ما أن تسير بين أزقّة حي الجمالية بالقاهرة القديمة، إلا وأن تجد نفسك محاطًا يمنيًا ويسارًا بالتاريخ سواء كان في صورة مبانٍ عتيقة أو لورشة أحد أصحاب المهن التي تواجه الاندثار.

بين تلك الأزقة الضيقة وتحديدًا داخل أحد البيوت القديمة فقد يبدو أنه منذ قرن من الزمان، تقبع ورشة "ممدوح غريب" لصناعة الكاكولة، وهي الزي الذي يرتديه كل من يتعلم في الأزهر وأساتذته، وأئمة المساجد، إضافة إلى كبار المسؤولين الدينيين في الدولة، أمثال شيخ الأزهر، ووزير الأوقاف، ومفتي الجمهورية، ووكيل الأزهر، والأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، ورئيس قطاع المعاهد الأزهرية، وعمداء الكليات الشرعية.



لم يتوارث "ممدوح" صنعته كما هو متعارف بين أصحاب تلك الحرف، لكنه تعلمها في العاشرة من عمره على يد أحد كبار الصنعة، يدعى "الدكتور محمد صالح"، فآنذاك كان صانعي الكاكولة معدودين على أصابع اليد الواحدة، وحينها وجد الصغير زبائن المحل من العلماء ومشايخ الأزهر، فيعتبر هذا الزي رمزًا للوجاهة الاجتماعية والدينية وهو ما زرع داخله حبًا للمهنة.
ظل يعمل صبيًا لدى معلمة لمدة خمسة عشر عامًا، حتى قرر أن يفتتح ورشته المستقلة في حي الجمالية في الثلاثين من عمره، ذلك بعد أن غيب الموت أغلب مشايخ الصنعة، "اتعلمت أعمل الكاكولة يدويًا وعلى الماكينة".

اعتاد "ممدوح غريب" أن يبدأ يومه في الساعات الأولى من الصباح ليجلس مُنكبًا لأكثر من أربعة عشر ساعة على قطعة القماش، التي يفردها أمامه على مكتبه القديم، ويحيطها القصاصات والخيوط، ليمرر يديه بخفة حاملًا ثوب القماش ويقص منه أجزاء "الكاكولة" التي يقوم بتصنيعها.

الإبرة هي الأداة الأساسية التي يستخدمها "ممدوح" في صناعة "الكاكولة"، مشيرًا إلى أنه قليلًا ما يستخدم ماكينة الحياكة وفي الأجزاء الداخلية للزي فقط، حيث يصنع خلال اليوم كاكولة واحدة يبدأها من قص ثوب القماش إلى أن ينتهي من حياكتها.

وأوضح أقدم صانع للكواكيل في حي الجمالية أن الكاكولة الخاصة بطلاب وأساتذة الأزهر تختلف عن كاكولة المقرئ، فالأولى تكون ذات مقاسات صغيرة وجزء واحد مع الجلباب، بينما الأخيرة تتسم بأنها واسعة مع قفطان حتى يستطيع المقرىء الجلوس بها أثناء التلاوة.

وأشار إلى أن الخامة الجيدة للقماش هي من تتحكم في شكل الكاكولة، فكلما كانت جيدة كلما كان الشكل أفضل، منوهًا إلى أن الكاكولة التي تصنع بالماكينة مؤخرًا عبارة عن قص ولصق، وهي تفسد بعد أول غسلة، أما الكواكيل التي تفصل يدويًا أفضل، مستطردًا: "فحاجة حلوة، الشيخ يلبس الكاكولة تقعد معاه 10 سنين"

ويتباهى صانع "الكاكولة" بأنه صمم هذا الزي لكبار علماء الأزهر والقراء، أمثال الشيخ مصطفى إسماعيل، وعبدالباسط عبدالصمد، وحمد محمود الطبلاوي نقيب قراء القرآن الكريم في مصر، والدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف،

وتذكر لقاءً كان قد جمعه بالشيخ محمد متولي الشعراوي، حينما طلبه لحياكة عدد من الكواكيل لطلاب معهده، قائلًا: "الشيخ الشعراوي من العلماء الأفاضل كان بيطلبني أخيط كواكيل للأطفال لوجه الله.. وكان لا يفاصل في الأسعار.. كان كريم ولقائه كريم".

عقب حقبة مشايخ وقامات الزمن الجميل مرت ورشة "ممدوح غريب" بفترات صعود وهبوط كأي حرفة خاصة حينما تكون حرفة تصارع الإنقراض، فبات الآن يعتمد على زبائنه من طلبة الأزهر مصريين وآسيويين والأساتذة.

بعد ما بلغه "ممدوح غريب" في مهنته، الآن أصبح أسطى على إبنه "إبراهيم" فقرر أن يعلمه دروب المهنة المختلفة، ويساعده على تطوير مهاراته وأدواته، قائلًا: “عايزه يحافظ على الصنعة ومش عايزها تروح بعيد".

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: إلى أن

إقرأ أيضاً:

من بريق الملاعب إلى ظلام تهجير الفيليين.. حكاية النجم الكروي علي حسين

من بريق الملاعب إلى ظلام تهجير الفيليين.. حكاية النجم الكروي علي حسين

مقالات مشابهة

  • من بريق الملاعب إلى ظلام تهجير الفيليين.. حكاية النجم الكروي علي حسين
  • عمرها 40 عامًا| حكاية أقدم مائدة رحمن بالقرنة غرب الأقصر.. صور
  • بعد نجاح "أشغال شقة جداً".. مصطفى غريب يخوض تجربة جديدة
  • غناء أمام قبر مصطفى فهمي.. فيديو غريب يثير ضجة
  • موعد ليلة القدر ودعاؤها المستجاب.. الشيخ الشعراوي حدد توقيتها في هذه الليلة
  • حادث غريب.. كلب يطلق النار على صاحبه وهو نائم
  • علماء يحددون “السن الحرجة” التي يبدأ فيها الدماغ بالتراجع
  • صانع السلام.. كيف أصبحت السعودية وقطر مفتاح حل الأزمات في المنطقة؟
  • الخضيري يوضح أهمية تمارين المقاومة ورفع الأثقال لكبار السن..فيديو
  • حادث غريب في العراق.. أطلق النار على نفسه فقتل زوجة أخيه