بوابة الفدائيين.. طوباس تكسر هدوءها وتقضّ مضاجع الاحتلال
تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT
طوباس- قبل أسبوع من الآن، شهد مخيم الفارعة قرب مدينة طوباس شمال الضفة الغربية اقتحاماً لجيش الاحتلال خلَّف 7 شهداء وإصابات كثيرة، في عملية اغتيال وصفت بأنها الأعنف، وبعد يومين اقتحم الاحتلال طوباس نفسها وحاصر منازل مطلوبين عنده، وأطلق نحوها قذائف أنيرجا الصاروخية.
ورغم فظاعتها لم تكن تلك الاقتحامات الأولى والوحيدة للاحتلال بطوباس، بل أصبحت المدينة تعيشها بشكل شبه يومي مع ادعاء الاحتلال ملاحقة "مطاردين" أقضوا مضاجعه وأثخنوا ضرباتهم ضد جنوده والمستوطنين.
وكغيرها من مدن شمال الضفة الغربية، خطَّت طوباس باكراً طريقاً على خارطة النضال الفلسطيني، الذي اتسعت رقعته خلال العامين الأخيرين، وشكلت أحد أهم حالات المقاومة الفاعلة، عبر ما بات يعرف بالكتائب والمجموعات.
وما لبثت أن أعلنت سرايا القدس -الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي– إطلاقها "كتيبة طوباس" منتصف يونيو/تموز من العام الماضي، حتى انخرطت فصائل المقاومة، وخاصة كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في التوجه ذاته، وشرعت باستهداف الاحتلال.
ولم تبق هذه "المدينة الهادئة" كما يصفها أهلها، على هدوئها، بل واجهت الاحتلال واشتبكت معه ونجحت في إفشال مهماته باعتقال مطلوبين له.
ألقت طوباس بظلال مقاومتها على محيطها من القرى والمخيمات، فتشكلت في بلدات عقابا وطمون ومخيم الفارعة مجموعات مقاتلة بمسميات مختلفة وهدف مشترك: مقاومة الاحتلال ولجم اعتداءاته.
وقبل ذلك انتفض مقاومو طوباس خارج حدود مدينتهم، فاستشهد أحمد عاطف دراغمة في نابلس خلال تصديه لاقتحام المستوطنين لقبر يوسف بالمدينة، ولحق به أحمد أبو صلاح في مدينة جنين.
وعن حالة المقاومة بطوباس، يقول الناشط الاجتماعي بالمدينة عمر عينبوسي إنها ذات إرث تاريخي وليست وليدة أحداث اليوم، وقد شكلت أحد أعمدة الثورة الفلسطينية عام 1965 وأشعلت شرارة وقودها الدائم.
وبحكم موقعها الحدودي ووصفها "بوابة الفدائيين الشرقية مع الأردن وفلسطين المحتلة عام 1948" مهَّدت للثوار طريقهم للعبور أفراداً وجماعات، ولتهريب الذخيرة وسلاح المقاومة.
وامتداداً للحالة العامة للمقاومة بالضفة، تجلت مقاومة طوباس، وشكلت خلاياها المسلحة لمواجهة الاحتلال الذي سارع وبكل قوته للتخلص منها، بفعل تأثيرها على المستوطنات والنقاط العسكرية الكثيرة والقريبة.
وحسب حديث عينبوسي للجزيرة نت، توجد عوامل كثيرة ساهمت بإعادة التشكل السريع لمقاومة طوباس، إضافة للغضب العام وانسداد الأفق السياسي أمام جيلها الشاب المتأثر بمحيطه الثائر، أبرزها موقع المدينة الجغرافي، والامتداد العمراني الأفقي الذي عزّز الكثافة السكانية فيها.
كما سهَّل اتصالها المباشر، بمخيمها الوحيد والقرى المحيطة، بتسريع تشكل مجموعاتها المقاومة هي الأخرى، ويقول عينبوسي "في طوباس التي يغلب عليها الطابع القروي المتدين والمحافظ، ولد جيل لم يروض ولم يتم مسح دماغه، وهو يعيش البعد العقائدي بكل معناه".
وفي طوباس والأغوار الشمالية -التي تشكل معظم أراضي المدينة- صعَّد الاحتلال من وتيرة الاستيطان فيها، ولاحق أهلها وهجَّرهم منها، فأكثر من 90% من مساحة أراضيها، المقدرة بحوالي 400 كيلو متر مربع، حوّلها الاحتلال لمناطق عسكرية مغلقة لأغراض التدريب العسكري (7 معسكرات و33 مستوطنة).
كما أن حوالي 50% من هذه الأراضي العسكرية يحرم على المواطنين استخدامها، وبالتالي فقد أهالي طوباس الذين يعمل معظمهم بالزراعة مصدر رزقهم، وتشير معطيات وزارة الاقتصاد الفلسطينية إلى أن قطاع الزراعة بطوباس سجل خسارة بنسبة 70% منذ بداية العدوان على غزة.
وتسيطر طوباس على 8% فقط من كل مساحة أراضيها، وهي المناطق المصنفة "أ" وفق تقسيمات أوسلو، وحسب عينبوسي "هذه الـ8% باتت مهددة باقتحامات الاحتلال وملاحقاته اليومية للمواطنين، ومضايقاتهم عبر حواجزه العسكرية المحيطة بها، فضلاً عن اعتداءات المستوطنين التي هجّرت مئات الفلسطينيين وصادرت مواشيهم ومعداتهم الزراعية".
وخلص عينبوسي إلى أن كل محاولات الاحتلال إنهاء ظاهرة المقاومة بطوباس فشلت وجاءت بنتائج عكسية ضده، وأن كل الضغوط التي مورست ضد الشبان المنتفضين لتدجينهم وترويضهم لم تثنهم، بل اتسعت حاضنتهم الشعبية، كما ازدادت أعدادهم وأصبحوا أكثر إعداداً وتجهيزاً، وهو ما يظهر من خلال شراسة المواجهة وتصديهم للاحتلال، وتنفيذهم هجمات مقاومة.
ويشير مركز معلومات فلسطين (معطى) إلى أن 318 عملاً مقاوماً نُفذت بطوباس منذ بداية العام الجاري، تجلَّى أبرزها في 80 عملية إطلاق نار وإسقاط طائرة استطلاع، واستشهاد 22 من أبنائها، كان أبرزهم الشيخ عمر دراغمة (58 عاما) القيادي بحركة حماس، والذي استشهد بسجون الاحتلال بعد أيام من اعتقاله.
يرجع عضو لجنة التنسيق الفصائلي بطوباس باسل منصور ما يحدث في هذه "المدينة الهادئة" إلى قاعدة "العنف يولد عنفاً" ويقول للجزيرة نت إن "الاحتلال أغلق كل الأفق السياسية والاقتصادية وغيرها أمام أهالي المدينة التي تعرف بأنها سلة غذاء الفلسطينيين، وقطع أوصالهم بحرمانهم الوصول لأراضيهم عبر حواجزه العسكرية" ويضيف "بات المواطن مهدداً بلقمة عيشه".
وذهب منصور بقوله إن "عنف الاحتلال أسقط حتى خيار حل الدولتين عند الفلسطينيين، وباتوا يدعون لدولة فلسطينية واحدة من النهر إلى البحر، أمام انعدام كل الحلول السياسية" ويردف قائلاً "تفجَّرت كل العوامل السياسية في طوباس، ولم تعد مدينة سلام هادئة وواعدة، وتأثرت مقاومتها بمحيطها الفلسطيني".
ويرجح أن تتصاعد حالة المقاومة بطوباس، لا سيما في ظل سرعة تشكل الخلايا المسلحة فيها ووصول السلاح لها، ويضيف "السلاح حينما يتوفر يصبح سهلاً استخدامه".
ويختم الباحث السياسي الفلسطيني أحمد أبو الهيجا بقوله "حتى يكتب النجاح أكثر لهذه المقاومة، عليها أن تتعود على النمط المتعارف عليه بحرب العصابات، وهو مجموعات سرية ومدربة تعمل وفق التخطيط ومنطق الكمائن. وبعيداً عن الاستعراض، فهذا النمط مجدٍ أكثر وأقل استنزافاً وأكثر إقناعاً للمجتمع".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
طوفان الأقصى كسر وهم القوة وسردية الاحتلال.. قراءة في كتاب
الكتاب: القضية الفلسطينية من صفقة القرن إلى طوفان الأقصىالكاتب: عبد العليم محمد
الناشر: الحضارة العربية للتنمية الثقافية، 2025م
عدد الصفحات: 258 صفحة.
خطة الإصلاح القضائي في إسرائيل
يعد صعود اليمين الديني القومي المتطرف بمثابة النسخة الثانية من المشروع الصهيوني ومركزية الأسطورة الدينية في تكوينه، يحمل هذا اليمين الديني القومي في جعبته مشروع انقلابي قضائي، بزعم استعادة التوازن بين السلطات الثلاث التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، والحد من تغول السلطة القضائية، وتعرف هذه الخطة أي خطة الإصلاح القضائي ياريف ليفين، وزير العدل في الحكومة الإسرائيلية المنتمي لتكتل الليكود، وذلك باعتباره مهندس هذه الخطة الذي قام بصياغة بنودها وأعد مشروعها القوانين التي تضعها موضع التنفيذ، للوصول إلى الدولة العميقة في إسرائيل من قبل اليمين الديني والقومي واليمين الجديد في إسرائيل، من وجهة نظر هذا التيار في المحكمة العليا، والنظام القانوني الإسرائيلي، والاعلام والثقافة، واعتبار هذه المؤسسات من صنع اليسار العمالي وتخدم مصالحه، ولا تخدم مصالح اليمين العقائدية والدينية والسياسية، وساهم في هذه الخطة لوبي يسمى كوهيلت ومعهد الأبحاث التابع له الذي يموله أثرياء من الأمريكيين اليمنيين، واستثمروا فيها عشرات الملايين من الدولارات.
خصص الكاتب الفصل الرابع لطوفان الأقصى والمقاومة، والنسخة الثانية من المشروع الصهيوني، طوفان الأقصى والحرب العالمية الثالثة في غزة، إسرائيل عندما يصبح الإرهاب الطريق لإقامتها وضرورة بقائها، حرب المفاهيم الإسرائيلية نزع إنسانية الفلسطينيين، هندسة ديموغرافية، حل الدولتين نشأة الفكرة، الصعوبات قبل وبعد حرب غزة، اليوم التالي للحرب في إسرائيل.
طوفان الأقصى تحول استراتيجي
كشف طوفان الأقصى عن هشاشة المؤسسة الأمنية، والعسكرية، والاستخباراتية الإسرائيلية وقابليتها للاختراق والارتباك والشلل، إذ تمكن عدد محدد من بضع مئات من مقاتلي حماس والمقاومة الفلسطينية من اختراق السياج الحدودي، والسيطرة التامة لبضع ساعات على المستوطنات والمقار الأمنية والعسكرية، وأبطلت بنية الإنذار المبكر والرادات وعمل الوحدة الاستخباراتية المكلفة بمراقبة ما يحدث في القطاع ليل نهار على مدار أربع وعشرين ساعة، وهي الوحدة المعروفة 8200 (ص181).
بين كلمات غسان كنفاني وبين طريق المقاومة الذي اختاره السنوار صلة لا تنقطع، حيث اعتبرت إسرائيل أن كلمات كنفاني زاخرة بالقوة والتأثير والخطر عليها، تماماً كطريق المقاومة بالسلاح الذي تبناه السنوار والدليل على ذلك ان العدو لم يفرق بين صاحب الكلمات وبين حامل السلاح والمقاوم، فكلاهما خطر عليه وكلاهما أسلحة حادة تساهم إن آجلاً أم عاجلاً في تقويض روايته وكيانهدأب المحللون والمعلقون الاستراتيجيون الغربيون بعد عملية طوفان الأقصى على توصيف هذه العملية بـ (ببرل هابر) أثناء الحرب العالمية الثانية ضد الأسطول الأمريكي من الطائرات اليابانية، أو 11 سبتمبر عام 2001م، ضد الولايات المتحدة الأمريكية ومراكز التجارة العالمية والبنتاجون، ولكن حال التوصيف هذا بعيد عن الدقة والموضوعية، ومنحاز لإسرائيل قصداً وعمداً، لأن وراءها توصيفات يتم ترويجها ضد المقاومة الفلسطينية، فمن ناحية يضع توصيف طوفان الأقصى ببيرل هاربر الإسرائيلية المقاومة، وحركة حماس على قدم المساواة مع الفاشية العسكرية اليابانية، والتوصيف الثاني يصف طوفان الأقصى بهجمات 11 سبتمبر عام 2001م، يستهدف الربط بين المقاومة وحماس وبين الإرهاب، واعتبارهما تنظيمات إرهابية وينفي طابع المقاومة الفلسطينية لقوات الاحتلال الإسرائيلي، ويفتح الباب أمام الدعاية الإسرائيلية لدعشنة حركة حماس والمقاومة الفلسطينية.
لكن أولئك المحللين تناسوا أن دولة الاحتلال أقيمت على الإرهاب المنظم، وأن استمرار بقائها مرهون باستمرار التطهير العرقي للشعب الفلسطيني، فهو طريق تأمين وجودها وبقاءها، فلم تتوان إسرائيل عن الضرب بعرض الحائط لكافة المواثيق الدولية والقانون الدولي والقانون الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون النزاعات المسلحة، حينما قامت بتغيير المعالم الديمغرافية في الأراضي المحتلة عام 1967م، وتكثيف الاستيطان والمستوطنات ليصل عدد المستوطنين في الضفة ما يفوق 750 ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس (ص196 ).
حرب المفاهيم الإسرائيلية.. نزع إنسانية الفلسطينيين.
برعت إسرائيل في استخدام المصطلحات والمفاهيم الإسرائيلية للتغطية على جرائمها من قتل جماعي وابادة للنساء والأطفال والشيوخ، من خلال تبرير تلك العمليات وتسويغ قبولها لدى الرأي العام العالمي، وكسب الأنصار والمؤيدين في الساحة الدولية لكل إجرامها، من خلال جيش من الإعلاميين والدبلوماسية الإسرائيلية التي تهدف لنزع الإنسانية عن الشعب الفلسطيني، ونزع المشروعية عن نضاله الوطني التحرري، فكل ما جرى من وجهة نظرهم عام 1948م، من تطهير عرقي بطرد أكثر من 750 ألف فلسطيني من ديارهم مجرد معركة استقلال، وتحرير أرض إسرائيل من أصحابها، وما المقاومة الفلسطينية الشعبية والمسلحة لكل ذلك سوى إرهاب بما فيها الدعوة للمقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، والجدار العنصري الذي بنته على حدود الضفة الغربية والقدس وفق المصطلحات الإسرائيلية جدار أمني وسياج أمني، في حين أنه جدار فصل عنصري مقيت باعتراف محكمة العدل الدولية، حتى في حرب طوفان الأقصى وصف الشعب الفلسطيني بحرب كلامية ونفسية، فالفلسطينيون حيوانات وفق تعبير جالانت، والحرب التي تشنها إسرائيل ضد حركة حماس وليس ضد الشعب الفلسطيني، ولكن الشعب الفلسطيني خبر هذا التزييف والكذب وصناعته عبر العقود ومهما أمعنت المؤسسة الصهيونية الإسرائيلية في تغطية أهدافها وتزيينها بالكلمات فإن الشعب الفلسطيني يعرف الحقيقة، ولا يكتفي بالمعرفة فحسب بل يحاول تعزيزها بالمقاومة(ص201)
هندسة ديموغرافية.. آثار العدوان على غزة
ظل الهدف الإسرائيلي للمشروع الصهيوني السيطرة على أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية وأقل عدد من الفلسطينيين، يشغل الساسة الإسرائيليون وفق الهاجس الديمغرافي الذي لم يفارق الأجندة الإسرائيلية مع كل عدوان ترتكبه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، لإحداث تهجير قسري للسكان وتصحيح الخطأ الذي ارتكب عام 1948م، ببقاء الشعب الفلسطيني على أرضه وتهجيره داخلياً، وفي حرب طوفان الأقصى تمثل الهدف الديمغرافي للعدوان في القيام بعملية هندسة ديمغرافية في الهرم السكاني لقطاع غزة، والمعروف بقاعدته الشابة، التي قدرت بنحو 70% من اجمالي عدد سكان قطاع غزة البالغ 2.2 مليون نسمة، لكي يتحقق هذا الهدف استهدف العدوان قتل النساء والأطفال، فالنساء مصدر الخصوبة والنمو السكاني والانجاب أما الأطفال فهم مقاومة الغد . ص205))
ناقش الفصل الخامس تغيير جغرافية الإقليم، بين المقاومة والأوهام الإسرائيلية ومعادلة القوة والحق..، الضفة الغربية وتحولات الأمن الإسرائيلي، غزة ولبنان بين الفصل والربط، السنوار وكنفاني..
بين الرصاص والكلمات، معادلة القوة والحق، في الصراع العربي الإٍسرائيلي
حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على غزة والمرشحة للاستمرار بسبب غياب أي نوايا إسرائيلية على انهائها، لا تقتصر أهدافها على غزة و جغرافيتها الضيقة، بل تمتد إلى الإقليم كله، بهدف اخضاع الإقليم والقوى الفاعلة فيه لسطوة القوة الإسرائيلية، وتأكيد التفوق الإسرائيلي المدعوم أمريكياً وغربياً، بأحدث المعدات واللوجستيات الاستخباراتية والأمنية يضيف الكاتب هنا: " عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر وجهت ضربة قوية لعناصر الأمن الإسرائيلي والاستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة الشعب الفلسطيني والمحيط الإقليمي، التي تمثلت في توفر العناصر الأربعة التي تعتمد عليها هذه الاستراتيجية؛ أي الردع والإنذار المبكر والدفاع والحسم التي تمت صياغتها وفق افتراضات وضعها المنظرون الاستراتيجيون الإسرائيليون؛ أولها: ضيق مساحة إسرائيل جغرافياً، ثانيها: أن إسرائيل دولة يهودية وتستهدف جلب اليهود من كل بقاع الأرض للحياة فيها، ثالثها: افتراض ان إسرائيل تعيش في محيط معاد يكن لها الكراهية ومعاد للسامية، وأن الاتفاقيات التي عقدت معها للسلام لم تتمكن من محاصرة وتقليص هذه الكراهية، وبطبيعة الحال فإن إسرائيل بسلوكها وجرائمها وعدوانها قد غذت القسط الأكبر من هذه الكراهية.
برعت إسرائيل في استخدام المصطلحات والمفاهيم الإسرائيلية للتغطية على جرائمها من قتل جماعي وابادة للنساء والأطفال والشيوخ، من خلال تبرير تلك العمليات وتسويغ قبولها لدى الرأي العام العالمي، وكسب الأنصار والمؤيدين في الساحة الدولية لكل إجرامها، من خلال جيش من الإعلاميين والدبلوماسية الإسرائيلية التي تهدف لنزع الإنسانية عن الشعب الفلسطيني، ونزع المشروعية عن نضاله الوطني التحرري،يؤكد الكاتب أن عنصر الردع كان الأكثر تضرراً وإثارة للجدل، فالأصل في الردع في العلاقات الدولية هو منع الخصم، من القيام بعمل يضر بمصالح صاحب قوة الردع، وقد أثبت طوفان الأقصى هشاشة الردع الإسرائيلي، وقابليته للاختراق على نحو مفجع لإسرائيل، وكل ما تفخر به من تكنولوجيا استخباراتية وأمنية واستباقية؛ نتيجة لذلك يركز الجدل حول الأمن الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر على تقليص الاعتماد على مفهوم الردع والانذار المبكر، وضرورة الاعتماد على مفهوم المنع الاستباقي أي استخدام القوة لمنع التهديد مبكراً بدلاً من انتظار وقوعه(ص230).
غزة ولبنان بين الفصل والربط:
روج بنيامين نتنياهو قبل السابع من أكتوبر عام 2023م، لمقاربة سياسة استراتيجية في اعتبار أن إيران وحزب الله هما الخطر الوجودي على إسرائيل، في حين أن حركة حماس لا تمثل تهديداً لوجود إسرائيل، إلا أن السابع من أكتوبر أثبت خطأ هذه المقاربة نظريا وعملياً ووجهت الانتقادات الحادة لنتنياهو باعتبار أن هذه المقاربة تمثل السبب الأول في الفشل الاستخباراتي والأمني والعسكري الإسرائيلي في مواجهة طوفان الأقصى، لكن عودة نتنياهو إلى هذه المقاربة بعد ما يقرب من عام على الحرب ارتكزت إلى أن حرب الاسناد والمشاغلة التي بدأها حزب الله ضد إسرائيل لتخفيف الضغط العسكري على المقاومة الفلسطينية منذ الثامن من أكتوبر 2008م، قد أسهمت في ابطاء تحقيق الأهداف الإسرائيلية في غزة، وعمقت الربط بين جبهة غزة وجبهة الشمال، وأن ربط وقف اطلاق النار في الجبهة الشمالية يرتبط بوقف حرب الإبادة في غزة؛ لذلك جاءت الضربة لحزب الله بتفجير أجهزة البيجر والوكي توكي، ومن ثم ضرب الضاحية الجنوبية لبيروت، واغتيال القادة والكوادر العسكرية لحزب الله لإجبار حزب الله على قبول الفصل بين جبهة غزة، وجبهة الشمال، ووقف حرب الإسناد لغزة، وسحب مقاتلي حزب الله لعدة كيلو مترات بعيداً عن المستوطنات الإسرائيلية تطبيقا لقرار 1701.(ص234).
يقول الكاتب:" يربط غزة والمقاومة في لبنان تشابهات بنائية في العمق والجوهر، فكلتاهما يمثلان قلعتين للمقاومة في وجه التوسع والعدوانية الإسرائيلية، كما أن لكليهما صولات وجولات وتاريخاً من المقاومة الباسلة في لبنان وغزة، وتشترك كلتاهما في حمل الاحتلال الإسرائيلي على الرحيل؛ بسبب المقاومة الضاربة في كل منهما، هذه دروس لا يمكن تجاهلها وروابط لا يمكن فصلها".
السنوار وكنفاني بين الرصاص والكلمات:
الشهداء يخاطب بعضهم بعضاً، السابقون منهم يخاطبون اللاحقين، فغسان كنفاني الذي اغتالته إسرائيل بقرار من جولد مائير عام 1972م، بعبوة ناسفة وضعت تحت سيارته، تحدث سابقاً عن الشهادة "احذروا الموت الطبيعي" ولا تموتوا إلا تحت زخات الرصاص" وتسقط الأجساد لا الفكرة"، ولا عذراً لمن أدرك الفكرة وتخلى عنها"، وكأنه يخاطب السنوار رغم فارق الزمن والتاريخ، حيث حرص على أن يموت مقاتلاً مقاوماً مشتبكاً، وليس مختبئاً أو متحصناً، بالأسرى كما زعمت الرواية الإسرائيلية التي تم تعميمها على العالم شرقا وغرباً، رفض السنوار وعلى نهج غسان كنفاني الموت الطبيعي، وتمسك بفكرة المقاومة عندما أدركها، ولم يتخل عنها حتى الرمق الأخير، ورسم بصورة استشهاده ألف حقيقة مسحت كل الدعاية الإسرائيلية التي حاولت تشويهه.
"بين كلمات غسان كنفاني وبين طريق المقاومة الذي اختاره السنوار صلة لا تنقطع، حيث اعتبرت إسرائيل أن كلمات كنفاني زاخرة بالقوة والتأثير والخطر عليها، تماماً كطريق المقاومة بالسلاح الذي تبناه السنوار والدليل على ذلك ان العدو لم يفرق بين صاحب الكلمات وبين حامل السلاح والمقاوم، فكلاهما خطر عليه وكلاهما أسلحة حادة تساهم إن آجلاً أم عاجلاً في تقويض روايته وكيانه"، (ص240).
إقرأ أيضا: من صفقة القرن إلى ملائكية الاحتلال.. قراءة في تهديدات التصفية.. كتاب جديد