بَدَأَ الكاتب الكبير"محمد حسنين هيكل" حديثه عن زيارته للزعيم الروسي "يوري أندروبوف" بعنوان مُمَيِّزٍ وهو ( رجل الأسرار)
إِشَارَةٌ إلى تَوَلِّيهِ رئاسة المخابرات السوفييتية الـمعروفة باختصار "كي جي بي "( ويَعْنِى هذا الاختصار لجنة أمن الدولة)
وَبَدَأَ الكاتب الكبير مَقْدَمِهِ لزيارته لهذا الزعيم الروسي بانه خطر بباله على أَنَّ التاريخ الانساني على نحو أو آخر هو حكايه" فرص ضائعه".
فرص كانت سانحة لصنع السلام بمعناها الْأَوْسَعُ وَالْأَشْمَلَ، ولكن سلطان العقل تخلى عنها، ونوازع السيطرة استولت عليها،وكانت النتيجة أَنْ أصبح التاريخ الانساني صراعات طَوِيلَةً وَمُسْتَمِرَّةٌ،وَدَامِيَةٌ وَمُنْهَكَةً...
ثم عاد مره أخرى وقال:
انه لا يلبث حين يطرأ له هذا الخاطر أن يدفعه بواقع أن التَّعَلُّقُ به من ضروب الأحلام المثالية التي تتناقض مع الطبيعة البشرية وهى فى حقيقتها صراع بقاء للأقوى وللأقدر... ذلك قانونها وغيره استثناء لَا يُقَاسُ عليه...!
لكنه أكد أن الاحلام تَخْتَلِفُ عن الأوهام...
فالأحلام لها قوة "حضور" في حين أَنَّ الأوهام حالة غياب او غيبوبة، وقوة حضور الأحلام فى أنها تظل دَائِمًا مؤشرا إلى الطريق السليم ومحاولة تصحيح بالفكر لقصور الفعل فهى حين تظهر الفارق بين المثال والواقع تقوم بما يشبه دور الضمير في حركة التاريخ...
و أشار إلى أَنْ الصراعات
الكبرى حاولت أَنْ تُغَطِّيَ حَقِيقَةً مقاصدها بمبادئ أسمى وأنبل من هذه المقاصد...
وضرب مَثَلًا بِأَنْ الحروب الصليبيه عندما قامت لم تظهر سبب انْدِلَاعِهَا الحقيقيى وهو رغبتها فى السيطرة على طُرُقٍ تجارة الشرق ولكنها اخترعت سَبَبًا نَبِيلًا
- وهو غير حقيقى- بانها قامت من أجل الدفاع عن مَهْدِ المسيح وَصَلِيبِهَ...
والحروب العالميه الحديثة لم تَقُمْ فى حقيقتها إِلَّا لِأَنَّهَا تريد اقتسام المستعمرات والأسواق ولكنها اختارت مَقْصِدَا زَائِفًا تبرر به حروبها بانها قامت لَنَصَرَهُ الحريه والديمقراطية وهكذا...
لكنه قال انه شيء لَا بَأْسَ -في جانب من جوانبه - لأنه يمنح المبادئ مَسْحَةٍ من الشرعية وظلا من قوة الإلزام المعنوي، فَالْإِعْلَامُ التي تحتدم المعارك في ظلها يصعب إِنْكَارُهَا فور انْتِهَاءِ القتال...!
وبرشاقة كتابته المميزة انتقل إلى حديثه عن الزعيم السوفيتي الأسبق "يورى اندروبوف" وقال أَنَّهُ من المنطق ان يُرَكِّزَ علي زيارته لهذا الزعيم دون أَنْ يَشْرُدُ طويلا وراء حديث الفرص الضائعه والاحلام والاوهام الى اخِرِهِ...
وأضاف بانه يكفيه أن يقول أن حكم الزعيم السوفيتي "اندروبوف" الذي اخْتَصَرَهُ الموت إِلَى عامين أو أَقَلَّ- في الكرملين-فُرَصِهِ ضَائِعِهِ...
"ملحوظه
" تَوَلَّى الزعيم السوفيتي يوري أندروبوف بعد وفاة الرئيس" بريجنيف" فِي نُوفَمبِر عَامِ 1982 قيادة الحزب والدولةو لكن اعتلال صحته وإصابته بمرض كلوي خطير أدّى إلى وفاته في 9 فبراير 1984"
وَأَكَّدَ الأستاذ"هيكل" بِأَنَّهُ من خلال لِقَاءَاتِهِ مع الزعيم السوفيتي"اندروبوف" ومن خلال الأحاديث معه ومن خلال احتكاك عمله بِفِكْرِهِ وَأَسْلُوبِهِ -بِأَنَّهُ
" لَوْ" قَدْرَ له أن يعيش أطول لكان من حَقِّنَا أَنْ نَجِدَ سَاحَةِ دَوْلِيَةِ تختلف عما نراها اليوم...!
وَمِنْ ثَمَّ كان عليه أَنْ يعود مَرْهُ ثانيه إِلَى أَنَّ لَفْظَهُ "لَوْ" وهو هنا نفس التعبير عن الفرصة الضائعه وهو نفس حجم الفجوة بين ما هو واقع وما كان مُمْكِنًا...
فَلَوْ أَنَّ 'اندروبوف" لم يمت بهذه السرعة لاستطاع أن يجد وسيله إلى حَوَارِ حَقِيقِيٌّ مع
" رونالد ريجان" الرئيس الأمريكي فكلاهما يمثلان- او يعبران عن- نفس الحقائق الجديدة في بلديهما العملاقين...
وانتهى تَعْلِيقُهُ بقوله
"ربَّمَا"...
وَبَدَأَ يَسْرُدُ بِدَايَةٌ تَعْرِفَهُ على الزعيم السوفيتي "يورى اندروبوف" فذكر أن الفضل يرجع لِرَجُلَيْنِ لفتا نَظَرُهُ مُبَكِّرًا اليه وَأَهَمِّيَّتِهِ في القياده السوفيتية في النصف الثاني من الستينيات- أَيْ بعد سقوط "نيكيتا خرشوف " وبدا للجميع وكأنها قيادة ثلاثية على القمه في الكرملين تضم "بريجنيف" و"كوسيجين" و"بادجورنى"
السكرتير العام للحزب الشيوعى،ورئيس الوزراء ورئيس الدولة السوفيتية على التوالى...
كان أَوَّلَ هذين الرَّجُلَيْنِ هو السفير المصري المقتدر في موسكو وقتها الدكتور "مراد غالب" وكان الكاتب يحدثه عن زعماء الكرملين الجدد وَرَايَهْ فِيهِمْ من ناحيه الشكل كما يظهرون امامه
كمجموعة من الشخصيات الرماديه التي ليس لها بريق شخصي بِمَثَلً شخصيه "خروشوف" ثم ان ملامحهم عَابِسُهُ باستمرار كَأَنَّهُمْ على وشك تَشْيِيعِ جَنَازِهِ...
واذا أراد أَحَدُهُمْ أَحْيَانًا -مِثْل "بريجنيف" -أن يتظاهر بِخِفَّةِ الظَّلَ فهي محاوله باهته لتقليد "خروشوف' ثم إِنَّ صَوَّرَهُمْ الْمَعْلَقَةٍ في الميادين بلمسات الرتوش الثقيله على التقاطيع تكاد تحولهم في الصُّوَرِ الى تماثيل من الشمع لَامِعُهُ لكنها بلا حِسٍّ أو نبض ولم يكن في ذلك كُلِّهِ شَيْءٌ مشجع له...
ولكن الدكتور مراد غالب كان له تقدير مختلف...
"الأسبوع القادم باذن الله أُحَدِّثُكَ عن هذا التقدير الْمُخْتَلَفَ للدكتور مراد غالب
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: محمد حسنين هيكل الزعيم الروسي
إقرأ أيضاً:
الكاتب البريطاني سومرست موم .. لماذا أصبح جاسوسا؟
في مثل هذا اليوم، 16 ديسمبر 1965، رحل الكاتب البريطاني الشهير سومرست موم، الذي جمع بين الشهرة الأدبية وحياة مثيرة مليئة بالصراعات والتساؤلات.
برغم إنتاجه الأدبي الغزير وشهرته كواحد من أعظم الكُتاب البريطانيين في القرن العشرين، يبقى السؤال حول كونه جاسوسًا للحكومة البريطانية أحد أبرز الألغاز في سيرته.
طفولة مأساويةوُلد سومرست موم في باريس عام 1874 لعائلة دبلوماسية؛ حيث كان والده يعمل في السفارة البريطانية.
عاش طفولة هادئة ومدللة، لكن فقدانه لوالديه في سن مبكرة – والدته وهو في السادسة، ووالده بعد عامين – شكّل منعطفًا حاسمًا في حياته، إذ انتقل للعيش مع راعي كنيسة، هذه التجارب المبكرة انعكست في أعماله الأدبية لاحقًا.
البداية الأدبيةبدأ موم دراسته في الطب، لكنه لم يكملها، حيث انجذب إلى الكتابة الأدبية. قدّم أول رواياته وهو في الثالثة والعشرين من عمره، لكنه برز ككاتب مسرحي بعد نجاح مسرحيته “الليدي فريديريك” عام 1907.
هذا النجاح فتح له أبواب الطبقات الراقية في المجتمع البريطاني وساعده على تحقيق شهرة كبيرة.
قمة النجاح والتدهور الشخصيفي ثلاثينيات القرن الماضي، أصبح موم من بين أكثر الروائيين البريطانيين ثراءً، مما مكّنه من عيشغ حياة مرفهة والتقرّب من شخصيات بارزة مثل رئيس الوزراء ونستون تشرشل، لكن على الصعيد الشخصي، عانى من أزمات عاطفية وزوجية، خاصة مع زوجته سيري ويلكام، التي وصفها كتاب سيرته بأنها كانت شديدة الطموح والتطلب، مما دفعه إلى الهروب المتكرر عبر السفر والكتابة.
حياة الجاسوسيةخلال الحرب العالمية الأولى، انضم موم إلى هيئة الصليب الأحمر وتعاون مع الحكومة البريطانية كجاسوس، يروي كتاب “الحياة السرية لسومرست موم” تفاصيل هذه المرحلة المثيرة من حياته، التي تتشابك فيها الأدب مع السياسة.
السنوات الأخيرةأمضى موم سنواته الأخيرة في جنوب فرنسا، حيث عاش حياة الرفاهية بعيدًا عن صخب لندن.
خلال تلك الفترة، كان يومه يتوزع بين الكتابة، القراءة، السباحة، ولعب الجولف. ومع ذلك، ظل حضوره الأدبي قويًا عبر أعماله التي ألهمت أجيالًا من الكتّاب والقراء.