تلعب الفكاهة في المجلات والإصدارات الجهادية دورا حيويا في تكوين الهوية الجماعية، وخلق إحساس بالتماسك الداخلي، وتشير دراسة لعدد من المجلات الصادرة باللغة الإنجليزية المنسوبة لتنظيمي «داعش» و«القاعدة» إلى أن التشدد لا يتمثل في العمليات والأهداف والفكر الاستراتيجي، بل يبدو جليا في الملابس والموسيقى والأفلام والروايات، وكذلك يتعلق بجانب آخر يتمثل في الفكاهة والرياضة.

تمثل الفكاهة البعد الناعم للحياة العسكرية لتلك التنظيمات، إلا أن هذا الأمر لم يحظ بالدراسات الكافية من الباحثين، وبالنظر إلى أي مجموعة ذات مرجعية وفكر أيديولوجي محدد، يمكن ملاحظة أن الممارسات الاجتماعية اليومية التي تتمثل في إلقاء الشعر وتفسير الاحلام وممارسه الرياضة، تشير تلك الممارسات إلى أن عناصر تلك المجموعة لا يقضون وقتهم في تعلم مهارات تصنيع القنابل فقط.

تلك الممارسات اليومية تصدرها الوسائل الإعلامية ضمن وسائلها الدعائية، على سبيل المثال عندما يوشك أحد العناصر على القيام بعمل جهادي - من وجهة نظرهم بطبيعة الحال - يتم إخراج مادة إعلامية خاصة بنشاطه اليومي، المتمثلة في لعب كرة القدم مع الأطفال، ووضح ذلك في أحد الإصدارات المرئية لتنظيم القاعدة، حيث تضمن صور المقاتلين وهم يمزحون.

يبقى السؤال: ما الهدف من تصوير الضحك والفكاهة في الخطاب الجهادي؟

يمكن الإجابة على هذا السؤال من خلال المسارات التالية:

*حدود الفكاهة:

تشير حدود الفكاهة في اللغة المستخدمة للتمييز بين ما هو مسموح وما لا يسمح بمناقشته بطريقه كوميدية، ولا توجد قواعد ثانية لما يمكن اعتباره كوميديا، تطبق كل مجموعة من تلك التنظيمات حدود الدعابة والفكاهة، فعلى سبيل المثال تضمن أحد إصدارات حركات طالبان منشورا يشير إلى أن (المأساة أن الناس يعتقدون أنه من المقبول تحقير المقدسات والاستخفاف بما هو محبب إلينا نحن المسلمين أكثر من أرواحهم)، يشير هذا البيان إلى أن المشاركة في السلوك الفكاهي العلني أمر غير مقبول لمسلم يحترم الشريعة، ويتضح ذلك الأمر في الفكاهة الظرفية حيث يتم الإسقاط من قبل أعضاء ذلك التنظيم، في حاله الاستخفاف بالمقدسات والاستهانة بها.

أنواع الفكاهة

*الفكاهة اللاإنسانية:

أشارت تلك الدراسة إلى أن عناصر تلك التنظيمات تستخدم الدعاية اللاإنسانية تجاه خصومهم بدرجات متفاوتة، وذلك من خلال نزع الصفات الإنسانية عن شخص أو مجموعة معينة، ويبدو الشكل الأكثر شيوعا فى ذلك الأمر هو إنكار الخصائص والسمات الإنسانية مثل الذكاء والأخلاق، وإظهار الصفات الحيوانية مثل الحشرات والخنازير، وقد يتعلق ذلك الاتجاه بمسارات وتفاعلات ديناميكية داخل تلك المجموعات والمتعاطفين معهم، وقد تمثل ذلك المنهج الخاص بالفكاهة اللاإنسانية في الإصدار رقم 10 لمجله دابق الصادرة عن تنظيم داعش وتضمن ما هو فحواه ( اكتشفت أنها زوجة أحد الدواب الذي كان يهدف النيل مني أو القصاص )

*الفكاهة الساخرة:

تهدف الفكاهة الساخرة الى الكشف باستخدام لغة ذكية غالبا ما تدعو الى تصور جديد يتحدى ويخالف الوضع الراهن.

وأشارت الدراسة إلى إبراز صور للفكاهة الساخرة، من خلال تحليل إصدارات تلك التنظيمات المقروءة والمرئية ما تضمنه العدد رقم 2 لمجلة الأمة الصادرة عن تنظيم القاعدة، وقد تضمن ذلك العدد محتوى يسخر من قرارات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب (يفضلون العقوبات الاقتصادية على الحياة العسكرية التي قد تجبر الدول على الانصياع للولايات المتحدة أو بعد 40 عاما قد تؤدي إلى انهيار الأنظمة الحاكمة بتلك الدول)، وهنا ترامب نفسه هو الهدف من النكتة الساخرة عن طريق الإيحاء، بأن تغريداته قد تؤدي الى انهيار انظمة حاكمة.

على جانب آخر، تشير تلك الدراسة إلى أن تنظيم «داعش»، أبرز تلك التنظيمات تمثلت سخريته من قادة الدول الكبرى وردت في العدد رقم 13 من مجله «داعش»، وفي العدد رقم 9 لاحد إصدارات القاعدة - مجلة الأمة

*الفكاهة الظرفية:

تعرف بأنها استخدام الفكاهة في الحنين إلى الماضي، ووضعها في سياق الروايات والأحداث المباشرة التي مر بها المجاهدون في تلك التنظيمات، وتستخدم لغرض استراتيجي لتحفيز عناصر تلك المجموعات والمتعاطفين.

الفكاهة الظرفية شائعة إلى حد ما لدى تنظيم «القاعدة»، إلا أنها تبدو واضحة تماما من خلال إصدارات تنظيم داعش، كما ورد بالعدد رقم 1 من مجلة الرسالة إحدى صور الدعابة الظرفية لإظهار الجانب الخفي لأحد الانتحاريين، وقد تضمن ذلك الإصدار (كان خطاب رجل بسيط يلقي النكات، ويداعب الجميع، ويقيم علاقات جيدة مع الآخرين).

تشير إصدارات داعش إلى الفكاهة والضحك في سياق الجهاد -من وجهة نظرهم- ويسهم ذلك المضمون بشكل إيجابي في حشد الأفراد من خلال التأكيد على البهجة التي يحصل عليها المشاركون في أعمال باسم الجهاد، وبالتالي يتم استخدام الفكاهة الظرفية لإثراء سرد الأحداث الماضية، وتطوير منطق، واتجاه يحث على القناعة بأفكار تلك التنظيمات.

خاتمة

تشير الآثار الأوسع لتلك الدراسة إلى أن الفكاهة تلعب دورا أساسيا في الفكر الجهادي وتعزز الهوية، فالفكاهة الظرفية على سبيل المثال تظهر تركيزا على الحياة الجهادية يتجاوز ويخالف مفهوم التشدد، ويمكن لذلك الأمر أن يكون أداة فعالة لجذب المجندين المحتملين، بإيهامهم برؤية رومانسية لحياة جهادية.

وقد خلصت الدراسة إلى أن الفكاهة في الخطاب الجهادي، وحالة التهكم والسخرية التي وردت في إصدارات تلك المجموعات المقروءة والمرئية، تشير إلى مدى العدوانية تجاه المعارضين.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الإرهاب داعش طالبان القاعدة الفكاهة الدراسة إلى أن تلک التنظیمات من خلال

إقرأ أيضاً:

جدران كابل صفحات مفتوحة لصراع صامت بأفغانستان

كابل- تغيرت ملامح العاصمة الأفغانية كابل بشكل تدريجي منذ سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان في أغسطس/آب2021، وبات لافتا للأنظار تغير لون الجدران وخاصة المحيطة بالسفارة الأميركية، إذ تحولت هذه المساحات من لوحات فنية ورسائل شعبية إلى منابر دعوية وتوجيهية، تستخدمها وزارة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" بلغة واضحة تخاطب فيها المجتمع وتحديدا النساء.

وبين مؤيد ومعارض لكتابة الشعارات، تبقى الجدران في العاصمة كابل صفحات مفتوحة لصراع صامت، تعكس حجم التوتر القائم بين الواقع الاجتماعي الحالي والرغبة في كسر القيود والتعبير عن الذات.

تقول زينب (اسم مستعار) وهي طالبة جامعية حرمت من إكمال دراستها للجزيرة نت "عندما أخرج من المنزل، فأرى عبارات تشعرني أن وجودي نفسه أصبح محل تساؤل وجدل، لا أحد يقول لي مباشرة: ارجعي إلى منزلك، لكن الجدار يفعل ذلك بصمت، وأشعر أنه يخاطبني دون أن أرد عليه".

ويرى مراقبون أن استخدام الجدران ليس مجرد وسيلة دعائية فقط، بل هو جزء من إستراتيجية التواصل، تهدف إلى ترسيخ رؤى الحركة في المجتمع، وهو بديل إعلامي للحكومة لتعزيز خطابها، لكنها تبقى مرآة للتغير الذي طرأ على المجتمع الأفغاني في ظل حكم طالبان، إذ تُعبّر عن خطاب أحادي الجانب، موجه لجمهور واسع، دون أن تتيح لهذا الجمهور فرصة الرد أو النقاش.

إعلان

لكن الأستاذة السابقة في جامعة كابل آمنة جلالي لها رأي آخر، وتقول للجزيرة نت إن "معظم الشعارات التي ظهرت على الجدران في العاصمة كابل أو الطرق العامة، لا تتعارض مع طبيعة الشعب الأفغاني وخاصة المرأة، ومعظمها حول القيم والمبادئ التي هي جزء لا يتجزأ من ثقافة الشعب، وأنا أراها وسيلة ناجحة لترسيخ هذه المبادئ في وجدان الجيل الشاب لأنه ولد وعاش في حقبة الاحتلال".

عبارات دعوية مرسومة على جدار أمام قاعدة عسكرية أميركية سابقة في العاصمة كابل (الجزيرة) أداة دعاية ناعمة

في شوارع العاصمة، تنتشر شعارات تدعو إلى "الاحتشام"، وتُشجع المرأة على البقاء في منزلها، وتؤكد "دور المرأة المسلمة وفق الشريعة"، وباتت هذه العبارات -التي تُكتب بخط واضح وبألوان غامقة- جزءا من المشهد اليومي في العاصمة كابل.

وتمثل هذه الجدران نوعا من الدعاية الناعمة التي تستهدف تشكيل وعي عام جديد، وتعكس رغبة الحركة في إعادة تشكيل دور المرأة في الحياة العامة، بعيدا عن النموذج الذي ساد خلال العقدين الماضيين في أفغانستان.

تقول هادية حكيمي (17 عاما) للجزيرة نت إنها لا تغادر منزلها أبدا دون ارتداء الحجاب، وتعلق أن مثل هذه الرسائل تبدو كأنها "مصدر ضغط وإذلال وليس تعليما دينيا، فالحجاب القسري ليس حجابا في الواقع، لا ينبغي فرض نمط خاص على المرأة، ومن حقنا كنساء أن نختار الحجاب الذي نريده، ونحن ملتزمات بعاداتنا وتقاليدنا التي لا تعارض تعاليم الإسلام"، حسب قولها.

أما جميلة (اسم مستعار)، وهي طالبة في كلية الطب بجامعة كابل حرمت من مواصلة دراستها، فتوضح للجزيرة نت أنها كلما خرجت من منزلها تقرأ الشعارات المكتوبة على الجدران "وأشعر كأنها تراقبني"، وتضيف "هي لا تجبرني على تغطية وجهي، لكنها تغلق أمامي أبواب الحلم والتعبير. أنا من عائلة ملتزمة ولا أذكر أنني خرجت من دون الحجاب حتى قبيل وصول طالبان إلى السلطة".

من جهتها تقول سلمى عزيزي (23 عاما)، وهي طالبة سابقة في جامعة خاصة، للجزيرة نت إن "نشر الوعي العام بشأن الحجاب ودور المرأة في المجتمع الأفغاني لا غبار عليه، وهذه الشعارات تعزز حقنا في المجتمع، والخلاف الموجود ليس مع تعاليم الإسلام وإنما حول الآلية التي اختارتها وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويمكن الاستفادة من تجارب في دول إسلامية مثل دول خليجية وماليزيا وإندونيسيا في مجال التعليم والعمل".

إعلان

وتؤكد الصحفية الأفغانية خديجة قانت للجزيرة نت أن "جدران كابل اليوم تحوّلت إلى دفتر رسائل، تتحدث فيه طالبان مع النساء، ولكن من طرف واحد، إنها رسائل لا تقبل الرد والنقاش، بل تفرض نفسها كحقائق مطلقة"، وأضافت "بينما تظل المرأة الأفغانية مُغيبة عن المشهد السياسي والإعلامي، فإن هذه الجدران بمثابة تذكير يومي بالصراع على الوعي والهوية والدور الاجتماعي للمرأة".

تأثير نفسي

يقول المتحدث باسم وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيف الإسلام خيبر للجزيرة نت إن "الوزارة قامت بكتابة شعارات وتوجيهات على جدران العاصمة كابل والمدن الرئيسية، وهي تساعدنا في نشر الوعي الديني، وكل من يمر أمامها يلقي النظرة عليها، وهي تؤثر على أفكار الجيل الناشئ".

وأضاف "نسعى لأن نكتب على الجدران شعارات مفيدة ومهمة تلخص الأحكام الدينية، وفي الوقت نفسه نكافح العادات والتقاليد التي تعارض تعاليم الشريعة، وبعد تقييمنا فقد رأينا أنها أثرت إيجابيا على الناس وخاصة الشباب والنساء".

تؤكد أستاذة علم النفس السابقة في جامعة كابل نرجس علم للجزيرة نت أن "هذه الرسائل المكتوبة على جدران المدينة تؤثر على الوعي الجماعي، وعندما تتكرر عبارات وشعارات تحدد للمرأة مكانها وسلوكها في كل شارع وزاوية فإن ذلك يتحول من رسالة إلى قانون اجتماعي غير مكتوب، ويخلق حالة من الرقابة الذاتية والخوف".

وتحذر علم من أن استمرار هذا الخطاب وبهذا النمط من جهة واحدة "يعزز الشعور بالعجز الجماعي، ويعيد إنتاج الصورة النمطية لدور المرأة".

يذكر أنه بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان عام 2021، ألغيت وزارة شؤون المرأة وحلت مكانها وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، قامت الوزارة بتغيير مظهر المدينة، حتى أصبحت جدرانها الآن أدوات دعائية لتنفيذ سياسات طالبان.

إعلان

وبعد محو الجداريات التي رسمت أثناء وجود القوات الأميركية، طُليت جدران مراكز التعليم والجمعيات النسائية والمدارس برسائل حركة طالبان، ووجدت جدران كابل التي كانت تضم في السابق شعارات مختلفة عن العدالة والحريات المدنية، لغة جديدة ذات أسلوب توجيهي بالغالب، تحدد في محتواها حدود حياة المرأة.

مقالات مشابهة

  • موسكو تسمح لأفغانستان بتعيين سفير في روسيا
  • جدران كابل صفحات مفتوحة لصراع صامت بأفغانستان
  • محامٍ بريطاني: قدمنا طلبا لشطب “حماس” من قائمة التنظيمات الإرهابية
  • محامي بريطاني : قدمنا طلبا لشطب حماس من قائمة التنظيمات الإرهابية
  • انفوجرافيك ـ رابطة علماء اليمن: نجدد التأكيد على أن النفير الجهادي والجهوزية القتالية والاستعداد العالي للتضحية أصبح أوجب من أي وقت مضى
  • رابطة علماء اليمن تدعو للنفير الجهادي والجهوزية القتالية لمواجهة العدوان الأمريكي
  • تنظيم القاعدة يتبنى الهجمات التي استهدفت جيش بنين
  • بعملية مشتركة ضد داعش.. اعتقال إرهابيين في حدود إدارة كرميان
  • البراءة لدركي متقاعد من جناية الانخراط في تنظيم “داعش” بليبيا
  • البراءة لدركي متقاعد من جناية الإنخراط في تنظيم “داعش” بليبيا