صدى البلد:
2025-01-24@03:25:31 GMT

سر جمع كلمة الظلمات وإفراد لفظة النور في القرآن ؟

تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT

ما السِّر في مجيء كلمة "الظلمات" جمعًا وإفراد كلمة "النور" في صدر سورة الأنعام: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾، وكذلك في جميع القرآن الكريم؟، سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية، عبر موقعها الرسمي. 

لترد دار الإفتاء موضحة: أن السِّر في جَمْع كلمة "الظلمات" وإفراد كلمة "النُّور" في الآية المذكورة ممَّا تنوعت فيه كلمةُ العلماء مِن أنه كان اتباعًا للاستعمال، لأن لفظ (الظلمات) بالجمع أخف، ولفظ (النُّور) بالإفراد أخف، وهما معًا دالان على الجنس، والتعريف الجنسي يستوي فيه المفرد والجمع، أو أنَّ السبب في تعدد الظلمات راجع إلى كون الباطل له وجوه كثيرة متعددة ومتنوعة، بخلاف النُّور فهو مفردٌ متحدٌ، أو أن في ذلك إشارة إلى جنس كلٍّ منهما، فالنُّور له جنسٌ واحدٌ وهو النار، والظلمات كثيرة؛ ولأن كلَّ جِرْمٍ له ظِلٌّ، والظِّلُ هو الظلمة، ومنهم مَن يرى أن النُّور يتعدى إلى غيره بخلاف الظلمة فهي جامدة لا تتعدى؛ فنَاسب المتعدي أن يكون مفردًا، وغير المتعدي أن يكون جَمْعًا.

3 كلمات رددها لو خايف من شخص ظالم دعاء علمه النبي للسيدة عائشة.. ردده يرزقك الله الخير كله بيان فضل سورة الأنعام

سورة الأنعام لها من الفضل العظيم والقدر الجليل ما لا يخفى، ومن ذلك: أنه قد نزل يُشيعها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمينُ الوحي جبريل عليه السلام ومعه سبعون ألف مَلَكٍ، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: لما نزلت سورة الأنعام سبَّح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: «لَقَدْ شَيَّعَ هَذِهِ السُّورَةَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا سَدَّ الْأُفُقَ» رواه الحاكم في "المستدرك"، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم".

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ وَمَعَهَا مَوْكِبٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ سَدَّ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ لَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّسْبِيحِ، وَالْأَرْضُ بِهِمْ تَرْتَجُّ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ» ثلاثَ مراتٍ، رواه البيهقي في "شعب الإيمان"، و"السنن الصغرى".

قال الإمام الفخر الرازي في "مفاتيح الغيب" (12/ 471، ط. دار إحياء التراث): [قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنها مكية نزلت جملة واحدة، فامتلأ منها الوادي، وشيَّعها سبعون ألف ملك، ونزلت الملائكة فملؤوا ما بين الأخشبين، فدعا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الكُتَّاب وكتبوها من ليلتهم إلا ست آيات، فإنها مدنيات: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام: 151] إلى آخر الآيات الثلاث، وقوله: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام: 91] الآية، وقوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الأنعام: 93]] اهـ.

السر في جمع كلمة "الظلمات" وإفراد كلمة "النور" في القرآن الكريم وبيان معناهما
قد وردت كلمتا ﴿الظُّلُمَاتِ﴾ و﴿النُّورَ﴾ مجتمعتين في القرآن الكريم في مواضع متعددة تزيد على العشر، وأُفِرد كلٌّ منهما بالذكر مراتٍ كثيرة؛ لمناسبة كلِّ موضعٍ ودلالته على معنًى آخر، فهما من الثنائيات في القرآن الكريم التي يرتبط بعضها مع بعض بعلائق إما لفظية أو معنوية.

وللعلماء في معنَى الظلمات والنُّور في قول الله تعالى: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ من سورة الأنعام معانٍ، فمنهم مَن يرى أن المقصود بالظلمات: الليل، وبالنُّور: النهار، ومنهم مَن يرى أنَّ المقصود بالظلمات: الجهل، وبالنُّور: العلم، ومنهم مَن يرى أن المراد بالظلمات: المعصية، وأن المراد بالنُّور: الطاعة، ومنهم مَن يرى غير ذلك.

قال الطبري في "جامع البيان" (11/ 247، ط. مؤسسة الرسالة): [القول في تأويل قوله: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾، قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وأظلم الليل، وأنار النهار] اهـ.

وقال الإمام أبو المظفر السمعاني في "تفسيره" (2/ 86، ط. دار الوطن): [وقيل: أراد بالظلمات: الجهل، وبالنُّور: العلم، وقيل: أراد بالظلمات: المعصية، وبالنُّور: الطاعة] اهـ.

فحقيقة النُّور هو ما تنكشف به الحجب وغيرها من الأمور المستورة، فيُشرق القلب كلما اخترقه جزءٌ من النُّور، فيزيل عنه الظلام، ويدحض عنه الشَّك.

قال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 129، ط. دار الوفاء): [حقيقة النُّور: أنه الذي به تنكشف الأمور، وتظهر المخبآت، وتنكشف الحجب والسواتر به، وهو معنى يقوم بالأجسام، وربما سميت الأجسام الملازمة بالوصف بهذه الأوصاف أنوارًا، إذ لا تخلو منها، فهو كله خَلْق من خَلْق الله وفعل من أفعاله، فهو منوِّر الآفاق بهذه الأنوار، فيزيل عنها الظلام، ويكشف اللبس والعشا من الأبصار، فيسلكون به سبلهم، ويهتدون به إلى شؤونهم، فيُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وسُمِّيَ القرآن بذلك؛ لهداية قلوب المؤمنين، وكشف الريب والشك، وإيضاح سبل الحقِّ وطرق الهدى والرشد] اهـ.

وأما الحكمة في إفراد لفظ "النُّور"، وجَمْع "الظلمات" في الآية المذكورة فلأمور متعددة منها: إيضاح ما بينهما من فوارق من حيث المصدر والمبدأ لهما، ومن حيث اللفظ والمعنى، وقد أكثر في ذكر تفسير ذلك العلماء، منها ما يلي:

- أن في إفراد النُّور وجَمْع الظلمات علاقة عكسية وإشارة إلى جنس كلٍّ منهما، فالنُّور له جنسٌ واحدٌ وهو النار، والظلمات كثيرة؛ لأن كلَّ جرم له ظل، والظل هو الظلمة.

قال الإمام الزمخشري في "الكشاف" (2/ 3-4، ط. دار الكتاب العربي): [فإن قلت: لم أفرد النُّور؟ قلت: للقصد إلى الجنس، كقوله تعالى: ﴿وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا﴾ [الحاقة: 17]، أو لأن الظلمات كثيرة، لأن ما من جنس من أجناس الأجرام إلا وله ظل، وظله هو الظلمة، بخلاف النُّور، فإنه من جنسٍ واحدٍ وهو النار] اهـ.

قال الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (7/ 127-128، ط. الدار التونسية): [وخص بالذكر من الجواهر والأعراض عرضين عظيمين، وهما: الظلمات والنور، فقال: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ لاستواء جميع الناس في إدراكهما والشعور بهما. وبذكر هذه الأمور الأربعة حصلت الإشارة إلى جنسي المخلوقات من جواهر وأعراض. فالتفرقة بين فعل (خلق) وفعل (جعل) هنا معدود من فصاحة الكلمات. وإن لكلِّ كلمة مع صاحبتها مقامًا.. وقدم ذكر الظلمات مراعاة للترتب في الوجود؛ لأن الظلمة سابقة النُّور، فإن النُّور حصل بعد خلق الذوات المضيئة، وكانت الظلمة عامة. وإنما جَمَع الظلمات وأَفْرَد النُّور؛ اتباعًا للاستعمال، لأن لفظ (الظلمات) بالجمع أخف، ولفظ (النُّور) بالإفراد أخف، ولذلك لم يرد لفظ (الظلمات) في القرآن إلا جمعًا، ولم يرد لفظ (النُّور) إلا مفردًا. وهما معًا دالان على الجنس، والتعريف الجنسي يستوي فيه المفرد والجمع، فلم يبق للاختلاف سبب لاتباع الاستعمال، خلافًا لما في "الكشاف"] اهـ.

- أن لفظ "النُّور" أُفْرِد لكونه شيئًا واحدًا وإن تعدَّد مصدره، وهو يكون قويًّا ويكون ضعيفًا، وأما لفظ "الظلمة" فقد جُمع؛ لأنَّ الظلمة هي كل ما يحجب النُّور من الأجسام غير النيرة، وهي كثيرة جدًّا.

قال الإمام النيسابوري في "غرائب القرآن" (3/ 47-48، ط. دار الكتب العلمية): [قيل: لأن الظلمات من الأجرام المتكاثفة، والنُّور من النار، ولهذا جمع الظلمات إذ لكلِّ جرمٍ ظل، والظل ظلمة.

ووَحَّدَ النُّور؛ لأن النار واحد وهو منها، والظلمة والنُّور هاهنا هما الأمران المحسوسان بالبصر؛ لأن الأصل في الإطلاق الحقيقة، والقرينة ذكر السماوات والأرض.. وجمع الظلمات ووحد النُّور؛ لأن النُّور عبارة عن تلك الكيفية الكاملة القوية، ثم إنها تقبل التناقص قليلًا قليلًا وتلك المراتب كثيرة أو لأنه قصد بالنُّور الجنس.. ولأنَّ الحقَّ واحد، والباطل أكثر من أن يحصى] اهـ.

- أن النُّور يتعدى إلى غيره، بخلاف الظلمة فهي جامدة لا تتعدى، فناسب المتعدي أن يكون مفردًا، وغير المتعدي أن يكون جمعًا.

نقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي في "الكشف والبيان" (4/ 132، ط. دار إحياء التراث العربي) قول قتادة في الحكمة من وراء هذا الجمع: [وإنما جمع الظلمات ووحد النُّور؛ لأن النُّور يتعدى، والظلمة لا تتعدى] اهـ.

- أن السبب في تعدد الظلمات كون الباطل له وجوه كثيرة متعددة ومتنوعة، بخلاف النُّور فهو مفردٌ متحدٌ.

قال العلامة أبو السعود في "إرشاد العقل السليم" (7/ 149، ط. دار إحياء التراث العربي): [وجَمَع الظلمات مع أفرادِ النُّورِ لتعدُّدِ فنونِ الباطلِ واتِّحاد الحقِّ] اهـ.

وقال نظام الدِّين النيسابوري في "غرائب القرآن" (3/ 47، ط. دار الكتب العلمية): [وعلى الثاني: فذلك لأن الحقَّ واحدٌ، والباطل أكثر من أن يحصى] اهـ.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: صلى الله علیه وآله وسلم القرآن الکریم قال الإمام ع الظلمات فی القرآن م ن یرى أن ی القرآن أن الن

إقرأ أيضاً:

د. كهـلان الخروصـي: هجـر القـرآن لا يقتصـر علـى الإعـراض عـن تلاوتـه بـل يشمـل عـدم التفاعـل مـع معانيـه

الكتاب العزيز شفاء للقلوب وموعظة للناس جميعًا دون تقييد بأحوالهم أو خطاياهم -

بذل الجهد في تعليم القرآن وتوجيه الأبناء نحو تعاليمه من أسمى أنواع البر -

نظم مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم محاضرة دينية لفضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان، بجامع السلطان قابوس بولاية قريات، وذلك في إطار سلسلة «اللطائف القرآنية»، وتطرق الشيخ إلى موضوع بالغ الأهمية بعنوان «مقدمات للتعامل مع القرآن الكريم»، مؤكدًا أن المحاضرة ستكون خفيفة في طرحها، لكنها غنية في معانيها تسهم في التهيئة الإيمانية والمعنوية التي يحتاجها المسلم في تلاوة وفهم القرآن الكريم. وأوضح الشيخ أن هذا الموضوع رغم اختلافه عن محاضرات سابقه في السلسلة، إلا أنه يشكل جزءًا لا يتجزأ منها، وأنه سيركز على ما ينبغي للمسلم أن يهتم به على الصعيد الشخصي لتحقيق استفادة حقيقية من كتاب الله، وبيّن أنه سيتجنب الدخول في الموضوعات العلمية المعقدة، مركّزًا على الأمور الشخصية التي يجب أن يوليها المسلم اهتمامًا حتى يستطيع الاستفادة القصوى من كتاب الله تعالى.

وأوضح الشيخ أن هذا الموضوع ضروري لأن العديد من الناس يتساءلون عن أفضل الكتب لتفسير آيات القرآن بعد سماع محاضرات أو دروس حول تلاوة القرآن أو تفسير معانيه، وأن البعض يشكو من أنهم لا يجدون ضالتهم في القرآن رغم قراءته، وقال: إن الكثير من الناس قد لا ينتبهون إلى المعاني العميقة الموجودة في القرآن، وعندما يتم إيقافهم على بعض هذه المعاني الواضحة، يكتشفون أنها سهلة ويسيرة الفهم، إلا أنهم لا يعرفون كيف وصلوا إليها، وأضاف الشيخ أنه من بين الدواعي لاختيار هذا الموضوع أيضًا هو التواصل مع بعض النساء اللواتي يتابعن شخصيات مؤثرة في الغرب، واللواتي أصبحن يكتشفن معاني عظيمة في القرآن الكريم، وهي معانٍ قد يغفل عنها بعض المسلمين أنفسهم.

التفاعل مع القرآن

استمر الشيخ في محاضرته متحدثًا عن ضرورة التفاعل مع القرآن الكريم، مشيرًا إلى أن القرآن هو لغتنا، ولكن رغم ذلك، لا نرى في كثير من الأحيان المعاني العميقة التي يحتوي عليها هذا الكتاب العظيم، وأوضح أنه سيحاول أن يسلط الضوء على بعض الإجابات المتعلقة بهذه القضية، خاصة في ظل التشكيك الذي يراه حول قدرة المسلمين، الذين نشأوا على القرآن الكريم، في الوصول إلى هذه المعاني.

ثم انتقل للحديث عن آية قرآنية تؤكد ضرورة التفاعل مع القرآن الكريم وفتح القلوب لاستقبال هداياته، مستعرضًا قول الله تعالى: «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ»، وتساءل الشيخ، هل نرضى أن تقسو قلوبنا بسبب هجر القرآن الكريم، وهل نعرض عن معانيه وهداه بينما نحن محاطون بالفتن، وأكد على أن القرآن ليس مجرد كلام عابر، بل هو هداية ومرشد في زمن تتداخل فيه الحقائق وتتشابك فيه الأمور.

وأبرز الشيخ أن هذا النداء القرآني يوجهه الله لنا كأمة خُصت بهذا الكتاب العظيم، مؤكدًا على أن الدعوة للتفاعل مع القرآن ليست مجرد دعوة عابرة، بل هي دعوة لكل مسلم بأن يظل في صلة مستمرة مع كتاب ربه، حتى يحقق ما أنزل من الحق ويتجنب القسوة التي تصيب القلوب بسبب إعراضها عن التلاوة والتدبر.

ثم ذكر الشيخ حقيقة مهمة، وهي أن القرآن الكريم يتمتع بسلطان وهيبة وجمال لا مثيل له، مما يجعله ذا تأثير عميق على النفس البشرية، وأكد أن القرآن الكريم قادر على تغيير موازين الحياة وتوجيه الأنظار نحو الخير والهدى، وهذا ما أثبته القرآن في جيل الصحابة وفي تاريخ المسلمين، حينما أصبح القرآن هو الحاكم الذي ينظم حياتهم.

تأثير الكتاب العظيم

وأشار إلى أن الأدلة القرآنية على تأثير الكتاب العظيم كثيرة، مستشهدًا بآية كريمة تقول: «لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ»، وأوضح أن هذا التأثير على الجبال الصماء يجب أن يدفعنا للتساؤل عن تأثير القرآن في أنفسنا، وهل نشعر بتأثيره على حياتنا اليومية، وتساءل عن مدى تفاعل قلوبنا مع كلمات الله، وهل نشعر بالهيبة والسلطان الذي يوجه حياتنا بشكل صحيح.

وأضاف: هل نحن نتعامل مع القرآن الكريم بالشكل الذي يليق بعظمته، هل نسمح لكلماته أن تغيرنا وتوجهنا؟ مبينا كيفية الارتقاء بأنفسنا لنجعل القرآن الكريم مصدرًا للسلطان والهيمنة على حياتنا، وأوضح أن ذلك يتطلب فهم الأسباب التي تمنع القرآن من أن يكون له التأثير المطلوب في نفوسنا، فقد أشار إلى آية قرآنية تبين عظمة تأثير القرآن، وهي قوله تعالى: «لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ»، مستعرضًا سؤاله: ما الذي يمنعنا نحن من أن نكون في مثل هذا الوضع من التأثر بالقرآن الكريم؟

الموانع التي تقف في طريق

ثم تناول الشيخ مسألتين رئيسيتين: الأولى هي الموانع التي تقف في طريق التفاعل الحقيقي مع القرآن، والثانية هي المقدمات التي يجب توافرها من أجل أن يكون للقرآن هذا التأثير الكبير في حياتنا، وأكد أنه إذا تمكنا من التخلص من الموانع، فسنكون قد هيأنا قلوبنا لاستقبال النور والهدى من كتاب الله.

وأشار إلى أنه من بين الموانع التي تحول دون تأثير القرآن في حياتنا هو هجر القرآن، فقد بيّن أن هجر القرآن لا يقتصر على الإعراض عن تلاوته، بل يشمل أيضًا عدم التفاعل مع معانيه وعدم جعل القرآن رفيقًا يوميًا في حياتنا، ولفت إلى أن هذا الهجر يتفاوت بين الناس، حيث يعاني البعض من هذا الهجر رغم أن هناك إقبالًا متزايدًا على القرآن في بعض الأماكن، وخاصة في السلطنة التي تشهد اهتمامًا متناميًا بكتاب الله، إلا أنه أكد أن وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي أصبحت تشغل أوقات الناس بشكل كبير، مما أدى إلى تراجع مكانة القرآن في حياة البعض، وذكر أنه على الرغم من هذا التراجع في الاهتمام، فإننا نعيش في نعمة، إذ توجد فرص كثيرة للاهتمام بالقرآن الكريم، داعيًا إلى ضرورة استثمار هذه الفرص وتوجيه الجهود لتوثيق صلتنا بالقرآن.

كما أشار إلى أن ثاني الموانع التي تعوق استجابة النفوس لسلطان القرآن تتمثل في التصورات والأوهام التي لا أساس لها من الصحة، من أبرز هذه الأوهام هو الاعتقاد بأن القرآن الكريم هو كتاب خاص بأهل العلم والمشايخ فقط، وأن العوام ليس عليهم سوى تلاوته للحصول على الأجر دون فهمه أو تدبره أو تطبيقه، مؤكدا على أن هذا الفهم خاطئ تمامًا، وأن القرآن هو كتاب الله الموجه إلى جميع المسلمين دون استثناء، وأضاف أن القرآن الكريم ليس حكرا على فئة معينة، بل هو كتاب هداية لجميع المؤمنين، وهو الموجه إليهم من الله عز وجل ليأخذوا منه العِبر والهداية ويعملوا به في حياتهم اليومية، وشدد على أن هذا الوهم هو سبب في تقليص اهتمام العديد من المسلمين بكتاب الله، حيث يقتصر البعض على قراءته في رمضان أو في المناسبات، بينما يتجاهلون تدبره والعمل به بشكل مستمر في حياتهم.

قراءات تعرقل فهم القرآن

ثم تطرق إلى نوعين من القراءات التي تعرقل فهم القرآن وتطبيقه بشكل صحيح: الأولى هي «القراءة الحداثية»، التي تدعو إلى نزع القداسة عن القرآن ومحاولة تفسيره بأساليب تاريخية أو تفكيكية، مما يحرف معانيه، الثانية هي «القراءات المبنية على الإسرائيليات»، حيث يستعين البعض بقصص غير صحيحة موجودة في بعض كتب التفسير، وهي لا تمت إلى القرآن الكريم أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم بصلة، هذا النوع من القراءة يسهم في تشويه صورة القرآن في أذهان بعض الأجيال، ويؤدي إلى تبني أفكار مغلوطة عن كتاب الله.

وأشار الشيخ إلى أن القرآن الكريم هو رسالة خالدة، أنزلها الله تعالى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه كتاب هداية للإنسانية جمعاء، لا يقتصر فهمه على فئة معينة، وأكد أن القرآن يجب أن يقرأ كما هو، بقداسته التي لا يمكن نزعها، وأنه لا يقتصر على التفسير التاريخي أو الفلسفي، بل هو رسالة من الله تهدف إلى الهداية والرشاد لكل البشر، محذرا من هذه الأوهام والقراءات المشوهة، ودعا إلى العودة إلى القرآن الكريم بصدق وإخلاص، وتدبره كما أنزل، ليكون له تأثيره العظيم في حياتنا وتوجيهنا نحو الصلاح والهداية.

وبين أن المانع الثالث الذي يحول بين المسلم واهتدائه بكتاب الله، هو توهم أن اعترافنا بنور القرآن الكريم واستفادتنا منه لا يكون إلا بعد تطهرنا من المعاصي والذنوب، والتوبة والرجوع إلى الله، يظن البعض أن عليهم أن يكونوا في أتم صلاح واستقامة قبل أن يفتحوا القرآن الكريم أو يقتربوا منه، ويعتقدون أن القرآن لا يستحق أن يُقرأ أو يُتدبر إلا من قبل الأشخاص الذين هم في حالة طهارة تامة، هذه الفكرة خاطئة، حيث بيّن الشيخ أن القرآن هو شفاء للقلوب وموعظة للناس جميعًا، دون تقييد بأحوالهم أو خطاياهم، موضحا أنه المصدر الذي سيعيننا على تصحيح أحوالنا مع الله ومع الناس، كلما اقتربنا من القرآن، كلما تم تصحيح أوضاعنا وأحوالنا في الحياة، وأصبح القرآن مصدر الهداية والراحة، يشرح الصدور ويبين الحق من الباطل، فالقرآن، حسب قول الله تعالى، هو الكتاب الذي ينزل بالحق ويقذف به على الباطل فيدمغه، فإقبالنا عليه يجعلنا نرى الحياة بوضوح ونتجاوز أي ظلم أو إثم قد نعيشه.

التأمل في نعمة الله

ثم انتقل إلى الحديث عن كيفية بناء علاقة قوية مع القرآن الكريم، وقال: إن أول خطوة هي إدراك فضل الله ورحمته التي يحيطنا بها، فدون هذا الإدراك لن نتمكن من بناء علاقة صحيحة مع كتاب الله، يجب أن نفهم أن القرآن خير مما يجمعه الناس من مال أو جاه، وأن ما يجمعه الناس من أشياء مادية لا يعادل القيمة الروحية والهدى الذي نحصل عليه من القرآن، مؤكدا على أن أول ما يجب أن نفعله لتصحيح صلتنا بالقرآن هو أن نبدأ بالتأمل في نعمة الله علينا وفضله، ونشعر بقيمة هذا الكتاب الكريم الذي أكرمنا الله به، لنبني بذلك بداية صحيحة لاستفادة أعمق من القرآن في حياتنا.

واستمر فضيلته في توجيه التأملات التي تسهم في بناء علاقة قوية ومستمرة مع القرآن الكريم، في هذه الأجزاء، شدد على أن من أعظم نعم الله على الإنسان أن جعله من أمة القرآن، أي أمة محمد صلى الله عليه وسلم، هذا الفضل العظيم يجعل المسلم في مكانة خاصة أمام الله عز وجل، وتلك نعمة لا تقدر بثمن، لذا، عندما يتوجه المسلم إلى القرآن، فإنما هو يطلب الهداية ويشكر الله على هذه النعمة التي تميز بها عن غيره من الأمم، موضحا أن تخصيص وقت لقراءة القرآن ليس منّة من المسلم على الآخرين، بل هو نعمة من الله، يجب أن يشعر بها المسلم ويشكر الله عليها، ما دام المسلم يخصص وقتًا للقرآن، فإنه لا يجب أن يتفاخر بذلك بل يكون دائمًا في حالة شكر واعتراف بفضل الله عز وجل، كما أن التفكر في فضل الله ورحمته وتقديره لهذه النعمة هو ما يجب أن يستشعره المسلم في قلبه ليتجدد العهد مع القرآن.

وأشار أيضًا إلى ضرورة تجديد العهد مع القرآن، والتمسك به بغض النظر عن العوائق كالفقر أو السن أو المرض، بل يجب على المسلم أن يسعى جاهدًا لتقوية صلته بالقرآن، وأن يظل مستشعرًا للنعمة التي منحها الله له، وتابع موضحًا أن هذه العلاقة بالقرآن لا تحتاج إلى طقوس أو شعائر معقدة كما يعتقد البعض، بل هي مجرد رجوع إلى كتاب الله وتدبره، مؤكدا على أن القرآن هو الملاذ الوحيد في وقت الفتن، وعندما يشعر المسلم بضيق أو شدة، فإن القرآن هو الذي سيرشد قلبه ويعطيه السكينة، لذلك، يجب أن يكون المسلم دائمًا في حالة استعداد لقبول هداية القرآن، وأن يطلب من الله فهمه والعمل به.

نية الخير في قلبه

وأضاف أن المسلم يجب أن يتحلى بنية الخير في قلبه، حيث قال: «اجعل قلبك قلب خير»، إذ إن الله سبحانه وتعالى إذا علم من العبد خيرًا في قلبه، فإن القرآن يفتح له ويجد فيه الهداية والأنوار، وهذه هي الرسالة الجوهرية التي يتعين على المسلم أن يتحلى بها عندما يفتح القرآن الكريم، داعيا إلى ضرورة إشراك الأجيال القادمة في هذه النعمة، فبذل الجهد في تعليم القرآن وتوجيه الأبناء نحو تعاليمه هو من أسمى أنواع البر.

كما تناول ضرورة الاقتراب من القرآن الكريم بتجرد كامل، بعيدًا عن التأثر بالأفكار أو الفلسفات الأرضية والتعقيدات التي قد تفرضها ثقافات أخرى، هذا التجرد يعني أن يتعامل المسلم مع القرآن دون أن يحمل عليه أفكارًا مسبقة أو تفسيرات متأثرة بالمفاهيم البشرية التي قد تشوه المعاني، موضحا أن هذا التجرد هو أحد الأسباب التي جعلت بعض غير المسلمين يكتشفون في القرآن الكريم معاني عظيمة، مثل الرحمة والعطف، عندما قرأوه بترجمة مباشرة دون التأثر بالثقافات الأخرى، لذلك، يجب على المسلم أن يتجرد من أي تأثير خارجي عند قراءته للقرآن ويقبل عليه بنية الاستفادة والإيمان.

ثم يلفت الشيخ إلى أهمية تحديد ما يريده المسلم من القرآن، من خلال تحديد الأسئلة أو المشكلات التي تشغل باله، يمكنه أن يجد الإجابات التي يبحث عنها في القرآن الكريم، وأكد على أن القرآن ليس مجرد كتاب تقرأه مرّة واحدة أو لبضعة أيام، بل هو مصدر دائم للبحث والتوجيه في مختلف شؤون الحياة، مشجعا على استمرار البحث في القرآن، وأن تكون العلاقة معه مستمرة ومتجددة، من خلال هذه المعايشة المستمرة، سيشعر المسلم دومًا بالاحتياج إليه، وسيكتشف جمال معانيه في كل مرة يقرأه فيها، القرآن يصبح حينها مصدرًا دائمًا للإجابة على الأسئلة والمشاكل اليومية التي يواجهها المسلم.

بالإضافة إلى ضرورة الاستعانة بأهل العلم وكتب التفسير لفهم أعمق للقرآن، خاصةً عندما يتعلق الأمر بمسائل معقدة أو متشابهة، هذه العلاقة مع القرآن لا تقتصر على القراءة فقط، بل تشمل أيضًا الفهم والتدبر المستمر، وفي النهاية، حث الشيخ الحضور على تحديد ما يودون الحصول عليه من القرآن، سواء كان علاجًا لمشاكل نفسية أو اجتماعية أو إيمانية، وفتح القرآن بشكل متجدد لتحقيق هذا الهدف.

مقالات مشابهة

  • آيات جبر الخواطر في القرآن.. عبادة عظيمة لا تغفل عنها
  • الإيمان بالرسل في القرآن.. تعداد الأنبياء وذكر اسم النبي محمد في الكتاب
  • خالد الجندي يوضح الفرق بين التسبيح والتقديس
  • د. كهـلان الخروصـي: هجـر القـرآن لا يقتصـر علـى الإعـراض عـن تلاوتـه بـل يشمـل عـدم التفاعـل مـع معانيـه
  • خالد الجندي: السنة النبوية آتت بما لم يأت به القرآن الكريم في بعض الأحكام
  • خالد الجندي: السنة النبوية تقدم أحكامًا لم يذكرها القرآن (فيديو)
  • لاستقبال شهر شعبان.. أحب الأعمال
  • سبب تسمية سيدنا جبريل عليه السلام بالروح القدس في القرآن الكريم
  • المقصود بـ"مكر الله" في القرآن الكريم
  • استشهاد الشهيد القائد السيد حسين: إرثٌ من التضحية والعزة