الاغتيال المُمنهج للصحفيين
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
حاتم الطائي
◄ أكثر من 90 شهيدًا وعشرات الجرحى والمصابين من الإعلاميين بغزة
◄ الاحتلال الصهيوني ينفذ عدوانًا مُتعمّدًا ضد الصحفيين في كل مكان
◄ الإعلام البديل فضح أكاذيب كبرى القنوات الإخبارية والصحف
لم تكن المعركة الإعلامية المُتزامنة مع العدوان الإسرائيلي البربري على غزة بعد ملحمة "طوفان الأقصى"، أقل ضراوة من المعارك البطولية التي تخوضها فصائل المُقاومة الفلسطينية ضد جيش الاحتلال الصهيوني، الذي لا يتوانى عن تنفيذ أشنع المذابح وارتكاب أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، غير أنَّ المعركة الإعلامية التي يخوضها الباحثون عن الحقيقة تحت ويلات القصف العشوائي الهجمي وبين ركام الأبنية التي تحطمت على رؤوس سكانيها، تتخذ يومًا تلو الآخر منحى شديد الانعطاف، مع سقوط عشرات الشهداء من الصحفيين والإعلاميين، في استهداف مُتعمّد من قوات الاحتلال لتصفية واغتيال أصوات الحقيقة التي تصدح بما تراه وتسمعه وتنقله من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إلى جانب جرائم الإبادة الجماعية التي تنفذها القوات الصهيونية بكل وقاحة.
أكثر من 90 شهيدًا وعشرات الجرحى والمصابين في صفوف الإعلاميين الذين يناضلون من أجل مبادئ المهنة وقيمها، ساعين لنشر الحقائق ونقل مُعاناة ومآسي الشعب الفلسطيني الذي يتعرض منذ ما يزيد عن 70 يومًا لعدوان همجي خلّف أكثر من 19 ألف شهيدًا وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين بإصابات مستديمة. هؤلاء لم يسعوا لبناء مجدٍ إعلامي كحال الكثير من الصحفيين حول العالم، رغم أنه حق مشروع، لكنهم جاهدوا بأنفسهم من أجل إعلاء كلمة الحق، فصار كل صحفي وإعلامي منهم منبرَ من لا منبر له، فقد مُنعت وسائل الإعلام الدولية من الدخول إلى غزة، وحيل بين الطواقم الإخبارية وبين قدرتهم على التغطية الحرة دون قيود، علاوة على أولئك الذين لا يتمكنون من التحرك عدة أمتار خشية القصف بالطائرات المسيرة التي تجوب أنحاء غزة ليل نهار..
لقد كان آخر ضحايا هذا القصف البربري الأعمى، الصحفي وائل الدحدوح مراسل شبكة الجزيرة الإخبارية، وزميله المصور الصحفي سامر أبو دقة، وبينما نجا الدحدوح رغم إصابته، إلّا أنَّ أبا دقة ارتقى شهيدًا، بعدما منعت قوات الاحتلال المُجرمة خروجه من مدرسة تابعة للأمم المتحدة في غزة، فكانت الجريمة هنا مُضاعفة؛ قصف المدرسة في جريمة حرب خسيسة، واستهداف إعلاميين ضمن القصف، وثانيًا جريمة منع مدني مصاب من تلقي العلاج، فظل أبودقة ينزف لساعات حتى صعدت روحه إلى بارئها.
مثل هذا العدوان المُمنهج والمتعمّد ضد الصحفيين والإعلاميين والمراسلين، يستهدف في المقام الأول إسكات صوت الحقيقة وقطع حناجرها، ووأد كل محاولة للكشف عن جرائم هذا المحتل الغاصب القاتل الدموي، والعمل بكل جهده من أجل إخفاء فشله الذريع وهزيمته الاستراتيجية التي مُني بها، كما هو الحال في كل مواجهة مع المقاومة.
المعركة الإعلامية خط فاصل بين الحقيقة والزيف، وبين الصدق والكذب، وبين النور والظلام، أبطالها رجال صادقون مؤمنون بدورهم الرسالي في نقل الواقع دون تضليل، بكل شجاعة وإخلاص.
ولذلك يمكننا قراءة أبعاد هذه المعركة الإعلامية من عدة زوايا رئيسية:
أولًا: نجاح الإعلام العسكري للمقاومة؛ فقد تمكنت فصائل المقاومة الفلسطينية من تبني خطاب إعلامي قائم على المصداقية والأمانة، معتمدًا في ذلك على أحدث التقنيات من تصوير عالي الجودة واستخدام المؤثرات البصرية والسمعية، علاوة على توظيف التصوير الحي للمعارك حتى من "المسافة صفر"، ما يؤكد علو كعب هذه المقاومة وإعلامها العسكري، الذي برهن على كفاءته منذ اليوم الأول، حتى إن التقارير العبرية تفيد بأنَّ أسر الأسرى الإسرائيليين يترقبون خطاب أبي عبيدة الناطق الرسمي باسم القسام، وكذلك البيانات الإعلامية الصادرة عنه، إلى جانب مقاطع الفيديو التي تُحقق انتشارًا واسعًا في أنحاء العالم. نجحت الفصائل في معركتها الإعلامية كجزء من الحرب النفسية التي تمارسها على عدوها، فما إن تنشر القسام فيديو لأسرى في غزة، حتى تخرج مظاهرات حاشدة في مدن الاحتلال وعلى رأسها تل أبيب، للاحتجاج على عدم تفاوض حكومتهم على استعادة الأسرى في صفقة تبادل.
ثانيًا: التأثير العميق للإعلام البديل وأتحدثُ هنا عن وسائل التواصل الاجتماعي، والتي ثبُت دورها الفاعل في التأثير على الجمهور حول العالم، على الرغم مما تفرضه هذه المنصات من قيود وإجراءات تعسفية ضد نشر الأخبار ومقاطع الفيديو والصور؛ بل حتى المنشورات الشخصية، وقد كنتُ واحدًا ممن تعرضوا لهذا التعسف وتقييد الحريات عبر منصة "إكس" وكذلك "إنستجرام"، كما كانت جريدة الرؤية هدفًا للتعنت وفرض القيود عندما سعينا لنشر عمل فني غنائي يحتفي بالشعب الفلسطيني، فقرر موقع يوتيوب حذف الفيديو بعد ثوانٍ معدودة من نشره، بل وإرسال إنذار بإغلاق الحساب نهائيًا.
لكن ورغم كل ذلك، كان نشطاء التواصل الاجتماعي بمثابة العين والأذن للجماهير حول العالم، يشاهدون من خلالها حقيقة ما يجري في غزة، ويسمعون بآذانهم صرخات الأمهات الثكلى والأطفال الأيتام والأسر المكلومة في شهدائها. لقد مثّلت هذه المنصات النافذة الصادقة والحقيقية للأوضاع في غزة، في ظل ما تُمارسه وسائل الإعلام الرئيسية الكبرى من تضليل وأكاذيب وتبنٍ للرواية الإسرائيلية. واستطاع الجمهور في مختلف دول العالم معرفة الإرهابي الحقيقي وهي إسرائيل، ورؤية القاتل الإسرائيلي وهو يُنفِّذ جريمته النكراء بحق الشعب الفلسطيني، فخرجت المظاهرات المليونية في أنحاء أوروبا وأمريكا تنديدًا بالهمجية والعدوان الإسرائيلي البربري. رأينا كيف أن أغنية "تحيا فلسطين وتسقط الصهيونية" حققت انتشارًا لا مثيل له وباتت الأغنية الرسمية للاحتجاجات المناهضة للعدوان الإسرائيلي، رغم أنَّ الأغنية صدرت في ألبوم لفرقة "كوفية" الفلسطينية السويدية في عام 1978.
ثالثًا: فشل الإعلام الغربي في الدفاع عن القاتل الإسرائيلي؛ حيث سقطت وسائل إعلام دولية في هوة سحيقة من الأكاذيب والإفك المُتعمّد في مسعى يائس لتشويه صورة المقاومة الفلسطينية وطمس حقها في الدفاع عن الأرض والعرض، واستعادة الحرية وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة. تلاشت مهنية وموضوعية وسائل إعلام شهيرة مثل "سي إن إن" و"فوكس نيوز" و"بي بي سي" والصحف مثل "نيويورك تايمز" و"وواشنطن بوست" وغيرها، فهذه الوسائل الإعلامية- إن صح الوصف- قررت منذ اللحظة الأولى تبني الرواية الإسرائيلية القائمة على التلفيق والكذب، بل ونعت المقاومة في كل تغطياتها بـ"الحركة الإرهابية"، بينما الإرهاب بعينه تمارسه إسرائيل ومن ورائها أمريكا والغرب.
ويبقى القول.. إنَّ معركة طوفان الأقصى، وما أفرزته من معارك أخرى وبطولات، وفي المُقدمة منها المعركة الإعلامية، لتؤكد أن شعب فلسطين الحر الأبيّ سيُحقق النصر المُبين ولو بعد حين، وأنَّ الاحتلال سيُلقى في مزبلة التاريخ لأنه إلى زوال لا محال، وأن المقاومة الباسلة التي تكتب سطور النصر بدماء الشهداء الطاهرة ستحقق أهدافها النبيلة في إطلاق سراح جميع الأسرى القابعين في ظلم وظلمات سجون الاحتلال، وكذلك تحقيق الاستقلال التام وبناء دولة فلسطين الحرّة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: المعرکة الإعلامیة شهید ا فی غزة
إقرأ أيضاً:
موقف عمومي
#موقف_عمومي
د. #هاشم_غرايبه
منذ أن فرض على الأردن قانون الصوت الواحد عام 1993 ، وأنا لا أشارك في الانتخابات، لأنني أعلم أن المجلس بات مجرد ديكور أراده الغرب للتظاهر باتباع الديموقراطية، التي يعلم أنها لا تطبق في ديار المسلمين، ولا يريدها أن تطبق على حقيقتها أصلا، لأنه لو أتيح الخيار الحر لشعوبنا لاختارت الإسلام كنظام سياسي، وذلك سيؤدي الى اعادة توحدها وتحررها من هيمنتهم، وهذا سيقوض جهودهم التي نجحوا فيها خلال القرن الماضي بإبقاء منطقتنا متشرذمة ضعيفة.
ولما أن مجلس النواب بات بلا أي دور رقابي أو تشريعي، بل مجرد مجلس شيوخ العشائر، لا يحل ولا يربط، فلم يتحرك يوما لمحاسبة فاسد ولا لمساءلة مسؤول، بل لم يقدم من ذاته أي مشروع قانون، فكل دوره يتوقف على الموافقة على المقدم من الحكومة كما ورد بلا اي تعديل، بعد مناقشته استعراضيا.
لذلك فأنا مثل أغلب المواطنين، لا أتابع ما يدور في مجلس النواب، لأنني لا انتظر منه نفعا للبلاد ولا للعباد، فكل ما أقره من قوانين أو تعديلات لقوانين أو لنصوص دستورية، لم يكن فيها مكتسبات للمواطن أو تخفيف عن كاهله أو خير للوطن، جميعها تندرج في باب تعظيم صلاحيات أصحاب القرار، والتضييق على الحريات وزيادة الرقابة، ورفع الرسوم والضرائب، أو جاءت تلبية لمتطلبات الجهات المانحة.
أثيرت في الآونة الأخيرة ضجة لا مبرر لها، ربما لجلب انتباه الجهات الغربية المهيمنة، التي تطالب الدولة الأردنية على الدوام بإثبات حسن السلوك والطاعة، والقضية التي ثار اللغط حولها كانت في الخلاف حول فقرة طالبت دائرة الإفتاء اضافتها الى ما قدمته الحكومة من مشروع تعديلات حول ما سمته بـ (لجنة حقوق المرأة)، والتي تمثل الاستجابة لما تبقى من قررات مؤتمر سيداو سيد الذكر، كانت الحكومة تحفظت على بعضها لتجاوز المعارضة الشعبية لتلك المقررات المخالفة للشريعة.
كانت الفقرة المضافة هي: “بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية”، في الحقيقة هي نص بسيط ولا يمكن أن يعترض عليه أحد، لكنها كانت ذكية، إذ أنها كافية لنقض أي نص من التي يراد تمريرها حاليا وقادما.
انتبه إليها بعض نواب (الألو) فاعترضوا على ادراجها بحجة عدم الضرورة لايرادها، فتصدى لهم النواب المحسوبون على التيار الإسلامي، ودارت رحى حرب كلامية انتشرت الى خارج المجلس، فساهم ذوو الغرض من المؤلفة قلوبهم بالأعطيات والمكرمات، ومن الطامحين لنوال المناصب ويودون تسجيل حسن السلوك لدى الأجهزة الأمنية، وممن يضمرون سوء النية تجاه منهج الله ويوادون كل من يعاديه.
ساهمت هذه الفئات الثلاث في تسعير المعركة الإعلامية، وتوجهت سهامهم الى الإخوان المسلمين، رغم أنه معروف أن أكثر من نصف نواب التيار الإسلامي ليسوا من الإخوان، وحتى رئيس الكتلة الذي توجهه إسلامي مثل 90 % من الشعب الأردني لكنه ليس إخوانيا، لكن هؤلاء المهاجمين غارقون في الجهل بطبيعة الشعب الأردني، فهم يعتقدون أن الإخوان هم فقط من يؤمنون بأن منهج الإسلام هو الصحيح، ويجب اتباعه، ويظنون أن المسلمين غير الحزبيين بلهاء يمكن توجيههم حيث يشاؤون، ومن يطالبون بالحكم بموجب شرع الله هم الحزبيون فقط، لذلك يتوهمون أنهم لو تمكنوا من القضاء على الإخوان المسلمين سيفقد المسلمون البوصلة، وسيتمكنوا من تحويلهم عن اعتبار الإسلام منهجا سياسيا يجب العمل على اعتماده كنظام سياسي، الى تحولهم الى التدين الطقوسي، الذي لا يتدخل في السياسات ولا الشؤون العامة للأمة.
لقد أثبت التاريخ الطويل، أن معادي منهج الله أعداء الأمة الخارجيون ، ومعهم المنافقون من داخلها، لن يقر لهم قرار ولا يهدأ لهم بال حتى يتمكنوا من اطفاء نور الله المتمثل بهديه الى البشر من خلال الرسالة الخاتمة، لذلك نلاحظ أن شغلهم الشاغل، عقد المؤتمرات الهادفة الى إفشاء الرذيلة والفساد تحت مسميات براقة خادعة، وربط الأقطار الإسلامية بأخطبوط البنك الدولي لامتصاص خيراتها وإبقائها مرتهنة للغرب ليفرض عليها اتباع إملاءاته.
في كتاب الله دليل لكل ما سيتعرض له المسلمون له في كل الأزمنة: “وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا” [البقرة:217]، لكن من لا يقرأ كتاب الله ولا ينتهجه، لن ينتفع به، لذلك سيضل وسيشقى.