الجمهوريون والتراجع من الفكر إلي السياسة
تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT
أن الأستاذ محمود محمد طه الذي بدأ مشوار رسالته الفكرية بالوقوف ضد سياسة المستعمر، و كان قد أعلن موقفه الواضح بوجوب خروج الاستعمار من البلاد، و سجن من قبل المستعمر و طلب منه أن يغير موقفه الوطني، و الهدف أن يضعفوا القاعدة الصلبة التي كان يقف عليها، و ظل صامدا متمسكا بالموقف، و أراد الاستعمار أن يكسر داخله العزيمة، و لكن بصبره و جلده هزم فكرة الاستعمار بموقف وطني خالص، بدأ الأستاذ يجود منهجه بالتحول من الموقف السياسي إلي الإنتاج الفكري، و فهمه للقرآن برؤىة جديدة مغايرة للتي كانت سائدة في البلاد، و من خلال الموقف الفكري استطاع أن يحلل مجريات العمل السياسي، داخل السودان و خارجه.
كان عهد مايو بمثابة العهد الذهبي للجمهورين، حيث استطاعت مجموعات الجمهوريين التي كانت تطوف وسط الخرطوم و الجامعات، و تلتقى بالناس و تحاورهم برسالة الأستاذ محمود محمد طه، لا تجد أية مضايقات من نظام مايو أو أجهزة أمنه، بل كانت تعتقد حركة الجمهورين وسط الخرطوم تحسين صورة للنظام، و أن الناس تمارس الحرية بصورة واسعة، و دلالة على ذلك؛ طواف تلك المجموعات دون أن تتعرض لها الأجهزة الأمنية. كان الحوار فكري يطال النخب و ليس العامة، فالحوارات الفكرية.. كانت أجهزة الأمن تعتقد أنها لا تؤثر سلبا على مستقبل النظام، مادام سواد الشعب غير مشغول بها، رغم أن الحوار الفكري يغير القناعات الراسخ بقناعات جديدة، و هي التي تحدث التغيير مستقبلا. و عندما أعلن الرئيس النميري قوانين الشريعة في سبتمبر 1983م، كان امتحان للأستاذ محمود محمد طه أن يؤيد و يعد تنازلا عن رؤاه الفكرية، أو يصادم الفكرة بقوة انتصارا لأفكاره، و اختار الثانية أن يصادم إثباتا للرؤية الفكرية، الصدام الذي أوصله إلي حبل المشنقة. رحل الأستاذ محمود محمد طه و ظلت الفكرة باقية، و قد وصلت الفكرة إلي العديد من المؤسسات الأكاديمية في مجال الفلسفة و أصول الفقه، خاصة في العراق و تونس و المغرب و البنان و إيران حتى المؤسسات الفكرية في أوربا باعتبارها تمثل تيارا فكريا إسلاميا يحمل رؤية جديدة مغايرة.
أن الحملة الشديدة التي طالت العديد من قيادات الجمهوريين، و محاولات الضغط على البعض في حملات الاستتابة، قد أضعفت الجانب الفكري، الذي لم يشهد بعد رحيل الأستاذ أي رؤى جديدة، غير مجهودات الدكتور عبد الله النعيم في التشريع القانوني، و هناك بعض الاتهامات موجهة إليه من قبل عدد من الجمهوريين بإنها انحرفت عن مسار الدعوة، و قد اتهمه خالد الحاج عبد المحمود بالتجني على الإسلام يقول له في مقالات كان قد كتبها و نشرت في عدد من الصحف السودانية الالكترونية يقول ( مضى وقت طويل، لم نتعرض فيه للدكتور النعيم و هرطقاته.و طوال هذا الوقت ظل هو من جانبه مستمرا في التجني على الإسلام و على الفكرة الجمهورية .. و هذا وضع طبيعي فأمره ليس في يده !!و التوقف يحرمه الكثير مما يعزه، و جعل حياته وقفا عليه!!) و يعتقد خالد الحاج أن الدعم الكبير الذي وجده الدكتور النعيم من مؤسسة "فورد فونديشن الأمريكية" لها أثر في تلك الكتابات. و في الجانب الأخر؛ نجد أن أغلبية الجمهوريين لم يضيفوا شيئا للفكرة، رغم تقلبات الأحداث داخل السودان و خارجه، إلا القليل كاجتهادات فكرية فردية، و أصبحت الأغلبية تشتغل بشرح متون الفكرة. و تجد هناك إضافات جديدة من خلال فهم الفكرة و شرحها و علاقتها بالعديد من القضايا الاجتماعية و السياسية في كتابات الدكتور عبد الله الفكي البشير " أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية و محمود محمد طه و قضايا التهميش في السودان .. المؤسسات الدينية تغذية التفكير و الهوس الديني.. محمود محمد طه و المثقفون.. إضافة إلي عدد من المحاضرات" و الدكتور البشير يركز في تحليلاته على فكر الأستاذ دون الولوج إلي المناكفات السياسية. و أيضا كنت متابعا للراحل الدكتور حيدر الصافي؛ الذي كان حقيقة ينطلق من قاعدة فكرية ليبرالية، رغم قناعته الكاملة بفكر الأستاذ، لذلك كان واسع الصدر لا يميل للعنف الفظي أو التجريح، كان يعتقد أن التحول الديمقراطي قضية تحتاج لجمع أكبر قاعدة أجتماعية و حوار فكري شفاف بين القوى السياسية، و هو تجسيد لفكرة الأستاذ محمود من خلال الممارسة، أي أن تتعامل مع الناس من خلال الفكر الذي يفضي للحوار، و معروف أن الحوار يقرب المسافات بين المختلفين و يؤسس قاعدة للثقة.
لكن في جانب أخر: نجد أن الدكتور القراي و الدكتور النور حمد لا ينطلقان من القاعدة الفكرية الحوارية للأستاذ، أصبح لهم حالة نفسية من كلمة " الإسلاميين" و هي حالة تفقدهم الموضوعية، لأنها تؤسس على ردة الفعل في اصطياد أي رؤية تحاول ان تتعامل مع الواقع السياسي بموضوعية، و أن الانفعال السياسي يغيب الفكرة، و تصبح العملية الاستقطابية هي المؤثر الفاعل، الأمر الذي يغيب الموضوعية في الخطاب. و السؤال هل حالة الانفعال عند القراي تعتبر محاولة لتحوير جديد لفكرة الأستاذ؟. رغم أن الجمهوريين موصومين بإتساع الصدر و تجذير الفكر في الخطاب بعيدا عن شطوحات السياسة الانفعالية.
أن الدكتور القراي أصبحت كلمة " الإسلاميين" تثير حفيظته، و تخرجه من دائرة " الفكر و ثقافة تعاملاته" إلي ثقافة سياسية تتحول و تتبدل وفقا للتغيرات التي تحدثها تعاقب الأحداث، الأمر الذي يجعله أقرب للشعارات السياسية التي لا تحدث تغييرا في مجريات الأحداث، و لا تغييرا في اتجاهات العامة، و هو صراع خطابي ليس له جانب إيجابي في قناع المجتمع، لأنها قراءة الحظة، و التي تنتهي بإنتهاء القراءة. الأمر الذي يفرض سؤلا: هل الفكر الجمهوري قد تنازل عن مساحات الفكر إلي الهياج السياسي المحكوم بالمصالح الوقتية؟. أما أن قيادات الجمهورين نفسها لم تفهم فكر الأستاذ؟ إذا أعدنا النظر إلي ما قبل سبتمبر 1983م نجد أن الأستاذ لم يكن مهموما بالصراع الوقتي في السياسة رغم نقده لها من خلال الفكرة، بل كان مهموما أن يضع الأعمدة الأساسية و الجوهرية التي تؤسس عليها الفكرة، لأنها أداة تغيير شامل للمجتمع، و ليست مرتبطة بمصالح للنخب، أو حتى نفر من الشعب بل مرتبطة بالمجتمع كله. هذا التحول الذي يحدث الآن من غياب الفكرة إلي الجدل السياسي الذي تحكمه الرغائب سوف يهزم الفكرةكليا، و يصبح الجمهوريين غدا لهثا وراء المحاصصات. نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الأستاذ محمود من خلال
إقرأ أيضاً:
الحصاد |وزير الثقافة: عام 2024 كان غنيًا بفعاليات تعزيز الثقافة الوطنية وتنمية الفكر المصري
وزير الثقافة: عام 2024 كان غنيًا بفعاليات تعزيز الثقافة الوطنية وتنمية الفكر المصري
أعلنت وزارة الثقافة المصرية عن حصاد إنجازاتها لعام 2024، والتي حرصت الوزارة أن تشهد تلك الفعاليات والأنشطة حالة من التنوع والثراء وأن يتم تقديمها للمجتمع المصري بمختلف شرائحه العمرية والمجتمعية في كافة أرجاء الوطن. وقد شهد العام 20٢٤ مجموعة من الإنجازات التي تُمثل حجر الزاوية في الجهود المستمرة لتقديم خدمة ثقافية متكاملة للجمهور.
د.أحمد فؤاد هنو: مستمرون في جهود التطوير الثقافة ودعم الموهوبين والمبدعين
وفي هذا الصدد، قال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، إن عام 2024 كان عامًا حافلًا بالفعاليات التي أسهمت في تعزيز الثقافة الوطنية وتنمية الفكر المصري، مشيرًا إلى أن الوزارة حققت أهدافًا ثقافية بارزة عبر قطاعاتها المنتشرة في الجمهورية، استكمالًا لمنهجية الدولة المصرية وتوجيهات فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي و "رؤية مصر 2030".
وأوضح الوزير أن الوزارة قامت بافتتاح أربع مواقع ثقافية جديدة تشمل "مكتبة مصر العامة بأسوان، مسرح فوزي فوزي بأسوان، المسرح الصيفي بمدينة الطور في جنوب سيناء، وقصر الإبداع الفني بـ 6 أكتوبر". كما تم تنفيذ أكثر من 120 ألف نشاط ثقافي متنوع، استفاد منها أكثر من 11 مليون مواطن في مختلف أنحاء الجمهورية، مع التركيز على تقديم حوالي 25 ألف فعالية في قرى "حياة كريمة" والمناطق الحدودية.
وأشار الوزير إلى أن العام شهد أيضًا تنظيم أكثر من 30 مهرجانًا دوليًا ومحليًا، حيث تم توقيع العديد من بروتوكولات التعاون مع الوزارات والمؤسسات الثقافية في مصر وخارجها. ومن أبرز الإنجازات الثقافية، إصدار حوالي 1200 عنوان جديد في مجالات النشر المختلفة، وتنظيم أكثر من 8000 ليلة عرض مسرحي وسينمائي وغنائي، بالإضافة إلى أكثر من 1000 نشاط للمسارح المتنقلة في المحافظات.
وأضاف وزير الثقافة أن الوزارة اهتمت أيضًا بإطلاق أكثر من 60 مسابقة لاكتشاف المواهب ودعم ذوي الهمم، بالإضافة إلى تنظيم ما يقارب من 2500 معرض متنوع للكتاب والفنون التشكيلية والحرف التراثية. وأكد على نجاح الوزارة في إنتاج أكثر من 500 عمل إبداعي جديد ما بين مسرحي وتوثيقي واستعراضي، بما في ذلك عروض ضمن مشروع "مسرحة المناهج" الذي يستهدف تبسيط المناهج الدراسية بصورة شيقة.
كما نوه الوزير إلى أن الأنشطة الثقافية التي تم تنفيذها طوال العام كانت متنوعة وشملت العديد من الفعاليات التي تجمع بين التراث العريق والإبداع المعاصر، حيث تم تنفيذ مهرجانات أدبية وفنية وورش عمل تدريبية وندوات فكرية تهدف إلى تعزيز قيم التسامح والانفتاح. وتابع بأن الوزارة اهتمت بتوسيع نطاق هذه الفعاليات لتشمل جميع محافظات مصر، لضمان مشاركة المجتمع المصري في الحركة الثقافية وتعزيز هوية المجتمع.
وأكد الدكتور أحمد فؤاد هنو استمرار الوزارة في جهودها لتطوير الثقافة في مصر ودعم الموهوبين والمبدعين من جميع الفئات، خاصة الشباب وذوي الهمم، مشيرًا إلى أن الوزارة ستواصل مد جسور التعاون مع الوزارات والمؤسسات المعنية داخل وخارج مصر لتحقيق الأهداف الثقافية المرجوة.
مشيرًا إلى أن وزارة الثقافة المصرية تستهدف أن تظل الثقافة أداة رئيسية لتعزيز التنمية المستدامة والارتقاء بالمجتمع المصري على كافة الأصعدة، مؤكدًا أن الوزارة تتطلع إلى مزيد من الإنجازات في العام المقبل بما يتماشى مع تطلعات القيادة السياسية في بناء الإنسان المصري