جريدة الرؤية العمانية:
2024-10-05@17:15:30 GMT

الاغتيال المُمنهج للصحفيين

تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT

الاغتيال المُمنهج للصحفيين

حاتم الطائي

◄ أكثر من 90 شهيدًا وعشرات الجرحى والمصابين من الإعلاميين بغزة

الاحتلال الصهيوني ينفذ عدوانًا مُتعمّدًا ضد الصحفيين في كل مكان

◄ الإعلام البديل فضح أكاذيب كبرى القنوات الإخبارية والصحف

 

لم تكن المعركة الإعلامية المُتزامنة مع العدوان الإسرائيلي البربري على غزة بعد ملحمة "طوفان الأقصى"، أقل ضراوة من المعارك البطولية التي تخوضها فصائل المُقاومة الفلسطينية ضد جيش الاحتلال الصهيوني، الذي لا يتوانى عن تنفيذ أشنع المذابح وارتكاب أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، غير أنَّ المعركة الإعلامية التي يخوضها الباحثون عن الحقيقة تحت ويلات القصف العشوائي الهجمي وبين ركام الأبنية التي تحطمت على رؤوس سكانيها، تتخذ يومًا تلو الآخر منحى شديد الانعطاف، مع سقوط عشرات الشهداء من الصحفيين والإعلاميين، في استهداف مُتعمّد من قوات الاحتلال لتصفية واغتيال أصوات الحقيقة التي تصدح بما تراه وتسمعه وتنقله من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إلى جانب جرائم الإبادة الجماعية التي تنفذها القوات الصهيونية بكل وقاحة.

أكثر من 90 شهيدًا وعشرات الجرحى والمصابين في صفوف الإعلاميين الذين يناضلون من أجل مبادئ المهنة وقيمها، ساعين لنشر الحقائق ونقل مُعاناة ومآسي الشعب الفلسطيني الذي يتعرض منذ ما يزيد عن 70 يومًا لعدوان همجي خلّف أكثر من 19 ألف شهيدًا وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين بإصابات مستديمة. هؤلاء لم يسعوا لبناء مجدٍ إعلامي كحال الكثير من الصحفيين حول العالم، رغم أنه حق مشروع، لكنهم جاهدوا بأنفسهم من أجل إعلاء كلمة الحق، فصار كل صحفي وإعلامي منهم منبرَ من لا منبر له، فقد مُنعت وسائل الإعلام الدولية من الدخول إلى غزة، وحيل بين الطواقم الإخبارية وبين قدرتهم على التغطية الحرة دون قيود، علاوة على أولئك الذين لا يتمكنون من التحرك عدة أمتار خشية القصف بالطائرات المسيرة التي تجوب أنحاء غزة ليل نهار..

لقد كان آخر ضحايا هذا القصف البربري الأعمى، الصحفي وائل الدحدوح مراسل شبكة الجزيرة الإخبارية، وزميله المصور الصحفي سامر أبو دقة، وبينما نجا الدحدوح رغم إصابته، إلّا أنَّ أبا دقة ارتقى شهيدًا، بعدما منعت قوات الاحتلال المُجرمة خروجه من مدرسة تابعة للأمم المتحدة في غزة، فكانت الجريمة هنا مُضاعفة؛ قصف المدرسة في جريمة حرب خسيسة، واستهداف إعلاميين ضمن القصف، وثانيًا جريمة منع مدني مصاب من تلقي العلاج، فظل أبودقة ينزف لساعات حتى صعدت روحه إلى بارئها.

مثل هذا العدوان المُمنهج والمتعمّد ضد الصحفيين والإعلاميين والمراسلين، يستهدف في المقام الأول إسكات صوت الحقيقة وقطع حناجرها، ووأد كل محاولة للكشف عن جرائم هذا المحتل الغاصب القاتل الدموي، والعمل بكل جهده من أجل إخفاء فشله الذريع وهزيمته الاستراتيجية التي مُني بها، كما هو الحال في كل مواجهة مع المقاومة.

المعركة الإعلامية خط فاصل بين الحقيقة والزيف، وبين الصدق والكذب، وبين النور والظلام، أبطالها رجال صادقون مؤمنون بدورهم الرسالي في نقل الواقع دون تضليل، بكل شجاعة وإخلاص.

ولذلك يمكننا قراءة أبعاد هذه المعركة الإعلامية من عدة زوايا رئيسية:

أولًا: نجاح الإعلام العسكري للمقاومة؛ فقد تمكنت فصائل المقاومة الفلسطينية من تبني خطاب إعلامي قائم على المصداقية والأمانة، معتمدًا في ذلك على أحدث التقنيات من تصوير عالي الجودة واستخدام المؤثرات البصرية والسمعية، علاوة على توظيف التصوير الحي للمعارك حتى من "المسافة صفر"، ما يؤكد علو كعب هذه المقاومة وإعلامها العسكري، الذي برهن على كفاءته منذ اليوم الأول، حتى إن التقارير العبرية تفيد بأنَّ أسر الأسرى الإسرائيليين يترقبون خطاب أبي عبيدة الناطق الرسمي باسم القسام، وكذلك البيانات الإعلامية الصادرة عنه، إلى جانب مقاطع الفيديو التي تُحقق انتشارًا واسعًا في أنحاء العالم. نجحت الفصائل في معركتها الإعلامية كجزء من الحرب النفسية التي تمارسها على عدوها، فما إن تنشر القسام فيديو لأسرى في غزة، حتى تخرج مظاهرات حاشدة في مدن الاحتلال وعلى رأسها تل أبيب، للاحتجاج على عدم تفاوض حكومتهم على استعادة الأسرى في صفقة تبادل.

ثانيًا: التأثير العميق للإعلام البديل وأتحدثُ هنا عن وسائل التواصل الاجتماعي، والتي ثبُت دورها الفاعل في التأثير على الجمهور حول العالم، على الرغم مما تفرضه هذه المنصات من قيود وإجراءات تعسفية ضد نشر الأخبار ومقاطع الفيديو والصور؛ بل حتى المنشورات الشخصية، وقد كنتُ واحدًا ممن تعرضوا لهذا التعسف وتقييد الحريات عبر منصة "إكس" وكذلك "إنستجرام"، كما كانت جريدة الرؤية هدفًا للتعنت وفرض القيود عندما سعينا لنشر عمل فني غنائي يحتفي بالشعب الفلسطيني، فقرر موقع يوتيوب حذف الفيديو بعد ثوانٍ معدودة من نشره، بل وإرسال إنذار بإغلاق الحساب نهائيًا.

لكن ورغم كل ذلك، كان نشطاء التواصل الاجتماعي بمثابة العين والأذن للجماهير حول العالم، يشاهدون من خلالها حقيقة ما يجري في غزة، ويسمعون بآذانهم صرخات الأمهات الثكلى والأطفال الأيتام والأسر المكلومة في شهدائها. لقد مثّلت هذه المنصات النافذة الصادقة والحقيقية للأوضاع في غزة، في ظل ما تُمارسه وسائل الإعلام الرئيسية الكبرى من تضليل وأكاذيب وتبنٍ للرواية الإسرائيلية. واستطاع الجمهور في مختلف دول العالم معرفة الإرهابي الحقيقي وهي إسرائيل، ورؤية القاتل الإسرائيلي وهو يُنفِّذ جريمته النكراء بحق الشعب الفلسطيني، فخرجت المظاهرات المليونية في أنحاء أوروبا وأمريكا تنديدًا بالهمجية والعدوان الإسرائيلي البربري. رأينا كيف أن أغنية "تحيا فلسطين وتسقط الصهيونية" حققت انتشارًا لا مثيل له وباتت الأغنية الرسمية للاحتجاجات المناهضة للعدوان الإسرائيلي، رغم أنَّ الأغنية صدرت في ألبوم لفرقة "كوفية" الفلسطينية السويدية في عام 1978.

ثالثًا: فشل الإعلام الغربي في الدفاع عن القاتل الإسرائيلي؛ حيث سقطت وسائل إعلام دولية في هوة سحيقة من الأكاذيب والإفك المُتعمّد في مسعى يائس لتشويه صورة المقاومة الفلسطينية وطمس حقها في الدفاع عن الأرض والعرض، واستعادة الحرية وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة. تلاشت مهنية وموضوعية وسائل إعلام شهيرة مثل "سي إن إن" و"فوكس نيوز" و"بي بي سي" والصحف مثل "نيويورك تايمز" و"وواشنطن بوست" وغيرها، فهذه الوسائل الإعلامية- إن صح الوصف- قررت منذ اللحظة الأولى تبني الرواية الإسرائيلية القائمة على التلفيق والكذب، بل ونعت المقاومة في كل تغطياتها بـ"الحركة الإرهابية"، بينما الإرهاب بعينه تمارسه إسرائيل ومن ورائها أمريكا والغرب.

ويبقى القول.. إنَّ معركة طوفان الأقصى، وما أفرزته من معارك أخرى وبطولات، وفي المُقدمة منها المعركة الإعلامية، لتؤكد أن شعب فلسطين الحر الأبيّ سيُحقق النصر المُبين ولو بعد حين، وأنَّ الاحتلال سيُلقى في مزبلة التاريخ لأنه إلى زوال لا محال، وأن المقاومة الباسلة التي تكتب سطور النصر بدماء الشهداء الطاهرة ستحقق أهدافها النبيلة في إطلاق سراح جميع الأسرى القابعين في ظلم وظلمات سجون الاحتلال، وكذلك تحقيق الاستقلال التام وبناء دولة فلسطين الحرّة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: المعرکة الإعلامیة شهید ا فی غزة

إقرأ أيضاً:

موطن الحكمة.. وفلسطين التي كشفت القناع

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

المُتابع للقضية الفلسطينية عبر تاريخها المقارب لثمانين عامًا، وخاصة التحولات التي شهدتها خلال السنوات الخمسة والثلاثين الماضية، يُدرك أن زوال هذا الكيان الغاصب المغروس في قلب الامة العربية بات وشيكًا، حتى الصهاينة أنفسهم يدركون هذه الحقيقة ويعيشون هواجسها بشكل يومي، رغم قوتهم وتمكنهم وغطرستهم وتقدمهم التكنولوجي وتفوقهم العسكري والاقتصادي، بينما الأمة العربية والإسلامية تعيش حالة شتات وخلاف مذهبي وطائفي وعرقي وسياسي.

الصهيوني يرى أن زوال دولته حاصلٌ في أي لحظة من مراحل التاريخ، وأنه في أي وقت قد تنعكس موازين القوى، خاصةً مع تنامي رقعة الصراع ودخول المنطقة في مرحلة من الفوضى السياسية وتعددية القوى وتشكل التحالفات من جديد، مع صعود الوعي العالمي بمدى بربرية المحتل ووحشيته، علاوة على تزايد عدد المؤيدين للقضية الفلسطينية حول العالم، لا سيما من الشعوب الغربية، التي اكتشفت الخديعة الكبرى، واتضحت لها سياسات حكوماتها العنصرية تجاه هذه القضية، وباتت أكثر شراسة في رفضها لهذا المغتصب العنصري، حتى من الدول العربية والإسلامية التي يعيش بعض شعوبها حالة من الغيبوبة الفكرية.

خلال الأسبوعين الماضيين، عاثت آلة القتل الصهيونية فسادًا في لبنان واغتالت عددًا من قيادات "حزب الله" وعلى رأسهم السيد حسن نصرالله الأمين العام للحزب، ومن قبله السيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. هذا التوجه الذي نهجه المحتل يهدف إلى ضرب حركات المقاومة معنويًا من خلال التخلص من قياداتها، في تصورٍ منه أن ذلك يُضعف هذه الحركات، ويتناسى المحتل أن هذه السياسة ذاتها هي التي أوقدت جذوة المقاومة، وربما اغتيال الشهيد الشيخ أحمد ياسين خيرُ دليل على ذلك. هذا التوجه في حد ذاته يُبيِّن مدى التخبُّط الذي يعيشه المحتل والخوف الذي ينتابه من فكرة الزوال والنهاية التي يعيشها كل يوم!

من الطبيعي أن يفرح اليهودي الصهيوني وحتى الغربي والكارهين للعرب والمسلمين منهم، وهم يشاهدون الدمار الذي يُحدثه المحتل الغاشم، وأعداد الضحايا من الأبرياء وقيادات المقاومة التي تسعى لتحرير فلسطين المحتلة، لكن أن تفرح شرذمة قليلة العرب والمسلمين بنصر عدوهم، فهذا أمر غير منطقي وغير مقبول، وهو ما يُثبت نجاح النظرية الصهيونية التي قامت على أن بقاء إسرائيل يمر عبر تقسيم المنطقة إلى جماعات إثنية وطائفية وعرقية، حتى يظل الصراع الداخلي بينهم؛ بعيدًا عن عدوهم الأساسي. وقد ذكر كثير من المفكرين المتخصصين في هذا المجال هذه النظرية التي يغذيها الغرب بشكل مستمر، والشواهد كثيرة حتى ظهر لدينا "المُتصهْيِنيون" الذين أظهروا مواقف وتصرفات، أشد كرهًا للعرب والمسلمين من اليهود أنفسهم!

لقد تجاوزت هذه الفئة كل المبادئ الإنسانية والأخلاقية في تعاطيها مع المقاومة الفلسطينية والداعمين لها، ومدَّت يدها للصهاينة، في مشهد أكثر تقاربًا من التطبيع ذاته، وخرجت جموعهم تحتفل مع كل ضربة يوجهها العدو لإسقاط المقاومة. ومن المؤسف أن بعض من أفراد الأُمَّة لا يفرقون بين العدو والصديق، وبين ما يأمرنا به الدين وما ينهانا عنه، وكل ذلك من جراء الطائفية والانتماءات السياسية التي بُليت بها الأُمَّة، وما أفرزه مشروع التقسيم الصهيوني الغربي من جيل يعاني عدد من أفراده من التغييب والتدمير الأخلاقي والفكري، وأصبحنا نجد من يفرح لموت مسلم على يد محتل غاصب.

وسط هذه الفوضى الفكرية المُلوَّثة، تبرز سلطنة عُمان وأبناؤها بمواقفهم التاريخية الثابتة من قضية فلسطين العادلة، وفي حقيقة الأمر هذا الموقف يمثل لي- كعُماني- مصدر فخر ما بعده فخر، وأعيش حالة من الشعور بالقوة الداخلية والرضا التام، عندما أشاهد هذا الثبات من حكومتنا الرشيدة ومن علمائنا الأجلاء وعلى رأسهم سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة- أمد الله في عمره- تجاه قضية فلسطين، ومن خلفهم أبناء عُمان الأوفياء، الذين ضربوا أروع الأمثلة في دعم هذه القضية، نابذين كل عوامل التفرقة التي تفتك بالشعوب الأخرى، ومبتعدين عن مُسببات الشقاق والتشرذم الذي وقع فيه الآخرون.

لقد ظلّت تصريحات سلطنة عُمان وتوجهاتها السياسية نحو القضية الفلسطينية ثابتة على مر تاريخ هذه القضية، وانتهجت سلطنة عُمان نهجًا ثابتًا داعمًا للأشقاء لم يتغير، رافضةً للتطبيع والتعاطي مع المحتل، مطالبةً المجتمع الدولي بأن يقوم بواجبه لإجبار هذا المحتل على تطبيق قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وخاصة فيما يتعلق بحل الدولتين على حدود 1967، ووقف دوامة العنف، الذي يجر المنطقة والعالم نحو حرب شاملة مُدمِّرة، وعلى الدول الداعمة لهذا الكيان المحتل أن تتوقف عن تقديم الدعم الذي يُكرِّس الظلم، ويؤسِّس لصراع طويل وواسع قد يصل لمصالح هذه الدول وشعوبها، وعلى الجميع أن يُجنِّب العالم أجمع كارثةً باتتْ وشيكة أكثر من أي وقت مضى.

مقالات مشابهة

  • بيان للفصائل الفلسطينية بغزة يؤكد على شروطها في ذكرى طوفان الأقصى
  • موطن الحكمة.. وفلسطين التي كشفت القناع
  • الفصائل الفلسطينية تجتمع بغزة في ذكرى طوفان الأقصى
  • تصريح صحفي صادر عن الفصائل الفلسطينية في ذكرى معركة طوفان الأقصى
  • من أرض المعركة.. ضابط في حزب الله يتحدّث عن المعارك مع الجيش الإسرائيليّ في الجنوب إليكم ما كشفه
  • الأردن.. مظاهرة تطالب بدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية
  • واعظ بالأزهر: «الوسطية» منهج رباني لإصلاح أحوال الناس
  • حماس: خسائر الاحتلال يثبت عجزه عن حسم المعركة على الجبهات
  • المقاومة الفلسطينية تبث مشاهد لإستهدافها آليات العدو شرق خانيونس
  • اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية يستنكر استهداف مكتب العلاقات الإعلامية لحزب الله