لجريدة عمان:
2024-12-26@16:48:06 GMT

نوافذ: هل تصنعُ «الورش» كُتابا!

تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT

تأثرتُ في سنوات دراستي الإعدادية بفتاتين تكبرانني في العمر، كانتا تكتبان نصوصا آسرة. ربما لأنّني شعرتُ آنذاك باستحالة أن أكتب شيئا مُماثلا لما تكتبانه، اللغة والخيال الساحر والحيل السردية، تلك الكتابة التي لم أكن أفطن أساليبها بوعي آنذاك، ولكن حدسي كان يؤكد لي الفوارق بيننا. لكنَّ الفتاتين المتمتعتين بقوة أدبية لافتة، انطفأتا بمجرد الزواج وإنجاب الأبناء، وانتهى بهما الأمر إلى انطواء شاحب!

ولستُ على يقين إن كان انقطاعهما مُتعلقا بالانطباعات الاجتماعية التي تصاحبُ المرأة الكاتبة! أو لأنّهما لم تتعاملا مع الكتابة باعتبارها مشروعا يكبرُ بالدأب والممارسة، لكن كل ما أنا متأكدة منه هو اختفاؤهما المبكر!

تذكرتُ الفتاتين عندما أعلن بيت الزبير إقامة ورشة خاصة للكتابة الروائية، فتقدم عدد جيد من الشباب رغم أنّها ورشة مدفوعة.

قلتُ في نفسي: «ثمة ما تغير في الوعي العام، فعندما شاركتُ في ورشة نجوى بركات -وتمخضت عنها روايتي «التي تعد السلالم» ٢٠١٤- شعرتُ بنبرة لوم متسائلة: «هل يمكننا تعلم الكتابة حقا؟!»، لاسيما وأنّ جيلنا والأجيال التي سبقتنا، غلفت الكتابة غالبا بنظرة رومانسية باعتبارها دفقة شعورية، لا يمكن أن تصبح محط نقاش قبل اكتمالها!

ولعليّ أسأل: هل يُولد أحدنا مُصابا بعلّة الكتابة فلا يجد نفسه خارجها؟ هل نشعرُ حقا بذبذبات صغيرة في رؤوسنا تدعونا لمجازفة من هذا النوع فلا يستقيم اتزاننا دونها؟ أهي رغبة كامنة فينا أم أنّها تنمو على مهل ومشقة فيما لو توفرت لها ظروف مناسبة؟

ألحت عليّ الأسئلة دون توقف، لكن استدعاء حادثة الفتاتين أحالني على أنّ الموهبة والإلهام والاستعداد الفطري أسباب أساسية لكنها غير كافية لصناعة كاتب جيد، فالكتابة شأن قابل للتعلم.

ولعليّ أطرح السؤال من وجهة نظر مناقضة: هل يمكننا صناعة كاتب جيد فيما لو وفرنا له جميع أسباب التعلم، لكن ليس بحوزته الحساسية الأولى للكتابة؟

في الحقيقة لا نستطيع تأكيد ذلك أو نفيه، لأنّ «الإلهام» أمر غير قابل للقياس على نقيض ما نخوضه من تجارب التعلم والدربة والمران. فالكاتب - كما يقول همنجواي- لا يولد متمتعا بالمعرفة لكنه يولد مفطورا على التعلم بصورة أسرع من غيره، يُذهل بالكلمات كأنّه يقرأها لأول مرة.

إنّ ادعاء معرفة جوهر الكتابة وإمكانية تعليمه للآخرين هو محض زيف! فلا أحد يستطيع أن يُعلم أحدا الكتابة! إنّها تجربة فريدة لا تحكمها قاعدة، ولو تتبعنا سير الروائيين لوجدنا أنّ كل واحد منهم غير مطابق للآخر في الميل وفي الأساليب وفي الطقوس، فالروائي الياباني كازو إيشوغورو، على سبيل المثال، لم يكن يذهب إلى الكتابة حتى تكون لديه خطة واضحة عمّا سيكتب -كما تشير بعض المقالات- فمسودة الرواية تأخذ منه عاما كاملا، أما بناء الشخصيات والمواضيع فتأخذ أكثر من ذلك، وهذا كله قبل الشروع في الكتابة الفعلية! بينما في حوار آخر يكشف بول أوستر بأنّه: «يبدأ نصوصه من الجملة الأولى ويشقّ بها طريقه إلى الجملة الأخيرة. فالفقرة هي الوحدة الطبيعية للكتابة ووحدة تكوين البناء. وشيئاً فشيئاً تتزايد الصفحات ببطء شديد حتى النهاية»، وبالتالي ليس لأحدنا أن يتبع طريقا آخر، ليس لنا إلا أن نسلك طريقنا الخاص في كل مرّة. ولذا أجد من الضروري ألا تطبعنا «ورش الكتابة» بطابع واحد وبرؤى واهمة. وأتفاجأ حقا ممن يُصدرون أنفسهم في مهمة من هذا النوع وكل ما يفعلونه هو تعليب الكتابة بأطر مدرسية جامدة!

هذا بالتأكيد لا يعني أن نبقى أسرى نظرة رومانتيكية تُمجد مخطوطاتنا دون فحص أو اشتغال.. فالعلاقة الفردية بالكتابة لا تمنع وضعها تحت مجهر السؤال، وغربلتها ومحوها إن تطلب الأمر، دون فقدان لأصواتنا الخاصة. فلا يمكن لأي ورشة جيدة أن تحرك الكاتب الخامد فينا، ما لم يكن لدينا سؤال عميق وتأمل لديناميكية النصّ وما يعتمل فيه.

ولعلي أسأل: لو قُدر للفتاتين الموهوبتين فسحة الانضمام إلى ورشة كتابة، فرصة الاحتكاك بتجارب أنضج، فسحة نمو مشروعهما بشكل مطرد، هل كان من الممكن أن يتغير مصيرهما الآن!

لعلي أجزم بأنّ الموهبة بجوار الممارسة غير كافيتين أيضا إذا لم يقترنا بالدوافع الداخلية العميقة، تلك التي تنبعُ من شعور عميق بأننا نفقد المعنى خارج الكتابة.

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ضبط متهم بإدارة ورشة لتصنيع الأسلحة النارية في بني سويف

أكدت معلومات وتحريات قطاع الأمن العام بمشاركة مديرية أمن بني سويف قيام (عامل له معلومات جنائية- مقيم بدائرة مركز شرطة بنى سويف)، بالاتجار في الأسلحة النارية والذخائر غير المرخصة وإدارة ورشة بمسكنه لتصنيعها وإصلاحها.

جرى استهداف وأمكن ضبطه، وبحوزته (بندقية خرطوش – 7 فرود محلية - عدد من الطلقات - مجموعة من  أجزاء وأدوات التصنيع).

مقالات مشابهة

  • استفادة 180 طالبا وخريجا من ورش "كتابة السيرة الذاتية" في المصنعة
  • "ملتقى البحوث التربوية" يفتح آفاقا جديدة لتحسين التعليم في عصر الرقمنة
  • ضبط متهم بإدارة ورشة لتصنيع الأسلحة النارية في بني سويف
  • كيف يقوّض شات جي بي تي الحافز على الكتابة والتفكير من خلال الذات؟
  • مدير تعليم الفيوم يتابع تدريب المدربين TOT بمركز مصادر التعلم بالمديرية
  • مدير تعليم الفيوم يتابع تدريب 20 معلما على TOT بمركز مصادر التعلم بالمديرية
  • مدرسة بلا كتب مدرسية، وبلا معلمين، وبلا أبنية!!
  • «الشارقة لصعوبات التعلم» يختتم فعاليات حملة توعوية وطنية
  • قمة المليار متابع تنظم 30 ورشة تدريب لإثراء خبرات صناع المحتوى
  • هل تبحث عن التعليم الذكي؟ إليك 5 منصات ثورية في التعلم وتحفيز الموظفين