لجريدة عمان:
2025-01-31@10:04:49 GMT

أزمة الديون المُستمرة في البلدان النامية

تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT

تستمر أزمة الديون في البلدان منخفضة الدخل في التفاقم. في الواقع، يبدو أن مجتمع السياسة الدولي بدأ يفقد قدرته للتعامل مع هذه المشكلة. فهل سيتمكن من التغلب على الأزمة أم أن كارثة الديون في البلدان النامية أصبحت حتمية؟

لقد ارتفع بالفعل عدد الاقتصادات التي تعاني من ضائقة الديون بشكل حادّ بين الأزمة المالية العالمية في الفترة ما بين عامي 2008 و2009 ووقت اندلاع جائحة فيروس كوفيد 19، وفقًا لتقديرات البلدان التي حصلت على تصنيف متوسط أو أقل من قبل وكالة التصنيف الائتماني «موديز».

وعندما اندلعت الجائحة، توقف عدد البلدان المُتعثرة عن الارتفاع، حيث قرر زعماء العالم معالجة ما أصبح الآن حالة طوارئ إنسانية فضلًا عن الأزمة المالية.

وقد أطلقت دول مجموعة العشرين «مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين» (DSSI)، التي أعفت مؤقتا حكومات البلدان المُثقلة بالديون من ضرورة السداد. مع ذلك، وبمجرد انتهاء صلاحية مبادرة تعليق سداد خدمة الديْن في نهاية عام 2021، بدأ عدد الدول المتعثرة في الارتفاع مرة أخرى، ويرجع ذلك جزئيًا إلى حقيقة مفادها أن ارتفاع أسعار الفائدة العالمية جعل خدمة الديون أكثر صعوبة. ويتجاوز عدد البلدان التي تعاني من ضائقة الديون، حاليا 40 دولة، وفقا لقياسات وكالة موديز. في نهاية عام 2020، تم استكمال مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين من خلال مبادرة «إطار العمل المُشترك لمعالجة الديون». وكان الهدف من هذه المبادرة يتلخص في تسهيل اتفاقيات إعادة الهيكلة بين البلدان التي تعاني من ديون غير مُستدامة، ودائنيها من البلدان المتقدمة، وحاملي السندات.

ومع ذلك، استمرت جهود إعادة الهيكلة هذه لسنوات عديدة، دون إحراز أي تقدم واضح. في الشهر الماضي، تم الترحيب بالاتفاق الذي تم بين زامبيا ودائنيها باعتباره خطوة إيجابية. ولكن عرض تخفيف الديون المُقدم إلى زامبيا كان غير كاف بشكل واضح. وما إن تم الإعلان عن الصفقة المُقترحة حتى انهارت. اشتكت الصين من أنه يتم التعامل مع دائنيها من البنوك المملوكة للدولة بشكل أقل تفضيلا من حاملي السندات. وتحتاج مبادرة الإطار المشترك، كما لاحظ اثنان من منتقديها، إلى «إعادة ضبط كبرى في العام الجديد».

ومن قبيل الصدفة، يصادف عام 2024 الذكرى المئوية لخطة دوز، التي تمت بموجبها إعادة هيكلة ديون ألمانيا لخصومها في الحرب العالمية الأولى. وهنا يكمن تاريخ قديم.

فقد خلّفت الحرب شبكة مالية مُعقدة: حوالي 30 مليار دولار من التعويضات المُستحقة على ألمانيا للحلفاء الأوروبيين المُنتصرين، و10 مليارات دولار من ديون الحرب المُستحقة على الحلفاء للولايات المتحدة. وكان من الواضح أن هذه الالتزامات مُرتبطة ببعضها البعض -وذلك أن الحلفاء لن يوافقوا على خفض التعويضات المُستحقة على ألمانيا إلا إذا ألغت الولايات المتحدة ديونهم-.

مع ذلك، رفض الكونجرس الأمريكي، بعد أن اتخذ موقفًا انعزاليا، التنازل عن التزامات الحلفاء. فقد كانت أمريكا جديدة على تحمل المسؤوليات المُترتبة على كونها دائنا صافيا للعالم، بعد أن كانت مدينة صافية قبل الحرب. ففي عام 1923، اعترفت الولايات المتحدة متأخرة بخطورة أزمة الديون في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، والتي جعلت التضخم المفرط الألماني تجاهلها أمرا مستحيلا تجاهله. وقد سمحت تشارلز جيتس دوز، المصرفي في شيكاغو ونائب رئيس الولايات المتحدة فيما بعد، برئاسة لجنة دولية لمراجعة مشكلة الديون في مرحلة ما بعد الحرب. كانت مشاركة دوز مُهمة حيث أشارت إلى إعادة انخراط الولايات المتحدة في الشؤون العالمية. صحيح أن خطة دوز قلّصت التزامات ألمانيا الفورية، إلا أنها لم تُساهم بشكل كبير في تخفيف عبء الديون طويلة الأجل، وقد أدت إلى تأجيل مدفوعات البلاد إلى وقت غير مُسمى. ثم تم تمويل التحويلات الحكومية الألمانية إلى الحلفاء من خلال قرض بالدولار تم طرحه في السوق الأمريكية من قبل بنك الاستثمار الأمريكي جي بي مورجان وشركاه.

ساهمت ترتيبات العمل التصحيحية هذه في وقف التضخم المفرط في ألمانيا وسمحت باستئناف النمو الاقتصادي الأوروبي. ولكن كل شيء انهار بعد عام 1929. فمع غرق الاقتصاد العالمي في أزمة الكساد العظيم، تم الاتفاق في عام 1931 على تعليق أو تأجيل سداد جميع مدفوعات الديون والتعويضات لمدة عام واحد. في عام 1932، عندما كان الأوان قد فات لمنع التحول السياسي الكارثي في ألمانيا، وافقت الحكومات الأوروبية أخيرًا على إلغاء مطالباتها بالتعويض. وقد قامت بعد ذلك بالتخلي عن ديونها المُستحقة للولايات المتحدة، الأمر الذي أوقعها في عداء دائم مع الكونجرس. يمكن استخلاص دروس عديدة لأزمة ديون البلدان النامية الحالية من هذا التاريخ المأساوي.

أولًا: يتعين على الدائنين حتى عند افتقارهم إلى الخبرة، أن يعترفوا بدورهم في حل أزمات الديون. واليوم، هذا يعني أن كل الأنظار تتجه نحو الصين، التي تُعَد الدائن الأكثر أهمية للدول الفقيرة المُثقلة بالديون.

ثانيًا: كان تقديم قروض للدول المتعثرة، على غرار ما فعله جيه بي مورجان عام 1924، سببًا في تسريع دورة الأزمة. وتقدم الصين حاليًا مقايضات وإعانات بعملة الرنمينبي الصيني للحكومات التي حصلت في السابق على قروض البنية الأساسية كجزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية، مما يُمكنها من الاستمرار في سداد مدفوعاتها للبنوك الصينية. هذه الوسيلة لا تحل المشكلة، بل تجعل البلدان المتعثرة أكثر مديونية.

وأخيرًا، فإن منح البلدان المثقلة بالديون عروض تخفيف كافية لمساعدتها على تخطي الأزمة من شأنه أن يُعرضها للخطر في حالة تعرضها لأزمة أخرى. وكان هذا هو النهج الذي تم اتّباعه في إطار خطة دوز، لكنه فشل في حل أزمة الكساد العظيم. وهو النهج المُتبع بموجب مبادرة إطار العمل المشترك، التي تُلزم الدائنين فقط بتقديم الحد الأدنى من تخفيف عبء الديون، وهو ما يكفي من التخفيف للسماح لصندوق النقد الدولي بالإعلان عن تحمل ديون البلاد. وهذا لا يترك أي مجال للخطأ. وكما ذكرتنا الأحداث، فإن الأخطاء لا بد أن تحدث.

باري آيكنجرين أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا في بيركلي. مؤلف العديد من الكتب، بما في ذلك «الدفاع عن الدين العام».

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة البلدان الم الدیون فی الم ستحقة

إقرأ أيضاً:

بيان الأعضاء التي يجب السجود عليها في الصلاة

قالت دار الإفتاء المصرية إن من رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين أنه يسَّر لهم طريق العبادة، ورفع عنهم كل حرجٍ فيه؛ فما كلفهم إلا بما هو في طاقتهم ووسعهم؛ قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28]، وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].

الأعضاء التي يجب السجود عليها في الصلاة

قال الإمام البغوي في "معالم التنزيل" (1/ 601، ط. دار إحياء التراث العربي): [﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾: يُسَهِلَ عليكم أحكام الشرع، وقد سَهَّلَ؛ كما قال جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ﴾ [الأعراف: 157]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ»] اهـ.

ومن المقرر شرعًا أنه ينبغي للمصلِّي عند سجوده أن يباشر الأرض بسبعة أعضاء مخصوصة؛ منها: اليدان؛ فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ-، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ، وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَالشَّعَرَ» متفق عليه.

قال الإمام النووي في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (4/ 208، ط. دار إحياء التراث العربي): [هذه الأحاديث فيها فوائد؛ منها: أن أعضاء السجود سبعة، وأنه ينبغي للساجد أن يسجد عليها كلها] اهـ.

المقصود باليدين في الحديث باطن الكفين
والمقصود باليدين في الحديث باطن الكفين؛ لما أخرجه الإمام ابن خزيمة في "صحيحه" عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةٍ: عَلَى وَجْهِهِ، وَكَفَّيْهِ، وَرُكْبَتَيْهِ، وَقَدَمَيْهِ، وَنُهِيَ أَنْ يَكُفَّ شَعَرًا أَوْ ثَوْبًا".

قال الإمام الرافعي في "العزيز شرح الوجيز" (1/ 521، ط. دار الكتب العلمية): [والاعتبار في اليدين بباطن الكف] اهـ.

وقال العلامة العدوي في "حاشيته على كفاية الطالب الرباني" (1/ 269، ط. دار الفكر) عقب استدلاله بهذا الحديث: [المراد باليدين: الكفان] اهـ.

حكم صلاة من يصلي بالقفازين "الجوانتي" لشدة البرد

أوضحت الإفتاء أنه إذا شق على المصلي أن يباشر الأرض بكفَّيه وهما مكشوفتان عند سجوده من شدة البرد، فله أن يسجد عليهما مع وجود حائلٍ بينهما وبين الأرض؛ كأن يلبس القفاز الساتر لكفَّيه ونحوه، ولا يمنع ذلك من صحة الصلاة؛ قياسًا على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يتقي -عند سجوده- حرَّ الأرض وبرودتها بفضول ثوبه، وكذلك ما جاء عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا يصلون وأيديهم داخل أكمامهم دون أن يخرجوها؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا" أخرجه الإمامان: أحمد في "مسنده"، وابن أبي شيبة في "مصنفه".

وقد بوَّب الإمام البخاري في "صحيحه" بابًا أسماه: (باب السجود على الثوب في شدة الحر)، وقال: قال الحسن: "كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقُلُنْسُوَةِ، وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ".

وأخرج فيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ".

وبوَّب الإمام ابن خزيمة في "صحيحه" بابًا أسماه: (باب إباحة السجود على الثياب اتقاء الحر والبرد).

وبوَّب الإمام ابن ماجه في "سننه" أيضًا بابًا أسماه: (باب السجود على الثياب في الحر والبرد)، وأخرج فيها عن ثابت بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "صَلَّى فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ مُتَلَفِّفٌ بِهِ، يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيْهِ، يَقِيهِ بَرْدَ الْحَصَى".

وكذلك بوَّب الإمام الترمذي في "سننه" أيضًا بابًا أسماه: (باب ما ذكر من الرخصة في السجود على الثوب في الحر والبرد).

وعن إبراهيم النخعي أنه قال: "كَانُوا يُصَلُّونَ فِي مَسَاتِقِهِمْ وَبَرَانِسِهِمْ وَطَيَالِسِهِمْ؛ مَا يُخْرِجُونَ أَيْدِيَهُمْ مِنْهَا"، قلنا له: ما الْمِسْتَقَةُ؟ قال: "هِيَ جُبَّةٌ يَعْمَلُهَا أَهْلُ الشَّامِ، وَلَهَا كُمَّانِ طَوِيلَانِ، وَلَبِنُهَا عَلَى الصَّدْرِ، يَلْبَسُونَهَا، وَيَعْقِدُونَ كُمَّيْهَا إِذَا لَبِسُوهَا" أخرجه الإمامان: عبد الرزاق في "مصنفه" واللفظ له، والبيهقي في "السنن الكبرى".

مقالات مشابهة

  • السائقين الأتراك في المرتبة الثالثة ضمن الأكثر تهذيبا في العالم
  • المنتدى السعودي للإعلام يطلق مبادرة “جسور الإعلام” التي تجمع Netflix وSony وShondaland بالمواهب السعودية
  • شراكة استراتيجية وشاملة بين مصر وكينيا
  • وزيرة البيئة: شرفت بتمثيل الدول النامية في ملف تغيير المناخ
  • نص الإعلان المشترك حول الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين مصر وكينيا
  • 12 اتفاقية تعاون.. تفاصيل الإعلان المشترك حول الشراكة الاستراتيجية بين مصر وكينيا
  • بيان الأعضاء التي يجب السجود عليها في الصلاة
  • بلها: ليبيا مهددة بالانزلاق في الديون المحلية والخارجية
  • استراتيجية اليهود في تدمير الطبقة المتوسطة
  • حكم سداد الديون المتراكمة على الجمعية الخيرية من أموال الزكاة