كيف شاركت المرأة في ثورة ديسمبر؟
تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT
بقلم: تاج السر عثمان بابو
(1)
نتابع بمناسبة الذكرى الخامسة لثورة ديسمبر الدور الكبير الذي لعبته المرأة في ثورة ديسمبر ، كما رصدناه منذ اندلاع الثورة ، واستمرار مشاركتها كما في مقاومة الحرب اللعينة الدائرة رحاها الآن بين الدعم السريع والجيش، التي تضرر منها النساء والأطفال، اضافة للحرب علي اجساد النساء كما في حالات الاغتصاب والعنف الجنسي واختطاف البنات التي وثقتها منظمات حقوق الانسان والأمم ألمتحدة باعتبارها جرائم حرب ، مما يتطلب وقف الحرب وتقديم المسؤولين عنها للمحاكمات، ومواصلة العمل لاسترداد الثورة.
شأن كل الثورات العظيمة في التاريخ مثل: الثورة الفرنسية والثورة الروسيةالتي لعبت فيها المرأة دورا كبيرا ، لعبت المرأة السودانية دورا كبيرا في ثورة ديسمبر باشتراكها في المظاهرات ويث الحماس وسط الثوار ، وكشف معلومات العدو للثوار، وايواء الثوار من بطش عناصر الأمن والارهابيين ، والمشاركة بفعالية في اعتصام القيادة العامة ، ونالت نصيبها من الاعتقال والتعذيب و الاستشهاد والاصابات بالرصاص الحي والتحرش بهدف ارهابها عن المشاركة في الثورة والضرب بالهراوات والغاز المسيل للدموع ، وتعرضت لجريمة الاغتصاب بعد مجزرة القيادة العامة . الخ.
جاء ذلك امتدادا لارثها في الحركة الوطنية منذ الثورة المهدية وثورة 1924 و ثورة الاستقلال 1956 ، وثورة أكتوبر 1964 ، وانتفاضة مارس أبريل 1985.
كان طبيعيا أن تلعب المرأة السودانية دورها في ثورة ديسمبر ، فقد عانت من كل اشكال الاضطهاد الطبقي والسياسي والاجتماعي والاثني واضطهادها كجنس ونوع، وقاومت قهر النظام الإسلاموي الفاشي الذي تعاظم بمتوالية هندسية حتي وصل الي التعذيب الوحشي للمعتقلات السياسيات والتحرش بهن.
والواقع أن المرأة السودانية واجهت ببسالة النظام الفاسد بعد انقلاب 30 يونيو 1989م ، بمختلف الأشكال ورفضت العودة بها الي عصر الحريم وتعرضت للكثير من صنوف التنكيل والاضطهاد (الاعتقال ، التشريد، القمع، الاغتراب.الخ)،وكان دورها واضحا في المظاهرات والمواكب والاضرابات والحركة الجماهيرية الرافضة لسياسات النظام القمعية وارسال الشباب الي محرقة الحرب.
قاومت المرأة النظام الفاسد الذي يعبر عن مصالح الرأسمالية الطفيلية الإسلاموية التي افقرت شعب السودان ، وسحبت الدعم عن التعليم والصحة ومارست سياسة الخصخصة التي شردت مئات الالاف من العاملين من وظائفهم مثل: تدمير السكة الحديد والنقل النهري والخطوط الجوية السودانية ومشروع الجزيرة وبقية المشاريع الزراعية، اضافة للتفريط في وحدة السودان بانفصال الجنوب، ومصادرة الحقوق والحريات السياسية والنقابية، وفرض حالة ومحاكم الطوارئ ، وممارسة التعذيب والقمع الوحشي للمظاهرات والمواكب السلمية التي يكفلها الدستور.
(2)
لاحق نظام الانقاذ النساء بأساليب فظة ومهينة: اما بدعاوي الحجاب وقانون النظام العام الذي كان سيفا مسلطا علي رقاب الشابات بمطاردتهن واهانتهن بهدف ارهابهن وتحجيم دورهن في النشاط العام، ومنعهن من الانخراط في الحركة الجماهيرية الهادفة الي انتزاع الحقوق والحريات الديمقراطية، ورفع الغلاء وتحسين الأحوال المعيشية، وتوفير المستقبل ألافضل لفلذات اكبادهن. كما يتم حرمان النساء من العمل الشريف بمطاردتهن في الأسواق لكسب العيش الكريم.
كما عانت المراة السودانية من عقوبة الجلد ، تلك العقوبة المذلة للكرامة الانسانية التي مارسها نظام السفاح نميري منذ قوانين سبتمبر 1983م، وتم التوسع فيها بشكل وحشي تحت نظام الانقاذ بعد أن تم تقنينها في قانون العقوبات 1991.
جري القمع الوحشي للطالبات اللائي كن يعانين من وضع مزري في المعيشة والسكن في الجامعات والمعاهد والكليات، ويُحرمن من القبول في تخصصات معينة بمحاولات تقليل الأعداد للقبول في مايسمي بكليات القمة (الهندسة ، الطب،..) بصرف النظر عن النسب المميزة التي حزن عليها. والتمييز ضد النساء في الترقي للمناصب العليا في الخدمة العامة بمختلف الدعاوي. هذا اضافة لقانون الأحوال الشخصية الذي كان يحرم المرأة من حق اختيار الزوج بحرية، كما يحرمها من السفر ولو لمهام رسمية الا بموافقة ولي الأمر، ورغم أنها كانت حقوق مكفولة بدستور 2005 ، مما وضعها تحت رحمة الرجل علما بأنها انسان كامل الأهلية عقليا وبدنيا.
عانت المرأة في المناطق المهمشة من آثار الحرب الجهادية الدينية التي اشعلها النظام في الجنوب وجبال النوبا والنيل الأزرق وشرق السودان ودارفور وما نتج عنها من مآسي وكوارث مثل: النزوح والجرائم ضد الانسانية مثل: حرق القري، والاغتصاب، والابادة الجماعية، ومآسي فقدان الأبناء والأزواج ( الأرامل).
اضافة للحروب أدي التدمير الكبير للقطاع الصناعي و الزراعي بالخصخصة وتشريد العاملين والعاملات ، وتدميرالبيئة بممارسة القطع العشوائي للاشجار، مما أدي الي الجفاف والتصحر وهجرة الالاف من المزارعين والرعاة من الريف الي المدن، واتساع فئة النساء الفقيرات صانعات الأطعمة والشاي وبيع الملابس المستعملة والأدوات المنزلية زهيدة السعر ، وتقدر هذه الفئة بنسبة 85% من الباعة في بعض أسواق اطراف العاصمة، وأن اغلبيتهن بين سن: 20- 25 سنة، وأن بناتهن الصغار حتي سن 15 سنة يساعدن ويشاركن في البيع، ويعاني هؤلاء النسوة من هاجس : الرسوم ومصادرة أدوات عملهن(الكشات).
عانت النساء العاملات من سيف التشريد المسلط علي رقابهن، حيث بلغت نسبة المشردات أكثر من 55% من مجموع المشردين أغلبهن في سن العطاء (25- 35 سنة)
وفي مصانع المناطق الصناعية بالعاصمة وبقية المدن كانت وما زالت العاملات صغيرات السن يعانين من استغلال فظيع ، حيث أن عقود عملهن باجور متدنية وبلا حقوق نقابية أو تنظيم نقابي، إضافة الي ضيق فرص العمل للخريجين والشباب ( حيث يقدر عدد الخريجات العاطلات باكثر من 53% من العاطلين)، هذا اضافة لانتشار ظاهرة الطلاق وظاهرة النساء السجينات حتي نشأ جيل جديد من المواليد في السجون.
برغم أن المرأة تشكل نصف المجتمع (49% من السكان)، الا أنه وبعد30 عاما من حكم الانقاذ ، لاتزال الأمية بين النساء في الريف 85% وفي المدن 60%، رغم ازدياد عدد الطالبات في الجامعات. اضافة الي رفض نظام الانقاذ التوقيع علي اتفاقية سيداو التي طرحت وضع حد لكل أشكال التمييز ضد المرأة.
(3)
تواصل المرأة السودانية نضالها بعد ثورة ديسمبر استنادا لارث ومكاسب حققتها بعد الاستقلال، فقد شاركت المرأة في ثورة اكتوبر 1964م، كما انتزعت حق الانتخاب الذي قررته أول وزارة بعد الثورة وفازت فاطمة أحمد ابراهيم كأول امراة سودانية تدخل البرلمان في دوائر الخريجين. وفي عام 1965م، تم تشكيل لجنة لمراجعة اجور ومرتبات العمال والموظفين ، ما يهمنا هنا ، أن تلك اللجنة أوصت بتطبيق مبدأ الأجر المتساوى للعمل المتساوى للرجل والمرأة علي حد سواء ( طبق في مجالات الطب والتمريض والتدريس)، ولم يطبق في جميع الوظائف الا في عام 1972م، واستمر الوضع حتي اشتراك المرأة في القوات النظامية والسلك القضائي والدبلوماسي والتوسع في التعليم العالي (الاحفاد، الجامعة الاسلامية،..الخ)، وارتفاع عدد الطالبات في الجامعات. كما ارتفعت مساهمة المرأة في النشاط السياسي والثقافي والفني والمسرحي والرياضي. قاومت المرأة الأنظمة الديكتاتورية (عبود، نميري، الانقاذ)، وتعرضت للقمع والاعتقال والتعذيب والفصل التعسفي من العمل، والهجرة للخارج.
كما شهدت تلك الفترة اهتماما عالميا بقضية المرأة ( المواثيق الدولية) مثل: الأجر المتساوى، التمييز في التعليم، الحقوق السياسية للمرأة، سيداو1979م، مؤتمر بكين، سيداو الاختياري 1999.
(4)
أخيرا، رغم القهر الا أن المرأة هزمت نظام الانقاذ وشقت طريقها في مختلف الميادين. كما دفعت ظروف الحرب والفقر والتشريد بالكثير من النساء للعمل، كما كثرت حالات الطلاق للاعسار ، واتسعت ظاهرة سجن النساء والولادة داخل السجون (أطفال مواليد السجون).كما اتسعت أعداد المراكز ومنظمات المجتمع المدني التي سلطت الضوء المختلفة علي قضايا المرأة من زوايا مختلفة وتعددت أشكال تنظيمات المراة وكانت الحصيلة اهتمام واسع ومتنوع بقضية المرأة وهذا يشكل معلما بارزا في مسيرة المرأة السودانية.
رغم النجاحات التي حققتها المرأة السودانية في انتزاع بعض حقوقها، والدور التاريخي الرائد الذي لعبه الاتحاد النسائي السوداني في ذلك، الا أنه ينتظرها الكثير من المعارك من أجل مساواتها الفعلية التامة مع الرجل أمام القانون، والنضال من أجل التوقيع علي الاتفاقات الدولية الخاصة بالمرأة والالتزام بتنفيذها، وانتزاع قانون ديمقراطي للأحوال الشخصية يضمن حقوقها في القوامة والحضانة والشهادة والارث وعقد الزواج والطلاق والنفقة والأجر المتساوي للعمل المتساوي، والغاء القوانين التي تحط من كرامة المرأة مثل : قانون العقوبات للعام 1991، والغاء كل القونين والممارسات التي تبيح الاعتداء علي جسدها وكرامتها، واعتبار الاغتصاب جريمة من جرائم الحرب، وتحسين اوضاع المرأة النازحة، وتجاوز مناهج التعليم التي تكرّس دونية المرأة، وتمثيل المرأة في كافة مستويات الحكم بنسبة 50% علي الأقل.،وأن تحرير المراة لاينفصل عن تحرير المجتمع من كل اشكال الاضطهاد الطبقي والديني والاثني والنوعي.
الوسومتاج السر عثمان بابوالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: المرأة السودانیة نظام الانقاذ المرأة فی
إقرأ أيضاً:
«تجربة متميزة».. تهاني الجهني: المرأة السعودية عنصر أساسي في النهضة التي تشهدها المملكة الآن
سلط موقع العربية الحدث، الضوء على التجربة المتميزة للصحفية السعودية تهاني الجهني، منذ انطلاقتها الفعلية من صحيفة «المدينة» بعد تخرجها في الجامعة، حيث عملت مراسلة للفضائية اللبنانية LBC من السعودية، ثم انتقلت إلى العمل على إعداد برنامج «عيشوا معنا» في مقر القناة في لبنان، لتسهم بداية من العام 2008 في إعداد برنامج «صباح الخير يا عرب» مكتب MBC في المملكة، ثم انتقلت في العام 2012 إلى العمل في قناة «العربية» كمحررة في غرفة الأخبار. وفي العام 2013 قدمت الأخبار كأول مذيعة سعودية على قناة «العربية الحدث» وضمن الوجوه الأولى التي برزت على القناة لتشكل ملامح هويتها البصرية في ذاكرة المشاهد العربي.
وفي هذا السياق، أجرى موقع العربية الحدث، حوارًا مع الصحفية السعودية تهاني الجهني.. وهذا نصه:
بدأتِ مسيرتَك الصحفية من جريدة «البلاد» ثم «المدينة»، كيف تجدين الفرق بين الصحافة المكتوبة والصحافة المرئية؟أولًا، شكرًا لاستضافتي في مجلة «العربية» التي تطلع علينا بمحتواها الدسم والرشيق في طرحه.
ثانيًا، الفرق أكيد واضح، أعتقد أن الصحافة المكتوبة هي مدرسة تأسيسية لأي صحافي ومذيع ومقدم برنامج ناجح، هذا من وجهة نظري.. بينما الصحافة المرئية تتويج للخبرة في العمل الصحافي الكتابي.. أما عن الفرق في كيفية طرح المحتوى، فإنه يتضمن المدة وكمية السرد وآلية الكتابة التي لا تختلف في أركانها، ولكن نحن في زمن متسارع، فكتابة الخبر التلفزيوني يجب أن تحاكي الصورة ومحكومة غالبًا بمدة قراءة لا تتجاوز الدقيقتين على الهواء.
كنتِ أولَ صحفية سعودية تلتحق بقناة «العربية الحدث» من مقرها في دبي، بعد تجربتين في LBC وMBC، فكيف وجدت التجربة؟تجربة ممتازة صقلتني على الصعيد الشخصي والمهني.. وبالمناسبة كل تجربة وكل محطة كان لها وقع جيد على مسيرتي حتى الآن.. وبالعودة إلى قناة "الحدث" كوني جزءًا من مؤسسيها، فهذا في حد ذاته بالنسبة إليَّ إضافة مهمة إلى مسيرتي وخبرتي في معرفة أدق تفاصيل العمل، وقد تحقق بفضل الله ثم اجتهادي واحتواء إدارات عملت معها طوال هذه المدة.
الصحفية السعودية تهاني الجهني وهل تعتقدين أن نجاحك في تلك التجربة كان مصدر إلهام لصحفيات سعوديات أخريات؟أتمنى ذلك، كوني أعتبر نفسي من أوائل من التحق بالعمل التلفزيوني في المجال السياسي في الخارج، والتجربة، رغم جمالها، فعلى الجانب الآخر، لا أستطيع أن أغفل بعض الصعوبات التي واجهتها آنذاك كفتاة سعودية كسرت التقاليد وخرجت من عباءة التشدد.
ما الشروط التي تعتقدين ضرورة توافرها بمذيعة الأخبار لتصل إلى مرتبة عالية من النجاح؟أهم شرط أن تمتلك الموهبة والحس الصحفي.. وباقي الأمور تأتي بالتدريب والخبرة، لأن عملنا تراكمي يزداد الشخص فيه خبرة ومعرفة مع السنوات، وهذا يعتمد على الشغف المستمر للتعلم والتطوير والتثقيف الذاتي.
كيف تعاملتِ مع قرار انتقال قناة «العربية الحدث» إلى البث من استوديوهاتها في الرياض؟بكل فرح وسعادة طبعًا، أن تعود إلى وطنك وتعمل من هناك، فتلك قيمة إضافية مهمة جدًّا، لاسيما وأنت تعتبر نفسك من المؤسسين، ومن ضمن الفريق الذي يعمل على تحقيق رؤية سمو ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان، فنحن جزء مهم من المنظومة الإعلامية العربية، وانتقالنا وتوسع شبكتنا في الرياض يحققان جزءًا من الرؤية.
هل ترين أن هناك أشياء قد تغيرت، أم أن نفس ظروف العمل قد توفرت من داخل المملكة؟حقيقة لم أشعر بأي تغيير أو فرق كبير بعد انتقالي من دبي إلى الرياض، آلية العمل نفسها، الفريق نفسه، حتى محتوى ما يقدم لم يتأثر وإنما هو نفسه، بل بالعكس أصبحنا نشعر بجرأة أكبر في الطرح.
كيف ترين الاهتمام المبالغ فيه بحياتك الخاصة من قبل متابعيك على مواقع السوشيال ميديا؟هذا أمر عادي لأي شخص تحت الأضواء. في الحقيقة أصرح أيضًا بما أريده أن يصبح معروفًا، عدا ذلك تبقى حياتي خصوصيتي.
الصحفية السعودية تهاني الجهني كيف يتعامل معك السعوديون عندما يصادفونك في الشارع أو في فضاءات التسوق بصفتك شخصية عامة؟أسمع كلمات الإطراء والإعجاب والتشجيع، وهذا يسعدني جدًّا في الحقيقة.
من جدة إلى دبي إلى الرياض: كيف وجدت الرحلة؟ أين ترتاحين أكثر؟أنا بنت الساحل، أحب البحر جدًّا، فمدينة جدة هي فعلًا جدة غير، وهي مسقط رأسي، ودبي مدينة جميلة تعلمت فيها، وأحببتها ولا أزال، فهي ساحلية كجدة.. أما الرياض فهي عاصمة القرار العربي، وهي أكبر عاصمة عربية، فلها مكانة خاصة.. انتماءً واحتواءً ونجاحًا.
كيف تقَيِّمين دور المرأة السعودية في الإعلام حاليًا؟ وهل تأثر بالإصلاحات التي تشهدها المملكة؟بالطبع المرأة السعودية عنصر أساسي ومكون فعَّال في المجتمع السعودي، وفي النهضة التي تشهدها المملكة الآن. وقد أكدت جدارتها بالمكاسب التي لها وللمجتمع من خلال الإصلاحات التي تحققت على مختلف الأصعدة وفي كل المجالات.
اقرأ أيضاًسعر الذهب اليوم الخميس 7 نوفمبر 2024 في السعودية
اليوم.. دور العرض السعودية تستقبل فيلم «وداعا حمدي» لـ شيرين رضا