دراسة: القراءة على الورق تعزز الفهم أكثر من الشاشة
تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT
من الأفضل مراجعة دروسك في دفتر ملاحظات بدلاً من هاتفك. وفقا لدراسة نشرت في 12 ديسمبر في مجلة Review of Educational Research. فإن قراءة النصوص المطبوعة تعزز الفهم أكثر من القراءة على الشاشة.
وقام باحثون من جامعة فالنسيا بتحليل أكثر من عشرين دراسة حول فهم القراءة نشرت بين عامي 2000 و2022. والتي شملت ما يقرب من 470 ألف مشارك.
وخلص الباحثون إلى أنه على مدى فترة طويلة من الزمن. يمكن لقراءة المواد المطبوعة أن تحسن مهارات الاستيعاب بمقدار ستة إلى ثمانية أضعاف مقارنة بالقراءة على الشاشة.
وقال لاديسلاو سالميرون، الأستاذ بجامعة فالنسيا والمؤلف المشارك في الدراسة. لصحيفة الغارديان: “إن الارتباط بين تكرار القراءة الترفيهية الرقمية. ومهارات فهم النص يقترب من الصفر”.
ويمكن أن يأتي التفسير من “الجودة اللغوية للنصوص الرقمية” التي تميل إلى أن تكون أقل. من تلك الموجودة تقليديا في النصوص المطبوعة”، بحسب الباحث.
النصوص المقروءة على وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال. مكتوبة باللغة اليومية، وحتى العامية، وقد تفتقر إلى بناء الجملة أو المنطق المعقد.
ومع ذلك، يشير لاديسلاو سالميرون إلى أن عجز الفهم صحيح بغض النظر عن نوع النص المقروء على الشاشة. سواء كانت شبكات التواصل الاجتماعي أو المواقع التعليمية مثل الموسوعة الإلكترونية ويكيبيديا.
ويشرح قائلاً: “كنا نتوقع أن ترتبط هذه المواقع بشكل أكثر إيجابية بفهم النص، لكن بياناتنا تشير إلى أن هذا ليس هو الحال”.
ويدعي الباحث الإسباني أيضًا أن الشخص الذي يقرأ على الشاشة يكون في “حالة ذهنية” مختلفة عما هو عليه عندما يقرأ كتابًا.
على وجه الخصوص، سيكون لديها ميل أكبر للقراءة بشكل قطري. “دون الانغماس الكامل في السرد” مما يمنعها من “الفهم الكامل للعلاقات المعقدة للنص الإعلامي”.
وفقًا لمؤلفي الدراسة، فإن جودة فهم النص المقروء على الشاشة منخفضة بشكل خاص بين الأطفال. الذين يتم تشتيت انتباههم بسهولة عن طريق مقاطع الفيديو أو الإشعارات التي يمكن أن تعطل القراءة.
المصدر: النهار أونلاين
كلمات دلالية: على الشاشة إلى أن
إقرأ أيضاً:
حينما تصبح الهوية قيدًا .. تأملات في نسب شجرة الغول لعبد الله بولا
إبراهيم برسي
٢٢ ديسمبر ٢٠٢٤
إن الكتابة عن بولا أو عن كتابات بولا نفسها تحتاج إلى جُرأة وشجاعة، وقد ترددت كثيرًا في دخول مثل هذه المقامرة. و تذكرت مقولة الفيلسوف الماركسي أنطونيو غرامشي عن حتمية انتهاء القديم وصعوبة ولادة الجديد: “تتجلى الأزمة تحديدًا في أن القديم آيل إلى الزوال، بينما لا يستطيع الجديد أن يولد.”
هذه المقولة تتناغم مع تأملات نص بولا، حيث نتعامل مع صراع جاد حول الهوية، التاريخ، والوجود.
“نسب شجرة الغول” هو نص لا يُقرأ، بل يُستشعر. كمن ينظر إلى مرآة غامضة تعكس ظلال الروح السودانية، حيث تتداخل الذكريات بالجروح، وتتمزق الهوية بين زوايا الماضي والحاضر.
عبد الله بولا لا يكتب هنا عن أزمة سياسية أو اجتماعية فحسب، بل يتجاوز ذلك ليغوص في صميم الصراع الإنساني: صراع الإنسان مع ذاته، مع الآخر، ومع المعنى الذي يصنعه أو يُفرض عليه.
الغول، الذي يتكرر ذكره في النص، ليس وحشاً أسطورياً من خيال جمعي، بل هو استعارة حية، مرنة، تأخذ شكلاً جديداً في كل مرة تُستدعى فيها.
الغول هو الهيمنة التي تختبئ وراء الأقنعة، حين تُحوّل التنوع إلى شتات، وحين تجعل من الجسد الواحد عدواً لنفسه. لكنه أيضاً الموروث الذي لم يختره أحد، الإرث الذي يُفرض علينا دون أن نستطيع التمرد عليه تماماً، تماماً كالأحلام التي تستدرج اللاوعي لتُفصح عما لا يُقال.
النص يتحدث عن السودان، لكن السودان هنا ليس مجرد بلد، بل هو صورة مصغرة للإنسانية في صراعها الأبدي مع الاختلاف. التنوع الثقافي الذي كان يمكن أن يكون ثروةً، تحوّل بفعل سياسات الهوية المهيمنة إلى عبء يثقل كاهل البلاد. ليس هذا صراعاً بين الهامش والمركز فقط؛ إنه صراع بين الأصوات التي تريد أن تتنفس، وبين سلطة تصر على أن تُعيد تشكيل كل ما حولها وفق صورتها الخاصة.
لغة عبد الله بولا تلتف حول القارئ كنسيم خفيف يخفي وراءه عاصفة. اللغة هنا ليست حيادية؛ إنها السلاح، الساحة، والجائزة.
اللغة العربية، بتغلغلها في المؤسسات التعليمية والإدارية، أصبحت كما يبدو في النص “اللغة السيدة”، بينما صارت اللغات الأخرى أصواتاً باهتة، مقيدة بالسياقات الخاصة، محرومة من الحضور الرسمي. لكن، كما أن الحلم يُظهر المكبوت، فإن النص يكشف عن مقاومة خفية، عن تلك الهويات التي لم تمت، بل تنتظر لحظة استعادة صوتها.
التاريخ في “نسب شجرة الغول” ليس سلسلة أحداث متتالية؛ إنه كيان حي يتنفس في كل زاوية من النص. يكتب عبد الله بولا عن الماضي لا ليفسره، بل ليحاكمه، ليعيد سؤاله عما فُعل باسمه.
الهوية السودانية، كما تبدو في النص، ليست حقيقة ثابتة، بل مشروعاً قيد التفاوض، مشروعاً حاولت الهيمنة أن تحسمه لصالح سردية واحدة، لكنها لم تفلح سوى في ترك جراح أعمق.
وهناك المثقفون. أولئك الذين كان يُفترض أن يكونوا حراس الوعي، لكنهم، كما يصوّرهم النص، وقعوا في فخ إعادة إنتاج الهيمنة.
في لحظات عديدة، يبدو النص كأنه حوار داخلي، حيث يتساءل الكاتب: كيف يمكن لمن يفكر أن يكون أداة في يد من يقمع التفكير؟
المثقف هنا ليس مجرد فرد، بل رمز لصراع أوسع: بين الفكر المستقل والسلطة التي تحاول أن تروضه.
ثم يأتي التحليل النفسي للهوية. في النص، الهوية ليست شيئاً نملكه، بل شيئاً يُفرض علينا. الهوية العربسلامية، كما يصورها النص، ليست مجرد اختيار، بل سلطة تحاول أن تُقصي كل ما لا يتماشى معها. إنها أشبه بظل طويل يخفي تحته التنوع، لكنه لا يستطيع محوه تماماً.
هذا الصراع بين المركز والهامش، بين اللغة السيدة واللغات المكبوتة، بين الماضي الذي يُعاد إنتاجه والحاضر الذي يبحث عن مخرج، هو ما يمنح النص قوته الفلسفية العميقة.
لكن النص ليس اتهاماً فارغاً؛ إنه أيضاً دعوة للتأمل. عبد الله بولا لا يقدم حلولاً جاهزة، لكنه يفتح نافذة على احتمالات جديدة. يدعو إلى القبول، ليس بمعنى الخضوع، بل بمعنى المصالحة مع الذات المتعددة، مع السودان كما هو، لا كما تريده السلطة أن يكون. النص يدعو القارئ إلى التوقف عن البحث عن إجابات سهلة، وإلى مواجهة التعقيد بجرأة.
“نسب شجرة الغول” هو نص يرقص على حافة الكلمة، يحفر في عمق المعنى، ويترك القارئ مسكوناً بأسئلة لا تنتهي. إنه كمن يسير على حبل مشدود بين الحلم واليقظة، بين الواقع والممكن، بين الذاكرة والنسيان. وفي النهاية، ربما لا يكون الغول إلا نحن، حين ننسى، حين نتجاهل، وحين نستسلم للهيمنة بدلاً من أن نقاومها.
zoolsaay@yahoo.com