الغرب وباقي العالم - حان وقت حديث النِّدِّ للنِّد
تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT
ترجمة : قاسم مكي -
ليس سِرَّا أن الغرب أسَرَ خيال باقي العالم وكسب احترامه على مدى قرون. لكن ما هو سرّ أن الغرب يفقد الآن هذا الاحترام. (هو سِرٌّ لأنه يحدث في صمت وخفاء داخل عقول بلايين الناس.)
كما ليست القيم الغربية هي التي جعلت الغرب متفوقا ولكن قدرته على الإنجاز. لقد مكَّن الأداء الفائق سكانَ الغرب الأقل عددا نسبيا من التفوق على باقي البشرية على مدى 200 عام واستخدام تفوقهم التقني لاستعمار كل أركان المعمورة.
فمن الصعب تصديق أن 100 ألف انجليزي كان يمكنهم عمليا حكم أكثر من 300 مليون هندي قبل فترة لا تكاد تتعدى مائة عام تقريبا. كان احترام جنوب العالم للتفوق الغربي حقيقيا وثابتا على الرغم من استيائه المبرر جدا في حقبة ما بعد الاستعمار.
ما بعد الحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص كانت المجتمعات الغربية مستقرة وجيدة التنظيم في معظمها وتتمتع بأنظمة ديمقراطية توافقية ونمو اقتصادي مستدام. وكان قادتها معقولين حتى عندما لا يكونون مُلهَمين.
وكما تنبأ الدبلوماسي الأمريكي جورج كينان على نحو لا تعوزه الحكمة كانت «الحيوية الروحية» للغرب هي التي من شأنها إلحاق الهزيمة بالاتحاد السوفييتي في نهاية المطاف. (كينان 16 فبراير 1904- 17 مارس 2005 دبلوماسي ومؤرخ أمريكي اشتهر بإطلاقه الدعوة إلى تبني سياسة الاحتواء في مواجهة السياسة التوسعية التي انتهجها الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية - المترجم.)
لكن لسوء الحظ، إذا كان كينان حيا اليوم لصارع كي يجد حيوية مماثلة في الغرب. فالعجز حل محل القدرة على الأداء. والمجتمعات التي كانت في يوم ما جيدة التنظيم أصبحت شديدة الاضطراب ومتقلبة سياسيا. وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (سياسة البريكست) وصعود دونالد ترامب والقادة الشعبويين مؤشران واضحان لذلك. يرى مثقفون غربيون عديدون كل هذا. لكنهم يقنعون أنفسهم بأن هذه التحولات مجرد تحديات «دورية» مؤقتة.
لكنها، على أية حال، ليست دورية بل هيكلية. خذوا مثلا رقما إحصائيا يجب على كل زعيم أوروبي أن يحفظه عن ظهر قلب. كتلة الآسيان التي تضم بلدان جنوب شرق آسيا ويبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 3 تريليون دولار ساهمت في النمو الاقتصادي العالمي بأكثر مما فعل الاتحاد الأوروبي بناتجه المحلي الإجمالي الذي يبلغ 17 تريليون دولار في الفترة من 2010 إلى 2020.
هنالك الآن أيضا عجز جيوسياسي مطابق للعجز الاقتصادي الذي سيستمر طالما ظل القادة الغربيون مترددين في أن يفرضوا على مواطنيهم ذلك النوع من الدواء المر الذي فرضوه منذ أمد مديد على الاقتصادات النامية ضعيفة الأداء.
لم يكن ابتدار الحرب في أوكرانيا قانونيا واستحق الإدانة. لكن 85% من سكان العالم يعيشون في بلدان لم تفرض عقوبات على روسيا. هل هذا يشير إلى عزلة روسيا؟ أم إلى العكس؟
صحيح في أوكرانيا أبدت الولايات المتحدة على الأقل مكرا جيوسياسيا وليس عجزا جيوسياسيا. فعلت ذلك بجعلها أوروبا تعتمد على واشنطن حين أراد الأمريكيون حشد الدعم لفرض ضغوط أشد على الصين. لكن قد تكتشف الولايات المتحدة أن هذه المكاسب الجيوسياسية مؤقتة.
من الممكن أن تنهار روسيا تحت الضغط الغربي الجماعي على الرغم من أن ذلك يبدو مستبعدا باطراد. وقد يتوجب على فلاديمير زيلينسكي رئيس أوكرانيا القبول بتسوية مؤلمة. إذا كانت تلك هي المحصَّلة ستسأل البلدان غير الغربية «ماذا كان الغرض من كل هذا؟».
كميات العون الضخمة التي أرسلت الى أوكرانيا تؤكد فقط الاعتقاد الذي يتعزز في جنوب العالم بأن الغرب لا يهتم به حقا. وما له دلالة أن حرب أوكرانيا نشبت فيما كانت ذكريات جائحة كوفيد لاتزال حية. فقد شهد خلالها العالم فائض لقاحات لم يقتسمها الغرب معه.
ما يشكل هاجسا لكل الحكومات في المنطقة احتمال عودة ترامب للحكم. فإذا عاد سيكون أكثر عداء وغضبا وسيمزق معاهدات المناخ مرة أخرى ويتجاهل منظمة الأمم المتحدة ويستخدم القوة الأمريكية لكي يتنمَّر على البلدان الأخرى كل منها على حِدة.
وعلى الرغم من توافر أفضل أدوات العلم الاجتماعي للمؤسسة الأمريكية إلا أنها حتى الآن لا يمكنها التعرف على منابع الغضب الذي يقود عددا كبيرا من الأمريكيين للتصويت لصالح ترامب. والمجتمع المنقسم بشدة لن يعود قادرا على أن يكون «المدينة المضيئة على التل» لباقي العالم.
القصد من كل ما ذكرنا هو القول إن أمرا جللا يحدث في العالم. إنه نوع من الانفصال الميتافيزيقي للغرب عن باقي العالم.
لقد رأى أناس عديدون من أهل باقي العالم في الغرب حلا لمشاكلهم في وقت ما. لكنهم الآن يدركون أن عليهم إيجاد مسارهم الخاص بهم. هل هذا يعني فك الارتباط تماما بين الغرب وباقي العالم؟ إطلاقا لا. فنحن لا نزال نعيش في عالم يعتمد على بعضه البعض ويواجه العديد من التحديات العالمية المشتركة والضاغطة.
علينا أن نتحدث الى بعضنا البعض. لكن يجب أن نفعل ذلك كأنداد. يجب أن ينتهي التعالي (من جانب الغرب). لقد حان الوقت لحوار يرتكز على الاحترام المتبادل بين الغرب وباقي العالم.
كيشور محبوباني زميل متميز بجامعة سنغافورة الوطنية ومؤلف كتاب «القرن الحادي والعشرون الآسيوي».
ترجمة خاصة لـ عمان عن الفاينانشال تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: باقی العالم
إقرأ أيضاً:
بلدية دبي تحصل على 3 شهادات مواصفات دولية جديدة منها شهادة معالجة الحمأة التي تمنح لأول مرة على مستوى العالم في 2024
أضافت بلدية دبي إلى حصيلة إنجازاتها ثلاث شهادات للمطابقة مع المواصفات الدولية، منها أول شهادة من نوعها تمنح في مجال معالجة الحمأة من مياه الصرف الصحي على مستوى العالم، وشهادتان تمنحان لأول مرة على مستوى منطقة الشرق الأوسط في مجال إدارة التنمية المستدامة وإدارة أنظمة التوثيق المؤسسية.
وتُمثل المواصفات الجديدة التي تُوِّجت بها بلدية دبي جهودها المتواصلة ضمن مجالات وقطاعات حيوية مهمة في العمل البلدي، وفق إطار مؤسسي رائد ومتكامل، يتبنى نهج الابتكار والإبداع، ويرفع من الجاهزية للمستقبل.
وقالت المهندسة فداء الحمادي، مدير إدارة الاستراتيجية والتطوير المؤسسي في بلدية دبي: “تسعى بلدية دبي إلى ترسيخ ريادة وتنافسية دبي من خلال تطبيق أفضل أنظمة الإدارة والحوكمة التي تساهم بشكل مباشر في تعزيز جاذبية الإمارة وجَودة الحياة فيها، والارتقاء بمركزها على المؤشرات التنافسية العالمية، وجعلها الوجهة الأمثل لممارسة الأعمال والاستثمار والسياحة. ومما لا شك فيه، تؤكد هذه الإنجازات التزام بلدية دبي بتبني وتطبيق أفضل الممارسات العالمية التي تعزز الريادة في مجال العمل البلديّ، وترجمة توجيهات القيادة الرشيدة لتكون إمارة دبي من بين الأفضل في تطوير وتطبيق العمل الحكومي الرائد والمتكامل”.
تجديد
ونجحت بلدية دبي في تجديد 34 شهادة مواصفة دولية خلال 2024 في مجالات إدارية وتنظيمية وتخصصية مختلفة، ومع هذا الإنجاز الجديد، ترتفع حصيلة إنجازات البلدية في مجال الشهادات العالمية إلى 37 شهادة مختلفة.
الجدير بالذكر أن شهادات المواصفات الدولية هي معايير عالمية تمنحها شركات تدقيق عالمية معتمدة تبني قراراتها في منح المواصفة وفقاً لأفضل الممارسات العالمية التي تحققها المؤسسة الخاضعة للتقييم والتدقيق، في مجالات عديدة منها الإدارة والحوكمة المؤسسية.