لجريدة عمان:
2025-03-10@14:39:00 GMT

كنت طبيبًا في العراق وأرى الكابوس مرة أخرى

تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

بدأتُ دراسة الطب في أعقاب حرب الخليج. كان وقتا كئيبا لأن يلتزم المرء فيه بمهنة الشفاء. فقد دمرت العقوبات الأمريكية والقصف المتواصل بنيتنا الأساسية الطبية وجعلت حصولنا على الإمدادات الطبية أمرا محفوفا بالخطر. وسط الدمار كافحنا من أجل العلاج والعمل، وغالبا ما كان ذلك يجري باستخدام أقل الموارد.

كان كل يوم معركة في ذاته؛ إذ نحاول إنقاذ الأرواح بينما منشآتنا تنهار من حولنا.

دفع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 نظام رعاية صحية مترنحًا إلى حافة الهاوية. وأغرقت التفجيرات وعمليات مكافحة التمرد المستشفيات بالمدنيين المصابين بلا توقف. ومع تزايد أعداد المرضى وضيق الوقت، اضطر الأطباء وغيرهم من العاملين في المجال الطبي في جميع أنحاء البلد إلى اتخاذ قرارات موجعة وواقعية، بشأن من يمكنهم إنقاذه. ولعل الهجمات المباشرة على المستشفيات هي التي وجهت الضربة القاضية لقدرات الرعاية الصحية المتداعية في العراق، التي كانت في يوم من الأيام مصدر فخر في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

والآن يشهد العالم حربا أخرى يجري فيها تدمير نظام رعاية صحية كان يعاني بالفعل. فأنا أرى تماثلات مثيرة للقلق بين ما شهدته في العراق وما يجري في غزة، من انتشار نقص الإمدادات الأساسية إلى ارتفاع معدلات الإصابة إلى الاستهداف العسكري للمستشفيات. عندما يجري تدمير خدمات الرعاية الصحية والبنية الأساسية والخبرة في وقت الحرب، فإنها غالبا ما تضيع إلى الأبد. وفي غيابها، تهدد أزمة صحية عامة دائمة حياة الناجين الذين لا يجدون مكانا آخر يذهبون إليه. وباعتباري شخصًا كرَّس شطرا كبيرا من حياته المهنية لتوثيق العواقب الوخيمة التي تترتب على مهاجمة الرعاية الصحية، أشعر إزاء غزة أنني عشت هذا كله من قبل.

برغم أن استهداف المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية أثناء الحرب غير قانوني بموجب اتفاقيات جنيف، فقد تزايدت هذه الهجمات -ما عدا استثناءات محدودة للغاية- ازديادا حادا خلال العقدين الماضيين، خاصة في ظل مكافحة الإرهاب. ففي عام 2021، أفادت منظمة الصحة العالمية أن ما لا يقل عن 930 عاملا في مجال الرعاية الصحية تعرضوا للقتل في 600 هجوم خلال الحرب الأهلية السورية. إذ يبدو أن القوات السورية والروسية هاجمت المستشفيات بدعوى ضرب أهداف إرهابية.

ووقعت حوادث مماثلة في العديد من مناطق صراع أخرى منها اليمن والسودان وإثيوبيا وليبيا. ومن الوقائع المؤلمة بصفة خاصة واقعة القصف الأمريكي لمستشفى الصدمات التابع لمنظمة «أطباء بلا حدود» في قندوز بأفغانستان عام 2015، بما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 42 شخصًا. وقد اعترفت الولايات المتحدة لاحقا بأن ذلك كان خطأ مأساويا، فالمستشفى الذي تم قصفه لم يكن في الواقع خاضعًا لسيطرة طالبان، كما قيل في أول الأمر. ونفذت روسيا أكثر من 1110 حملات هجومية على عمليات الرعاية الصحية في أوكرانيا منذ أن بدأت حربها -وهو أكبر عدد أحصته منظمة الصحة العالمية من الهجمات حتى الآن في أي أزمة إنسانية-، وقد شملت هذه الهجمات تفجير مستشفيات وتعذيب طواقم طبية واعتداءات على سيارات الإسعاف.

لقد بات مفهوم الأضرار الجانبية المدنية أمرا طبيعيا، وهذا أمر مثير للقلق؛ إذ يسفر عن استهداف المستشفيات، ويجعل قتل المرضى أو الجرحى أمرا عاديا، والنيل من الرعاية الصحية للمدنيين أثناء الحرب. أما في ما يتعلق بالصراع العالمي، فلم تعد المستشفيات ملاذا آمنا. ومع وجود مبررات ملائمة، تصبح المستشفيات بسهولة مواقع قتال.

وحينما تتحول المستشفيات إلى ساحات قتال، فإنها تتوقف عن تقديم الرعاية، بما يمهد الطريق أمام الأزمات الصحية التي تستمر لفترة طويلة بعد صمت الأسلحة. لقد رجعتُ، في فبراير الماضي، إلى العراق لمواصلة دراسة عن تأثير الحرب على الطفرة العالمية في البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. وكانت الأمم المتحدة على مدى العقد الماضي تقرع ناقوس الخطر بشأن مقاومة مضادات الميكروبات -أي مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية وأدوية أخرى- متوقعة أن تتسبب في 10 ملايين حالة وفاة سنويا بحلول عام 2050.

في مناطق النزاع، يؤدي انهيار البنية الأساسية للرعاية الصحية والاستعمال غير المحدود للمضادات الحيوية إلى انتشار البكتيريا المقاومة إلى ما هو أبعد من مناطق الأعمال العدائية المباشرة. وأحد أمثلة ذلك هو البكتيريا العراقية، أو الراكدة البومانية، وهي بكتيريا خارقة جلبها إلى المستشفيات الأمريكية الجنود المصابون الذين خدموا في العراق وأفغانستان. تصيب البكتيريا العراقية الجروح وتنتشر عبر مجرى الدم لتتسبب في مجموعة من المشاكل الطبية، ومنها تعفن الدم والتهاب السحايا وفقدان الأطراف والوفاة. وقد أدرجت دراسة نشرت عام 2022 في مجلة ذي لانسيت البكتيريا العراقية باعتبارها واحدة من أكثر 6 أسباب الأمراض فتكًا بين أسباب الأمراض المقاومة للأدوية. وهذه العوامل المسببة كلها مسؤولة عن ملايين الوفيات.

خلال الشهر الذي أمضيته في العراق، قضيت بعض الوقت بين أنقاض الموصل، معيدا الاتصال بمدينة ذكريات طفولتي ومولد أبي. يقال: إن معركة الموصل في 2016-2017 واحدة من أكثر العمليات العسكرية الحضرية دموية منذ الحرب العالمية الثانية -وهي مقارنة تنطبق بشكل مخيف أيضا على الهجوم الإسرائيلي على غزة. فعلى مدى 9 أشهر طويلة، قاتلت قوات الأمن العراقية بدعم من الولايات المتحدة لاستعادة المدينة من مقاتلي داعش. وشهدت المعركة، التي تميزت بقصف جوي مكثف، تحوّل مرافق الرعاية الصحية إلى ساحات قتال مركزية ومتعمدة. فتعرضت 9 من المراكز الطبية العامة الـ13 التي تخدم الموصل والمجتمع المحيط بها لأضرار بالغة.

سقتُ سيارتي ذات أصيل بجوار أنقاض مجمع مستشفى الشفاء، الذي كان في السابق هو الأكبر في المدينة. فحيثما كان يوجد مستشفى رئيسي هائل، لم أر غير قشرة. فقد كان الهيكل المقبور، الذي يكشف عن ألواح خرسانية وقضبان ملتوية، يقف على الضفة الغربية لنهر دجلة شاهدا كئيبا على الخسارة التي منيت بها المدينة. بعد مرور 6 سنوات على المعركة، لم تزل ندوب الحرب بادية في كل مكان. الأحياء التي محيت خلال الحرب لم تزل خربة. مستشفيات المدينة العامة كلها خراب، برغم جهود إعادة الإعمار، والعديد من العائلات النازحة لم تعد إلى ديارها بعد. والعيادات المحلية لا تزال تعاني من ضغوط شديدة، كما أن المعدلات مقاومة المضادات الحيوية من بين الأعلى في المنطقة. وتشكل مياه الصرف الصحي في الموصل ـ وهي مزيج خطير من النفايات السامة والحطام ـ تهديدا لمن يعانون بالفعل من مشاكل صحية.

لا يسلط تدمير الموصل الضوء على الأثر المادي المباشر للحرب فحسب، بل يسلط الضوء أيضا على مدى صعوبة إعادة بناء الخدمات الأساسية في أعقابها. فهو شاهد حي على أن أزمات الرعاية الصحية تنزع إلى مفاقمة بعضها بعضا، بما يُوجد بيئات خطيرة بشكل لا يصدق بعد فترة طويلة من توقف الأعمال العدائية.

وطغت محنة غزة على الدمار الذي شهدته في الموصل ومناطق الصراع الأخرى، بارتفاع معدلات الوفيات والإصابات إلى مستويات ما كان يمكن تصورها. وما بوسع سكان قطاع غزة، الذين تقطعت بهم السبل، في ما يرقى إلى ديستوبيا للصحة العامة، أن يهربوا، كما هو الحال في الصراعات الأخرى. في شمال غزة، أغلقت جميع المستشفيات تقريبا أبوابها بسبب نقص الكهرباء والصرف الصحي والمياه النظيفة والغذاء ومستلزمات الرعاية الصحية الأساسية. ويكافح الأطباء من أجل توفير الرعاية للشباب وسط عجوزات حادة. يواجهون إصابات غير عادية، مما قد يشير إلى تجربة أسلحة جديدة في الصراع، فضلا عن تعرضهم شخصيا للقتل. وحذر تقرير لمنظمة «أطباء بلا حدود» نشرته مجلة «ذس لانسيت» الطبية الشهر الماضي من أن مقاومة مضادات الميكروبات قد تكون كامنة باعتبارها «تهديدا صامتا» في القطاع. والأطفال الرضع يخضعون للرعاية بينما الدبابات والقناصة على أبواب المستشفى. والأدهى من ذلك كله أنه لا يبدو له من نهاية في الأفق.

منذ أن بدأت كتابة هذا المقال، وردت تقارير جديدة عن أمراض واسعة الانتشار تجتاح غزة. وكأن الدمار الجوي لم يكن كافيا، أدى الهجوم الإسرائيلي على غزة إلى تفجير قنبلة موقوتة على الصحة العامة. والأمر الحتمي واضح: لابد من إنهاء فوري للحرب، ولابد من ضخ مساعدات إنسانية كبيرة، ولابد من استعادة الخدمات الطبية والجراحية في غزة. ولا ينبغي للعالم أن يكتفي بالوقوف مشاهدا استهداف المرضى والمحتضرين، مهما تكن المبررات العسكرية.

عمر ديواتشي مؤلف كتاب «Ungovernable Life: Mandatory Medicine and Statecraft in Iraq». وهو عالم أنثروبولوجيا وطبيب في جامعة روتجرز.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الرعایة الصحیة فی العراق

إقرأ أيضاً:

منظومة الشكاوى تتلقي بلاغات بشأن الرعاية الصحية

تابع الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، حصاد جهود منظومة الشكاوى الحكومية المُوحدة بمجلس الوزراء، والجهات الحكومية المرتبطة بها، خلال شهر فبراير 2025، وذلك من خلال تقرير مُفصّل أعدّه الدكتور طارق الرفاعي، مدير المنظومة.

وأوضح الرفاعي انه بالنسبة  لمجال الأمن وما يرتبط به من خدمات، تلقت وتعاملت وزارة الداخلية مع أكثر من 12.9 ألف شكوى وبلاغ وطلب من خلال المنظومة خلال فبراير، تضمنت شكاوى تتعلق بالأمن العام، وطلبات تنفيذ وبلاغات متعلقة بجرائم الإنترنت، وأخرى خاصة بإدارات المرور والمخالفات المرورية وإصدار تراخيص المركبات بأنواعها، وغير ذلك. وقد قامت الوزارة وقطاعاتها المختلفة بحسم ما يقرب من 8 آلاف شكوى وطلب وارد خلال الشهر وفترات سابقة.

ولفت مدير المنظومة إلى أنه في إطار الاهتمام الكبير بشكاوى واستغاثات وطلبات المواطنين في مجال الصحة، قامت وزارتا الصحة والسكان والتعليم العالي والبحث العلمي والمستشفيات والجهات التابعة لهما، والهيئة العامة للرعاية الصحية، بالإضافة إلى اللجنة الطبية العليا والاستغاثات بمجلس الوزراء، ومستشفيات القوات المسلحة بالتعامل مع 10.6 ألف شكوى وطلب واستغاثة بقطاع الصحة من خلال المنظومة خلال فبراير.

وتضمنت موضوعاتها 3005 شكاوى واستغاثات طبية تطلبت تفاعلا سريعا ومنها؛ توفير أسرة رعاية للأطفال وكبار السن بمختلف التخصصات، وحضانات للأطفال الرضع المبتسرين، وتوفير العلاج لمرضى الأورام، وجراحات الأطفال بمختلف تخصصاتها، وجراحات القلب والمخ والأعصاب، والعظام والتجميل، والمناظير، والرمد. بالإضافة إلى المساعدة في توفير الأدوية لبعض الأمراض، وبعض حالات الأمراض المناعية. فضلا عن شكاوى تتعلق بنقص بعض الأدوية وعدم توافرها أو زيادة أسعارها أو انتهاء صلاحياتها، وشكاوى ادعاء سوء أو تواضع مستوى الخدمة الطبية المقدمة ببعض المستشفيات أو الوحدات الصحية، وطلبات من بعض المواطنين لمساعدتهم في تقليل قوائم الانتظار، وكذا تيسير إنهاء إجراءات العلاج على نفقة الدولة أو التأمين الصحي.

وأكد الدكتور طارق الرفاعي، من خلال التقرير، أنه في ضوء سعي الحكومة لمد مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل الأسر الأولى بالرعاية، وذلك من خلال زيادة حزم الدعم النقدي وبرامج التمكين الاقتصادي التي توفرها الدولة؛ تعاملت وزارة التضامن الاجتماعي مع 5.8 ألف شكوى وطلب وبلاغ من خلال المنظومة خلال الشهر، حيث أنهت الوزارة إجراءات إصدار وإعادة تفعيل 2827 كارت للأسر المستحقة ببرنامج الدعم النقدي المشروط "تكافل وكرامة". بالإضافة إلى إنهاء إجراءات إصدار 557 بطاقة خدمات متكاملة لذوي الهمم ممن تقدموا بشكاوى واستغاثات للمنظومة، كما تمت الاستجابة لعدد 194 مواطنًا تقدموا بشكاوى وطلبات للمنظومة بشأن طلب مساعدات عاجلة لظروف استثنائية.

وأضاف في الصدد ذاته: تمكن فريق التدخل السريع المركزي والفرق المحلية بوزارة التضامن الاجتماعي من إنقاذ عدد 37 مواطنًا بلا مأوى وإيداعهم بدور الرعاية الاجتماعية المختلفة، وتقديم تدخلات طبية لعدد 21 مواطنًا آخرين تمهيدًا لإيداعهم بدور الرعاية الاجتماعية. كما تمكن الفريق من إنهاء إجراءات الدمج الأسرى لعدد 11 طفلا وسيدة بلا مأوى، وتقديم وجبات غذائية لعدد 448 مواطنًا بلا مأوى، وتمكنت الإدارة العامة للدعم والتمكين بالوزارة من الاستجابة لعدد 87 مواطنًا من ذوي الهمم قد تقدموا بشكاوى للمنظومة خلال الشهر، وتلبية طلبات الحصول على أطراف صناعية لعدد 22 مواطنا، إضافة إلى توفير عدد 12 كرسيا متحركا وكهربائيا، والاستجابة لـ 7 مواطنين بشأن توفير سماعات طبية ومستلزماتها.

وتابع: في إطار الاهتمام بشكاوى أصحاب المعاشات من كبار السن والأرامل وذوي الهمم، كثفت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي جهودها للتعامل مع 2923 شكوى وطلبا؛ حيث قامت الهيئة بإنهاء إجراءات الصرف الفعلي للمستحقات التأمينية لعدد 663 مواطنًا من عملاء الهيئة ممن تقدموا بشكاوى واستغاثات عبر المنظومة. في حين انتهت الهيئة من ربط وتسجيل وتحديد دورية الصرف للمستحقات التأمينية لعدد 422 مواطنًا، بالإضافة إلى مراجعة وفحص عدد 833 ملفًا تأمينيا تبين ضرورة توجيه أصحابها لاستكمال المستندات المؤيدة للاستحقاق.

مقالات مشابهة

  • الإحصاء: ارتفاع أسعار قسم الرعاية الصحية بمقدار 27.0 % خلال عام
  • «الرعاية الصحية»: أكثر من 140 ألف مستفيد من حملة «رمضان بصحة لكل العيلة» حتى الآن
  • «الرعاية الصحية»: 140 ألف مستفيد من حملة رمضان بصحة لكل العيلة
  • الرعاية الصحية: أكثر من 140 ألف مستفيد من حملة «رمضان بصحة لكل العيلة» حتى الآن
  • الرعاية الصحية: اكتشاف 1200 حالة حرجة بمبادرة رمضان بصحة لكل العيلة
  • مدير الرعاية الصحية بالأقصر يتفقد مستشفى حورس
  • التعليم العالي: تعزيز الشراكة بين المستشفيات الجامعية والقطاع الخاص لتطوير الرعاية الصحية
  • الرعاية الصحية: الكشف على 110 آلاف منتفع ضمن حملة "رمضانك صحة"|صور
  • منظومة الشكاوى تتلقي بلاغات بشأن الرعاية الصحية
  • 200 مستفيد من خدمات «رحمة» لتعزيز الرعاية الصحية المنزلية في الشارقة