لجريدة عمان:
2025-04-28@12:48:24 GMT

نوافذ: هل تصنعُ «الورش» كُتابا!

تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT

تأثرتُ في سنوات دراستي الإعدادية بفتاتين تكبرانني في العمر، كانتا تكتبان نصوصا آسرة. ربما لأنّني شعرتُ آنذاك باستحالة أن أكتب شيئا مُماثلا لما تكتبانه، اللغة والخيال الساحر والحيل السردية، تلك الكتابة التي لم أكن أفطن أساليبها بوعي آنذاك، ولكن حدسي كان يؤكد لي الفوارق بيننا. لكنَّ الفتاتين المتمتعتين بقوة أدبية لافتة، انطفأتا بمجرد الزواج وإنجاب الأبناء، وانتهى بهما الأمر إلى انطواء شاحب!

ولستُ على يقين إن كان انقطاعهما مُتعلقا بالانطباعات الاجتماعية التي تصاحبُ المرأة الكاتبة! أو لأنّهما لم تتعاملا مع الكتابة باعتبارها مشروعا يكبرُ بالدأب والممارسة، لكن كل ما أنا متأكدة منه هو اختفاؤهما المبكر!

تذكرتُ الفتاتين عندما أعلن بيت الزبير إقامة ورشة خاصة للكتابة الروائية، فتقدم عدد جيد من الشباب رغم أنّها ورشة مدفوعة.

قلتُ في نفسي: «ثمة ما تغير في الوعي العام، فعندما شاركتُ في ورشة نجوى بركات -وتمخضت عنها روايتي «التي تعد السلالم» ٢٠١٤- شعرتُ بنبرة لوم متسائلة: «هل يمكننا تعلم الكتابة حقا؟!»، لاسيما وأنّ جيلنا والأجيال التي سبقتنا، غلفت الكتابة غالبا بنظرة رومانسية باعتبارها دفقة شعورية، لا يمكن أن تصبح محط نقاش قبل اكتمالها!

ولعليّ أسأل: هل يُولد أحدنا مُصابا بعلّة الكتابة فلا يجد نفسه خارجها؟ هل نشعرُ حقا بذبذبات صغيرة في رؤوسنا تدعونا لمجازفة من هذا النوع فلا يستقيم اتزاننا دونها؟ أهي رغبة كامنة فينا أم أنّها تنمو على مهل ومشقة فيما لو توفرت لها ظروف مناسبة؟

ألحت عليّ الأسئلة دون توقف، لكن استدعاء حادثة الفتاتين أحالني على أنّ الموهبة والإلهام والاستعداد الفطري أسباب أساسية لكنها غير كافية لصناعة كاتب جيد، فالكتابة شأن قابل للتعلم.

ولعليّ أطرح السؤال من وجهة نظر مناقضة: هل يمكننا صناعة كاتب جيد فيما لو وفرنا له جميع أسباب التعلم، لكن ليس بحوزته الحساسية الأولى للكتابة؟

في الحقيقة لا نستطيع تأكيد ذلك أو نفيه، لأنّ «الإلهام» أمر غير قابل للقياس على نقيض ما نخوضه من تجارب التعلم والدربة والمران. فالكاتب - كما يقول همنجواي- لا يولد متمتعا بالمعرفة لكنه يولد مفطورا على التعلم بصورة أسرع من غيره، يُذهل بالكلمات كأنّه يقرأها لأول مرة.

إنّ ادعاء معرفة جوهر الكتابة وإمكانية تعليمه للآخرين هو محض زيف! فلا أحد يستطيع أن يُعلم أحدا الكتابة! إنّها تجربة فريدة لا تحكمها قاعدة، ولو تتبعنا سير الروائيين لوجدنا أنّ كل واحد منهم غير مطابق للآخر في الميل وفي الأساليب وفي الطقوس، فالروائي الياباني كازو إيشوغورو، على سبيل المثال، لم يكن يذهب إلى الكتابة حتى تكون لديه خطة واضحة عمّا سيكتب -كما تشير بعض المقالات- فمسودة الرواية تأخذ منه عاما كاملا، أما بناء الشخصيات والمواضيع فتأخذ أكثر من ذلك، وهذا كله قبل الشروع في الكتابة الفعلية! بينما في حوار آخر يكشف بول أوستر بأنّه: «يبدأ نصوصه من الجملة الأولى ويشقّ بها طريقه إلى الجملة الأخيرة. فالفقرة هي الوحدة الطبيعية للكتابة ووحدة تكوين البناء. وشيئاً فشيئاً تتزايد الصفحات ببطء شديد حتى النهاية»، وبالتالي ليس لأحدنا أن يتبع طريقا آخر، ليس لنا إلا أن نسلك طريقنا الخاص في كل مرّة. ولذا أجد من الضروري ألا تطبعنا «ورش الكتابة» بطابع واحد وبرؤى واهمة. وأتفاجأ حقا ممن يُصدرون أنفسهم في مهمة من هذا النوع وكل ما يفعلونه هو تعليب الكتابة بأطر مدرسية جامدة!

هذا بالتأكيد لا يعني أن نبقى أسرى نظرة رومانتيكية تُمجد مخطوطاتنا دون فحص أو اشتغال.. فالعلاقة الفردية بالكتابة لا تمنع وضعها تحت مجهر السؤال، وغربلتها ومحوها إن تطلب الأمر، دون فقدان لأصواتنا الخاصة. فلا يمكن لأي ورشة جيدة أن تحرك الكاتب الخامد فينا، ما لم يكن لدينا سؤال عميق وتأمل لديناميكية النصّ وما يعتمل فيه.

ولعلي أسأل: لو قُدر للفتاتين الموهوبتين فسحة الانضمام إلى ورشة كتابة، فرصة الاحتكاك بتجارب أنضج، فسحة نمو مشروعهما بشكل مطرد، هل كان من الممكن أن يتغير مصيرهما الآن!

لعلي أجزم بأنّ الموهبة بجوار الممارسة غير كافيتين أيضا إذا لم يقترنا بالدوافع الداخلية العميقة، تلك التي تنبعُ من شعور عميق بأننا نفقد المعنى خارج الكتابة.

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

وزير الصحة: اهتمام كبير من الدولة بعلاج سرطان الأطفال

قال الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ، وزير الصحة والسكان، أن الاهتمام بملف سرطان الأطفال أمر مهم للغاية  على الرغم من التكلفة الكبيرة ولكنها تكلفة تستحق 

وزير الصحة يبحث تعزيز التعاون في الصحة الإنجابية وعلاج مرضى الأوراموزير الصحة يعقد اجتماعا لدراسة الوضع الراهن لاستهلاك أدوية بعض الفئات المرضيةاللجنة الفنية الاستشارية لوزراء الصحة العرب تعقد اجتماعها بالجامعة العربيةوزير الصحة : صرف مكافأة لجميع العاملين بمستشفى البنك الأهلي

وأضاف خلال  فعاليات ورشة عمل حول دور مصر في الانضمام إلى المبادرة العالمية لسرطان الأطفال،  أن الوزارة ستعمل خلال الفترة المقبلة علي زيادة أسرة الرعاية  والأسرة الداخلية في أقسام ومستشفيات الأورام المنتشرة على مستوى الجمهورية 

فعاليات  ورشة عمل حول دور مصر في الانضمام إلى المبادرة العالمية لسرطان الأطفال

وانطلقت فعاليات  ورشة عمل حول دور مصر في الانضمام إلى المبادرة العالمية لسرطان الأطفال،  برعاية وحضور الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان.

طباعة شارك وزارة الصحة وزارة الصحة والسكان الاورام سرطان الاطفال الاطفال

مقالات مشابهة

  • المجتمعات العمرانية تبحث دعم التصنيع المحلي لمهمات محطات المياه بالمدن الجديدة
  • مركز المستقبل.. منارة فكرية رائدة تصنع المعرفة وتستشرف آفاق المستقبل
  • وزير الصحة: اهتمام كبير من الدولة بعلاج سرطان الأطفال
  • الصين تصنع وأميركا تستهلك.. أبرز 7 فروق بين أكبر اقتصادين بالعالم
  • إبراهيم فايق عن تولي محمد يوسف والنحاس: المواقف المؤقتة أحيانا تصنع التاريخ
  • انطلاق البرنامج التدريبي على التعلم عن بعد باستخدام الذكاء الاصطناعي للأخصائيين النفسيين بالفيوم
  • التعليم ووتيرة عالم عدم اليقين
  • الكتابة للأطفال وجذب الانتباه بالصور والحبكة والأسلوب
  • خبيران في "أدب الطفل": الكتابة للأطفال تستلزم جذب الانتباه بالصور والحبكة والأسلوب
  • شرطة دبي تنظم ورشاً حول حقوق الملكية الفكرية