ما المقصود بقوله تعالى:«كل يوم هو في شأن»؟ سؤال بينه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بـالأزهر، حيث يقول تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) من هذه الأية تم استخلاص نظرية تسمى "نظرية الإيجاد والإمداد".

ما المقصود بقوله تعالى:«كل يوم هو في شأن»؟ 

وتابع علي جمعة من خلال صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: فهناك إيجاد (أي خلْق) (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا) وهناك إمداد، وهذا الإمداد (كُن فَيَكُونُ) مستمر متواصل لا ينقطع، ولو أن الله سبحانه وتعالى قطع هذا الإمداد لأفنى المقطوع عنه، وليس معنى ذلك أن يموت، فالموت خلْق جديد (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ) ، بل يفنى أي يصير إلى عدم محض،.

فالله سبحانه وتعالى لا يزال خالقًا، وقطعه الإمداد -ولله سبحانه وتعالى المثل الأعلى- هو كقطع التيار الكهربائي عن شاشة التليفزيون فتختفي الصور وينطفئ نور الشاشة.

وأضاف: فالإمداد هو الذي يحفظ الإيجاد ويعطيه الحيوية، وهو من الله وحده لا يشاركه فيه أحد، ومن هذا فهموا معنى (لا حول ولا قوة إلا بالله) بمعنى انقطاع كل قدرة أو حول أو طاقة إلا بعون الله ومدده، وفهموا دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تكلني إلى نفسي طرفة عين) [رواه النسائي] لأنه لو أوكلني إلى نفسي فسوف أفنى، فلا حول لي ولا قوة في أن أوجد نفسي أو أن أبقيها إلا بالله العلي العظيم، وإذا وصل معتقد الفرد إلى هذا، وصل إلى درجات التوكل والتفويض، والانصراف إلى الله بكلية القلب والفكر والهمة في العبادة والحياة. فأنا منه وإليه، ومن ذلك أيضًا نفهم المناجاة النبوية: (لبيك وسعديك, والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك) [رواه مسلم].

أول صلاة جمعة بالجامع الأزهر.. 10 معلومات عن قبلة العلم والعلماء ملتقى الطفل بالجامع الأزهر يواصل ترسيخ القِيم الأخلاقية لدى النشء

وشدد علي جمعة: كانت هذه هي العقيدة السائدة حتى القرن التاسع عشر الميلادي، لكنها كانت حاضرة بالأساس في النخبة. فالأمة اليوم جهِلت وتحولت إلى أمة أميَّة تجهل دينها وقرآنها، تقريبًا منذ ما بعد القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)؛ حيث انتهى عصر توليد العلوم وبدأ عصر الزخم العقيم. فعلى سبيل المثال يقيم (الفخر الرازي) حفلًا ضخمًا ليعرض فيه ألف دليل على وجود الله سبحانه وتعالى بينما كان تعليق إحدى العجائز على ذلك: أكان لديه ألف شكًّ في وجود الله؟ فهذا مما نقصده بالزخم العقيم.

كما قال في بيان الحكمة من الابتلاء، إن الله سبحانه وتعالى رحيم بعباده وأنه سبحانه عندما يرسل المصائب والكوارث سواء كانت مجاعات أو سيول أو فيضانات أو زلازل أو براكين ...  مثل هذه الأشياء؛ إنما يرسلها كمذكِّر وليست انتقامًا، لأن انتقامه أشد من هذا بكثير، ليس الانتقام أن يموت مائة أومئتان أوكذا بل الانتقام -نسأل الله السلامة ونسأل الله العفو- ليست هذه صورته، الانتقام صورته أشد وأنكى، ونسأل الله أن يرحم ضعفنا وأن يغفر لنا على ما كان من عمل، ولكن هذه الأحداث الكونية مذكرة وتجعل الانسان يتذكر أنه بيد الله مثل الموت {فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ} هو مصيبة لكنه يذكر بالآخرة.

وأضاف: الإنسان بعد أن تنتهي فترة الحداد ينشغل بالدنيا مرة ثانية وينسى الموت، عجيب! ولهذا سُمى إنساناً من النسيان وسُمى الناس كذلك لأنهم ينسون :
وما أولُ ناسٍ إلا أولُ الناسِ ** وأول الناس هو سيدنا آدم.
إذن هذه الأشياء مذكرة وليست انتقامًا، لأن الانتقام ليس هذا شكله، الانتقام شئ رهيب، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقى أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من أي انتقام وغضب له سبحانه وتعالى.

فالذي يحدث إنما هو تذكير كشأن الموت وشأن الشيب؛ فالإنسان يأتي له شيب فيذكر أنه كبر في السن وقربت أيامه وأنه لم يبق له أكثر مما مضى فيبدأ في العمل الصالح وفي رد المظالم وفي عمل الخير للناس ..... إلخ، ونجد في الشيب أن الإنسان يمسك عصاه فهذه نذير بقرب المسألة تُرجع الانسان إلى حظيرة الله وتجعله {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } ففيها معنى الدفع والباعث لأن الانسان يغير من سلوكه فكذلك الموت وكذلك المصائب والكوارث سواء كانت مجاعات أو سيول أو فيضانات أو زلازل أو براكين ... إلخ، كل هذه الأشياء يفعلها الله سبحانه وتعالى من أجل تذكير الناس، والحكيم هو الذي يحولها إلى تذكِرة يرجع بها إلى رب العالمين سبحانه وتعالى ويسارع إلى المغفرة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: علي جمعة هيئة كبار العلماء الله سبحانه وتعالى علی جمعة

إقرأ أيضاً:

أدب الاختلاف / د. زهير طاهات

#أدب_الاختلاف

بقلم: د. #زهير_طاهات
كل الكتب والشرائع السماوية تحث على الصبر على من أساء، وأن لا يجهل أحدكم فوق جهل الجاهلينا؛ لتكون مجتمعاتنا مجتمعات يسودها الحب، والتكافل، والرحمة. وديننا الإسلامي دين رحمة، يحث على الكلمة الطيبة؛ لأنها صدقة، وقوله تعالى:
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾
والانسان الناجح كلما تقدم نحو العلى خطوة من مسيرته المباركة في هذه الحياة، يظهر له من يناصبه العداء ليس لشيء وانما بهدف افشاله وتشويه صورته ،وهناك فئة ضالة مضللة تعمد الى نشر الاشاعات لافشال المؤسسات الرائدة فتقوم باغتيال الشخصيات المؤثرة والعاملة فيها .وتتميز هذه الفئة بالضعف والنفاق والطعن بصدر الوطن وبث الفتنة ، وغرس سهام سامة في الوحدة الوطنية ، والتشكيك بالقدرات ، كما انها تلجأ الى استدراج ضحاياها الغافلة الى مستنقعات راكدة عفنة ، وهذه الفئة من البشر يطلق عليها “قوى الشد العكسي” ، ومن الصعوبة أن يصل أحد معهم إلى حوار عقلاني، ومنطق سليم، وتهدف الى نشر الفرقة والخصومة وتحارب الانجاز ، لكن العاقل الحصيف يبقى دائما حذرا متنبها
لكل ألاعيبهم التي تنطلي فقط على اصحاب العقول الصغيرة ، وكما يقول المثل الإنجليزي
“لا تُصارع خنزيرًا في الوحل، فـتتسخ أنت ويستمتع هو.”
يعني أنك لا تناقش، ولا تُعامل، ولا تُكلم، ولا تبرر، ولا تشرح لأحد لا يُشبهك ولا يُـشبه مستواك، سواء الفكري، أم الأدبي، أم الأخلاقي.
ومستوى تعليم الفرد لا يعطي صكوك غفران بالأخلاق، والقيم ، ولا يعني أن الفرد يسمو إنسانيا .
وكل الديانات السماوية تحث على عدم الرد على السفيه لانه من الواجب مدارات السفيه و الجاهل “
وقوله تعالى: ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) أي : إذا سفه عليهم الجهال بالسيئ ، لم يقابلوهم عليه بمثله ، بل يعفون ويصفحون ، ولا يقولون إلا خيرا ، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، وكما قال تعالى: ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي) .
وفي هذا المقام استذكر قول الشافعي في فن الرد على من أساء إليه بقوله :”يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلماً كعود زاده الإحراق طيبا
إذا سبني نذل تزايدت رفعة و ما العيب إلا أن أكون مساببه
و لو لم تكن نفسي علي عزيزة لمكنتها من كل نذل تحاربه
إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من أجابته السكوتُ
فإن كلمته فرجت عنه وإن خليته كمدا يموتُ
“قالوا سكت وقد خوصمت”
لذا؛ علينا أن نقابل الإساءة بالحسنة، وأن نقتدي برسولنا الكريم بأن نصفح ونتسامح لنقضي على العنف المجتمعي ونتراحم فيما بيننا . حمى الله وطننا من الفتن وكل من يفتعل الفتن ، لان الفتنة اشد من القتل .

مقالات ذات صلة درس غزة …! 2025/01/23

مقالات مشابهة

  • وزير الأوقاف السابق: رحلة الإسراء والمعراج كانت بالروح والجسد معا
  • أستاذ فقه يوضح الإعجاز القرآني في «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ»
  • الجندي: حياة سيدنا النبي تعلمنا دروس عظيمة في الصبر والرضا |فيديو
  • البحوث الإسلامية: رحلة الإسراء والمعراج عكست مكانة النبي عند ربه
  • أدب الاختلاف / د. زهير طاهات
  • سيدنا النبي صخرة الكونين وسند العالمين .. علي جمعة يوضح
  • الأمين العام لمجمع البحوث :الإسراء والمعراج جسراً سماوياً بين الأرض والسماء
  • محمد الجندي: رحلة الإسراء والمعراج عزَّزت ثقة الرسول بنفسه ورسالته
  • مجمع البحوث الإسلامية: رحلة الإسراء والمعراج جسرًا سماويًا بين الأرض والسماء
  • دعاء آخر جمعة في شهر رجب