سودانايل:
2025-03-03@09:15:16 GMT

الجمهوريون والتراجع من الفكر إلي السياسة

تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT

أن الأستاذ محمود محمد طه الذي بدأ مشوار رسالته الفكرية بالوقوف ضد سياسة المستعمر، و كان قد أعلن موقفه الواضح بوجوب خروج الاستعمار من البلاد، و سجن من قبل المستعمر و طلب منه أن يغير موقفه الوطني، و الهدف أن يضعفوا القاعدة الصلبة التي كان يقف عليها، و ظل صامدا متمسكا بالموقف، و أراد الاستعمار أن يكسر داخله العزيمة، و لكن بصبره و جلده هزم فكرة الاستعمار بموقف وطني خالص، بدأ الأستاذ يجود منهجه بالتحول من الموقف السياسي إلي الإنتاج الفكري، و فهمه للقرآن برؤىة جديدة مغايرة للتي كانت سائدة في البلاد، و من خلال الموقف الفكري استطاع أن يحلل مجريات العمل السياسي، داخل السودان و خارجه.

لذلك شكل مرجعية فكرية يختلف معها الناس أو يتفقون معها، و كانت تجرهم لحوار فكري و ليس سياسي، كما درجت عليه النخب السياسية، بتصوير العملية السياسية مثلها مثل كرة القدم " هلال – مريخ" مع ضد دون أي مستمسكات غير الغيرة و الانحياز الأعمى للفريقين، هذا الانحياز لا يقدم أي نتيجة تدفع بالفريقين لتطوير مقدرات الاعبين.
كان عهد مايو بمثابة العهد الذهبي للجمهورين، حيث استطاعت مجموعات الجمهوريين التي كانت تطوف وسط الخرطوم و الجامعات، و تلتقى بالناس و تحاورهم برسالة الأستاذ محمود محمد طه، لا تجد أية مضايقات من نظام مايو أو أجهزة أمنه، بل كانت تعتقد حركة الجمهورين وسط الخرطوم تحسين صورة للنظام، و أن الناس تمارس الحرية بصورة واسعة، و دلالة على ذلك؛ طواف تلك المجموعات دون أن تتعرض لها الأجهزة الأمنية. كان الحوار فكري يطال النخب و ليس العامة، فالحوارات الفكرية.. كانت أجهزة الأمن تعتقد أنها لا تؤثر سلبا على مستقبل النظام، مادام سواد الشعب غير مشغول بها، رغم أن الحوار الفكري يغير القناعات الراسخ بقناعات جديدة، و هي التي تحدث التغيير مستقبلا. و عندما أعلن الرئيس النميري قوانين الشريعة في سبتمبر 1983م، كان امتحان للأستاذ محمود محمد طه أن يؤيد و يعد تنازلا عن رؤاه الفكرية، أو يصادم الفكرة بقوة انتصارا لأفكاره، و اختار الثانية أن يصادم إثباتا للرؤية الفكرية، الصدام الذي أوصله إلي حبل المشنقة. رحل الأستاذ محمود محمد طه و ظلت الفكرة باقية، و قد وصلت الفكرة إلي العديد من المؤسسات الأكاديمية في مجال الفلسفة و أصول الفقه، خاصة في العراق و تونس و المغرب و البنان و إيران حتى المؤسسات الفكرية في أوربا باعتبارها تمثل تيارا فكريا إسلاميا يحمل رؤية جديدة مغايرة.
أن الحملة الشديدة التي طالت العديد من قيادات الجمهوريين، و محاولات الضغط على البعض في حملات الاستتابة، قد أضعفت الجانب الفكري، الذي لم يشهد بعد رحيل الأستاذ أي رؤى جديدة، غير مجهودات الدكتور عبد الله النعيم في التشريع القانوني، و هناك بعض الاتهامات موجهة إليه من قبل عدد من الجمهوريين بإنها انحرفت عن مسار الدعوة، و قد اتهمه خالد الحاج عبد المحمود بالتجني على الإسلام يقول له في مقالات كان قد كتبها و نشرت في عدد من الصحف السودانية الالكترونية يقول ( مضى وقت طويل، لم نتعرض فيه للدكتور النعيم و هرطقاته.و طوال هذا الوقت ظل هو من جانبه مستمرا في التجني على الإسلام و على الفكرة الجمهورية .. و هذا وضع طبيعي فأمره ليس في يده !!و التوقف يحرمه الكثير مما يعزه، و جعل حياته وقفا عليه!!) و يعتقد خالد الحاج أن الدعم الكبير الذي وجده الدكتور النعيم من مؤسسة "فورد فونديشن الأمريكية" لها أثر في تلك الكتابات. و في الجانب الأخر؛ نجد أن أغلبية الجمهوريين لم يضيفوا شيئا للفكرة، رغم تقلبات الأحداث داخل السودان و خارجه، إلا القليل كاجتهادات فكرية فردية، و أصبحت الأغلبية تشتغل بشرح متون الفكرة. و تجد هناك إضافات جديدة من خلال فهم الفكرة و شرحها و علاقتها بالعديد من القضايا الاجتماعية و السياسية في كتابات الدكتور عبد الله الفكي البشير " أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية و محمود محمد طه و قضايا التهميش في السودان .. المؤسسات الدينية تغذية التفكير و الهوس الديني.. محمود محمد طه و المثقفون.. إضافة إلي عدد من المحاضرات" و الدكتور البشير يركز في تحليلاته على فكر الأستاذ دون الولوج إلي المناكفات السياسية. و أيضا كنت متابعا للراحل الدكتور حيدر الصافي؛ الذي كان حقيقة ينطلق من قاعدة فكرية ليبرالية، رغم قناعته الكاملة بفكر الأستاذ، لذلك كان واسع الصدر لا يميل للعنف الفظي أو التجريح، كان يعتقد أن التحول الديمقراطي قضية تحتاج لجمع أكبر قاعدة أجتماعية و حوار فكري شفاف بين القوى السياسية، و هو تجسيد لفكرة الأستاذ محمود من خلال الممارسة، أي أن تتعامل مع الناس من خلال الفكر الذي يفضي للحوار، و معروف أن الحوار يقرب المسافات بين المختلفين و يؤسس قاعدة للثقة.
لكن في جانب أخر: نجد أن الدكتور القراي و الدكتور النور حمد لا ينطلقان من القاعدة الفكرية الحوارية للأستاذ، أصبح لهم حالة نفسية من كلمة " الإسلاميين" و هي حالة تفقدهم الموضوعية، لأنها تؤسس على ردة الفعل في اصطياد أي رؤية تحاول ان تتعامل مع الواقع السياسي بموضوعية، و أن الانفعال السياسي يغيب الفكرة، و تصبح العملية الاستقطابية هي المؤثر الفاعل، الأمر الذي يغيب الموضوعية في الخطاب. و السؤال هل حالة الانفعال عند القراي تعتبر محاولة لتحوير جديد لفكرة الأستاذ؟. رغم أن الجمهوريين موصومين بإتساع الصدر و تجذير الفكر في الخطاب بعيدا عن شطوحات السياسة الانفعالية.
أن الدكتور القراي أصبحت كلمة " الإسلاميين" تثير حفيظته، و تخرجه من دائرة " الفكر و ثقافة تعاملاته" إلي ثقافة سياسية تتحول و تتبدل وفقا للتغيرات التي تحدثها تعاقب الأحداث، الأمر الذي يجعله أقرب للشعارات السياسية التي لا تحدث تغييرا في مجريات الأحداث، و لا تغييرا في اتجاهات العامة، و هو صراع خطابي ليس له جانب إيجابي في قناع المجتمع، لأنها قراءة الحظة، و التي تنتهي بإنتهاء القراءة. الأمر الذي يفرض سؤلا: هل الفكر الجمهوري قد تنازل عن مساحات الفكر إلي الهياج السياسي المحكوم بالمصالح الوقتية؟. أما أن قيادات الجمهورين نفسها لم تفهم فكر الأستاذ؟ إذا أعدنا النظر إلي ما قبل سبتمبر 1983م نجد أن الأستاذ لم يكن مهموما بالصراع الوقتي في السياسة رغم نقده لها من خلال الفكرة، بل كان مهموما أن يضع الأعمدة الأساسية و الجوهرية التي تؤسس عليها الفكرة، لأنها أداة تغيير شامل للمجتمع، و ليست مرتبطة بمصالح للنخب، أو حتى نفر من الشعب بل مرتبطة بالمجتمع كله. هذا التحول الذي يحدث الآن من غياب الفكرة إلي الجدل السياسي الذي تحكمه الرغائب سوف يهزم الفكرةكليا، و يصبح الجمهوريين غدا لهثا وراء المحاصصات. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الأستاذ محمود من خلال

إقرأ أيضاً:

«الخارجية» ودورها في ترسيخ السياسة العمانية

وزارة الخارجية في أي دولة تحمل أهمية كبرى؛ فهي منوط بها ترجمة السياسة الخارجية وما تقوم عليه من مبادئ إلى مهام عملية تعزز مكانة الدولة بين المجتمع الدولي.

وتقوم وزارة الخارجية العمانية بهذا الدور على أكمل وجه.. وإذا كان الجميع، مؤسسات وأفرادا، مخاطبين كل حسب دوره في بناء الصورة الذهنية عن عُمان في الخارج فإن مهمة وزارة الخارجية أكبر وأساسية بل إن عملها يتمثل في ترجمة مبادئ السياسة الخارجية العمانية إلى واقع ملموس. وإذا كانت السياسة الخارجية العمانية قد اكتسبت سمعة طيبة بين الأمم والشعوب فإن لوزارة الخارجية العمانية دورا أساسيا في ذلك خاصة في تكريس الخطاب العماني المتزن المستمد من المبادئ والقيم العمانية ومن الإرث الدبلوماسي العريق الذي أسسه العمانيون عبر القرون الطويلة.

وجاء المرسوم السلطاني رقم 21 /2025 ليحدد اختصاصات وزارة الخارجية والتي بدت متنوعة وشاملة وتحقق طموحات عُمان المستقبلية في بناء صلاتها بدول العالم وتكشف أيضا عن رؤية دبلوماسية متكاملة سواء في بناء علاقات عُمان بالعالم أو في بناء منظومة المصالح العمانية حول دول العالم. وتؤسس الاختصاصات لفهم عميق لمسارات السياسية الخارجية العمانية. ورغم أن عِلم الدبلوماسية هو أحد الأوعية التي عبرها يمكن نشر السياسة الخارجية لسلطنة عمان إلا أن الترابط الكبير بين «السياسة الخارجية» و«الدبلوماسية» يكشف الدور الكبير المناط بالدبلوماسية لتحقيق ونشر السياسة الخارجية العمانية.

وأسند المرسوم السلطاني إلى وزارة الخارجية دورا أساسيا في متابعة التطورات السياسية العالمية، ورصد التحولات الإقليمية والدولية، وهو ما يعكس رؤية عُمان في ضرورة أن تكون السياسات الخارجية مبنية على قراءة متأنية للواقع الدولي.. فلا يمكن تحقيق استقرار داخلي دون فهم ديناميات العالم الخارجي، ولا يمكن بناء تحالفات استراتيجية دون امتلاك قدرة تحليلية متقدمة.

وتسهم «الخارجية» في تعزيز مسار الدبلوماسية الوقائية، من خلال تشجيع الحوار كوسيلة لحل النزاعات، والمشاركة الفاعلة في المنظمات الدولية، والعمل على صياغة مواقف سياسية عُمانية تبرز أمام المحافل العالمية كصوت داعم للأمن والسلم الدوليين.

ولا تقتصر تلك المهام على الشأن السياسي فقط، بل تمتد إلى مجالات أوسع تشمل الترويج للاستثمار، وتعزيز التبادل التجاري، والتعاون في المجالات الثقافية والعلمية، وهي مجالات تعكس فهما حديثا لمفهوم «القوة الناعمة». ولا شك أن نجاح سلطنة عُمان في ترسيخ صورتها كدولة داعية للسلام، ومنفتحة على العالم، يعتمد على التكامل بين جهودها السياسية والاقتصادية والثقافية.

وتسعى الوزارة في تطوير الكوادر الدبلوماسية من خلال الإشراف على الأكاديمية الدبلوماسية، مما يعزز من قدرة سلطنة عُمان على مواكبة المتغيرات العالمية بفاعلية، ويضمن استمرار نهجها الدبلوماسي الرصين.

إن قراءة الاختصاصات التي أنيطت بوزارة الخارجية تكشف عن فهم عميق لدور الدبلوماسية في هذه المرحلة من المراحل التي يمر بها العالم الذي تتشابك فيه المصالح والتحديات والذي لا يمكن السير فيه دون فهم ووعي بكل المتغيرات التي تحصل في العالم وكذلك سياقاتها التاريخية ومنطلقاتها الفكرية. وستواصل سلطنة عُمان دورها التاريخي في تشجيع الحوار والدعوة له باعتباره الخيار الأمثل في بناء العلاقات بين الدول الأمر الذي يؤكد التزام عُمان بمبادئ السلام والتنمية المستدامة.

مقالات مشابهة

  • أحد مرفع الجبن.. ذكرى "طرد آدم من الفردوس في الفكر الآبائي الأرثوذكسي"
  • «الخارجية» ودورها في ترسيخ السياسة العمانية
  • محمود فوزي: القيادة السياسية تولي أهمية كبيرة لزيادة الصادرات المصرية
  • شيخ الأزهر: الاختلاف بين السنة والشيعة كان في الفكر والرأي وليس في الدين
  • ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ (7/13)
  • ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ «6-13»
  • عندما تُملي السياسة على التكنولوجيا.. كيف غيّر ترامب مسار غوغل؟
  • مؤسسة الدكتور« محمود بكري» توزع كراتين رمضان لدعم الأسر الأكثر احتياجًا بقنا
  • ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟
  • بريطانيا بين مراجعة ميزانيات الإنفاق وحسابات السياسة