سودانايل:
2025-01-30@23:02:24 GMT

القائد البرهان وصلته بالتيار الإسلامي السوداني

تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT

بسم الله الرحمن الرحيم

لا شك أن جملة ظروف قد ساهمت في تعميق هذه الأزمة التي يعيشها السودان الآن ، والتي قادت لتعثر التحول الديمقراطي الذي يشرئب إليه الوجدان الشعبي في أرض النيلين ، ومرد هذه الظروف والاختلالات هي هياكل حزبية واهية غارقة في الآثرة والفساد ، وقوة عسكرية غاشمة اعتادت التمرد على سحق الديمقراطية ، ومجتمع مدني ضعيف عرضة للتجاذبات والشحن ، وصحافة هشة تجعل من الخلافات موضوعاً لنضالها اليومي ، وأعداء باتوا هم من يرسموا الخارطة السياسية التي يلتزم بها المجلس العسكري، والنخب السياسية من خلفه ، فالنخب السياسية قبل حرب الخرطوم من دون استثناء، كانت تعاني أوضاعاً تتسمق بالجدب السياسي ، فهي فضلا عن ابتعاد آليات الديمقراطية عن نظمها التي تخلو من كل صيغة تمت للديمقراطية بصلة، أو تصل إليها بسبب، قد فشلت في حشد خطاب رصين يمحص أسباب هذه الأزمة ، ويضع الحلول للتعافي من عقابيلها ، فشعبها الذي لم تتحطم قناعاته على صخرة الواقع ، لم يسعى أن يحوز على قصب السبق في النضال بصفوفها ، لأنها لا تعرف النضال إلا في النكوص والارتكاس عن مبادئها ، ولا تجيد إلا التناحر الشديد بين أطيافها ، ولا تتقن إلا التودد والتجانس مع من يقود دفتها ، وإظهار الولاء لنهجه وشخصه مهما أمعن في الجور ، وغرق في ثنايا التطرف .


وظاهرة الولاء الأعمى معروفة لدى كل من خبر الأحزاب التي تمارس أنماط الطاعة، ولا تستسيغ أن يعبر المنتمين إليها عن رفض بعض سياساتها المرسومة إذا لاح خطلها ، كبعض الأحزاب الإسلامية التي تتوخى الطاعة العمياء في أديباتها ، فهناك كما نعلم أحزاباً إسلامية يستغرق دمج هذا المبدأ في ذهن العضو المنتسب إليها حديثا وقتاً طويلاً ، وهي لا تبغض شيئاً كما تبغض أن يناقشها هو في هذا الشأن ، عليه أن يتشابك ويتفاعل مع هذا الطرح دون تفصيل ، ونسيت هذه الأحزاب أو تناست أن مرونة الإسلام وقوته كانت تكمن في الخلاف وتعدد الآراء ، لأجل ذلك أبصرنا محصلة التقوقع والانكفاء في مصر والسودان ، فالتنظيمات المستقرة على الطاعة دون مناقشة حول مسارات الخطط والاستراتيجيات فيها ، نجدها ضاربة بعرض الحائط بأهمية التعبير عن الرأي وجدواه ، فهي لا تذعن إلا للطاعة العمياء ، وتجد أن الطاعة المفرطة أمراً لا مرد له ولا مندوحة عنه ، لأجل ذلك تكبدت في خاتمة المطاف خسائر فادحة لا يمكن تتداركها بين عشية وضحاها ، كخسارة الإخوان في مصر ، والمؤتمر الوطني في السودان ، ولعل من خطايا المؤتمر الوطني خلاف أنه رضخ للمشير البشير الذي سلب إرادة الحركة الإسلامية ، وطمس هويتها، أنه أيضاً لم يسعى لجمع شتات الحركة الإسلامية ، ففي تلك الأيام الحالكة من تاريخ الحركة الإسلامية إذا تم عرض هذا الموضوع على الطاولة من قرومها الذين سعوا إلى تغليب الصلح على الشقاق، ثارت أمامهم لجاجة الناقمين على الشيخ الترابي رحمه الله ورهطه ، وأطنبوا في سرد هذه المشكلات التي لم تحكم صنعتها ، أو تثبت صحتها.
إن الخلاف في وجهة نظرنا يتمحور في فئة أعرضت عن اللذة وأقبلت على الجد ، وقيادات في المؤتمر الوطني تجانفت عن الحق ، وركنت إلى الدنيا ، هذه القيادات هي التي بسطت بغض الشيخ بسطاً ، وفصلته تفصيلا ، إن الشيء الذي يفهمه الناس جميعاً ، كل الناس دون مشقة أو عسر ، أن الخلاف الذي وقع بين قطب الحركة الإسلامية وعرابها وبين المشير البشير ، قد تسبب في نفور العديد من أتباع الحركة ، مما أضعف من شوكتها ، والحركة التي اشتد نزيفها حينما أطنبت رموزها في التطرف والمغالاة ، أظهرها بمظهر غير متجانس، واضحت عبارة عن طبقات ، كل طبقة من هذه الطبقات تنكر بعضها بعضا، ولم تستوعب مغبة هذا الخلاف إلاّ عندما انتزع اليسار الحكم من أنيابها .

والشيء المؤسف بعد كل هذا ، أن الحركة الإسلامية لم تسعى أن تتخذ العبرة من تجربتها الطويلة في الحكم ، وأن تتعود على إلقاء اللوم على نفسها ، فهي عوضاً على أن تنكب على تجربتها وتسعى أن تعلل ما ورد فيها من خير أو شر ، نجدها بأصولها وجوهرها، قد ساهمت في السراب الديمقراطي الذي كنا ننعم به، قبل أن يتحول هذا السراب إلى هيجاء مستعرة لا تأصرها آصرة، في قلب الخرطوم لتنتقل بعدها إلى غرب السودان، ثم في وسطه هذه الأيام، فها هي الجزيرة الخضراء تتكالب عليها مليشيا الدعم السريع المدعومة من بعض الدول الاقليمية.
ومما لا يند عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن المجلس العسكري بقيادة الفريق أول البرهان الذي كان مضطرا أن يتعاون مع الحركة الإسلامية على كره ومضض، كانت الوقائع والأحداث تنذره من حين إلى حين، أن يبقي على علاقته مع الحركة الإسلامية حميمة غير فاترة، فالبرهان رغم اعترافنا بأنه حتى كتابة هذه السطور، لم يعتمد على الحركة بصورة كلية، أو يثق بها، أو يطلب إليها أن تسبغ عليه من ألمعية عقلها، وحدة ذهنها، إلا أنه كان كلما فرغ من معركة من معاركة الحامية مع قوى الحرية والتغيير إلتفت إليها. ونظر إذا كانت الحركة الإسلامية فرحة مبتهجة بما سلكه من تدابير، أم هي عابسة مقطبة الجبين، وفي الحق أن كاتب هذه السطور ما زال يسعى لتحديد كنه العلاقة بين الفريق أول البرهان الذي انطلق وجهه بعد عبوسه، خاصة بعد أن أزاح شذاذ الآفاق من طغام الحرية والتغيير، ونائبه وغريمه حميدتي عن سدة الحكم، وبين الحركة الإسلامية التي يعتقد الكثير ممن هم منضوين تحت لوائها، أن البرهان قد استأثر بخيرها في عهد المشير البشير، ثم تنكر لها وجحد فضلها، بعد أن دانت له الأمور، والحركة الإسلامية التي أيقنت أن من الخطل أن تطمئن إلى البرهان، بعد أن أحاطت بلوذعية الرجل ومكره، فلم تعد تأخذ نفسها بما يجتره من عهود، فقد أدركت كما أدرك غيرها من الأحزاب السياسية، أن الرجل الذي يشنف مسامع الناس بأحاديث في هذا اليوم، ويعلن التزامه بوعود يقطعها لهم، حتى إذا أتى اليوم التالي وانتصف ذلك اليوم، جحد ما قطعه من وعود، وتنصل مما نطق به من عهود، وهزء كتفيه غير مباليا بما يغتلي في وجدانك، بل يظهر لك في وضوح وسفور أن الأمر سيان عنده إذا ازدرت هذا النكران وهضمته، أم ناهضته واستهجنته، حسنا هذا هو سحر البرهان إذن، عقل راجح، ومزاج معتدل، ورغبة محتدمة في مصاولة الأذكياء، لأجل هذا أبصرناه يزداد قوة وتسلطاً كلما تقدمت الأيام، وأن قبضته المحكمة على صولجان السلطة رغم حجم المتهافتين عليها ما زالت جذعة قوية ، إن الواقع من الأمر على كل حال ، أن الكثير ما زال يرى أن الفريق أول البرهان امتدادا للمؤتمر الوطني، فقد كان من ضمن القيادات الرفيعة في الجيش التي تحيط بالبشير، هؤلاء ومن ضمنهم أنا ننظر إلى البرهان ومجلسه العسكري، بأنه لم يحترم رغبة هذا الشعب في أن يعيش حياة جديدة، يتحرر فيها من ملق الفاقة ، وأوهاق المنية ، وأغلال الذل، ورسف العبودية ، حياة تشوبها الثقة والأمانة، في حاكم ليست الغلظة والشدة في طبعه ولا سنخه ، حياة لا تتحكم في تفاصيلها دولاً مجاورة أظهرت ضجرها من الخلق والعرف والدين، ورغم يقيني بأن الحركة الإسلامية لا تكلف بالبرهان كلفاً شديداً ، ولا تطمئن إليه كل الاطمئنان، لأنه لم يعترف على نفسه بفضل الحركة عليه ، ولأنه لم يحرر أقطاب حزبهم من سجونهم، إلاّ أنها تمنحه بعد كل هذا ما كانت تمنحه للبشير من دعم وأيد، فهي تعلم أن التجزئة تقبل مسرعة غير متمهلة ، وأن السودان بعد طوفان عرب الشتات، وسعيهم لنيل الحكم عنوة، قد دنا من الموت، أو دنا الموت منه، وأنّ العاصم من موته من بعد الله سبحانه وتعالى ، المؤسسة العسكرية التي يعتليها بكل أسف قائد هو أساساً للمأساة، ونائبه الذي فرضته الظروف وأنشأته الوقائع، فهذين الرجلين بتكالبها على الحكم، وتنافسهم فيه، قد انتهيا بنا إلى ما نحن فيه من ضعف واعياء ومصير قاتم.
د. الطيب النقر

nagar_88@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة

إقرأ أيضاً:

أبو الطيب البلبوسي يناشد البرهان!!

من غراٸب أحوال القحاطة (الله يكرم السامعين) إنَّهم هم مَن أدخل مفردة (البل) في أدبيات السياسة السودانية، عندما هتفوا حتِّیَ شرخوا حلاقيمهم (الحل فی البل) وقالوا (بل بس)،ثمَّ لمَّا دارت الداٸرة عليهم بعد إشعالهم حربهم الغادرة للإستيلاء علی السلطة بإنقلاب تنفذه لهم بندقية المليشيا،ثُمَّ سارت الأمور علی غير ما يشتهون، أطلقوا نداء (لا للحرب) ثمَّ أطلقوا علی كل من يخالف هواهم لقب (البلابسة) إدماجاً لكلمتی (بل بس)، ويُلاحَظ إن كلمة(بس) من إنتاجهم أيضاً عندما راج شعار فورتهم الماجيدة (تسقط بس).

وعندما سقطت، وسقطوا جميعاً فی درك العمالة السحيق، جاءهم الإطاري مِن أولياء نعمتهم من خارج البلاد بعدما طافوا بالسفارات، سفارة سفارة، وقبَّلوا حِجَارة الدعم السريع بوت بوت،ثُمَّ قالوا إمَّا الإطاري وإمَّا الحرب، وبقية القصة تحتاج إلیٰ مجلدات.

وحتَّیٰ لا (نَعَصِر) علی القحاطة، ولا نظلم (البلابسة) الذين سبقهم علی عبارة (بل بس) الشاعر الكبير أحمد إبن الحسين الشهير بأبي الطيب المتنبي، في قصيدته التي يُواسي فيها سيف الدولة الحمدانی، ويقول في مطلعها:-

-لا يُحزِنُ الله الأمير فإنني سآخذ من حالاته بنصيبِ.

-ومن سَرَّ أهل الأرضِ ثمَّ بكیٰ أسیً بكیٰ بعيونٍ سَرَّها وقلوبِ.

-إلیٰ أن يقول:-

فَتى الخَيلِ قَد { بَلَّ } النَجيعُ نَحورَها يُطاعِنُ في ضَنكِ المُقامِ عَصيبِ.

يَعافُ خِيامَ الرَيطِ في غَزَواتِهِ فَما خَيمُهُ إِلّا غُبارُ حُروبِ.

عَلَينا لَكَ الإِسعادُ إِن كانَ نافِعاً بِشَقِّ قُلوبٍ لا بِشَقِّ جُيوبِ.

فَرُبَّ كَئيبٍ لَيسَ تَندى جُفونُهُ وَرُبَّ كَثيرِ الدَمعِ غَيرُ كَٸيبِ.

تَسَلَّ بِفِكرٍ في أَبيكَ فَإِنَّما

بَكَيتَ فَكانَ الضِحكُ بَعدَ قَريبِ.

إِذا اِستَقبَلَت نَفسُ الكَريمِ مُصابَها بِخُبثٍ ثَنَت فَاِستَدبَرَتهُ بِطيبِ.

وَلِلواجِدِ المَكروبِ مِن زَفَراتِهِ سُكونُ عَزاءٍ أَو سُكونُ لُغوبِ.

وصدق قولُ أبي الطيب (البلبوسي) إذ رأينا رجال القوات المسلحة وقد (بلَّ) النجيع، أی الدَّمُ الطري، صدورهم ورأينا الجَرحیٰ عند زيارة القاٸد العام لهم، فإذا هم (جرحیٰ يضمدون جراح القلب والنفس) بمعنوياتهم العالية وتَحَرَّقِهُم الظاهر للعودةِ إلیٰ ساحات الفداء ليدحروا العدو ويسحقوا العملاء، وقد كانت جولة البرهان (كوم) وتفقده للمصابين فی المستشفی العسكري (كوم تاني).

سعادة القاٸد العام، لقد أذقتَم العدو من بأسِ الجندي السوداني ما جعل جميع دول الإستكبار، وتوابعها، يسعون لجلب العدو إلیٰ ماٸدة (تفاوضٍ غير مُرحبٍ به) من جموع الشعب السودانی فلا تُفاوِض فشعار الشعب (لا تَفاوُض، بل بس) لا تهدر وقتك، ولا تغبر قدمك فی ما لا طاٸل من وراٸه ولا تطع كل أفَّاك زنيم منّاعٍ للخير مُعتَدٍ أثيم، وإن كان (أبيض الوجه) ونذكركم بما قاله أبو الطيب البلبوسي:-

-وما كلُّ(وَجْهٍ أبيضٍ) بمُباركٍ، ولا كُلُّ جَفْنٍ ضَيِّقٍ بِنَجيبِ.

الحل فی البَلْ بسْ،اللهم أحَيِنِي بلبوسي وأحشرني في زمرة البلابسة، الذين يجاهدون فی سبيل أن تكون راية لا إلٰه إلَّا الله عالية خفاقة.

-النصر لجيشنا الباسل.

-العزة والمنعة لشعبنا المقاتل.

-الخزي والعار لأعداٸنا، وللعملاء.

محجوب فضل بدري

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الخروج من صفوف المليشيا.. البرهان يلتقي وفد تنسيقية قبيلة السلامات
  • بالأسماء.. الفصائل المسلحة التي «حلّت نفسها» وشاركت بـ«مؤتمر النصر» في سوريا
  • القائد العسكري عصمت العبسي: لقد سقط صاحب صيدنايا صاحب المكابس التي قتل فيها أحبائنا ولم يكن هذا النصر لولا اعتصامنا ووقوفنا خلف القائد أحمد الشرع في لحظة إعلان المعركة.
  • بالصورة والفيديو.. قبل أيام من اغتياله.. شاهد اخر خطابات “موسى” شقيق القائد الميداني للدعم السريع”جلحة” (الشعب السوداني واقف مع الجيش والكلب بدور خناقو)
  • بعد رفض السيسي مجددا تهجير الفلسطينيين.. مصطفى بكري: هذا هو القائد الذي لا يخشى في الحق لومة لائم
  • يوسف عزت يهاجم قيادي في الدعم السريع ويهدد ..”غواصة الحركة الإسلامية قادر ان أقول له جر”
  • في قبضة الجيش السوداني.. عربة مدرعة ومنظومة حرب إلكترونية وتشويش على الطائرات المسيرة للدعم السريع
  • المدير الأكاديمي للمركز الإسلامي المسيحي في زيارة لجناح المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
  • عاجل | مصادر للجزيرة: الشرطة الإسرائيلية تعتقل الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية بعد دهم منزله في أم الفحم
  • أبو الطيب البلبوسي يناشد البرهان!!