اليمنيون ينهون رسميا عصر سيطرة الحضارة الغربية ويبدأون قرونا وسطى جديدة
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
توقفت كبرى شركات الشحن العالمية عن نقل البضائع عبر قناة السويس حتى تصبح الملاحة في البحر الأحمر آمنة.
تم اتخاذ مثل هذا القرار من قبل كبرى شركات نقل الحاويات في العالم MSC (سويسرا/إيطاليا)، وكبرى شركات النقل البحري Maersk (الدنمارك)، وHapag-Lloyd (ألمانيا)، وCMA CGM (فرنسا)، وZIM (إسرائيل). كما أعلنت شركة تشغيل الحاويات OOCL المملوكة لشركة COSCO الصينية وقف رحلاتها إلى إسرائيل.
ووفقا للشائعات التي تنتشر في الصحافة الغربية والإسرائيلية، فقد يتم تشكيل تحالف من الولايات المتحدة ودماها خلال الأيام المقبلة لمحاربة الحوثيين. سيطول القتال على الأرجح، على الرغم من أنه لا يمكن استبعاد استئناف الشحن بعد فترة من الوقت، ولكن على الأرجح ليس لفترة طويلة، والسبب فيما يلي.
إن التجارة (التقسيم الدولي للعمل) هي محرك تطور الحضارة الإنسانية، وقد خلقت طرق التجارة دولا مرت بها، وعلى العكس من ذلك، أدى توقف التجارة إلى ضياع حضارات بأكملها في غياهب النسيان.
ولا يزال طريق الحرير العظيم، طريق التجارة بين آسيا وأوروبا، هو القلب الاقتصادي للإنسانية الحديثة. وخلال عصور الظلام، عندما عرقل القراصنة التجارة البحرية، انتقلت التجارة برا، ما أدى إلى إنشاء قوى برية غنية وقوية. وخلال الفترات التي ضمنت فيها أوروبا، ومن ثم بريطانيا العظمى والولايات المتحدة، الأمن وسيطرتها على التجارة البحرية العالمية، أصبحت القوى البحرية، وشبه الجزيرة الأوروبية الصغيرة، ثم بقية الجزر مهيمنة، وضعفت القوى البرية.
وبغض النظر عن كيفية تطور الوضع حول اليمن والبحر الأحمر الآن، في السنوات المقبلة، فإن التنافس والقتال الرئيسي في العالم سيحدث في البحر. إن الصين والولايات المتحدة كبيرتان وبعيدتان عن بعضهما البعض، بحيث لا يمكنهما الحديث عن حرب برية. ستتخذ حرب الولايات المتحدة (وتحالف AUKUS) ضد الصين شكل حصار عسكري بحري بهدف التسبب في انهيار الاقتصاد وانهيار الصين من الداخل.
وسيتم شن هذه الحرب في جميع المحيطات، بما في ذلك ضد السفن التجارية، وستنخفض التجارة البحرية في جميع أنحاء العالم بشكل كبير أو بعشرات الأضعاف، إذا لم تتوقف تماما.
إقرأ المزيد ماذا ينتظر الأرجنتين؟والواقع أن الانهيار الموازي لهرم الديون العالمية والتضخم المفرط في العملات الغربية الرئيسية لا بد أن يؤدي أيضا إلى توقف أو ما يقرب من توقف التجارة العالمية لبعض الوقت. إلا أن هذا ليس جوهر القضية الآن.
سيؤدي تطوير المسيرات وانخفاض تكلفتها في السنوات المقبلة، لا سيما القوارب المسيرة، إلى تغيير جذري في الوضع في البحر.
فالآن، تقوم القوارب المسيرة المحملة بالمتفجرات، التي بنتها أوكرانيا بمساعدة بريطانيا، بمهاجمة السفن الحربية الروسية أو جسر القرم. وفي حالة نشوب حرب بين القوى العظمى، سيقوم عدد من القوارب المسيرة برصد وإغراق السفن التجارية المعادية بعيدا في المحيط. ونحن نرى فقط الآن الخطوات الأولى لأساطيل الدول المختلفة في هذا المجال، وسوف يتطور هذا المجال بسرعة الآن.
علاوة على ذلك، وبغض النظر عن نتيجة المواجهة الصينية الأمريكية، ففي غضون 10 سنوات، سيتمكن الصوماليون والماليزيون وأي قراصنة آخرون يجلسون على الشاطئ من الاتصال بمقرات شركات النقل العالمية (إن وجدت حينها) والمطالبة بدفع مقابل للحصول على إذن بالمرور بجانبهم. وسيكون لكل قرية صومالية ويمنية على الساحل عدد من العصابات التي يمكنها أن تملك أسطولا من القوارب أو الطائرات المسيرة الانتحارية، التي لا تستطيع حاملة طائرات واحدة إيقافهم.
إن عصر التجارة البحرية يتركنا لبعض الوقت ومعه تتركنا الهيمنة الحالية للحضارة الأنغلوساكسونية.
إننا نعتبر الوضع الراهن طبيعيا لأننا اعتدنا عليه، ولكنه في الواقع نادر إلى حد ما، كما أن درجة الأمان الحالية للتجارة البحرية فريدة من نوعها. ففي معظم تاريخ البشرية، لم تكن الطرق البحرية آمنة. ونتيجة لذلك، سوف تتطور طرق التجارة البرية بسرعة في العقود المقبلة.
ربما ستتمكن الصين، في غضون 20 عاما، أو الهند في غضون 50 عاما، أو أي أحد آخر في غضون 100 عام من إعادة توحيد العالم تحت حكمه، وضمان أمن التجارة العالمية، لكن في العقود المقبلة، لا أعتقد أن هذا سيحدث.
وهذا يعني أنه لن يكون هناك مثل هذا النقل الرخيص، ومثل هذا التقسيم الواسع للعمل بين البلدان المختلفة. وستصبح السلع أكثر تكلفة، وسينخفض مستوى رفاهية الإنسان. ومرة أخرى ستعتمد البلدان على مواردها الخاصة، وستشهد البلدان التي تعاني من نقص الموارد صدمة اقتصادية واجتماعية. وسيشهد العالم ثورات عنيفة وحروبا أهلية وهجرات ضخمة. سينخفض تعداد السكان في العالم، وسينتقل مئات الملايين من الأشخاص من المناطق التي لا تتمتع بموارد كافية إلى أراض جديدة.
باختصار، يدخل العالم تدريجيا عصر القرون الوسطى الجديدة، وهو انتقال من عصر قيادة الحضارة الأوروبية إلى عصر جديد لم تتضح معالمه بعد.
واليمنيون في كل هذا ليسوا أكثر من أداة للتاريخ. ومع ذلك فهي أداة فعالة للغاية.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة "تليغرام" الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: الدنمارك ألمانيا فرنسا إسرائيل الصينية ألكسندر نازاروف أخبار اليمن ألكسندر نازاروف البحر الأبيض المتوسط البحر الأحمر الحوثيون عبد الملك الحوثي قناة السويس مضيق باب المندب التجارة البحریة فی غضون
إقرأ أيضاً:
فشل الغرب في الحرب التي شغلت العالم
– لا يستطيع قادة الغرب وكيان الاحتلال إنكار أن هذه الحرب التي تشارف على نهايتها في قطاع غزة، كانت حربهم معاً، وأنه لولا حجم انخراط الغرب مباشرة فيها إضافة إلى التمويل والتسليح والاستنفار وجلب الأساطيل لما استطاع الكيان الصمود حتى هذه الأيام، ولا يستطيع أيّ منهم إنكار أنهم وضعوا ثقلهم معاً سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً ومالياً للفوز بهذه الحرب التي تدور على مساحة 360 كيلومتراً مربعاً فقط، ما يعادل حياً صغيراً في أي مدينة كبرى، وأن الضربة الأولى في هذه الحرب يوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م كانت كافية لزعزعة عناصر قوة الكيان، ما أجبر الغرب كله على الهرولة إلى المنطقة بقادته وجيوشه وماله وسلاحه، واستنفار آلته الإعلاميّة والدبلوماسية لضمان أفضل مستويات الدعم والإسناد لجبهة الكيان بوجه غزة.
– تحوّلت الحرب قضية أولى على جدول أعمال الساسة والقادة والإعلام والشعوب على مساحة العالم، ورغم الخذلان العربي والإسلامي لغزة على مستوى الحكومات والشعوب، فقد نجحت غزة باستنهاض حلفاء لها يساندونها بجبهات قاتلت قتالاً ضارياً بلا هوادة، وتحمّلت تضحيات جساماً، خصوصاً في جبهتي لبنان واليمن، حيث تكفلت جبهة لبنان بإنهاء قدرات جيش الاحتلال على خوض حرب برية، وأجبرته على المجيء إلى وقف إطلاق للنار بدون مكاسب وهو يعترف ببقاء المقاومة على سلاحها، وما يعنيه ذلك من قبول مبدأ العودة إلى التساكن مع قوى المقاومة المسلحة على الحدود، رغم دروس الطوفان التي أجمع عليها قادة الكيان لجهة أن هذا التساكن يعني أن الخطر الوجودي على الكيان قائم وأن المسألة مسألة وقت، ومَن يقبل بالتساكن على الحدود الشمالية يقبل مثله على الحدود الجنوبيّة.
– نجح اليمن بتحدّي القوة الأمريكية والغربية البحرية بكل ما لديها من حاملات طائرات وسفن حربية ومدمرات وغواصات، وفرض إرادته رغماً عنها منجزاً حصاراً بحرياً على ميناء إيلات حتى تمّ إقفاله، وتسببت صواريخ اليمن وطائراته المسيّرة بتأكيد ما فرضته صواريخ لبنان وطائراته المسيّرة، لجهة عجز القبة الحديديّة بكل تقنياتها المتطورة رغم تدعيمها بشبكة صواريخ ثاد الأمريكية، فبقي المستوطنون يهرولون بمئات الآلاف إلى الملاجئ، وسقطت نظرية الأمن الإسرائيلية، وفشلت كل محاولات إخراج اليمن من موقعه كجبهة إسناد لغزة، بل إن أحد أسباب السير باتفاق ينهي الحرب كان اليقين بأن هذا هو الطريق الوحيد المتاح للتخلص من العقدة اليمنية وما تسببه لواشنطن وتل أبيب من إحراج.
– عوّضت التداعيات التي ترتبت على حرب غزة عالمياً عن الخذلان العربي والإسلامي، مع ظهور حركة الجامعات الغربية بحيويتها وحضورها المميز، وتطورها نحو إطلاق مد ثقافي فكري تاريخي لإثبات الحق الفلسطيني بكامل التراب الوطني الفلسطيني، وتوسّعت حركات المقاطعة الاقتصادية، وتسبّبت بتغييرات هيكلية في شبكة علاقات الشركات العالمية الكبرى بالكيان، وامتلأت شوارع عواصم الغرب بالملايين تهتف بالحرية لفلسطين، كما شهد العالم إعادة تموضع سياسية ودبلوماسية ونهوض حركة مساءلة قانونية بوجه جرائم الكيان ووحشيته، رغم التهديدات الأمريكية بالعقوبات، فقطعت دول علاقاتها بالكيان وأغلقت سفاراتها لديها وسحبت سفراءها من عاصمته، واعترفت دول أخرى بالدولة الفلسطينية، وذهبت دول لمقاضاة الكيان أمام المحاكم الدولية، وتحرّكت المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق قادة الكيان.
– عادت القضية الفلسطينية إلى وهجها كقضية دولية إنسانية وقانونية، لكن أيضاً كقضية استراتيجية يتوقف على حلها بصورة يقبلها الشعب الفلسطيني استقرار الشرق الأوسط، وتالياً سوق الطاقة واستقرار العالم، ولم يعُد العالم كما لم تعُد القضية الفلسطينية بعد هذه الحرب كما كان الحال قبلها، وهكذا حقق الطوفان أهدافه، وكانت عيون العالم على الطريقة التي سوف تنتهي من خلالها الحرب، لتحديد سقوف السياسة ومقدار القوة التي سوف ينجح الفلسطينيون في انتزاعها في ظل الضوء الأخضر الممنوح للكيان بتدمير كل ما يتصل بالحياة في غزة، وها هم يفرضون اتفاقاً لا يطال سلاح مقاومتهم، ولا يمنح الاحتلال أي امتيازات أمنية وجغرافية في قطاع غزة، ويجد أنه مجبر على إعلان انتهاء الحرب، وسوف يكون سقف تباهي حكام واشنطن وتل أبيب بما أنجز في غزة ولبنان واليمن هو ما قاله أنتوني بلينكن عن إنجازات أميركا وإسرائيل في لبنان، وسقفها إبعاد حزب الله عن الحدود، وقطع إمداده عبر سورية، لكن قوته باقية ولذلك فالإنجاز كما يقول إنه تمّ حرمان حزب الله من تشكيل تهديد راهن؛ بينما بعض الحمقى والمهابيل في لبنان يحتفلون بأن نزع سلاح حزب الله على الطاولة، وهكذا سوف يقولون عن غزة، تحييد التهديد الراهن؛ بينما يحتفل بعض مهابيل وحمقى الأجهزة في السلطة الفلسطينية بالحديث عن هزيمة المقاومة وحتمية نزع سلاح المقاومة.. ويبقى الأهم ما تقوله واشنطن وتل أبيب لا ما يردده أيتام الوحدة 8200، إن القضية هي منع التهديد اليوم وليس آلة القوة وأسباب القوة، لكن ماذا عن الغد، والاحتلال لن يحلم في أي منازلة مقبلة، وهي مقبلة حكماً، ما يشبه ما ناله في هذه الحرب ولم ينجح بتحقيق النصر؟.
رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية