???? من يراهن على شجب متحدث أمريكي لهجوم المليشيا على مدني والفاشر “دلاهة ساكت”
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
من يراهن على شجب متحدث أمريكي لهجوم المليشيا الإجرامية على مدني والفاشر، “دلاهة ساكت”،
هم أصلا عاقبوا عبد الرحيم دقلو، وما وقف، ببساطة لأن أسياده في الإمارات يعلمون أن السيطرة على المناطق ب “إستكير” الديموقراطية وقحت والإطاري انتهى مع “مذبحة المساليت”، رغم “محاولات الانعاش” في توقو وكينيا وأديس، ثم تحولوا للسيطرة بالقوة والفوضى مثلما فعلوا في اليمن، بالتنسيق مع إسرائيل، سوقطرة، والساحل الجنوبي، والمخا، ومثل وضعية حفتر في ليبيا والتي كانوا يرغبون امتدادها لطرابلس، وفشلوا، واقتنعوا بالحفاظ عليه وتحويله لوكيل إقليمي والمقايضة به في مؤتمر المصالحة المقبل.
للأسف، أمريكا نجحت منذ بداية الإنتقال في فرض شروط تفضي لهشاشة الحكومة وتجريدها من نقاط قوتها الداخلية بغرض تكسيحها وإضعاف أداءها، وأدمنت الحكومة مخدرات الوعود، وصارت تنتظر “الصنف” بعد كل أزمة.
ذات الخداع الذي انطلى على كثير من الحكومات والرؤساء، ولم يقروا بأنهم خدعوا إلا بعد فوات الاوان .. وصدور قرار التخلص الأخير.
حذرتكم، لا ترحبوا ولا تتجاوبوا مع معاقبة عبد الرحيم دقلو، أو أي مواطن سوداني، ولا تعتبروها تحولا للأفضل، بل .. محطة في سياق التلاعب بالقضية وتدويرها بأيدي الوكلاء الاقليميين، الترحيب كان انتزاع إذن من السودان بإدخاله في برمجة العقوبات الجديدة. ومن تلقى ضمانات خاصة أنه لن يدخل في البرمجة مقابل السماح بها، مثل من يرضى بضرب السد وغمر المدينة مقابل منحه زورق نجاة معطوب.
مكي المغربي
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
عبد الرحيم أبو ذكرى: شاعر الاغتراب الوجودي والجمال المأساوي
قراءة انطباعية في قصيدة “الرحيل في الليل” ..
كتب: د
عند التأمل في تجربة الدكتور عبد الرحيم أبو ذكرى في ديوانه “الرحيل في الليل” تتبدى لنا صورة شاعر مسكون بالأسئلة غارق في بحار الاغتراب تتقاطع في قصائده المأساوية الجمالية مع البحث الفلسفي عن الذات والمصير والحيرة يناقش قضايا الإنسان وعوالمه ويعبّر عن نفس شاعرية رقيقة ومرهفة..
تتجلى ملامح الجمال والمأساة في تجربة ابو ذكرى في الإيقاع الداخلي والصور والأخيلة ذات الدهشة العالية سماوات غريبة وتموجات شعورية عميقة والرسم بالكلمات ورؤى بصرية وفكرية تجسد الموقف النفسي والفلسفة الوجودية للشاعر الراحل وتغوص في أسئلة الموت والاغتراب والحنين والمصير محملةً بثقل الفقد بلغة ليست مترفة بالزخرفة لا يتكلف في التعبير ويترك المعاني تنساب كضوء خافت في عتمات الغربة والعزلة والزمان..
عاش الشاعر ممزقا بين الوطن والمنفى، بين الأمل واليأس والقصيدة والصمت وانتهى به الأمر إلى مصير مأساوي عكس في طياته البعد التراجيدي في كل ما كان يكتبه.. شعرية فريدة تحمل في ثناياها ألم الإنسان وتيهه وروحه القلقة وجراحه العميقة ..
تقوم قصيدة “الرحيل في الليل” على ثنائية الرحيل والانتظار حيث يغوص الشاعر في مشاعر الغربة والبحث عن معنى في فضاء زمني متداخل بين الماضي والحاضر. يستخدم أبو ذكرى صورا حسية ورمزية تجسد مشاعر الوحدة والحنين معتمدا التكرار والإيقاع الهادئ لإضفاء طابع تأملي عميق يسبقه العنوان عتبة دلالية حزينة تفيض بالإيحاءات والرمزية وارهاصات الفراق وغموض “الرحيل” في المفردة “الليل” بكل دلالاتها ضمن السياق البنائي للقصيدة..
“أيها الراحل في الليل وحيدا
ضائعا منفردا
أمس زارتني بواكير الخريف
غسلتني بالثلوج
وبإشراق المروج”
تتجلى ملامح الحنين والاغتراب الوجودي في مخاطبة الشاعر لذاته المتشظية وتتكرر فكرة العزلة في كلمات “وحيدا”، “ضائعا”، “منفردا” توصيفات ترمز إلى اغتراب النفس والعزلة والضياع حالة من الوجود غير المكتمل. تتلوها بواكير الخريف رمزا للتحولات الزمانية والنفسية تغسل احزان الشاعر “بالثلوج وبإشراق المروج” تحمل البهجة وِاشراق المروج واِخضرار الحياة
“أيها الراحل في الليل وحيدا
حين زارتني بواكير الخريف
كان صيفي جامدا
وجبيني باردا
وسكوتي رابضا فوق البيوت الخشبية
مخفيا خيرته في الشجر
وغروب الأنهر
وانحسار البصر”
المفارقة بواكير الخريف تعود بصيف جامد و ثلوج وصمت مميت هنا تحتشد الثنائيات الضدية وتتوالد جدلياتها ضمن صياغات جديدة حيث مشاهد الحيرة والوجوم ويرتبط الصيف بالجمود “كان صيفي جامدا”ميتا فاقدا لمعناه لوحة مشبعة بالسكون والموت البطيء حيث يظل السكوت “رابضا فوق البيوت الخشبية” رمزية الغربة والعزلة وتتلاشى الحركة في المشهد مع “غروب الأنهر” و “انحسار البصر” ايماءات بالانطفاء وجمود الشعور والرتابة وغياب الرؤى والأمل .
“لوحت لي ساعة حين انصرفنا
ساعة حين انصرفنا
ثم عادت لي بواكير الخريف
حين عادت
وثب الريح على أشرعتي المنفعلة
سطعت شمس الفراديس على أروقتي
ومضت تحضنني الشمس الندية
والتي ما حضنتني
التي ما عانقتني
في الزمان الأول
في الزمان الغائب المرتحل”
مع عودة الخريف تتغير دينامية المشهد وينتقل النص من السكون إلى الحركة العنيفة “وثب الريح على أشرعتي المنفعلة” إشارة إلى الترحال حيث تتعرض لهبوب الرياح في صورة تعكس الاضطراب العاطفي ثم تسطع “شمس الفراديس” لتشكل نقطة تحول جمالية تستدعي فكرة الفردوس المفقود رمزية إشراق روحي وايحاءات لمرحلة تالية والانعتاق بعيدا الي الأعالي إلا أن الاحتضان جاء متأخرا “ما حضنتني… ما عانقتني في الزمان الأول” حسرة دفينة على الفرص الضائعة وكأن الماضي كان ضنينا لم يمنحه الدفء الذي يحتاجه..
“انتظرني
فأنا أرحل في الليل وحيدا
موغلًا منفردا
في الدهاليز القصيات انتظرني
في البحر انتظرني
انتظرني في حفيف الأجنحة
وسماوات الطيور النازحة
وقت تتنهد المدارات
وتسود سماء البارحة
انتظرني”
تتجسد ثنائية الرحيل والانتظار في النداء “انتظرني… انتظرني.. فأنا أرحل في الليل وحيدا موغلا منفردا” صدى داخليا يكرر الشعور بالعزلة ويتنوع المكان في النداءات اللاحقة وتتسع دائرة البحث ويصبح الرحيل كونيا يمتد عبر حفيف الأجنحة وسماوات الطيور النازحة والمدارات المتنهدة والدهاليز القصيات و في البحر ويسود الليل في “سماء البارحة” ويتحول السفر إلى حالة أبدية في فضاء شعري مفتوح على كل الاحتمالات.
الختام بكلمة “انتظرني” يترك النص معلقا ربما قصد الشاعر الرقيق أبو ذكري البقاء في ذاكرة الآخرين أو ربما في أفق الانتظار الأبدي…
قصيدة “الرحيل في الليل” نص يتجاوز المعاني المباشرة الى تجربة وجدانية متشعبة ومختلفة رحلة داخل الذات عبر الأزمنة والأمكنة والمشاعر والذكريات تتجلى فيها ملامح الحنين والاغتراب والرحيل في سياق يفيض بالعزلة والتأمل مما يمنح القصيدة بعدا فلسفيا يتجاوز تجربتها الشخصية ليعانق تجربة إنسانية شاملة عن الوحدة الموحشة والمعاناة العميقة والضياع.
* عبد الرحيم أبو ذكري
شاعر من السودان ولد عام 1943 وانتحر برمي نفسه من قمة مبنى أكاديمية العلوم السوفياتية في موسكو عام 1989. صدر له ديوان واحد بعنوان: ”الرحيل في الليل” عن دار جامعة الخرطوم للنشر عام 1973.