسيقى الكون أو الحياة مِن حوله ليهمهم بعدها بكلمات نثرية لم تلبث أن تحولت على ناقته أو فرسه لإيقاعات منتظمة، ربما ارتبطت أيضًا عنده برغبته في الغناء، وقد ورد أن العرب الجاهليين كانوا يغنّون أشعارهم، ولم يكن من الغريب أن يطلقوا على شاعرهم الأعشى مثلا لقب «صناجة العرب»، ولا أن ينشد حسان بن ثابت قائلا:
تَغنّ بالشعر إمّا كنتَ قائلَه...
إنّ الغناء لهذا الشعر مضمارُ
ولعل ارتباط مفردة «الإنشاد» بالشعر تفسّر تلك الصلة بين الشعر العربي والغناء.
ولقد يقول مؤرخو الآداب: إنّ هذا الشعر الذي وصلنا عن العرب يعود إلى قرن ونصف قبل الإسلام، وهو ما لا يتفق بالطبع مع وصول هذا الفن بصورته المكتملة إلينا؛ فلا بدّ أن تكون له أسبقية تاريخية أطول من ذلك، لكن النصوص والنقوش لا تزال شحيحة وقليلة، ولقد وردت بضع الأبيات على لسان عدد من شعراء الجاهلية تشي أنهم أنشدوا أو عرفوا أسماء شعراء ساروا على منوالهم، دون أن تتوفر لدينا معلومات كافية عن هؤلاء الشعراء، فهذا امرؤ القيس يقول:
عوجَا على الطلل المحيلِ لعلّنا ...
نبكي الديارَ كما بكى ابن خذامِ
دون أن نعرف مَن هو ابن خذام هذا؟
ويقول زهير بن أبي سلمى:
ما أرانا نقول إلا مُعارًا ...
أو معادًا من قولنا مَكرورا
كما يقول عنترة بن شداد:
هل غادر الشعراءُ من متردّم؟
لكننا نفترض أن العربي القديم، شاعر ما قبل الإسلام، لم يكن مشغولًا بعلاقة الشعر باللغة مثلما انشغل بها شاعر ما بعد الإسلام، بسبب نزول القرآن بصورته اللغوية الجديدة المختلفة تمامًا نظمًا وتعبيرًا ودلالة، ثم بسبب ظهور القراءة والكتابة، إلى أن استقرت في الذاكرة العربية، وفي الذائقة أيضًا، الصورة النهائية لشعر الفصحى عند العرب بتجليه فيما اتفق عليه باسم «المعلقات»، فضلًا عن بعض مصادر هذا الشعر كالمفضّليات والأصمعيّات، ولا يمكن فهم هذا الحضور الطاغي لشعر الفصحى العربي في التراث واستيعابه، إلا بفهم المزاج العربي الذي يمكن وصفه بأنه كان مزاجًا لغويًا بطبيعته، كما يقول المستشار عبدالجواد ياسين في كتابه «السلطة في الإسلام»:
«إن المزاج العقلي العربي كان مزاجًا لغويًا بطبيعته، فهو يبدو لنا حين نقرأ في تراثه الأدبي الأول لا سيما الشعر، كما لو كان يحب اللغة لذاتها، كانت اللغة بالنسبة له أكثر من وسيلة ضرورية للتعبير، لقد كانت هي في ذاتها فنه الأثير، وكان هو على وعي شعوري بهذه الحقيقة، يدرك على نحو من الأنحاء أن اللغة هي مجاله الحيوي، أو هي تخصصه الدقيق إن صح هذا التعبير».
هكذا نشأت اللغة عند العرب، وهكذا انبثق منها شعرها الفصيح الذي حافظ عليه أفذاذ وعباقرة العرب باتجاههم في فترة التدوين لحفظ مفردات هذه اللغة، متخذين الشعر بالطبع مرجعًا ومصدرًا لهم، وكان طبيعيًا أن تتطور الفصحى وتتأثر بالفضاء الإسلامي لتعود محافظة مرة أخرى على أصالتها وجزالتها في العصر الأموي، ولتبلغ أوج نشاطها وتألقها في الفترة الأندلسية ثم بعد ذلك في العصر العباسي.
وبالتأكيد يمكننا الآن تصور آلاف الدواوين الشعرية وآلاف الرواة الذين كانوا يروون هذا الشعر، وينقلونه من جيل إلى جيل، الأمر الذي سهّل كثيرًا بسبب طبيعة الشعر وسهولة حفظه وجريانِه على الألسنة من الحفاظ على الكلمات واستدعاء معانيها ومرادفاتها، بل إنّ كثيرًا من القصائد كانت تستدعي إلى الذهن قصائد أخرى تشبهها أو حتى تناقضها معنى أو وزنًا أو قافية، وهو ما يشبه دائرة مفتوحة لا تُغلق أبدًا تحتل فيها اللغة المركز.
ولا يتبقى الآن إلا أن يدرك العربي المعاصر التحدي الكبير الملقى على عاتقه في الحفاظ على لغته العربية من دون تعصب، وهو ما لن يكون إلا بإدراكه حجم التحديات التي تواجه هذه اللغة، ولعل أهمها تراجع الشعر في الوجدان المعاصر، واختلاط حابله بنابله، وضعف أدوات الذين يتصدون له كتابة وإبداعًا وتنظيرًا.
أشرف البولاقي كاتب مصري