بفعل صدمة الدمار العشوائي للحرب النتنة لم نلتفت كما ينبغي إلى الخراب الثقافي تحت أدخنة هذه الحرب البلهاء .الحرب أصلا عدوٌ للثقافة.فهي فعل عدوانيٌ أحمق طارئ بينما الثقافة جهدٌ إبداعي تراكمي. بما أن هذه حرب عبثية عشوائية فقد خلت أحداثياتها من كل روح وطنية. ربما يحاول البعض اسباغ أحد الأنساق الثقافية مبررا للحرب ، من منطلق أنها عنفٌ منظم ضد الإستعلاء الإجتماعي -الثقافي -.
*****
في خضم انفجار الثورة الديسمبرية انفجر الخيال الشبابي عن ابداعات مبهرة على جبهات ثقافية عدة. ذلك الانفجار أعقب خمولاً كسولاً مترهلا إبان عهد الإنقاذ .ففي ظل النظام المتزمت جفّت منابع التحديث ،تيبّست عروق الخلق والابتكار فحلّ الاجترار بدل الإبداع . لعل التطريب أبسط أبرز الشواهد . حتى في فن المديح لجأ المنشدون لاجترار القصائد العتيقة بايقاعات الأغاني الخالدة في الذاكرة الجمعية .الحرب الهمجية لم تدمر فقط منصات الاجترار بل فقعت فقاعات التقليد والمحاكاة مثلما زادت عذابات من تبقى من الشعراء والمبدعين .هؤلاء حملوا على كواهلهم الموسومة بالصدق والشجاعة همَ شعبٍ ظل يبحث عن رجلين عناهما جبران في مقولته (الحق يحتاج إلى رجلين ؛رجل ينطق به وآخر يفهمه).بغية إخراج الشعب من هاوية بلا قرار.
*****
الحرب لم تطردك فقط من مسرح ذكرياتك بل جردتك من هويتك (مواطنا)لتصبح (لاجئا). الحي السكني حيث نشأت وتعرفت على ابنة الجيران في البيت عند ناصية الشارع ثم صارت زوجتك لم يعد على تلك السكينة الحميمة. بل توشّح بالخواء والخوف . بعدما سكت التلفاز عن الكلام ضاع الهاتف تحت الركام قبل انجرافك ضمن المغادرين كسيل يحفر مجراه للمرة الأولى في سهل منبسط. لو أن سجنا لايزال مغلقا على نزلائه لما اخترت الهروب الخجول الذليل إلى المجهول. لكن كل السجون كما الوطن فقدت بغتة ترف الأمان .فلا أحد يهجر البلد طالما توفر الإحساس بالاستقرار . واحسرتاه إذ انتهت الحرب بمصافحة بين الجنراليْن المزيفيْن بينما تلك العجوز تنتظر عودة ابنها الشهيد كما في شعر محمود درويش.
*****
معروف عبر التاريخ نشوب الحروب بين جماعات عدائية متباينة، لكن حربنا الفاجرة وقعت بين جماعتين حليفتين ينتميان إلى جزع واحد! مثل غيرها من الحروب الأهلية تزهق حربنا اللعينة الأرواح، تمزق نسيجنا الاجتماعي ، تفشي الأوبئة، تنفث ثقافة الكراهية ، تعطّل حركة التقدم ،تدمر الاقتصاد وتهدر فرص الأجيال في الحياة الكريمة. أكثر من ذلك إيلاما أنها تحدث شروخا شائهة في الصحة النفسية. هذه عاهات تستفحل تشوهاتهاكلما طال بنا الزمان في المنافي أو عدنا إلى البيوت الخراب. يا لله بقايا الجثث المنسية تزكم الأنوف مثلما كانت روائح الفساد في المدينة المظلومون أهلها. خلال فترة ليس مؤطر أوانها تظل العائلات تحتاج للنوم معا كما هو حال عائلات لازت بحي الرمال في غزة وفق تصوير الزميلة حنان أبو دغيم بحثا عن الدفء أو الموت الجماعي .
*****
قبل العودة -لابد للمرء ان يتفاءل كما قال لينين - علينا الاغتسال من درن الحرب ورمادها.كما علينا التطهر من كوابيس القتل ، النهب والاغتصاب وكل مشتقات العنف الممنهج والعشوائي إن أردنا الانتساب مجدداً إلى العالم المتحضر .قبل ذلك كله ينبغي تمزيق قاموس زمن الحرب المحشو بالغثاثة و الفجاجة حد الانحطاط .فمما يفاقم الأسى عدم تورع الفئة المستنيرة -المفترضة - عن ترديد مفردات الحرب الهابطة. وبعضها يتأصل في البذاءة مثل(البل ، بل بس والبلابسة ) ومنها (جقم والجقم و (الكوز) .كذلك التهليل والتكبير المفرغان من مضامينهما الروحي أذ يرددهما القاتل فوق جثة القتيل البريء والناهب السالب فوق رأس السليب المغدور المجرد. كما نحتاج إلى تنقية قاموس حياتنا اليومي من مفردات الحرب والتدمير من طراز تاتشر ودانة.
*****
في الحرب يدفن الأباء الأبناء كما يقول الشاعر الإسباني الشهير فيديريكو لوركا.لكن مدافع الحرب لا تخرس الابداع .فالشبان أصحاب الاعمال التشكيلية المنجزة في ميدان الاعتصام قادرون على انتاج لوحات مثلما فعل مشاهير من طراز بيكاسو وسلفادور دالي من وحي الحرب . لدينا روائيون وكتاب قصص لديهم قدرات على انتاج سرديات من وحي الأرض الخراب ومعاناة النزوح المعيشة على نحو جماعي وبطولات الثبات في وجه العنصرية المسلحة . عند استرداد منابر الإعلام والتنوير الواقعة تحت طائلة الاسكات القهري يمكن ازاحة قدر من الإحباط الجماعي المفروض تحت الإرهاب المسلح. بالتأكيد سنستعيد تأسيس مكتباتنا المحروقة ودور نشرنا المنهوبة . موعد الخلاص يأتي حتما لأنه حداء ملتقى النور والشرفاء بناة الغد ناشري ثقافة السلام و الحب والخير الجمال.
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
هيئة البيئة – أبوظبي تعزِّز ثقافة التطوُّع لدعم الجهود البيئية
تعمل هيئة البيئة – أبوظبي على تشجيع أفراد المجتمع للتسجيل في أحد برامجها التطوعية الأربعة، للإسهام في دعم الجهود الرامية إلى الحفاظ على البيئة وحمايتها، وضمان مستقبل مستدام للأجيال الحالية والمقبلة في الإمارة.
وقالت رشا علي المدفعي، مدير إدارة التوعية البيئية بالإنابة في الهيئة: «تؤمن هيئة البيئة – أبوظبي بأنَّ المسؤولية البيئية هي مسؤولية مشتركة، ونحن نسعى للوصول إلى مختلف فئات المجتمع مع التركيز على الجيل المقبل، ونسعى لتزويده بالأدوات والمعرفة اللازمة ليتمكَّن من فهم أهمية الاستدامة البيئية، والدور المهم الذي نؤدّيه معاً في ضمان بناء مستقبل مستدام».
وأضافت المدفعي: «على مدى السنوات الماضية، أطلقت الهيئة العديد من البرامج التطوعية التي تهدف إلى تحفيز السلوك البيئي الإيجابي للأفراد، والارتقاء بقدراتهم، وتعزيز معرفتهم وتوعيتهم بأهمية المساهمة في الجهود المبذولة للحفاظ على البيئة والتنوُّع البيولوجي الفريد الذي تحتضنه بيئتنا الطبيعية. مشيرةً إلى أنَّ برامج التطوُّع البيئي تندرج ضمن منصة (ناها) التي أطلقتها الهيئة، وتهدف إلى تحويل نوايا العمل البيئي إلى إجراءات ملموسة ومؤثِّرة، حيث توفِّر المنصة الفرص للشباب وأفراد المجتمع للانخراط في الأنشطة التي تحفِّز العمل من أجل تحقيق أفضل الممارسات المستدامة».
وفي إطار برنامج «مرشد» برعاية «توتال» للطاقة، الذي يهدف إلى إلهام وإشراك الشباب المهتمين بحماية البيئة، بدأت المرحلة الثانية من البرنامج، وهي مرحلة التطوُّع، حيث تمكَّن الطلاب المشاركون من إكمال 300 ساعة تطوُّعية في منتزه قرم الجبيل، وتنظيم الرحلات الميدانية خلال المؤتمر العالمي للتربية البيئية الثاني عشر، ما أضاف قيمة كبيرة للمؤتمر، وأظهر التزامهم تجاه البيئة.
ولتفعيل مزيدٍ من التواصل والتفاعل بين المشاركين، نُظِّمَت «خلوة في الطبيعة» في محمية الوثبة للأراضي الرطبة ومنتزه قرم الجبيل، وتضمَّنت أنشطة متعدِّدة مثل البحث عن الكنز، وبناء الفريق، إضافةً إلى جولات إرشادية قادها مراقبو منتزه قرم الجبيل الشباب لزملائهم في محمية الوثبة، حيث اختُتِمَت بتكريم المشاركين المتميِّزين.
يُنفَّذ هذا البرنامج بالتعاون مع مؤسَّسة الإمارات للتعليم المدرسي، ودائرة التعليم والمعرفة – أبوظبي، ويوفِّر فرصاً كافية لتقديم وتلقّي الإرشاد والتطوير القيادي، إضافةً إلى اكتساب الخبرة في التعليم البيئي، وتعزيز جهود الشباب المبذولة في مجال استعادة النُّظم البيئية. ويحفِّز البرنامج الشباب إلى التطوُّع ليكونوا مراقِبين بيئيين، من خلال تدريب مجموعة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عاماً من طلاب الحلقتين الثانية والثالثة في مدارس أبوظبي سنوياً، لفهم دور المراقِبين في حماية البيئة والمحافظة عليها.
ويهدف برنامج «المواطن الأخضر» إلى توفير الفرصة للمواطنين والمقيمين الشغوفين بالعمل البيئي في المجتمع، من خلال إشراكهم بشكل أكبر في حماية تراث إمارة أبوظبي الطبيعي. ونُظِّمَ لقاءٌ افتراضيٌّ للمتطوعين للترحيب بالأعضاء الجدد وشرح الأدوار والمسؤوليات، حيث تمَّ عرض خطة 2024، والتعريف بمنصة «ناها» وبرامج التوعية الخاصة بالهيئة. حضر اللقاء نحو 68 متطوّعاً، وشهد العام الجاري تنظيم خمس حملات تنظيف بمشاركة 281 متطوّعاً.
وشهد برنامج «الخبراء البيئيين»، الذي يهدف إلى إنشاء شبكة من الخبراء البيئيين من مختلف التخصُّصات والدول، ارتفاعاً في عدد الخبراء المشاركين ليصل إلى 287 خبيراً. وأُرسِلَت نشرات علمية للخبراء بمُعدَّل نشرة كلَّ شهر، ونظِّمَت ثلاث محاضرات علمية، وشارك خمسة خبراء في جلسة «اسأل خبير»، التي تهدف إلى تبادل المعرفة والخبرات في المجال البيئي.
يدعم هذا البرنامج مشاريع الهيئة وفعالياتها، ويستفيد من معارف وخبرات الخبراء المشاركين. وتشمل المسؤوليات المتوقَّعة من «الخبير الأخضر» عقد ورش عمل أو محاضرات، ومراجعة أو تقييم التقارير ودراسات الحالة، وتدريب المتطوّعين.
ويستهدف المجلس الأخضر للشباب، الذي أُطلِقَ في عام 2015 ضمن مبادرة الجامعات المستدامة، فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً. وتهدف هذه المبادرة إلى تعزيز دور الشباب وتمكينهم من المبادرة والمشاركة في العمل البيئي، ودعم تحقيق الرؤية البيئية بسرعة وبطريقة مبتكرة. يتيح المجلس الأخضر الفرصة للشباب ليصبحوا عناصر فاعلة وعوامل رئيسية للتغيير في المجتمع.
ويضمُّ المجلس الأخضر للشباب اليوم أكثر من 650 عضواً، ويجتمع أعضاؤه كلَّ ثلاثة أشهر لمشاركة الأفكار والحلول التي تسعى لمواجهة مختلف التحديات البيئية. ويتبع المجلس شكلاً فريداً واستباقياً للتثقيف البيئي عبر تشجيع الحوار المفتوح والتعلُّم المثمِر. يشار إلى أنَّ 232 عضواً كرَّسوا ما يزيد على 970 ساعة على مدى 60 فعالية منذ عام 2019، بما في ذلك المؤتمر العالمي للتربية البيئية، وأنشطة تنظيف الشواطئ في أبوظبي، والجلسات التثقيفية المباشرة حول مواضيع متنوّعة، مثل دعم تطبيق سياسة المواد البلاستيكية المستخدمة لمرة واحدة، وغيرها من المبادرات المجتمعية.