لجريدة عمان:
2025-02-01@19:50:18 GMT

نوافذ: هل تصنعُ «الورش» كُتابا!

تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT

تأثرتُ في سنوات دراستي الإعدادية بفتاتين تكبرانني في العمر، كانتا تكتبان نصوصا آسرة. ربما لأنّني شعرتُ آنذاك باستحالة أن أكتب شيئا مُماثلا لما تكتبانه، اللغة والخيال الساحر والحيل السردية، تلك الكتابة التي لم أكن أفطن أساليبها بوعي آنذاك، ولكن حدسي كان يؤكد لي الفوارق بيننا. لكنَّ الفتاتين المتمتعتين بقوة أدبية لافتة، انطفأتا بمجرد الزواج وإنجاب الأبناء، وانتهى بهما الأمر إلى انطواء شاحب!

ولستُ على يقين إن كان انقطاعهما مُتعلقا بالانطباعات الاجتماعية التي تصاحبُ المرأة الكاتبة! أو لأنّهما لم تتعاملا مع الكتابة باعتبارها مشروعا يكبرُ بالدأب والممارسة، لكن كل ما أنا متأكدة منه هو اختفاؤهما المبكر!

تذكرتُ الفتاتين عندما أعلن بيت الزبير إقامة ورشة خاصة للكتابة الروائية، فتقدم عدد جيد من الشباب رغم أنّها ورشة مدفوعة.

قلتُ في نفسي: «ثمة ما تغير في الوعي العام، فعندما شاركتُ في ورشة نجوى بركات -وتمخضت عنها روايتي «التي تعد السلالم» ٢٠١٤- شعرتُ بنبرة لوم متسائلة: «هل يمكننا تعلم الكتابة حقا؟!»، لاسيما وأنّ جيلنا والأجيال التي سبقتنا، غلفت الكتابة غالبا بنظرة رومانسية باعتبارها دفقة شعورية، لا يمكن أن تصبح محط نقاش قبل اكتمالها!

ولعليّ أسأل: هل يُولد أحدنا مُصابا بعلّة الكتابة فلا يجد نفسه خارجها؟ هل نشعرُ حقا بذبذبات صغيرة في رؤوسنا تدعونا لمجازفة من هذا النوع فلا يستقيم اتزاننا دونها؟ أهي رغبة كامنة فينا أم أنّها تنمو على مهل ومشقة فيما لو توفرت لها ظروف مناسبة؟

ألحت عليّ الأسئلة دون توقف، لكن استدعاء حادثة الفتاتين أحالني على أنّ الموهبة والإلهام والاستعداد الفطري أسباب أساسية لكنها غير كافية لصناعة كاتب جيد، فالكتابة شأن قابل للتعلم.

ولعليّ أطرح السؤال من وجهة نظر مناقضة: هل يمكننا صناعة كاتب جيد فيما لو وفرنا له جميع أسباب التعلم، لكن ليس بحوزته الحساسية الأولى للكتابة؟

في الحقيقة لا نستطيع تأكيد ذلك أو نفيه، لأنّ «الإلهام» أمر غير قابل للقياس على نقيض ما نخوضه من تجارب التعلم والدربة والمران. فالكاتب - كما يقول همنجواي- لا يولد متمتعا بالمعرفة لكنه يولد مفطورا على التعلم بصورة أسرع من غيره، يُذهل بالكلمات كأنّه يقرأها لأول مرة.

إنّ ادعاء معرفة جوهر الكتابة وإمكانية تعليمه للآخرين هو محض زيف! فلا أحد يستطيع أن يُعلم أحدا الكتابة! إنّها تجربة فريدة لا تحكمها قاعدة، ولو تتبعنا سير الروائيين لوجدنا أنّ كل واحد منهم غير مطابق للآخر في الميل وفي الأساليب وفي الطقوس، فالروائي الياباني كازو إيشوغورو، على سبيل المثال، لم يكن يذهب إلى الكتابة حتى تكون لديه خطة واضحة عمّا سيكتب -كما تشير بعض المقالات- فمسودة الرواية تأخذ منه عاما كاملا، أما بناء الشخصيات والمواضيع فتأخذ أكثر من ذلك، وهذا كله قبل الشروع في الكتابة الفعلية! بينما في حوار آخر يكشف بول أوستر بأنّه: «يبدأ نصوصه من الجملة الأولى ويشقّ بها طريقه إلى الجملة الأخيرة. فالفقرة هي الوحدة الطبيعية للكتابة ووحدة تكوين البناء. وشيئاً فشيئاً تتزايد الصفحات ببطء شديد حتى النهاية»، وبالتالي ليس لأحدنا أن يتبع طريقا آخر، ليس لنا إلا أن نسلك طريقنا الخاص في كل مرّة. ولذا أجد من الضروري ألا تطبعنا «ورش الكتابة» بطابع واحد وبرؤى واهمة. وأتفاجأ حقا ممن يُصدرون أنفسهم في مهمة من هذا النوع وكل ما يفعلونه هو تعليب الكتابة بأطر مدرسية جامدة!

هذا بالتأكيد لا يعني أن نبقى أسرى نظرة رومانتيكية تُمجد مخطوطاتنا دون فحص أو اشتغال.. فالعلاقة الفردية بالكتابة لا تمنع وضعها تحت مجهر السؤال، وغربلتها ومحوها إن تطلب الأمر، دون فقدان لأصواتنا الخاصة. فلا يمكن لأي ورشة جيدة أن تحرك الكاتب الخامد فينا، ما لم يكن لدينا سؤال عميق وتأمل لديناميكية النصّ وما يعتمل فيه.

ولعلي أسأل: لو قُدر للفتاتين الموهوبتين فسحة الانضمام إلى ورشة كتابة، فرصة الاحتكاك بتجارب أنضج، فسحة نمو مشروعهما بشكل مطرد، هل كان من الممكن أن يتغير مصيرهما الآن!

لعلي أجزم بأنّ الموهبة بجوار الممارسة غير كافيتين أيضا إذا لم يقترنا بالدوافع الداخلية العميقة، تلك التي تنبعُ من شعور عميق بأننا نفقد المعنى خارج الكتابة.

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

"أصوات روائية عربية" في معرض الكتاب.. نقاش حول الكتابة والجوائز الأدبية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

استضافت القاعة الدولية ضمن فعاليات الدورة الـ56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب ندوة بعنوان "أصوات روائية عربية"، بمشاركة أربع كاتبات عربيات بارزات هن: الروائية اللبنانية علوية صبح، الروائية القطرية الدكتورة هدى النعيمي، الروائية المصرية مي خالد، والروائية الجزائرية الدكتورة هاجر قويدري. وقد أدار الندوة الإعلامي علاء أبو زيد.

في بداية الندوة، أكد أبو زيد على أهمية الأصوات النسائية في الساحة الأدبية العربية، مشيرًا إلى أن الكتابات النسائية تحمل مشروعًا مميزًا في السرد القصصي والرواية. وأوضح أن هؤلاء الكاتبات يتمتعن بقدرة على كشف عوالم الكتابة التي تعكس تجاربهن الثقافية والفكرية.

الإخلاص للكتابة والابتعاد عن السعي وراء الجوائز

من جانبها، تحدثت علوية صبح عن تجربتها في الكتابة، مؤكدة أنها تكتب بصدق دون التفكير في الجوائز، حيث يعتبر العمل الأدبي هو المعيار الحقيقي لنجاح الكاتب. وأضافت أنها تؤمن بأن الشهرة تأتي من خلال العمل نفسه وليس الجوائز، مشددة على أهمية الإخلاص للكتابة والابتعاد عن السعي وراء الجوائز. وأكدت الروائية اللبنانية أن الكتابة هي عمل شاق يتطلب إيمانًا حقيقيًا، مشيرة إلى أن الكاتب يجب أن يمتلك مشروعًا أدبيًا يعبر عن ذاته. وأوضحت أن النقد الأدبي كان في السابق مرجعية أساسية للكتّاب، إلا أن الجوائز الأدبية أصبحت تحل مكان النقد الصحفي في الوقت الحالي.

وأعربت علوية عن أملها في عودة "مؤتمر الرواية العربية" وجائزة القاهرة الأدبية، معتبرة أن جائزة القاهرة تتمتع بمكانة مرموقة ولها قيمة كبيرة في الساحة الأدبية العربية.

الجوائز الأدبية تخضع لذائقة المحكمين

أما الروائية القطرية الدكتورة هدى النعيمي، فقد أكدت أن الجوائز الأدبية تخضع لذائقة المحكمين، مشيرة إلى تجربتها كعضو في لجنة تحكيم جائزة البوكر. وقالت النعيمي إن الجوائز التي حصلت عليها كانت نتيجة لتخصصها العلمي، وليس عملها الأدبي فقط. كما استعرضت بداية رحلتها الأدبية في مصر التي فتحت أمامها العديد من الآفاق الأدبية والثقافية.

تفاعل الجمهور مع العمل الأدبي جائزة حقيقية

من جهتها، تحدثت مي خالد عن أول أعمالها الأدبية التي كانت مجموعة قصصية، مشيرة إلى أنها كانت مفاجأة لها حينما لاقت إعجابًا واسعًا من القراء. وقالت مي خالد إن تفاعل الجمهور مع رواياتها كان بالنسبة لها بمثابة جائزة حقيقية، خصوصًا وأن أعمالها لقيت استحسانًا من مختلف الطبقات الاجتماعية في مصر.

جوائز الأدب أصبحت جزءًا من المشهد الأدبي المعاصر

وفي ختام الندوة، تحدثت الدكتورة هاجر قويدري عن تجربتها في السعي وراء الجوائز، مؤكدة أن جوائز الأدب أصبحت جزءًا من المشهد الأدبي المعاصر، ورغم حصولها على جوائز، إلا أنها أكدت أن رحلتها الأدبية كانت ولا تزال تتعلق بالبحث عن النقد الجاد والدعم الفني الحقيقي لأعمالها.

واختتمت الندوة بتأكيد المشاركات على أهمية الكتابة بإخلاص وعدم التركيز على الجوائز كهدف أساسي، بل السعي وراء تقديم أعمال أدبية حقيقية تعبر عن الذات والثقافة.

مقالات مشابهة

  • معرض الكتاب 2025.. عرض تجارب الكاتبات بندوة «الإنتاج الإبداعي من رحم ورش الكتابة»
  • عرض تجارب في ندوة "الإنتاج الإبداعي من رحم ورش الكتابة" بمعرض الكتاب
  • خبراء يحذرون من مخاطر الكتابة غير اليدوية.. هذا أثرها على اللغة والذاكرة
  • ما جدوى الكتابة إن لم تترجم إلى أفعال؟
  • بيل غيتس يكشف عن سر العلاقة بين «حصاد المليارات» و«الكتابة»
  • ضربة روسية قوية تستهدف أوديسا الأوكرانية .. فيديو
  • الروائية القطرية هدى النعيمي: الكتابة النسوية تجاوزت الدفاع عن المرأة إلى تقديم رؤى أعمق
  • مشواري في مركز شباب الشعراء بدمياط
  • "أصوات روائية عربية" في معرض الكتاب.. نقاش حول الكتابة والجوائز الأدبية
  • إبداعات فتيات ورشة الكتابة الصحافة بملتقى أهل مصر للمحافظات الحدودية بالغردقة