سر جمع كلمة الظلمات وإفراد لفظة النور في القرآن ؟
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
ما السِّر في مجيء كلمة "الظلمات" جمعًا وإفراد كلمة "النور" في صدر سورة الأنعام: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾، وكذلك في جميع القرآن الكريم؟، سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية، عبر موقعها الرسمي.
لترد دار الإفتاء موضحة: أن السِّر في جَمْع كلمة "الظلمات" وإفراد كلمة "النُّور" في الآية المذكورة ممَّا تنوعت فيه كلمةُ العلماء مِن أنه كان اتباعًا للاستعمال، لأن لفظ (الظلمات) بالجمع أخف، ولفظ (النُّور) بالإفراد أخف، وهما معًا دالان على الجنس، والتعريف الجنسي يستوي فيه المفرد والجمع، أو أنَّ السبب في تعدد الظلمات راجع إلى كون الباطل له وجوه كثيرة متعددة ومتنوعة، بخلاف النُّور فهو مفردٌ متحدٌ، أو أن في ذلك إشارة إلى جنس كلٍّ منهما، فالنُّور له جنسٌ واحدٌ وهو النار، والظلمات كثيرة؛ ولأن كلَّ جِرْمٍ له ظِلٌّ، والظِّلُ هو الظلمة، ومنهم مَن يرى أن النُّور يتعدى إلى غيره بخلاف الظلمة فهي جامدة لا تتعدى؛ فنَاسب المتعدي أن يكون مفردًا، وغير المتعدي أن يكون جَمْعًا.
سورة الأنعام لها من الفضل العظيم والقدر الجليل ما لا يخفى، ومن ذلك: أنه قد نزل يُشيعها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمينُ الوحي جبريل عليه السلام ومعه سبعون ألف مَلَكٍ، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: لما نزلت سورة الأنعام سبَّح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: «لَقَدْ شَيَّعَ هَذِهِ السُّورَةَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا سَدَّ الْأُفُقَ» رواه الحاكم في "المستدرك"، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ وَمَعَهَا مَوْكِبٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ سَدَّ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ لَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّسْبِيحِ، وَالْأَرْضُ بِهِمْ تَرْتَجُّ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ» ثلاثَ مراتٍ، رواه البيهقي في "شعب الإيمان"، و"السنن الصغرى".
قال الإمام الفخر الرازي في "مفاتيح الغيب" (12/ 471، ط. دار إحياء التراث): [قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنها مكية نزلت جملة واحدة، فامتلأ منها الوادي، وشيَّعها سبعون ألف ملك، ونزلت الملائكة فملؤوا ما بين الأخشبين، فدعا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الكُتَّاب وكتبوها من ليلتهم إلا ست آيات، فإنها مدنيات: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام: 151] إلى آخر الآيات الثلاث، وقوله: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام: 91] الآية، وقوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الأنعام: 93]] اهـ.
السر في جمع كلمة "الظلمات" وإفراد كلمة "النور" في القرآن الكريم وبيان معناهما
قد وردت كلمتا ﴿الظُّلُمَاتِ﴾ و﴿النُّورَ﴾ مجتمعتين في القرآن الكريم في مواضع متعددة تزيد على العشر، وأُفِرد كلٌّ منهما بالذكر مراتٍ كثيرة؛ لمناسبة كلِّ موضعٍ ودلالته على معنًى آخر، فهما من الثنائيات في القرآن الكريم التي يرتبط بعضها مع بعض بعلائق إما لفظية أو معنوية.
وللعلماء في معنَى الظلمات والنُّور في قول الله تعالى: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ من سورة الأنعام معانٍ، فمنهم مَن يرى أن المقصود بالظلمات: الليل، وبالنُّور: النهار، ومنهم مَن يرى أنَّ المقصود بالظلمات: الجهل، وبالنُّور: العلم، ومنهم مَن يرى أن المراد بالظلمات: المعصية، وأن المراد بالنُّور: الطاعة، ومنهم مَن يرى غير ذلك.
قال الطبري في "جامع البيان" (11/ 247، ط. مؤسسة الرسالة): [القول في تأويل قوله: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾، قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وأظلم الليل، وأنار النهار] اهـ.
وقال الإمام أبو المظفر السمعاني في "تفسيره" (2/ 86، ط. دار الوطن): [وقيل: أراد بالظلمات: الجهل، وبالنُّور: العلم، وقيل: أراد بالظلمات: المعصية، وبالنُّور: الطاعة] اهـ.
فحقيقة النُّور هو ما تنكشف به الحجب وغيرها من الأمور المستورة، فيُشرق القلب كلما اخترقه جزءٌ من النُّور، فيزيل عنه الظلام، ويدحض عنه الشَّك.
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 129، ط. دار الوفاء): [حقيقة النُّور: أنه الذي به تنكشف الأمور، وتظهر المخبآت، وتنكشف الحجب والسواتر به، وهو معنى يقوم بالأجسام، وربما سميت الأجسام الملازمة بالوصف بهذه الأوصاف أنوارًا، إذ لا تخلو منها، فهو كله خَلْق من خَلْق الله وفعل من أفعاله، فهو منوِّر الآفاق بهذه الأنوار، فيزيل عنها الظلام، ويكشف اللبس والعشا من الأبصار، فيسلكون به سبلهم، ويهتدون به إلى شؤونهم، فيُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وسُمِّيَ القرآن بذلك؛ لهداية قلوب المؤمنين، وكشف الريب والشك، وإيضاح سبل الحقِّ وطرق الهدى والرشد] اهـ.
وأما الحكمة في إفراد لفظ "النُّور"، وجَمْع "الظلمات" في الآية المذكورة فلأمور متعددة منها: إيضاح ما بينهما من فوارق من حيث المصدر والمبدأ لهما، ومن حيث اللفظ والمعنى، وقد أكثر في ذكر تفسير ذلك العلماء، منها ما يلي:
- أن في إفراد النُّور وجَمْع الظلمات علاقة عكسية وإشارة إلى جنس كلٍّ منهما، فالنُّور له جنسٌ واحدٌ وهو النار، والظلمات كثيرة؛ لأن كلَّ جرم له ظل، والظل هو الظلمة.
قال الإمام الزمخشري في "الكشاف" (2/ 3-4، ط. دار الكتاب العربي): [فإن قلت: لم أفرد النُّور؟ قلت: للقصد إلى الجنس، كقوله تعالى: ﴿وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا﴾ [الحاقة: 17]، أو لأن الظلمات كثيرة، لأن ما من جنس من أجناس الأجرام إلا وله ظل، وظله هو الظلمة، بخلاف النُّور، فإنه من جنسٍ واحدٍ وهو النار] اهـ.
قال الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (7/ 127-128، ط. الدار التونسية): [وخص بالذكر من الجواهر والأعراض عرضين عظيمين، وهما: الظلمات والنور، فقال: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ لاستواء جميع الناس في إدراكهما والشعور بهما. وبذكر هذه الأمور الأربعة حصلت الإشارة إلى جنسي المخلوقات من جواهر وأعراض. فالتفرقة بين فعل (خلق) وفعل (جعل) هنا معدود من فصاحة الكلمات. وإن لكلِّ كلمة مع صاحبتها مقامًا.. وقدم ذكر الظلمات مراعاة للترتب في الوجود؛ لأن الظلمة سابقة النُّور، فإن النُّور حصل بعد خلق الذوات المضيئة، وكانت الظلمة عامة. وإنما جَمَع الظلمات وأَفْرَد النُّور؛ اتباعًا للاستعمال، لأن لفظ (الظلمات) بالجمع أخف، ولفظ (النُّور) بالإفراد أخف، ولذلك لم يرد لفظ (الظلمات) في القرآن إلا جمعًا، ولم يرد لفظ (النُّور) إلا مفردًا. وهما معًا دالان على الجنس، والتعريف الجنسي يستوي فيه المفرد والجمع، فلم يبق للاختلاف سبب لاتباع الاستعمال، خلافًا لما في "الكشاف"] اهـ.
- أن لفظ "النُّور" أُفْرِد لكونه شيئًا واحدًا وإن تعدَّد مصدره، وهو يكون قويًّا ويكون ضعيفًا، وأما لفظ "الظلمة" فقد جُمع؛ لأنَّ الظلمة هي كل ما يحجب النُّور من الأجسام غير النيرة، وهي كثيرة جدًّا.
قال الإمام النيسابوري في "غرائب القرآن" (3/ 47-48، ط. دار الكتب العلمية): [قيل: لأن الظلمات من الأجرام المتكاثفة، والنُّور من النار، ولهذا جمع الظلمات إذ لكلِّ جرمٍ ظل، والظل ظلمة.
ووَحَّدَ النُّور؛ لأن النار واحد وهو منها، والظلمة والنُّور هاهنا هما الأمران المحسوسان بالبصر؛ لأن الأصل في الإطلاق الحقيقة، والقرينة ذكر السماوات والأرض.. وجمع الظلمات ووحد النُّور؛ لأن النُّور عبارة عن تلك الكيفية الكاملة القوية، ثم إنها تقبل التناقص قليلًا قليلًا وتلك المراتب كثيرة أو لأنه قصد بالنُّور الجنس.. ولأنَّ الحقَّ واحد، والباطل أكثر من أن يحصى] اهـ.
- أن النُّور يتعدى إلى غيره، بخلاف الظلمة فهي جامدة لا تتعدى، فناسب المتعدي أن يكون مفردًا، وغير المتعدي أن يكون جمعًا.
نقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي في "الكشف والبيان" (4/ 132، ط. دار إحياء التراث العربي) قول قتادة في الحكمة من وراء هذا الجمع: [وإنما جمع الظلمات ووحد النُّور؛ لأن النُّور يتعدى، والظلمة لا تتعدى] اهـ.
- أن السبب في تعدد الظلمات كون الباطل له وجوه كثيرة متعددة ومتنوعة، بخلاف النُّور فهو مفردٌ متحدٌ.
قال العلامة أبو السعود في "إرشاد العقل السليم" (7/ 149، ط. دار إحياء التراث العربي): [وجَمَع الظلمات مع أفرادِ النُّورِ لتعدُّدِ فنونِ الباطلِ واتِّحاد الحقِّ] اهـ.
وقال نظام الدِّين النيسابوري في "غرائب القرآن" (3/ 47، ط. دار الكتب العلمية): [وعلى الثاني: فذلك لأن الحقَّ واحدٌ، والباطل أكثر من أن يحصى] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: صلى الله علیه وآله وسلم القرآن الکریم قال الإمام ع الظلمات فی القرآن م ن یرى أن ی القرآن أن الن
إقرأ أيضاً:
خطيب البعوث الإسلامية: استسلام الأمة للمنافقين بداية الانهيار.. والشيطان ينشر اليأس
قال الدكتور حسن يحيى أمين اللجنة العليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية، لقد حذرنا الحق سبحانه وتعالى من اليأس، لأنه أشد ما يصاب به الأفراد والجماعات والأمم، لأن اليأس يحبط العزيمة، وتفتر معه الهمم، وكثير من الأمم عجل بزوالها لما تملكها اليأس، لذلك شهدت الصراعات قديمًا وحديثًا، محاولات لبس اليأس، حتى يكون لكل حصن الغلبة على الأخر، بهذا السلاح الذي يعد أخطر من الدبابات والصواريخ، وعلينا أن نعيد حسابتنا، وأن نرتب أولوياتنا، وأن نتدارك أخطاءنا، وألا نستجدي النفع من أمم لا ترقب فينا إلًّا ولا ذمة، ولن يتحقق ذلك إلا بالرجوع إلى ربنا معنى وحسًّا، روحًا وجسدًا، نفسًا ومالًا، فقد وعدنا فقال "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ"، وتعلمنا من التاريخ أنَّه من رحم الألم يولد الأمل، ومن المحنة تولد المنحة، ومن رائحة الموت تولد الحياة، فلا تيأسوا من روح الله.
وأكد أمين اللجنة العليا للدعوة بالأزهر خلال خطبته بمسجد مدينة البعوث الإسلامية، إن ما تمر به الأمة اليوم ما هو إلا تمحيص وتهديب ستخرج منه الأمة بإذن الله أشد قوة، وأمضى عزمًا، وأكثر منعة، وأوفر حظًّا بين الأمم، والتاريخ خير شاهد على ذلك، وتلك الأيام نداولها بين الناس ، وخبر القرآن يقول: { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ َ)، ولكن علي الأمة أن لا تستسلم لنكباتها، وألَّا تسلم أذنها لأعدائها، يضخمون لها الفظائع، ويهولون لها الأحداث، ويقطعون منها الأمل، فهذا يأس يخدم أعداء الأمة، ولن يكون علاجًا لاستكمال نقص، ولا داعيًا لمضاعفة جهد، وإنما هو دعوة للإذعان والتسليم، دعوة لتثبيط الهمم، وإرجاف في المدينة يراد به محو وجودها، ونهب مقدراتها، واستلاب هويتها؛ لذلك لابد أن نصيح في أعدائنا: نحن قوم لا نيأس من روح الله.
وأضاف أمين اللجنة العليا للدعوة، إن استسلام الأمة لأقوال المنافقين والذين في قلوبهم مرض والمرجفين في المدينة، الذين يحاولون زعزعة استقرارها، ويهوِّلون من قوة العدو، ويحقِّرون من قوة المؤمنين، هو بداية لانهيارها، وقد عرَّفنا القرآن الكريم مسلكهم وطبيعتهم ووضع أيدينا على أوصافهم فأصبحت لا تخطئهم أعين المؤمنين، قال تعالى"وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً"، وفي مواجهة هذا الخطاب الانهزامي اليائس من المنافقين نجد خطاب المؤمنين الصادقين "وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً".
وأوضح الدكتور حسن يحي خلال خطبة الجمعة بمسجد مدن البعوث الإسلامية، إن قول الحق الذي جاء على لسان سيدنا يعقوب لأبنائه "ولا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ"، تحذير من اليأس، لأنه يصل بالأمة إلى كونها أمة جاحدة لذاتها، منكرة لكل مقوماتها، وفي هذه الحالة يسهل على أعدائها أن ينالوا منها، لأنَّه بمجرد أن تفقد الأمة الثقة بنفسها، وتيأس من استقامة أحوالها، وقدرتها على معالجة أمراضها تدخل مباشرة في سكرات الموت، وهو غاية ما يتنماه أعداؤها، وذروة ما تصبو إليه نفوسهم، وقد عالج القرآن الكريم هذه الحالة الشعوريَّة اليائسة بمحفزات الإيمان الداعة للهمم، والمقوية للعزيمة، فقال تعالى "وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ".
وبين أمين اللجنة العليا للدعوة بالأزهر، إننا إذا تتبعنا عوامل اليأس وجدناها تتسرب للأمة من كثرة عدد أعدائها، وتجمعهم عليها، وقد جعل القرآن الكريم هذه الحالة من أمارات قوة الأمة، وعدالة قضيتها، وجعل تجمع الأعداء وسيلة دعم معنويَّة ترفض اليأس والخنوع، فقال تعالى "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ"، فكل تجمع ضدنا إنما هو وسيلة لزيادة إيماننا، ومن الخطأ أن نتعامل معه على أنه دعوة لليأس، بل هو دعوة للإيمان بالله والعود الرشيد لكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وانظروا إلى النتيجة التي هي سنة من سنن الله في الخلق "فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ"، مبينًا أن من عوامل اليأس امتلاء النفوس بالخوف، والقرآن الكريم عالج ذلك في نفوس الأمة ليجتث منها اليأس فقال: "إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين"، وقال تعالى: "ِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ".