منذ بداية جائحة كوفيد-19، أدت سلسلة غير عادية من الصدمات العالمية إلى رفع معدلات التضخم في الاقتصادات المتقدمة إلى مستويات لم نشهدها منذ عقود، فقد أدت الجائحة إلى عمليات إغلاق نتجت عنها قيود على العرض، في حين تعزز الطلب بفعل السياسات النقدية والمالية الميسرة. 

وازدادت ضغوط الأسعار مع إعادة فتح الاقتصادات وارتفاع الطلب على الخدمات، في حين تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في صدمة في أسعار السلع.

 

وبحلول منتصف عام 2022، وصل التضخم إلى 9.1% في الولايات المتحدة، وسجل معدلاً قياسياً مزدوج الرقم بلغ 10.7% في منطقة اليورو. 

وكانت هذه المستويات بعيدة عن النسب المستهدفة في السياسات النقدية والتي تبلغ 2%، مما دق ناقوس الخطر في البنوك المركزية.

وعلى الرغم من بعض التردد الأولي، كان رد فعل البنوك المركزية قوياً لخفض معدلات التضخم إلى النسب المستهدفة

فقد شرع البنك المركزي الأوروبي في دورة قياسية لتشديد أسعار الفائدة، حيث زاد سعر إعادة التمويل الرئيسي بمقدار 450 نقطة أساس إلى 4.5%. 

وفي الولايات المتحدة، قام مجلس بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة بمقدار 525 نقطة أساس إلى 5.5%.

وكان لدورات التشديد هذه تأثير كبير على الأسواق المالية. 

ويوفر مؤشر الأوضاع المالية معلومات هامة عن تكلفة الائتمان، من خلال الجمع بين المعلومات المتعلقة بأسعار الفائدة قصيرة وطويلة الأجل، وهوامش الائتمان. 

وبدأ المؤشر يتصاعد بوتيرة ثابتة منذ بداية عام 2022، وظل على ارتفاع منذ نهاية العام الماضي.

وبالإضافة إلى ارتفاع التكاليف، فإن حجم الائتمان آخذ في الانكماش. 

 أكد التقرير الأسبوعي لبنك قطر الوطني QNB أن الأوضاع المالية المشددة ستستمر في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو حتى النصف الأول من عام 2024.  وارجع ذلك إلي عاملين

أنه على الرغم من توقعاتنا بأن البنوك المركزية الرئيسية ستبدأً في تخفيض أسعار الفائدة في الربع الثاني من عام 2024، من المتوقع أن تظل أسعار الفائدة مرتفعة في الأشهر المقبلة. 

وانخفضت معدلات التضخم بشكل كبير من ذروتها، حيث اقتربت المقاييس الرئيسية من 3% في كلا الاقتصادين. 

ومع ذلك، فإن هذا يرجع إلى حد كبير إلى انخفاض أسعار الطاقة التي تحركها الأحداث الدولية. 

ولا يزال التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار السلع الأكثر تقلباً مثل الغذاء والطاقة ويُعتبر أكثر ثباتاً في العادة، يفوق 4%، وهو أعلى بكثير من المستوى الذي يسعى إليه صناع السياسات، مما يدعم نهج الانتظار والترقب.

وتولي البنوك المركزية اهتماماً خاصاً بالمقياس الأساسي للأسعار نظراً لأهميته المستمرة. بالإضافة إلى ذلك، يسلط هذا المقياس الضوء على الأسعار التي تحددها العوامل المحلية ويعكس بشكل أفضل الاتجاهات الأساسية. 

ولم نشهد مستويات التضخم الحالية في تاريخ منطقة اليورو، ومنذ أوائل التسعينيات في الولايات المتحدة، في ظل بيئة اقتصادية مختلفة تماماً. 

ونظراً للافتقار إلى الخبرة الحديثة في إدارة ارتفاع الأسعار بهذا الحجم، فسوف يتوخى صناع السياسات الحذر بشأن توقيت عملية البدء في خفض أسعار الفائدة. 

 ويشير التقرير الأسبوعي إلي أن العامل الثاني هو استمرار البنك المركزي الأوروبي وبنك الاحتياطي الفيدرالي في سحب السيولة من الأنظمة المصرفية من خلال التراجع عن عمليات توسيع الميزانية العمومية التي تم تنفيذها خلال جائحة كوفيد. 

وقد تم تنفيذ هذه السياسات في البداية بسبب الظروف الاستثنائية للتخفيف من عواقب الجائحة. 

ومن أجل تطبيع ميزانيته العمومية، بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي التخفيض التدريجي في يونيو 2022، وقد خفض حجم ميزانيته العمومية بمقدار 1.1 تريليون دولار أمريكي حتى الآن من ذروة بلغت 8.9 تريليون دولار أمريكي. 

وبالمثل، انخفضت أصول النظام الأوروبي (البنك المركزي الأوروبي بالإضافة إلى البنوك المركزية الوطنية في منطقة اليورو) بمقدار 1.8 تريليون يورو من ذروتها البالغة 8.8 تريليون يورو. 

وسوف تستمر عملية التشديد الكمي هذه حتى عام 2024، مما يقلل من السيولة الزائدة في النظام المالي ومدى توفر الائتمان للشركات والأسر. 

وتُظهِر أحدث استبيانات الإقراض المصرفي التي أجراها البنك المركزي الأوروبي وبنك الاحتياطي الفيدرالي أنه تم تشديد معايير الائتمان باستمرار في الأرباع الأخيرة بوتيرة مماثلة لأحداث مثل أزمة الديون السيادية الأوروبية أو الأزمة المالية العالمية.

 وقد أدى انخفاض السيولة وتشديد معايير الإقراض، جنباً إلى جنب مع ارتفاع تكاليف القروض، إلى انخفاض أحجام الائتمان، التي بدأت الآن في الانكماش بالقيمة الحقيقية. 

وهذا سيؤدي إلى بقاء الأوضاع المالية العامة مشددة.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: البنک المرکزی الأوروبی الاحتیاطی الفیدرالی فی الولایات المتحدة البنوک المرکزیة أسعار الفائدة

إقرأ أيضاً:

ارتفاع أسعار الذهب وسط التشكك في سياسات ترامب وضعف الدولار

شهد اليوم الأربعاء الموافق 22 يناير، ارتفاع في أسعار الذهب إلى ذروة جديدة في 11 أسبوعا، وذلك بدعم من الطلب على الملاذ الآمن وسط حالة من عدم اليقين المحيطة بسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التجارية وضعف الدولار.
ووفق لوكالة الأنباء رويترز، فقد ارتفع الذهب في المعاملات الفورية 0.1 بالمئة إلى 2748.18 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 0236 بتوقيت جرينتش، بعد أن بلغ أعلى مستوياته منذ الخامس من نوفمبر 2024 في وقت سابق من الجلسة، وزادت العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة 0.1 بالمئة إلى 2762.90 دولار.
وقال كلفن وونج، كبير محللي السوق في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى أواندا: "لا يزال هناك بعض عدم اليقين بشأن متى يريد ترامب تنفيذ سياساته على الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة، مما يسبب الكثير من عدم اليقين باتجاه الدولار، وهو المحفز الأساسي قصير الأجل الذي يقود النغمة الصعودية في سعر الذهب".

انخفاض الدولار أول يوم من تنصيب ترامب 

وامتنع ترامب عن فرض حواجز تجارية في أول يوم له في منصبه يوم الاثنين، مما دفع الدولار إلى الانخفاض.
يذكر أن ضعف الدولار يجعل الذهب أكثر جاذبية للمشترين الأجانب، ويعتبر الذهب استثمارًا آمنًا خلال حالة عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي.
وتعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي، وقال إن إدارته تناقش فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على السلع المستوردة من الصين اعتبارًا من الأول من فبراير.
وقد تتضاءل جاذبية الذهب كحِيطةضد التضخم إذا أدت سياسات ترامب، التي يُنظر إليها على أنها تضخمية، إلى دفع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول.

اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأسبوع المقبل

وبعد عامين من التقدم في التضخم والنمو الاقتصادي المستمر بشكل مفاجئ، يجتمع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأسبوع المقبل مع التركيز من جهة على سياسات إدارة ترامب الجديدة ومن جهة أخرى على سوق السندات التي رفعت تكاليف الاقتراض حتى مع خفض البنوك المركزية الأمريكية لأسعار الفائدة.

توقعات بإبقاء بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثابتة 

ومن المتوقع أن يبقي بنك الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة القياسية ثابتة في النطاق الحالي 4.25% - 4.50% في اجتماعه للسياسة في 28-29 يناير، بعد خفضها بنقطة مئوية كاملة منذ سبتمبر 2024.
يشار إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة يقلل من جاذبية الذهب الذي لا يدر عائداً.
وعلى صعيد متصل انخفضت الفضة في المعاملات الفورية 0.4 بالمئة إلى 30.74 دولار للأوقية وهبط البلاديوم 0.2 بالمئة إلى 955.11 دولار واستقر البلاتين عند 943.10 دولار.

مقالات مشابهة

  • ارتفاع التضخم في جنوب أفريقيا يزيد من احتمالات خفض الفائدة
  • كشف حساب قطاع الشئون العقارية بهيئة المجتمعات العمرانية في النصف الثاني من 2024
  • ارتفاع سعر الذهب إلى أعلى مستوى في 11 أسبوعًا
  • ارتفاع أسعار الذهب وسط التشكك في سياسات ترامب وضعف الدولار
  • التضخم العالمي: تأثيراته وسبل الحد منه
  • هل تقترب البنوك التركية من انفراجة؟ بنك أوف أمريكا يكشف أسرار المستقبل المالي
  • "دير ستاندرد": المركزي الأوروبي يتجه نحو خفض الفائدة مجددًا
  • ارتفاع محدود في سعر الذهب العالمي بعد تنصيب ترامب
  • جولد بيليون: ارتفاع محدود في سعر الذهب العالمي بعد تنصيب ترامب
  • اليورو عند أدنى مستوياته قبل تنصيب ترامب