الاقتصاد العالمي.. تشير أحدث بيانات أسعار المستهلك في الاقتصادات المتقدمة الكبرى، إلى جرعة تفاؤل مشجعة حول اتجاهات التضخم الرئيسية الآخذة في التباطؤ، وبالتالي استقرارًا نسبيًا في اقتصاداتها شريطة التوجه نحو انخفاض أسعار الفائدة خلال العام المقبل 2024، على أن يتم التخلي عن سياسة التشديد النقدي التي اتبعتها البنوك المركزية في مختلف دول العالم على مدى نحو أقل بقليل عن عامين، لكن التضخم الأساسي (باستثناء أسعار الطاقة والغذاء) يظل أعلى بشكل غير مريح من الأهداف التي حددتها البنوك المركزية.

ومن بين المتغيرات العديدة التي يتعين على المتنبئين مراقبتها في العام الجديد، تبرز بعض المتغيرات.

مع اقتراب عام 2023 من نهايته، هناك العديد من الأمور المجهولة وخاصة على الجبهة الجيوسياسية- مما يجعل التوقعات بشأن الاقتصاد العالمي أكثر صعوبة من المعتاد، في حين تتوقع بيوت الاستثمار العالمية، المزيد من التباطؤ في عام 2024، مع ذهول الكثيرين من حقيقة أننا لم نشهد ركودًا كبيرًا بالفعل.

معالجة السياسات النقدية

ودفعت معالجة السياسات النقدية في معظم الدول بارتفاع أسعار الفائدة، إلى تفاقم المخاطر المتعلقة بالدين في جميع البلدان النامية، حسبما أشار تقرير للبنك الدولي منذ أيام، ففي السنوات الثلاث الماضية وحدها، تخلف 18 بلدًا ناميًا عن سداد ديونه السيادية- وهو عدد أكبر من العدد المسجل في العقدين الماضيين معًا. واليوم، فإن نحو 60% من البلدان منخفضة الدخل في خطر كبير يهدد ببلوغها مرحلة المديونية الحرجة أو أنها بلغت هذه المرحلة بالفعل. يعني ذلك أن ارتفاع أسعار الفائدة تزيد من تكاليف الفائدة على الديون، وبالتالي يتم مضاعفتها.

تباطؤ معدل التضخم في أمريكا

يأتي ذلك بعد أن تباطأ معدل التضخم في الولايات المتحدة خلال شهر أكتوبر الماضي بأكثر من التوقعات، إذ قالت وزارة العمل الأمريكية إن مؤشر أسعار المستهلكين في أكتوبر الماضي قد تباطأ إلى 3.2% على أساس سنوي، مقابل توقعات بأن يسجل المؤشر 3.3%. وكان مؤشر أسعار المستهلكين في أمريكا قد بلغ 3.7% على أساس سنوي خلال سبتمبر الماضي. ومؤخرًا أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي)، الإبقاء على أسعار الفائدة بدون تغيير، ليكون القرار الرابع بالتثبيت خلال اجتماعات عام 2023.

وصوت مجلس الاحتياطي الفيدرالي لصالح إبقاء أسعار الفائدة يوم الأربعاء الماضي 13 ديسمبر2023، عند مستوى 5.5%، وهو أعلى مستوى لها منذ 22 عامًا، وتوقعوا في الوقت نفسه التخلي عن سياسة التشديد النقدي والاتجاه إلى خفض أسعار الفائدة خلال 2024، رغم أن الفيدرالي يرى أن التضخم تراجع لكنه ظل مرتفعًا ولجنة السياسة النقدية لا تزال ملتزمة بإعادته إلى 2%.

انخفاض التضخم في بريطانيا

وحسب بيانات رسمية، فإن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في بريطانيا انخفض إلى مستوى أقل من المتوقع عند 4.6% في أكتوبر بعد أن وصل إلى 6.7% في سبتمبر. وكانت الزيادة في أسعار المستهلكين هي الأقل منذ أكتوبر 2021، فيما أشارت توقعات بنك إنجلترا (المركزي) وآراء خبراء اقتصاديين في استطلاع أجرته وكالة رويترز، إلى معدل تضخم عند 4.8%. وتراجع التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار الطاقة والغذاء، إلى 5.7% من 6.1% في حين انخفض التضخم في قطاع الخدمات أيضا بأكثر من توقعات البنك المركزي إلى 6.6% من 6.9%.

شكوك حول السيطرة على التضخم

وتشكل توقعات التضخم تحديا أكبر، بعدما أظهرت الأعوام القليلة الماضية أن التضخم من الممكن أن يتأثر بشدة- على الأقل على مستوى السياسات الرئيسية- بسبب عدم اليقين والمجهول الذي أصبح معروفاً، غير أنه لا تزال هناك مناقشة محتدمة حول توقعات التضخم، حيث أعرب بعض رجال الأعمال دوليون يتمتعون بخبرة كبيرة، عن شكوكهم في قدرة البنوك المركزية على السيطرة على مشكلة التضخم.

وخلاصة ذلك أن بيانات أسعار المستهلك في منطقة اليورو والولايات المتحدة والمملكة المتحدة تشير إلى بعض الأخبار المشجعة حول اتجاهات التضخم الرئيسية، ولكن التضخم الأساسي (باستثناء أسعار الطاقة والغذاء المتقلبة) يظل أعلى بشكل غير مريح من المعدلات التي تستهدفها البنوك المركزية.

ضغوط انكماشية في الصين

وبطبيعة الحال، لا يبدو أن الصين، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تعاني من هذه المشكلة، بل على العكس من ذلك، تُظهِر أحدث بيانات أسعار المستهلك أنها تشهد انكماشاً، مع انخفاض مؤشر أسعار المستهلك الأساسي بنسبة 0.5% (على أساس سنوي) في نوفمبر. كان العديد من المحللين يشتبهون في أن الصين تنقل الضغوط الانكماشية إلى بقية العالم، في المقام الأول من خلال صادراتها الصناعية المنخفضة التكلفة وزيادة حصتها في الأسواق الخارجية. ولو كنا لا نزال في تلك الحقبة، لربما تضاءلت بعض المخاوف التضخمية الحالية. ولكن يبدو أن تلك الأيام قد ولت.

اقرأ أيضاًخاص| الاقتصاد العالمي يلتقط أنفاسه بعد توقعات الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة في 2024

بلومبيرج: جرجرة إيران للحرب في غزة سيدفع الاقتصاد العالمي إلى ركود شديد

هل اتفاق «بايدن - مكارثي» يجنب الاقتصاد العالمي ويلات أزمة جديدة؟

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: أسعار الفائدة أسعار الفائدة الأمريكية اتجاهات التضخم اجتماع الاحتياطي الفيدرالي استقرار الاقتصاد العالمي اقتصاد منطقة اليورو الاحتياطي الفيدرالي الاقتصاد الأمريكي الاقتصاد العالمي الاقتصادات المتقدمة التضخم السياسات النقدية الصين الفائدة المملكة المتحدة الولايات المتحدة ثاني أكبر اقتصاد في العالم لجنة السياسات النقدية منطقة اليورو نمو الاقتصاد العالمي الاقتصاد العالمی أسعار المستهلکین البنوک المرکزیة أسعار المستهلک أسعار الفائدة التضخم فی

إقرأ أيضاً:

النمو في الصين لا يكفي لإخراج الاقتصاد العالمي من دائرة التباطؤ

خلال الاجتماعات السنوية لمؤتمر الشعب، البرلمان الصيني الأخيرة تعهدت الحكومة الصينية بألا يقل معدل نمو الاقتصاد خلال العام الحالي عن مستواه في العام الماضي أي حوالي 5% من إجمالي الناتج المحلي.

وتحقيق نمو بمعدل 5% لا يبدو أمراً سيئاً، لكن الواقع الاقتصادي في الصين مازال أقل إقناعاً مما يوحي به هذا الرقم، كما أنه من غير المحتمل أن يشهد الطلب الاستهلاكي في الصين نموا كافيا لزيادة وارداتها من دول العالم.

China wants to keep its trade surplus intact, while Donald Trump seeks to turn the US trade deficit into a surplus. Neither wants to be the world’s consumer of last resort. https://t.co/sKR9Pov47m

— Chatham House (@ChathamHouse) March 15, 2025 السياسات الصينية

وفي تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني قال ديفيد لوبين الباحث البارز الزميل في برنامج الاقتصاد والتمويل العالمي  بالمعهد إن المشكلة الأساسية هي أن السياسات الصينية ستنتهي بالمحافظة على الفائض التجاري الكبير لثاني أكبر اقتصاد في العالم. في المقابل يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب  تحويل العجز التجاري الأمريكي إلى فائض.

ويعني هذا أن العالم  مقبل على ما يمكن أن نسميه "صراع أصحاب المذهب التجاري"، وهو المذهب المعروف أيضاً باسم المركنتيلية الذي ساد في أوروبا فيما بين بداية القرن السادس عشر ومنتصف القرن الثامن عشر وكان يعطي الأولوية للمكاسب التجارية على أي اعتبارات أخرى. فلا الصين ولا الولايات المتحدة تحت حكم ترامب ترغب أي منهما أن تكون الملاذ الاستهلاكي الأخير للعالم.

ورغم تدهور  ثقة المستهلكين والشركات في الصين خلال السنوات الماضية، ظهرت مؤشرات على تعافي الاقتصاد الصيني خلال الشهور القليلة الأخيرة.  

أول هذه المؤشرات تجاوز المرحلة الأسوأ من أزمة القطاع العقاري الصيني. وجاء ذلك جزئيا، بفضل الجهود المتجددة خلال الأشهر الستة الماضية لزيادة جاذبية العقارات من خلال خفض أسعار فائدة التمويل العقاري وتخفيض شروط الدفعة الأولى من ثمن العقار، وتخفيف القيود على الملكية، ودعم شركات التطوير العقاري المملوكة للدولة.

أما المؤشر الثاني فهو ارتفاع مبيعات التجزئة (لا سيما الأجهزة المنزلية) بفضل الدعم الحكومي لاستبدال الأجهزة القديمة بأخرى جديدة.  ونتيجة لذلك، أرتفع معدل نمو المبيعات إلى ما يقرب من 4% بنهاية عام 2024 وهو معدل لا يزال منخفضاً، ولكنه أفضل من معدلات النمو شديدة  الانخفاض والتي تراوحت بين 2% و3% في الصيف الماضي.

???????? #BREAKING
Chinese authorities are working on a proposal to help China Vanke Co. plug a funding gap of about 50 billion yuan ($6.8 billion) this year.https://t.co/5WbgWdBXzp#CHINA #VANKE #PROPERTY #REALESTATE https://t.co/H4CKC1uMKW

— CN Wire (@Sino_Market) February 12, 2025 احتضان القطاع الخاص

ويعود هذا التحسن إلى الجهد المتزايد لصناع السياسات في الصين لإنعاش الاقتصاد . ومن أبرز هذه الجهود الاجتماع رفيع المستوى الذي عقده الرئيس الصيني شي جين بينغ  مؤخراً مع قادة كبرى الشركات الخاصة، فيما اعتبر محاولة من جانبه لاحتضان القطاع الخاص الصيني بعد سنوات من التضييقات الحكومية عليه.

ولعل هذه التحركات الحكومية في الشهور الماضية تفسر لماذا يرى البعض أن إجراءات تحفيز الاقتصاد التي أعلنتها الحكومة في اجتماعات مؤتمر الشعب لم تكن على مستوى التوقعات.

وعلى الرغم من تعهد الحكومة بالسماح بارتفاع عجز ميزانية العام الحالي إلى 4% من إجمالي الناتج المحلي مقابل 3% في العام الماضي، فإنها ما زالت بعيدة عن اتخاذ الإجراءات التي يمكنها تحقيق زيادة حاسمة في مستويات ثقة الشركات والمستهلكين. وفي حين وعد مجلس الدولة (الحكومة الصينية) في الشهر الماضي بتغيير جذري في العقلية الاقتصادية للبلاد وزيادة التركيز على تحفيز  الاستهلاك، فإن تقرير عمل الحكومة لعام 2025 الصادر في الأسبوع  الماضي جعل الأمر يبدو وكأننا سنكون أمام تعديل طفيف وليس تغييراً جذرياً كما وعدت الحكومة.

ويرى ديفيد لوبين في تحليله أن هناك عاملين رئيسيين يحدان من رغبة بكين في تقديم الدفعة المطلوبة بشدة للاقتصاد.

العامل الأول هو أنه لا يمكن التنبؤ بسياسات وقرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فصادرات الصين إلى الولايات المتحدة تخضع حالياً لرسوم جمركية تصل أحياناً إلى 30% بعد قرار ترامب زيادتها مرتين بنسبة 10% في كل مرة منذ تنصيبه في 20 يناير(كانون الثاني) الماضي. ومن المحتمل تزايد الإجراءات العدائية تجاه الصين، خاصة ما يتعلق بتدفق رؤوس الأموال بين البلدين في أعقاب نشر "سياسة استثمار أمريكا أولاً" للرئيس ترامب التي تستهدف منع خروج الاستثمارات من الولايات المتحدة وإعادة الاستثمارات الخارجية إليها. ورغم ذلك من الصعب التكهن بالإجراءات العدائية المستقبلية.

ورغم أنه يمكن للمرء توقع زيادة إجراءات تحفيز الاقتصاد الصيني وليس تقليصه لمواجهة تداعيات الإجراءات الأمريكية، فإن الصين تفضل عادة الانتظار لرؤية تطور الأمور. وكما أوضح وزير المالية الصيني لان فو آن في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي، فإن هدف بكين هو "الحفاظ على مساحة الحركة أمام سياساتها وأدواتها اللازمة للتعامل مع حالة عدم اليقين القادمة من مصادر محلية أو خارجية".

The Policy will also protect our strategic industries and locations, while also making sure the United States is the world’s best destination for investment. https://t.co/uBhyDIr15S

— Secretary of Treasury Scott Bessent (@SecScottBessent) February 27, 2025 اضطرابات مالية

أما العامل الثاني الذي يحد من رغبة الصين في اتخاذ إجراءات أكبر لتحفيز الاقتصاد، فهو ما يمكن تسميته "قلق الميزانية العامة" حيث يقترب معدل الدين العام للحكومة المركزية من 100% من إجمالي الناتج المحلي، والسلطات مترددة في زيادة هذا الدين خوفاً من حدوث اضطرابات مالية يمكن أن تهدد الأمن القومي. وفي حين أن معدل الدين للحكومات المحلية أقل كثيراً ويبلغ حوالي 30% من إجمالي الناتج المحلي، فإن اعتمادها على إيرادات مرتبطة بالأراضي، يعني  أن أوضاعها المالية هشة نتيجة أزمة القطاع العقاري.

ويمكن القول بوضوح إن الحكومة المركزية لا ترغب في تقديم دعم فوري كبير، والحكومات المحلية لا تستطيع ذلك، رغم أن السلطات قد تتدخل ببعض إجراءات التحفيز إذا تدهورت مستويات الثقة.

كما أن إجراءات التحفيز التي أعلنت مؤخراً تميل أكثر نحو دعم الإنتاج وليس الاستهلاك.  على سبيل المثال سيتم توجيه الجزء الأكبر من حصيلة بيع السندات الخاصة للحكومات المحلية خلال العام الحالي وقيمتها 4.4 تريليون يوا ما يعادل 607.38 مليار دولار تقريباً نحو سداد مستحقات الشركات  المتأخرة والاستثمار في مشروعات البنية التحتية.

ومن بين حصيلة السندات الخاصة المقررة للحكومة المركزية في العام الحالي وقيمتها 1.8 تريليون يوان، سيتم توجيه 300 مليار يوان فقط نحو برامج دعم التجارة والاستهلاك، في حين سيستخدم الجزء الباقي  في دعم تحديث المعدات والتصنيع عالي التقنية وإعادة رسملة البنوك التابعة للدولة.

لذلك يمكن القول إن خلاصة اجتماعات البرلمان الصيني في الأسبوع الماضي هي أن الصين ستظل على الأرجح اقتصاداً تجارياً بامتياز، وسيظل الفائض التجاري الكبير عنصراً أساسياً. في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تحويل عجزها التجاري إلى فائض،  ليصبح السؤال المطروح هو من سيدعم ازدهار التجارة العالمية وقيادة الاقتصاد العالمي نحو الخروج من دائرة التباطؤ؟.

 يرى لوبين أن الصين للأسف لن تكون هي الإجابة في ضوء السياسات الراهنة، في حين يمكن الرهان على أوروبا لكي تقود قاطرة الانفاق الاستهلاكي والاستيراد في العالم خاصة وأصبحت السياسة المالية الأكثر مرونة  راسخة في ذهن مستشار ألمانيا المنتخب فريدريش ميرتس الذي سيقود أكبر اقتصاد في أوروبا خلال السنوات المقبلة.

مقالات مشابهة

  • استقرار التضخم السنوي في السعودية خلال فبراير عند 2%
  • استقرار التضخم عند 2 %
  • جيه بي مورجان يتوقع خفض "المركزي المصري" الفائدة 4% خلال اجتماعه القادم في أبريل
  • استقرار معدل التضخم في السعودية عند 2.0%
  • استقرار معدل التضخم في السعودية عند 2.0% خلال فبراير 2025
  • التضخم السنوي في السعودية يستقر خلال شباط عند 2%
  • بنك المغرب يتجه نحو تثبيت سعر الفائدة وسط استقرار التضخم
  • 47 مليار دولار.. برلماني: تسجيل أكبر احتياطى يؤكد صمود الاقتصاد المصري
  • النمو في الصين لا يكفي لإخراج الاقتصاد العالمي من دائرة التباطؤ
  • قفزة تاريخية للذهب.. ما الأسباب الخفية وراء الارتفاع الجنوني؟