هل من حق الزوج منع زوجته من زيارة بيت أهلها؟.. الإفتاء: لها 6 ضوابط
تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT
هل من حق الزوج منع زوجته من زيارة أهلها ؟، لعله استفهام عن أحد حقوق الزوجات وواجبات الأزواج التي أقرها الشرع الحنيف وحددها في نصوص الكتاب العزيز والسُنة النبوية الشريفة ، وحيث إن كثير من الأزواج والزوجات لا يزالون لا يعرفون ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات ، يظل الاستفهام عن هل من حق الزوج منع زوجته من زيارة أهلها ؟، من الأمور المطروحة ، التي تهم الكثيرون.
قالت دار الإفتاء المصرية ، إنه يحق للزوجة أن تزور أبويها ومحارمها وأقاربها في حدود المعروف وبما لا يخلُّ بالواجبات والحقوق الزوجية.
وأوضحت " الإفتاء" في إجابتها عن سؤال: ( هل من حق الزوج منع زوجته من زيارة أهلها ، أي هل من حقّ الزوج أن يمنع زوجته من زيارة أبويها وأخواتها ومحارمها؟)، أن الأولى أن يُعينها الزوج على هذا البر لا أن يكون حائلًا بينها وبين فعله، مع الإقرار بحقِّه في تنظيم هذه الزيارات بما يتوافق مع مصالحهما جميعًا.
وتابعت: إذ الحقوق الزوجية إنما شُرعت لتنظيم الحياة بين الزوجين على أساس من التراحم والتوادِّ، لا التعسُّفِ والعنادِ، هذا، مع ما قد تقرر من أن الفضل والإحسان في العلاقة الزوجية هما المقدمان دومًا؛ خاصة في واقع الأُسرِ المصرية التي دَرَجت على التعاون والتكامل بين الزوجين.
وأضافت أننا لم نجد إثارة لمثل هذا الأمر الحقوقي إلا عند التنازع، وهذا مما يُحمد للواقع المصري الذي انغرست فيه القيم وصارت جزءًا أصيلًا من العلاقات الاجتماعية في إطار الحياة الزوجية المستقرة.
حق الزوجة في زيارة أهلهاوأشارت إلى أنه من جملة الحقوق المحفوفة بالفضل والمودَّة: زيارة المرأة لأبويها وإخوتها ومحارمها وأقاربها؛ فحقُّ الزوجِ على زوجته أن تستأذنه في تلك الزيارة، وحقُّ الزوجة على زوجها ألَّا يمنعها من ذلك.
وأفادت بأنه لقد جاءت السُّنَّة النبوية المطهرة بحثِّ النساء على أخذ الإذن مِن أزواجهن للخروج للشعائر والعبادات وحضور الصلاة في المسجد، وحثِّ الرجال على السماح لهنَّ بالخروج؛ فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ» متفقٌ عليه.
واستطردت: وإذا كان ذلك مطلوبًا شرعيًّا فيما يتعلق بالمساجد والعبادات: ففي مطلوبيَّته فيما يتعلق بغيرهما أولى وآكد؛ ففي الحديث عن أُم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟" متفقٌ عليه.
واستشهدت بما قال الحافظ ولي الدين ابن العراقي في "طرح التثريب" (8/ 58، ط. دار الفكر العربي): [قولها: «أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟» فيه: أنَّ الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلَّا بإذن زوجها] اهـ، وأورد المفسرون -منهم الإمام الواحدي والإمام الطبري- أنَّ أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها استأذنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في زيارة أبيها وفي يوم قِسمتها، فأذن لها.
واستندت لما جاء عن أمِّ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خرجت سودة بنت زمعة ليلًا، فرآها عمر فعرفها، فقال: إنك والله يا سودة ما تخفين علينا، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرتْ ذلك له، وهو في حجرتي يتعشى، وإن في يده لعَرَقًا، فأنزل الله عليه، فرفع عنه وهو يقول: «قَدْ أَذِنَ اللَّهُ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ» أخرجه البخاري في "الصحيح".
ودللت بما قال العلامة ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (7/ 364، ط. مكتبة الرشد): [فى هذا الحديث: دليل على جواز خروج النساء لكلِّ ما أبيح لهنَّ الخروج فيه من زيارة الآباء والأمهات وذوي المحارم والقرابات، وغير ذلك مما بهنَّ الحاجة إليه، وذلك في حكم خروجهنَّ إلى المساجد] اهـ.
وأردفت: وحينما خصَّ اللهُ تعالى الزوجَ بدرجةٍ تجعله قائمًا على أمر زوجته ومسؤولًا عنها؛ كما قال سبحانه: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ [البقرة: 228]، استوجب ذلك مزيدَ الحرص منه على نجاتها وسعادتها في الآخرة؛ بمعاونتها على أداء حقوق الله تعالى التي عليها وعدم قطع رحمها.
وأكدت قائلة : ولا يخفى أن بر الزوجة وصِلتها بوالديها أو أحدهما هو أداء لحقوقٍ واجبة عليها أيضًا لا تقل أهمية عن حقوق الزوجية؛ فحقوق الأبوين من آكد الحقوق وأعظمها، وهي منظومة في سِلك حقوق الله تعالى؛ حيث يقول الله عزَّ وجلَّ في بيان الأحكام المتعلقة بحقوق الوالدين والأقاربِ ونحوِهم على إثرِ بيانِ الأحكامِ المتعلقةِ بحقوق الأزواج.
واستشهدت بما قال الله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء: 36].
ضوابط زيارة الزوجة لبيت أهلهاونبهت إلى أن مرد الأمر في تنظيم تلك الزيارة إنَّما يرجعُ إلى الاتفاق بين الطرفين، وإلى أعراف كلِّ بيئةٍ ومجتمعٍ وإلى المصلحة المُتَوَخَّاةِ فيها، متى أمنت المرأة على نفسها الخروج، ومتى أذِنَ له زوجها في ذلك (سواء كان بالإذن العام، أو بالإذن في كلِّ مرة)، حسب ما يتفق عليه الزوجان ويتراضيانه، خاصَّة وأنها مسألة تتعلق بالأحوال الشخصية، وأنَّ المطالبة بذلك إنما تكون عند التنازع وتعارض الحقوق والمصالح بين الزوجين، وهو على خلاف الأصل.
وواصلت : ومن مبادئ القضاء التي سارت عليها المحاكم المصرية في مسائل الأحوال الشخصية: أن العرف معتبر إذا عارض نصًّا منقولًا عن صاحب المذهب، وأن لكلِّ زمن أعرافَه وعاداته، وأن التخصيص بالعرف والعادة قولًا أو فعلًا حجة عند الحنفية، وأن العرف كما يختلف باختلاف الزمان والمكان فإنه يختلف أيضًا باختلاف الناس أنفسهم؛ كما في "مبادئ القضاء في الأحوال الشخصية" للمستشار أحمد نصر الجندي (ص: 867-868، ط. نادي القضاة).
وأكملت : ولا يخفى تغير كثير من الأعراف التي بُنِيَت عليها بعض هذه الأحكام؛ فواقع المرأة المعاصر يشهد أنها لم تَعُدْ مقصورة على بيتها، بل فرضت عليها طبيعةُ العصر أن تشارك الرجال في الخروج للتعلم والتعليم والعمل وتقلد الوظائف وقضاء المصالح، وصارت موجودةً في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، ولم يعد خروجها لزيارة أبويها أو محارمها بخصوصها مظنة فتنة بعد أن خرجت بالفعل لكلِّ مناحي الحياة، ومن ثَمَّ يدخل خروجها لزيارة أبويها ومحارمها في معنى الإذن العام لها بالخروج.
وأفادت بأنه ما استنبطه الإمام ابن عبد البر أن خروج المرأة لزيارة الأبوين والمحارم داخلة في الأذن لها لشهود الصلاة في المسجد؛ أخذًا من حديث بسر بن سعيد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ، فَلَا تَمَسَّنَّ طِيبًا» أخرجه الإمام مالك في "الموطأ" -واللفظ له-، والنسائي في "السنن"؛ حيث قال في "الاستذكار" (2/ 466، ط. دار الكتب العلمية): [في هذا الحديث من الفقه: جواز خروج المرأة إلى المسجد لشهود الجماعة..
ولفتت في معنى الإذن لها في شهود العشاء وغيرها دليلٌ على أن كلَّ مباحٍ وفضل حكمه بحكمه في ذلك، وفي خروجهم إليه مثل زيارة الآباء والأمهات وذوي المحارم من القرابات وما كان مثله؛ لأن الخروج إلى المسجد ليس بواجب على النساء؛ لأنه قد جاء أن صلاتهن في بيوتهن خيرٌ لهن فما ندبن إليه من صِلات الرحم أحرى بذلك وأولى] اهـ.
حكم منع الزوج زوجته من زيارة أهلهاوبينت أنه بناء على ذلك: فإن للزوجة أن تزور أبويها ومحارمها وأقاربها في حدود المعروف وبما لا يخلُّ بالواجبات والحقوق الزوجية، والأولى في ذلك أن يكون الزوج مُعينًا لها عليه لا أن يكون حائلًا دونه، مع الإقرار بحقِّه في تنظيم هذه الزيارات بما يتوافق مع مصالحهما مجتمعة؛ إذ الحقوق الزوجية إنما شُرعت لتنظيم الحياة بين الزوجين على أساس من التراحم والتشفُّعِ والتوادِّ، لا التعسُّفِ والتَّشَاحِّ والعنادِ.
ونوهت بأن هذا، مع ما قد تقرَّر من أنَّ الفضل والإحسان في العلاقة الزوجية هما المقدمان دومًا؛ خاصة في واقع الأُسرِ المصرية التي دَرَجت على التعاون والتكامل بين الزوجين، ولم نجد إثارة لهذا الأمر الحقوقي إلا عند التنازع، وهذا مما يُحمد للواقع المصري الذي انغرست فيه القيم وصارت جزءًا أصيلًا من العلاقات الاجتماعية في إطار الحياة الزوجية المستقرة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: صلى الله علیه وآله وسلم حقوق الزوجیة بین الزوجین رضی الله ه وآله ى الله ع
إقرأ أيضاً:
الإفتاء ترد على زعم أن رحلة الإسراء والمعراج رؤيا منامية
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي مضمونه: "زعم بعض الناس أن رحلة الإسراء والمعراج رؤيا منامية، فما ردكم على ذلك؟".
وردت دار الإفتاء موضحة أن رحلة الإسراء والمعراج رحلة إلهية ومعجزة نبوية لا تُقَاس بمقاييس البشر المخلوقين وقوانينهم المحدودة بالزمان والمكان، بل تُقَاس على قدرة مَن أراد لها أن تكون وهو الخالق جل جلاله، فإذا اعتقدنا أن الله قادر مختار لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؛ سهل علينا الإيمان بأنه لا يمتنع عليه أن يخلق ما شاء على أي كيفية.
وما يستند إليه القائلون بأنها رؤيا منامية من قول الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: 61]، وأن "الرؤيا" تكون للمنامية، بينما "الرؤية" للبصرية: فمردود بأنَّ ذلك غير لازم في لسان العرب.
يقول المتنبي:
مَضى الليلُ والفضلُ الذي لكَ لا يمضي *** ورؤياكَ أحلى في العيونِ من الغمض
وبما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية -وهو من أئمة اللسان العربي وحجة فيه- قال: "هي رؤية عين أريها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة أسري به".
وزاد سعيد بن منصور في روايته قوله: "وليس رؤيا منام"، فكلام ابن عباس رضي الله عنهما حجة لغوية قاطعة، ثم هو مظنة حجة نقلية؛ إذ كان ابن عباس من أعلم الناس بأحواله صلى الله عليه وآله وسلم وشؤونه، على أنَّ بعض المفسرين صرف الآية عن حادثة الإسراء إلى ما في سورة الفتح من قوله تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: 27].
وقد ذهب جمهور العلماء سلفًا وخلفًا إلى أن الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة، وأن الإسراء حدث بالروح والجسد؛ لأنَّ القرآن صرَّح به؛ لقوله تعالى: ﴿بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء: 1] والعبد لا يُطلَق إلا على الروح والجسد، وكذا قوله تعالى: ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ [الإسراء: 1] فالبصر من آلات الذات لا الروح.
وممَّا يدل على أنَّ الرحلة كاملة كانت بالروح والجسد معًا أنها لو كانت بالروح فقط لما كان لتكذيب قريش بها معنى؛ وقد قالوا: "كنا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس، شهرًا ذهابًا وشهرًا إيابًا، ومحمد يزعم أنه أسرى به الليلة وأصبح فينا"، ولو كان ذلك رؤيا منام لم يستبعدوه ولم يكن لردهم عليه معنى؛ لأنَّ الإنسان قد يرى في منامه ما هو أشدّ من ذلك ولا يكذبه أحد.
قال الإمام القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (1/ 384-385، ط. دار ابن كثير ودار الكلم الطيب): [الذي عليه معظم السلف والخلف أنه أسري بجسده وحقيقته في اليقظة إلى آخر ما انطوى عليه الإسراء، وعليه يدل ظاهر الكتاب وصحيح الأخبار، ومبادرة قريش لإنكار ذلك وتكذيبه. ولو كان منامًا، لما أنكروه ولما افتتن به من افتتن؛ إذ كثيرًا ما يرى في المنام أمور عجيبة وأحوال هائلة، فلا يستبعد ذلك في النوم، وإنما يستبعد في اليقظة] اهـ.
فالظاهر من سياق النصوص أنَّه كان يقظة، ولا يعدل عن الظاهر إلا بدليل، ولأنه لو كان منامًا ما كان فيه عجب ولا غرابة، ولا كان فيه مجال للتكذيب به، ولا افتتن به أناس من ضعفاء الإيمان، فارتدوا على أعقابهم كافرين؛ يقول الإمام الطحاوي في كتاب "العقيدة الطحاوية بشرح البابرتي" (ص: 79، ط. وزارة الأوقاف الكويتية): [والمعراج حق، وقد أسري بالنبي عليه السلام وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء، ثم إلى حيث شاء الله تعالى من العلا، وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه بما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى، فصلى الله عليه في الآخرة والأولى].