أكد الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، الرئيس المعيَّن لمؤتمر الأطراف «COP28»، أن رئاسة المؤتمر تسترشد برؤية وتوجيه القيادة في دولة الإمارات وذلك من خلال وضع حماية الأرواح وتحسين سُبل العيش في صميم العمل المناخي، واتباع نهجٍ يتمحور حول الإنسان والطبيعة والغذاء والصحة والمرونة.

أخبار متعلقة

سلطان أحمد الجابر: دعوت قطاع النفط والغاز لخفض انبعاثات الميثان إلى الصفر بحلول 2030

سلطان الجابر يدعو لزيادة التمويل المناخي وتوفيره بشروط ميسّرة

شكري يلتقي سلطان الجابر الرئيس المعين لمؤتمر «COP28»

وأضاف: «في صميم هذا النهج، سنسعى إلى اعتماد إطار شامل وحاسم للهدف العالمي بشأن التكيف، وسيعطي هذا الجزء الأساسي من أجندة عمل المؤتمر الأولوية للحفاظ على النظم البيئية الطبيعية، وحماية المجتمعات الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ، والاستثمار في حلول ملموسة وعملية لتحسين الحياة».

جاء ذلك خلال كلمته في المؤتمر الوزاري المعني بالعمل المناخي الذي عقد في العاصمة البلجيكية بروكسل، وجمَع وزراء البيئة في الاتحاد الأوروبي وكندا وجمهورية الصين الشعبية.

ووجه في كلمته دعوة مفتوحة إلى الحكومات والقطاعات الصناعية وكافة الأطراف المعنية إلى التخلي عن أساليب العمل التقليدية والتركيز على توحيد الجهود من أجل اتخاذ إجراءات فعالة وحاسمة للوصول إلى نتائج تحقق تطورًا جوهريًا في معالجة أزمة المناخ.

وقال: «نحن بحاجة إلى تطوير النماذج المالية القديمة التي جرى تصميمها لتلائم ظروف القرن الماضي، وعلينا إزالة الحواجز التي تبطئ التقدم في الحكومات والقطاعات الصناعية، ومعالجة الانقسامات التي تعوق تحقيق أي تقدُم جوهري للوصول إلى اقتصاد منخفض الكربون»، مضيفًا: «نحن في منتصف الطريق بين باريس وعام 2030، إلا أن العالم لا يزال بعيداً إلى حد كبير عن الهدف المنشود، والحقائق توضح أن الخطوات التدريجية التي تم اتخاذها حتى الآن لمعالجة أزمة المناخ لا تلبي الحاجة الملحّة لاتخاذ إجراءات سريعة، لذلك، أدعو الجميع إلى التخلي عن الأساليب التقليدية المعتادة، والعمل معاً لاتخاذ إجراءات فعالة وحاسمة للوصول إلى نتائج تحقق تطوراً جوهرياً».

وشدد على أن لخطة عمل «COP28» توجّه واضح، وأن هدفها الرئيسي هو الحفاظ على إمكانية تفادي تجاوز الارتفاع في درجة حرارة الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية، موضحاً أنه للقيام بذلك، تسعى رئاسة المؤتمر إلى الوصول لنتائج تفاوضية تحقق أعلى الطموحات، إلى جانب اعتماد جدول أعمال فعال يساهم في تنفيذ هذه النتائج بشكل ملموس.

واستعرض خطة مؤتمر الأطراف «COP28» التي تستند إلى أربع ركائز رئيسية هي: تسريع تحقيق انتقال منطقي وعملي وعادل في قطاع الطاقة، وتطوير آليات التمويل المناخي، والتركيز على جهود التكيف لتحسين الحياة وسُبل العيش، وضمان احتواء الجميع بشكل تام. وأشار إلى أن إعداد الخطة تم بالاستعانة بمخرجات ونتائج جولة الاستماع واستكشاف الحقائق والتواصل التي قام بها فريق رئاسة المؤتمر على مدار الأشهر الستة الماضية، والتقى خلالها ممثلي الحكومات والشركات والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والناشطين والشباب والشعوب الأصلية في أنحاء العالم.

وذكر أن الركيزة الأولى للخطة تشمل زيادة القدرة الإنتاجية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة إنتاج الهيدروجين بحلول عام 2030، ودعوة قطاع النفط والغاز إلى ضخ استثمارات كبيرة لدعم إنتاج مصادر الطاقة النظيفة، وتشجيع الدول على تحديث مساهماتها المحددة وطنياً قبل «COP28» لضمان توافقها مع أهداف اتفاق باريس للمناخ.

وقال: «علينا استخدام كافة الأدوات المتاحة لخفض الانبعاثات، بما في ذلك التقنيات النووية، وتحسين أنظمة تخزين الطاقة باستخدام البطاريات، وتقنيات التقاط الكربون وإزالته، خاصةً في القطاعات التي يصعب الحد من انبعاثاتها».

وبشأن تفاصيل الركيزة الثانية للخطة المتعلقة بتطوير آليات التمويل المناخي، أوضح قائلاً: «نحن بحاجة إلى تطوير جذري وشامل لآليات التمويل المناخي مع التركيز بشكل خاص على التنمية الداعمة للعمل المناخي عبر دول الجنوب العالمي لضمان أن تتمكن الدول النامية من الحصول على التمويل المناخي من أجل تحقيق انتقال منطقي وعملي وعادل في قطاع الطاقة».

وأشار إلى أن فريق رئاسة مؤتمر الأطراف «COP28» يعمل مع «صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي» و«تحالف غلاسكو المالي من أجل صافي انبعاثات صفري» لتعزيز إمكانيات أسواق رأس المال، وتوحيد أسواق الكربون الطوعية، وتحفيز وجذب التمويل من القطاع الخاص ومضاعفته.

وجدد دعوته المانحين إلى مضاعفة التمويل المخصص للتكيّف بحلول عام 2025 وضمان أن تفي الدول المانحة خلال العام الجاري بالتزامها بتوفير مبلغ الـ 100 مليار دولار من التمويل المناخي الذي تعهدت به، لدعم احتياجات المجتمعات الأكثر تعرضاً لتداعيات تغير المناخ.

وأوضح أن السبيل لتحقيق الركيزة الثالثة المعنية بوضع مسألة حماية الأرواح وتحسين سُبل العيش في صميم العمل المناخي، هو اتّباع نهجٍ يتمحور حول الإنسان، ويركز على الطبيعة والغذاء والصحة والمرونة، على أن يتم في صميم هذا النهج، اعتماد إطار شامل وحاسم للهدف العالمي بشأن التكيّف.

وانتقل إلى الركيزة الرابعة للخطة مؤكِّداً ضرورة احتواء الجميع بشكل كامل في «COP28»، وموضحاً أن المؤتمر سيضم أكبر برنامج لمندوبي الشباب الدولي للمناخ، وجناحاً للشعوب الأصلية، وسيستضيف عدداً كبيراً من رؤساء البلديات وقادة المجتمعات المَحليّة الذين يقودون العمل المناخي على المستوى المحلي في مجتمعاتهم في مختلف أنحاء العالم.

واختتم كلمته قائلاً: «لنحرص على التعاون والعمل معاً لكي نغتنم هذه الفرصة للنجاح، ولنحشد جهودنا للتوصل إلى حلول فعّالة ونتائج طموحة، ولنعمل على استعادة الثقة والأمل من خلال توحيد الجهود والعمل الجماعي».

الدكتور سلطان أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي

المصدر: المصري اليوم

كلمات دلالية: شكاوى المواطنين التمویل المناخی العمل المناخی

إقرأ أيضاً:

التغير المناخي يرفع أسعار الغذاء ويثير قلق البنوك المركزية

قبل ستين عاما عندما افتتح أجداد جوسيبي ديفيتا معصرة زيت الزيتون في بلدة كيارامونتي جولفي بصقلية كان المناخ في تلك الجزيرة الإيطالية مثاليا لإنتاجه. لكن لم تعد تلك هي الحال الآن، كما يقول ديفيتا الذي يدير مع شقيقه شركة أوليفيشو جوتشوني والتي لديها اليوم مزرعتها الخاصة بها إلى جانب المعصرة. فمع ارتفاع المتوسط السنوي لدرجات الحرارة وتراجع هطول الأمطار يصبح إنتاج الزيتون وتحويله إلى زيت أكثر صعوبة. حول منطقة البحر المتوسط دفع تدنِّي الغلة وارتفاع تكلفة المدخلات بالأسعار إلى أعلى مستوى لها خلال 20 عاما. ويتوقع ديفيتا تفاقم مشاكل الإنتاج مع ازدياد حدة آثار التغير المناخي. على مدى آلاف السنين ظل إنتاج الغذاء وأسعاره عُرضة لتقلبات الطقس. فحدث مناخي فريد كموجات الحرارة والجفاف والفيضانات والصقيع يقلل الإنتاج ويرفع الأسعار. الحروب والأمراض أيضا عوامل أخرى كما شاهد العالم ذلك مؤخرا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا وتفشي حمى الخنازير التي اجتاحت مزارع تربيتها في الصين.

تحوّل أنماط الطقس

لكن هنالك خيط آخر أكثر استدامة ينتظم العديد من الزيادات الحادة في أسعار الغذاء. فمن البرتقال في البرازيل وإلى الكاكاو في غرب إفريقيا ومن الزيتون في جنوب أوروبا وإلى البن في فيتنام تقود أنماط الطقس المتقلبة دائما بسبب التغير المناخي إلى ضعف الغلة وخفض الإمدادات وارتفاع الأسعار. يعتقد آدم ديفِس المؤسس المشارك لصندوق التحوط الزراعي العالمي "فاريير كابيتال" أن التغير المناخي ساهم في ارتفاع أسعار قائمة طويلة من السلع الغذائية التي يتم تداولها عند مستويات مرتفعة هذا العام. يقول "سعر القمح ارتفع بنسبة 17% وزيت النخيل بنسبة 23% والسكر بنسبة 9% ولحم الخنازير بنسبة 21%". وبالنسبة للمستهلكين "الأثر المتأخر لارتفاع أسعار هذه السلع لن يختفي". يعود ثلث الزيادات في أسعار الغذاء ببريطانيا في عام 2023 إلى التغير المناخي، وفقا لمركز الأبحاث "وحدة معلومات الطاقة والمناخ". يقول فريدريك نيومان، كبير خبراء اقتصاد آسيا ببنك اتش اس بي سي "يوجد تأثير مادي للتغير المناخي على أسعار الغذاء العالمية. من اليسير الاستخفاف بالأحداث المناخية النادرة واعتبارها حالات معزولة. لكننا شهدنا لتونا سلسلة من الأحداث المناخية غير الطبيعية واضطرابات زادت بالطبع من تأثير التغيّر المناخي". مثل هذه الأحداث المتكررة ينتج عنها "أثر دائم على قدرتنا على توفير إمدادات الغذاء" حسبما يرى نيومان. والزيادات في أسعار الغذاء التي كانت تعد في وقت ما مؤقتة تتحول إلى مصدر ضغوطات تضخمية مستمرة. عالميا، يمكن أن ترتفع المعدلات السنوية لتضخم أسعار الغذاء بما يصل إلى 3.2% خلال العقد القادم أو نحو ذلك نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، حسب دراسة صدرت مؤخرا عن البنك المركزي الأوربي ومعهد بوتسدام لأبحاث الآثار المناخية.

ضغوطات تضخمية

هذا سيعني ارتفاعا في معدلات التضخم العام السنوي بنسبة 1.18% بحلول عام 2035، وفقا للدراسة التي استخدمت بيانات تاريخية من 121 بلدا في الفترة من 1996 إلى 2021 لوضع سيناريوهات للتضخم في المستقبل. وسيكون جنوب العالم الأكثر تضررا. السؤال هو كيف يجب على السياسة النقدية عكس ذلك؟ تستبعد بنوك مركزية عديدة أسعار الغذاء والطاقة من معدل التضخم الأساسي. وهو مقياس تراقبه هذه البنوك عن كثب بسبب تقلبها. لكن الآن بعد أن بدأ التغير المناخي في إحداث ضغوطات تضخمية مستدامة يشتد الجدل حول ما إذا صار من اللازم لواضعي معدلات التضخم إبداء المزيد من الاهتمام، ليس أقله لأن ارتفاع أسعار الغذاء يؤثر بشدة على المواطنين العاديين. يقول ديفيد بارمز، زميل السياسات بمعهد جرانثام لأبحاث التغير المناخي والبيئة التابع لمدرسة لندن للاقتصاد إن اعتبار القفزات في أسعار الغذاء ومعدلات التضخم ظاهرة مؤقتة "لم يعد حقا مقاربة مفيدة إذا تكررت صدمات الأسعار وأصبحت متواترة وتؤثر على معدل التضخم الرئيسي على نحو أكثر استدامة". ويتنبأ نيومان بأن الاختلالات الأكثر تواترا لإمدادات الغذاء "ستجبر البنوك المركزية على الاستجابة مما سيقود إلى المزيد من التقلب في أسعار الفائدة وربما إلى معدلات أعلى بمرور الوقت". وحسب تقرير نشر مؤخرا بواسطة البرنامج البيئي للأمم المتحدة فإن درجة حرارة الكوكب في سبيلها للارتفاع بحوالي 2.9 درجة مئوية فوق مستوياتها التي كانت سائدة قبل الثورة الصناعية أو ضِعف المستوى الذي اعتُمِد في محادثات المناخ بباريس في عام 2015.

ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار

وتيرة هذا الاحترار تزداد أيضا خلافا حتى لتوقعات علماء المناخ؛ فالعام الماضي كان الأشد حرارة على الإطلاق. لكن ربما سيفوقه العام الحالي مع ارتفاع درجة الحرارة إلى ما يقرب من 50 درجة مئوية في الهند. وتُعِدُّ أوروبا نفسَها لصيف حارق آخر. الزراعة من القطاعات الأكثر تأثرا بشكل مباشر. وخلال العقد القادم ربما سيكون هنالك نقص في إمدادات معظم المحاصيل الأكثر أهمية في العالم مع ارتفاع درجات الحرارة وتضرر الحصاد من أحداث تطرف الطقس الأكثر تواترا. غلة القمح على سبيل المثال تنخفض بشدة عندما تتجاوز درجات الحرارة في الربيع 27.8 مئوية. لكن دراسة حديثة وجدت أن المناطق الرئيسية لزراعة القمح في الصين والولايات المتحدة تشهد درجات حرارة تزيد كثيرا عن ذلك وعلى نحو يتكرر باطراد. موجات الحرارة التي كان من المتوقع حدوثها مرة واحدة كل مائة عام في عام 1981 قد تحدث الآن مرة كل ستة أعوام في الغرب الأوسط الأمريكي وكل 16 عاما في شمال شرق الصين، وفقا لبحث أجرته مدرسة فريدمان لعلوم وسياسات التغذية بجامعة تافتس. الأرز وفول الصويا والذرة والبطاطس من بين المحاصيل الغذائية الرئيسية التي يمكن أن تتدهور غلتها. فبالنسبة لمحاصيل عديدة ارتفاع درجات الحرارة يعني إنتاجا أقل. تقول فريدريكي كويك وهي اقتصادية قادت دراسة البنك المركزي الأوروبي "لدى هذه المحاصيل إنتاجية مستقرة جدا عند درجات حرارة تتراوح ما بين 20 - 30 درجة مئوية حسب نوع المحصول. أما إذا زادت عن ذلك فسنشهد تدهورا حادا في الإنتاجية". هذا الهبوط في الإنتاجية يقود إلى ارتفاع أسعار الغذاء. وتضيف كويك "إنها ببساطة مسألة عرض وطلب". أحداث الطقس المتطرف بما في ذلك موجات الجفاف والفيضانات والعواصف والتي تزداد وتيرتها لها أيضا تداعياتها.

فالفيضانات في باكستان في عام 2022 قضت على حقول الأرز. والتغير المناخي فاقم ظاهرة ارتفاع حرارة البحر (النينو) التي عادت في العام الماضي ونتج عنها تدني إنتاجية السكّر والبن والكاكاو.

ازدياد التكلفة

التحولات في أنماط المناخ والطقس تغيِّر أيضا المواسم الزراعية وتوجِد ضغوطا جديدة من الآفات والأمراض. ففي غانا وساحل العاج -وهما تنتجان معا ثلثي محصول العالم من الكاكاو- أوجدت الأمطار الغزيرة في العام الماضي رطوبة مثالية لتفشي مرض قرون الثمار السوداء. وهي عدوى فطريات ينتج عنها تعفن ثمار الكاكاو. ذلك، إلى جانب أمراض أخرى ورداءة الطقس، أضعفت الغلة وقلَّصت الإنتاج العالمي بأكثر من 10% مقارنة بالعام السابق. تعني التحديات التي يفرضها التغير المناخي للمزارعين ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج؛ فالأرض التي كانت تنتج في السابق محاصيل وفيرة من مياه الأمطار تحتاج الآن إلى الري. وزادت الحاجة إلى المبيدات الحشرية لمكافحة الأمراض والآفات. في صقلية مع ارتفاع الحرارة إلى 40 درجة مئوية أثناء الحصاد توجب على الإخوة ديفيتا استخدام أجهزة تبريد خاصة. والطقس الحار يؤثر أيضا على إنتاجية العمل ويزيد تكلفة الإنتاج التي يتم تمريرها للمستهلكين من خلال ارتفاع الأسعار. يقول ويليام هاينز، كبير الاقتصاديين المختصين بالتغير المناخي في البنك الدولي، إن تقدير مدى ذلك التأثير يشكل تحديا. وكما هي الحال مع دراسة البنك المركزي الأوروبي، تدرس معظم الأدبيات التجريبية الارتفاع في درجات الحرارة لأن البيانات عنها متاحة ويسهل الحصول عليها. لكن هاينز يقول هنالك طرق أخرى كثيرة يؤثر بها التغير المناخي على غلة المحاصيل وأسعار الغذاء. يقول "النظام بأكمله يتغير". إنتاج المحاصيل لن يتأثر في كل المناطق. قد يكون بمقدور بعض المناطق أو البلدان زراعة المزيد من محاصيل معينة نتيجة للتغيرات في المناخ، حسبما يقول هاينز، مشيرا إلى صناعة النبيذ في إنجلترا من بين أمثلة أخرى. وقد يكون بإمكان أجزاء أخرى من العالم التكيف بالتحول إلى محاصيل أكثر تحمُّلا أو إنتاج المزيد من الأصناف الجديدة المقاومة للجفاف. بالرغم من مثل هذه الأنماط من التكيف يشرع التغير المناخي في عرقلة وليس تعزيز إمدادات العالم من الغذاء، بحسب بول ايكنز، أستاذ الموارد والسياسات البيئية بكلية لندن الجامعية. وهذا يقود إلى ازدياد الضغوط التضخمية العامة مع تسرب ارتفاع أسعار الغذاء إلى تكاليف المعيشة. لكن مدى هذه الضغوطات يتفاوت. فباحثو البنك المركزي الأوروبي على سبيل المثال وجدوا أن ارتفاع درجات الحرارة عندما تجاوز عتبة معينة أدّى إلى تدهور في الإنتاجية وزيادة في التضخم. وحسب نوع المحصول، قد يكون لارتفاع درجات الحرارة بحوالي 5 درجات من 20 درجة مئوية إلى 25 درجة مئوية أثر أقل على غلة المحصول والتضخم مقارنة بارتفاعها بمعدل درجتين من 34 درجة إلى 36 درجة مئوية على سبيل المثال. وتقول فريدريكا كويك إن "مناطق مثل أمريكا الجنوبية وإفريقيا تتعرّض سلفا وبانتظام إلى درجات حرارة قريبة من المستويات التي تصبح فيها مضرَّة بالمحاصيل". لذلك ارتفاع درجات الحرارة في هذه المناطق هو الذي له أثر أكبر على أسعار الغذاء.

الإنفاق على الغذاء

بالمقارنة تميل أوروبا المعتدلة الطقس إلى تحمّل أسوأ آثار التغير المناخي (وأثر التضخم الذي يترافق معها) خلال أشهر الصيف. وجد باحثو البنك المركزي الأوروبي أن تضخم أسعار الغذاء في أوروبا عام 2022 ارتفع بحوالي 0.6 نقطة مئوية نتيجة لصيف القارة الحار. يشكّل الغذاء أيضا حصة كبيرة من الإنفاق العائلي في البلدان النامية (يصل أحيانا إلى حوالي 50% من مؤشر أسعار المستهلك) مما يعني أن أية زيادة في الأسعار يتعاظم أثرُها على التضخم الإجمالي، بحسب فريدريك نيومان. ارتفاع أسعار الغذاء أيضا يقلل المال المتاح لشراء الأصناف الأخرى. وهذا يضر بالإنفاق الاستهلاكي بشكل عام. يقول نيومان "مؤشر أسعار المستهلك للغذاء أيضا أكثر حساسية إلى حد بعيد تجاه الاختلالات والتقلبات في أسعار المدخلات". فالقمح قد يشكّل 70% من تكلفة الخبز في بلدان الدخل المنخفض والمتوسط لكنه يمثل 10% فقط في البلدان الغنية التي ترتفع فيها تكاليف العمالة والطاقة والنقل. على نحو مماثل، البلدان الغنية المتكاملة على نحو جيد مع الأسواق العالمية أفضل قدرة على التعامل مع الحصاد الضعيف. يقول نيومان "إذا فشل حصاد القمح في ألمانيا يمكنهم هناك شراءه من السوق العالمية. لكن البلد الأكثر فقرا قد لا يكون بمقدوره الذهاب إلى جهة أخرى، كما لا يملك البنية التحتية الوافية لاستيراد كميات كبيرة من الغذاء". لكن بلدان الاقتصادات المتقدمة ليست بمنجاة، حسب جيرت بيرسمان، أستاذ الاقتصاد بجامعة جينت البلجيكية؛ فأبحاثه تشير إلى أن ما يصل إلى 30% من التقلب في معدل التضخم بمنطقة اليورو في الأجل المتوسط سببه التغيرات في أسعار الغذاء العالمية والتي تنشأ عن صدمات حصاد عالمية غير متوقعة. وعلى الرغم من أن الغذاء يمثل حصة أصغر كثيرا من النفقات العائلية في البلدان الغنية فإن معظم الناس "ينظرون إلى أسعار الغذاء لتشكيل توقعاتهم عن التضخم"، حسبما يقول بيرسمان. ويحاجج هو واقتصاديون آخرون بأن ذلك يقود إلى تضخم "فعلي" إذ يدفع الناس إلى المطالبة بأجور أعلى.

يتّفق ديفيد بارمز معه قائلا إن المستهلكين "حساسون جدا لأسعار الغذاء، لذلك إذا كان التغير المناخي يعني أن أسعار الغذاء سترتفع باستمرار سيكون لذلك تأثير أكبر على توقعاتهم عن التضخم. يقول بعض خبراء الاقتصاد إن الشركات التي لديها نفوذ كبير في أسواق الاقتصادات المتقدمة يمكنها مفاقمة التضخم في أوقات اضطراب الإمدادات؛ فالتضخم في السنوات القليلة الماضية، تقول ايزابيلا ويبر، أستاذة الاقتصاد المساعد بجامعة ماساشوستس اميرست، "أطلقته صدمات في قطاعات ضرورية (كالغذاء والطاقة) ثم أشاعته بعد ذلك القرارات التسعيرية التي اتخذتها الشركات".

دور البنوك المركزية

يجدد الأثر المتعاظم للتغير المناخي على الزراعة جدلا حول ما إذا كان يتوجب على البنوك المركزية التعامل مع صدمات أسعار الغذاء برفع أسعار الفائدة كما تفعل مع زيادات الأسعار المعممة. يقول مارك بوروي، أستاذ الاقتصاد المشارك بجامعة بواتيه في فرنسا، إن الإجماع وسط خبراء الاقتصاد ظل لفترة طويلة هو وجوب امتناع البنوك عن رفعها. والسبب في ذلك اعتبار تضخم أسعار الغذاء مؤقتا ومتقلبا. يقول "أنت لا تريد أن تكون أسعار فائدتك متقلبة". هنالك عوامل عالمية خارجية تنحو إلى تحريك تضخم أسعار الغذاء أيضا وليس للاقتصادات الصغيرة خصوصا تأثير عليها. يقول بارمز "رفع أسعار الفائدة لا يعالج صدمات جانب العرض السلبية". ويضيف أنه من الممكن في الواقع أن تكون له نتيجة عكسية لأنه يمكن أن يفاقم انخفاض الإنتاج. كما لا يزيد إمدادات الغذاء، حسبما جادل اقتصاديون ومحللون آخرون لأوضاع السوق عندما تعرّضت السياسة النقدية التقليدية للنقد بعد صدمات أسعار الغذاء في 2008 و2011. لكن يلاحظ الاقتصاديون أن محددات الجدل تغيّرت هذه المرة بسبب التغير المناخي. يقول راجورام راجان، الذي تولى منصب محافظ البنك المركزي الهندي في الفترة من 2013 إلى 2016: لقد توجب على البنوك المركزية في بلدان الاقتصادات النامية دائما أن تكون أكثر اهتماما بأسعار الغذاء. ومع ترسخ التغير المناخي وإضعافه غلة المحاصيل من المرجح أيضا أن تتجه الحكومات أكثر وأكثر إلى السياسات الحمائية والتي يمكن أن تفاقم الأثر التضخمي. في العام الماضي على سبيل المثال فرض رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي قيودا على صادرات الأرز الأبيض المكسور وغير البسمتي مما قاد إلى ارتفاع الأسعار. كيفية التعامل مع ذلك أمر إشكالي. يقول بارمز إن هنالك حاجة إلى أدوات بديلة لضبط التضخم في مواجهة ضغوط التغير المناخي. قد تشمل هذه الأدوات التي تستخدمها السلطات المالية والصناعية وليس البنوك المركزية ضوابط على الأسعار ودعومات موجهة لأهداف محددة. يضيف بارمز أن هنالك حاجة أيضا لسياسة تنافسية وإجراءات ضد التضخم أكثر تشددا لمنع الشركات التي لديها حصة سوقية كبيرة من استغلال الوضع والتربح أثناء فترات التضخم وبالتالي تعقيد المشكلة. تعتقد ايزابيلا ويبر في ورقة حديثة أن على البلدان تكوين مخزونات احتياطية من السلع الغذائية لامتصاص أثر تقلبات الأسعار وفرض ضرائب على الأرباح الفجائية على الشركات العاملة في القطاعات الضرورية مثل الغذاء لمنع التلاعب بالأسعار. يقر فريدريك نيومان بأن رفع أسعار الفائدة في وقت يشهد أيضا ارتفاع الأسعار ينطوي على مخاطر وقد لا يكون دائما فعالا. لكنه يضيف قائلا في معظم السياقات "لا يمكنك تجاهل صدمات أسعار الغذاء تماما. وسيلزمك رفع أسعار الفائدة". يتفق معه راجورام راجان في ذلك بقوله "يجب أن تكون حريصا قليلا في التعامل مع أشياء مثل الارتفاع الحاد والمؤقت في سعر البصل". إنه صدمة قصيرة الأجل سرعان ما تزول عندما تصل المزيد من الإمدادات. لكن راجان يستدرك قائلا "لا يمكنك تجاهل أسعار الغذاء" خصوصا عندما لا تكون مرتفعة لبعض الوقت؛ فالبنوك المركزية يجب عليها رفع أسعار الفائدة "ليس للقضاء على ارتفاع الأسعار أساسا ولكن لتجنب ارتفاع كل شيء آخر معها". بالنسبة لبلدان الاقتصادات الأصغر يعتقد مارك بوروي أن ذلك على الأقل يرفع من قيمة عملاتها ويسهم في خفض أسعار الواردات. يقول "على البنوك المركزية عدم المبالغة في ردود أفعالها" لكن مع رسوخ آثار التغير المناخي سيكون تضخم أسعار الغذاء أهم للاقتصاد وللناس بحيث يلزمها أن تفعل شيئا".

مقالات مشابهة

  • التغير المناخي يرفع أسعار الغذاء ويثير قلق البنوك المركزية
  • «أونروا» تشدد على أهمية فتح تحقيق بشأن الانتهاكات الإسرائيلية
  • «الأونروا» تشدد على أهمية فتح تحقيق بشأن الانتهاكات الإسرائيلية بحق القانون الدولي
  • القمة العالمية للاقتصاد الأخضر تنطلق 2 أكتوبر
  • القمة العالمية للاقتصاد الأخضر تعقد بدبي أكتوبر القادم
  • ‏رويترز: مسؤول في حزب الله يتوعد بمهاجمة مواقع جديدة في إسرائيل
  • الدورة الـ10من القمة العالمية للاقتصاد الأخضر تنطلق 2 أكتوبر
  • تنظيم الدورة العاشرة من القمة العالمية للاقتصاد الأخضر 2-3 أكتوبر 2024
  • روساتوم تشارك في مؤتمر الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتستعرض خبراتها في إدارة المعرفة النووية
  • «الرقابة النووية» تعرض إنجازاتها في بناء قدرات الموارد البشرية