دعوة عربية للقضاء على حماس
تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT
هل صحيح أنّ بعض القادة العرب يتمنون القضاء على حركة حماس؟ وهل هناك دول عربية تشارك في الحرب الصهيونية الحالية ضد غزة بصورة فعلية أو من وراء حجاب؟ لستُ في مقام يؤهّلني لإثبات ذلك، رغم وجود بعض الدلائل؛ لكن هذا ما أكده دينيس روس الدبلوماسي الأمريكي السابق، الذي كتب مقالا لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، يوم الجمعة 2023/10/27، بعد عشرين يومًا فقط من انطلاق طوفان الأقصى، ذكر فيه أنه يساند الحرب على غزة حتى القضاء على حماس، مؤكدًا «أنها رغبة قادة عرب، وليس فقط إسرائيل والولايات المتحدة».
في مقال دينيس روس لمحات واضحة للتوجه الأمريكي في الحرب الدائرة حاليا في غزة؛ فهو يرى أنّ وقف إطلاق النار يعني انتصار حماس، «التي ستعيد بناء ما تهدّم خلال هذه الحرب، كما فعلت خلال حروب 2009 و2012 و2014 و2021، وستدخل مستقبلًا في جولة عسكرية جديدة مع إسرائيل»، وهذا يفسّر الفيتو الأمريكي -فيما بعد- ضد قرار وقف إطلاق النار. كما أنه يرى أنّ حماس لن تنتهي بالقصف الجوي مهما كان عنيفًا، وأنّ الغزو البري يشكل خطرًا كبيرًا على الجنود الإسرائيليين؛ لذا قدّم خطته لهزيمة حركة حماس، بأن تتم تصفية قادتها، وتدمير بنيتها الأساسية العسكرية، مما يجعلها غير قادرة على عرقلة صيغة لنزع السلاح في غزة وغير قادرة على شنّ حرب، -حسب قوله. وقد أعطى دينيس روس نفسه الحق في اختيار من يحكم غزة (إذا انتصر الكيان الصهيوني) عندما قال: «في حالة نجاح غزو بري، فذلك يتطلب عدم بقاء القوات الإسرائيلية في غزة إلى الأبد؛ وعلى العكس من ذلك عليها العمل على تسليم السلطة لقيادة فلسطينية من التكنوقراط أو من الشتات، على أن يكون الحكم تحت غطاء دولي». وأوضح أنّ هذا ما يجب أن تعمل الولايات المتحدة على تحقيقه من خلال استغلال المظلة الأممية، أو حتى عبر تنفيذ مقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يقضي باستخدام «التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية» لمحاربة حماس.
لم يكن موقف بعض الحكام العرب من حماس هو النقطة الأساسية في مقال دينيس روس؛ فهناك نقطة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، وهي التفريق بين حماس وبقية الفلسطينيين، فإنّ الحرب الحالية هي حرب ضد الشعب الفلسطيني، بل ضد الأمة كلها، إلا أنّ الإعلام الإسرائيلي ومن يلف لفّه من الغربيين يركزون على أنّ الحرب هي ضد حماس وضد غزة فقط، وللأسف فإنّ ذلك قد انطلى على الكثيرين من العرب، فيقول: «يجب علينا توضيح أنّ إسرائيل تحارب حماس وليس الفلسطينيين، وبالتالي عليها إيجاد أماكن آمنة لهم، وتمكين المنظمات الدولية من فتح خط إغاثة لهم حتى من الجانب الإسرائيلي، مبرزا أنها يجب أن تؤكد للجميع -وبالتحديد لجيرانها- أنها لن تبقى داخل غزة».
لا يمكن لعاقل أن يقول مثل قول دينيس روس: إنّ إسرائيل لا تحارب الفلسطينيين وإنما تحارب حماس فقط؛ فالمخطط هو تدمير حماس والجهاد الإسلامي، وإعادة غزة إلى بيت الطاعة، ثم يتفرغ الكيان للآخرين منهم حزب الله اللبناني، والسلطة الفلسطينية نفسها، والتي انصبّ اهتمامُها على استلام غزة وحكمها بعد أن تقضي إسرائيل على حماس؛ فالحرب الحالية هي حرب على غزة، وعلى رام الله، وعلى القدس، وعلى فلسطين كلها، وعلى الأمة العربية والإسلامية؛ وخيرُ دليل هو تهديد بنيامين نتانياهو رئيس وزراء الكيان بأنه يستعد لاحتماليّة الحرب مع السلطة الفلسطينية، وأنّ ما سمّاه -سيناريو قلب الأوكار- جاهز على الطاولة، في حال تعاونت السلطة الفلسطينيّة مع حماس، وإنه سيحوّل فوهة البنادق باتجاهها. والتفريقُ بين غزة وبقية فلسطين يأتي ضمن السياسة المتبعة للوطن العربي كله، والتي تُنفّذ تحت نار هادئة، بموافقة وتآمر عربي واضح - قد يكون جهلا أو عمالة، لستُ أدري- وهكذا رأينا إخراج مصر من المعادلة بسبب اتفاقيات كامب ديفيد، ثم شاهدنا ما تلا ذلك من القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، وتدمير العراق وسوريا، مما يعني إخراج الدول العربية المحورية والأساسية من الحرب؛ مع ظهور دول تهرول للتطبيع ليس لها ناقة ولا جمل في الصراع، وفي ظني أنهم نجحوا في ذلك أيما نجاح.
ما كتبه دينيس روس عن القيادات العربية، هو ما أكدّه أيضًا موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لحركة حماس، في لقائه مع قناة «الجزيرة مباشر» بقوله: «إنّ الكثير ممن أتواصلُ معهم من جهات أجنبية للمساعدة، يقولون: إنهم يتكلمون مع جهات عربية- وبينهم من السلطة الفلسطينية- يشجعون على إخراج حماس من المشهد. وهذه الجهات لا تستطيع الحديث عن هذا أمام الجمهور؛ لأنه يرفضه». وقبل موسى أبو مرزوق فإنّ شبكة «سي إن إن» نقلت عن هاريل شوريف كبير الباحثين في مركز «موشيه دايان» لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في جامعة تل أبيب، أنه قال: «كنتُ أتحدّث إلى مسؤول في السلطة الفلسطينية، وكانت رسالتهم لي واضحة «تدميرهم.. هذه المرة يجب على إسرائيل تدمير حماس، وإلا انتهينا»، وأضافَ شوريف: «بالطبع، هم علنًا يدينون إسرائيل».
هناك أكثر من دليل على صدق ما قاله دينيس روس وأبو مرزوق وشوريف، عن رغبة بعض القيادات العربية للقضاء على حماس، منها فضيحة فشل الدول العربية في فتح معبر رفح إلا بموافقة الكيان الإسرائيلي، وترك غزة تواجه مصيرها بنفسها، وفشل الأنظمة العربية في العمل على وقف إطلاق النار -عوضًا عن مساعدة أهل غزة في أبسط الأمور- وفشل القمم العربية والإسلامية في إيقاف الحرب على غزة، والحملة الإعلامية الشرسة ضد حماس، يساهم فيها الإعلاميون العرب و«الحاخامات» المسلمون الذين كثروا في هذه الأيام.
وكم كان أبو عبيدة الناطق باسم كتائب عز الدين القسام محقًا عندما خاطب قادة الأمة متسائلا: «هل وصل بكم الضعف والعجز أنكم لا تستطيعون تحريك سيارات الإغاثة والمساعدات الإنسانية إلى جزء من أرضكم العربية الإسلامية الخالصة، رغمًا عن هذا العدو المهزوم المأزوم، فهذا ما لا نستطيع فهمه ولا تفسيره».
والسؤال الذي يجب أن يُطرح الآن، ما هي نتيجة وقوف بعض الأنظمة العربية مع عدو الأمة التقليدي؟ ألا تعي هذه الأنظمة أنها مجرد أدوات تنفذ الأجندات الخارجية، وأنها رسميًا وشعبيًا قد فقدت شرعيتها؟ ألا تدرك أنها تنفّذ الدور المطلوب منها حتى يأتيها الدور؟!
إذا كان طوفان الأقصى له ما بعده، فإنّ ما بعده قد يكون ثقيلا جدًا على بعض الأنظمة العربية. وحين الجد، فإنّ القبضة الأمنية لن تفيد في شيء، ومن العار ألّا يستطيع المواطنون التعبير عن رأيهم وتأييدهم لأشقائهم، وهم يتعرضون لأبشع إبادة شهدتها البشرية، وهذا بدوره ينذر بقدوم جيل يؤمن بـ «التطرف». ومهما كانت نتيجة المعركة، فإنّ حماس قدّمت أنموذجًا مشرفًا للجيل العربي التائه، هو نموذج العزة والكرامة ورفض الإملاءات الغربية.
زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم في الشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السلطة الفلسطینیة على حماس على أن
إقرأ أيضاً:
استجواب مذيعة لبنانية بقناة العربية بتهمة انتهاك قانون مقاطعة إسرائيل
استجوب قاض عسكري في لبنان، الصحفية والمذيعة اللبنانية المقيمة في دبي، ليال الاختيار، لدى وصولها إلى مطار رفيق الحريري الدولي، بتهمة انتهاك قانون مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي.
وواجهت الاختيار، المذيعة البارزة في قناة "العربية" بدبي، موجة من الكراهية والمضايقات منذ أن أجرت مقابلة قصيرة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023 مع المتحدث العسكري الإسرائيلي لوسائل الإعلام العربية، أفيخاي أدرعي، كجزء من تغطية القناة الحرب الإسرائيلية على غزة.
????⚡️ عاجل:
السلطات اللبنانية تحتجز مذيعة قناة العربية "ليال الإختيار" بعد وصولها إلى مطار بيروت.
تم استجواب المذيعة، الأربعاء الماضي، من قبل القاضي فادي صوان بشأن مقابلة استضافت فيها المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي ووصفته خلالها بـ"الأستاذ أفيخاي".
أفرج عنها بعد التحقيق. pic.twitter.com/54OHWFE61M — الموجز الروسي | Russia news ???????? (@mog_Russ) January 22, 2025
وصلت الصحفية من الإمارات بعد تلقيها استدعاء للتحقيق معه. وبحسب وسائل إعلام محلية، توجهت الصحفية، التي عملت سابقًا مع قناتي LBCI وOTV اللبنانيتين وقناة "الحرة"، مباشرة من المطار إلى مبنى المحكمة العسكرية.
وبعد التحقيق، قرر القاضي فادي صوان إخلاء سبيل ليال الاختيار بكفالة قدرها 50 مليون ليرة لبنانية (نحو 558 دولارًا أميركيًا)، مع إبقائها قيد التحقيق.
وطلب القاضي فادي عقيقي، مفوض الحكومة لدى المحاكم العسكرية الذي قدم شكوى ضد الصحفية ليال الاختيار في أيار/ مايو الماضي، من القاضي فادي صوان مصادرة هاتفها وتفتيشه للتأكد من عدم اتصالها بأي جهات إسرائيلية.
ونقلت صحيفة "نداء الوطن" اللبنانية عن الاختيار تأكيدها خلال التحقيق أنها "تفاجأت" عندما طلبت منها قناة "العربية" إجراء مقابلة مع المتحدث العسكري الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، مشيرة إلى أنها لم تستطع رفض الطلب.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، أصدرت السلطات اللبنانية مذكرة تفتيش بحق الاختيار بسبب المقابلة.
وفي أيار/ مايو الماضي، تقدم عقيقي بشكوى ضد الاختيار وثلاثة صحفيين لبنانيين آخرين يعملون في المنطقة، وهم: ميشيلا حداد (سكاي نيوز عربية)، وطاهر بركة (العربية)، وعلي علوية (روسيا اليوم)، بتهمة انتهاك قانون مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بعد إجرائهم مقابلات مع مسؤولين وخبراء إسرائيليين كجزء من تغطية قنواتهم لحرب غزة.
وقالت الاختيار في تشرين الأول/ أكتوبر 2023: "لقد أجريت المقابلة باحترام، وطرحت جميع الأسئلة اللازمة، وأنهيت المقابلة. هذا كل شيء، لا أكثر. لم أشيد به، لكنني لم أهنه أيضًا". وأضافت: "الصحفي المحترف يحترم ضيفه، مهما كان، حتى لو كان من المعارضة".
قانون مقاطعة إسرائيل
بموجب القانون اللبناني، يُحظر أي اتصال بين المواطنين اللبنانيين والإسرائيليين، وقد يصل هذا الانتهاك إلى حد اتهام الفرد بالخيانة أو التجسس، وكلاهما يعاقب عليه بالسجن أو الإعدام. وقد تم تضمين هذا الحظر في القانون الجنائي اللبناني من خلال قانون مقاطعة إسرائيل (1955) وقانون القضاء العسكري.
وتم تطبيق هذا الحظر في عدة مناسبات، منها عام 2018، عندما احتجزت السلطات اللبنانية الممثل زياد عيتاني لعدة أشهر بتهمة "التعاون مع العدو". وقد تعرضت محاكمته بتهمة التجسس لصالح الاحتلال الإسرائيلي لانتقادات شديدة من قبل منظمات حقوق الإنسان.