الرجولة مواقف| أبو عبيدة وهجرس والدحدوح.. هؤلاء أصبحوا رموزا شعبية صنعتهم معركة طوفان الأقصى

"لا تغير الشاشة إلى أن ينتهى الخطاب" .. هكذا تحول المزاج العام لمجموعة من الشباب المصري على أحد المقاهي، حيث فضل أن يستكمل أحد خطابات أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب القسام الجناب العسكري لحركة حماس، على أن يستمع إلى إحدى مباريات فريق ليفربول الإنجليزي، والذي يلعب له محمد صلاح، والذين توقفوا عن الهتاف والبدء في الاستماع بإمعان إلى ذات الخطاب،  وعلقوا قائلين "الرجولة مواقف".

 

وليس متكررا أن تمر تلك الأحداث على جيل من شباب الأجيال العربية، وفي عمق المحنة الشديدة التي تمر بها غزة وأهلها، إلا أن العديد من الظواهر تثبت أن تلك المعركة أفرزت رموزا ذات تقدير عام لدي الشارع العربي، ولم تتوقف الأمور عند أبو عبيدة، ولكن ما يظهره المزاج العام للعرب على صفحات التواصل الاجتماعي، فإن ظروف المحنة جعلت لأشخاص بعينها مكانة وتقدير، أمثال أبو عبيدة، وهنا نرصد أبرز رموز حازت تقدير العرب بمختلف بلدانهم خلال الأسابيع الماضية منذ بدء عملية طوفان الأقصى.

 

 

 

أبو عبيدة .. الملثم الذي أصبح رمزا شعبيا 

أصبح الشخص الملثم أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إلى رمزا شعبيا في البلدان العربية، واستطاع أن يفرض وجوده داخل المنازل والساحات والمقاهي في البدلان العربية وجالياتها بالخارج، وأصبح الجميع ينتظر طلته على الشاشة لسماع كلماته التي تحولت إلى مقولات مأثورة تتردد بين الشباب.

 

وبات أبو عبيدة رجلا أقرب إلى الأيقونة أو الرمز، يختزل صوت المعركة والقضية برمتها أيام المواجهة هذه، وزاد من رمزيته ارتدائه للكوفية التي ترمز للقضية الفلسطينية، ومن مثلها مثل أبو عمار وأبو جهاد وأبو إياد، ورموز النضال الفلسطيني الذين مازالوا في ذاكرة الأمة العربية، ولكن أبو عبيدة، رمزا فلسطينيا من نوع آخر، فلا اسم ولا صورة أو ملف له لدى الموساد، أو الاستخبارات العسكرية (أمان) أو جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) وتبقى شخصيته مجرد تخمينات إسرائيلي.

 

منذ أكثر من 15 عاما، كان ظهوره الأول عام 2006، وذلك حين برز لأول مرة ليعلن تنفيذ المقاومة عملية "الوهم المتبدد" شرق مدينة رفح، والتي أدت لقتْل جنديين إسرائيليين وجرح اثنين آخرين وأسر الجندي جلعاد شاليط، وفي عام 2014، وبعيد عملية "العصف المأكول" التي أطلقت عليها إسرائيل عملية "الجرف الصامد" أفادت تقارير إسرائيلية أن أبو عبيدة هو نفسه شخص يسمى حذيفة سمير عبد الله الكحلوت، وأنه ينحدر من قرية "نعليا" في غزة، التي احتلتها إسرائيل عام 1948، وظل يعيش في جباليا شمال شرقي غزة.

 

ويمزج في المخاطبة بين المرونة والبأس بنبرات صوته وهزات يده وطريقة تحريك أصابعه، ويسرد تفاصيل الأحداث والمعلومات العسكرية والسياسية بدقة وفق الأولويات، ودون إطالة وبلا انفعالية زائدة، وأصبح يتابعه اليوم أكثر من 600 ألف على حسابه في تليغرام الذي أنشأه عام 2020، وليس لديه أي حسابات عبر مواقع التواصل الأخرى، وحين يُغرد، فإن أكثر من نصف مليون شخص يقرؤون خلال دقائق معدودة ما كتب.

 

 

 

كلماته تعبر عن ضمير الأمة .. شيخ الأزهر أحمد الطيب

"التاريخ لن يرحم كل من تخاذلوا في الدفاع عن الفلسطينيين" .. تلك الكلمات انتشرت كالنار في الهشيم ، عندما أطلقها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في خطاباته التي صاحبت الحرب الدائرة بقطاع غزة، ونالت مواقف رجل الدين الأول في الطائفة السنية حول العالم، تقديرا كبيرا من شرائح العرب المختلفة، خصوصا وأنه منذ اليوم الأول عبرت كلماته عن صوت الحكمة واتسمت بالعمق والقوة في ذات الوقت، وأصالة حددت مواقفه بشكل قطعي من دعم لغزة، ودقة في تحديد مسئولية الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية 

 

"نحن شعوبكم نشد على أيديكم، ونقف خلفكم، وكلنا أمل وثقة في أن تسخّروا كل ما آتاكم الله به من قوة وعدة وعتاد ومن حكمة وخبرة وسياسة لوقف هذا البغي الصهيوني على أهلنا في فلسطين" ... كانت تلك رسالة الدكتور أحمد الطيب إلى القمة العربية الإسلامية التي انعقدت السبت الماضي، ويقول محمد حسين صحفي مصري، إن الخطاب الإعلامي لشيخ الأزهر خلال أزمة غزة، عبر بكل وضوح عن ضمير الوطن العربي والإسلامي، وتحدث بلسان ما في قلوب الشعوب، وهو ما جعل له قدرا كبيرا في العالم الإسلامي بأكمله وليس مصر فقط.   

 

وعلى مدار الأسابيع الماضية التي تلت بدء عملية طوفان الأقصى، سخر شيخ الأزهر كافة المنصات الإعلامية له ولمؤسسة الأزهر لدعم القضية الفلسطينية، وتوج ذلك بحملة للتبرع لغزة، حتى أصبحت تدويناته رائجة بصفحات التواصل الاجتماعي، وخصوصا بين فئة الشباب، ليس في مصر فقط، ولكن في الوطن العربي بأكمله.

«إنما الصبر عند الصدمة الأولى» .. وليد الدحدوح 

«إنما الصبر عند الصدمة الأولى» .. هكذا وصف حديث للنبي محمد رسول المسلمين في كلمات بليغة لمعنى الصبر، ولمن أراد أن يفهم هذا المعنى، عليه أن يتابع موقف مراسل قناة الجزيرة الإخبارية وليد الدحدوح، والذي تحولت كلماته التي قالها بعفوية، وفي قمة الحزن عند رؤية أولاده وهم قتي بعد أن قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزله، وانتشرت تلك الكلمات كنار في الهشيم على صفحات التواصل الاجتماعي حتى تحولت إلى عمل فني يخلد تلك الكلمات في أغنية دعما للقضية الفلسطينية. 

 

«ينتقمون منا في أولادنا.. معلش».. كلمات توجع القلب من الدحدوح بعد استشهاد أسرته في غزة جعلته في نظر الكثيرين من شباب الوطن العربي رمزا بطوليا للثبات وقت المحنة، وأنه يدفع ضريبة عمله في كشف حقائق أهوال ما يعانيه سكان قطاع غزة، حتى أصبح هناك قرارا من أكبر قوة عسكرية بالمنطقة لاتخاذ قرار بمعاقبته عبر استهداف منزله، ليخرج ويكشف الهدف من هذا القصف حين قال "ينتقموا منا في أولادنا".

 

 

"معلش كله فدا فلسطين" .. وهكذا كانت بداية الأغنية التي خلدت هذا الموقف البطولي لدحدوح بنظر الآلاف من سباب الشعوب العربية، والتي حرص كاتبها أن يجعل هذا الموقف يعبر عن الموقف البطولي لكل رجل وامرأة وشيخ وطفل داخل قطاع غزة، والذين يرفضون كل محاولات تهجيرهم من داخل أرض فلسطين، وذلك رغم ما يعانوه من أهوال، وربما تعرض آخرون لأهوال أكبر مما تعرض له دحدوح، ولكن مهنته وكلماته جعلته يسطر نفسه كبطل شعبي في عيون شباب العرب.

 

 

 

 

 

هجرس راسم البسمة رمزا لصاحب المبدأ .. الفنان محمد سلام

 

 

 

"مش هقدر أضحك الناس والكل حزين على غزة" .. كلمات قالها بعفوية الفنان محمد سلام في مقطع فيديو نشره بصفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، يعتذر فيها عن المشاركة بمسرحية "زواج اصطناعي"، والتي كان مقرر عرضها بموسم الرياض في السعودية، تلك الكلمات خلدت في تاريخ الفن المصري رمزا لصاحب المبدأ الذي تنازل عن آلاف الدولارات للتضامن مع شعور الأمة، والحزن على أهلنا في غزة، ولم تمر إلا ساعات قليلة، حتى تحول سلام إلى محل حديث صفحات التواصل الاجتماعي، تقديرا لموقفه من الجمهور العربي. 

 

 وسارع الآلاف من رواد السوشيال ميديا إلى تقديم عشرات المبادرات لتكريم هجرس – شهرته في مسلسل الكبير قوي – على هذا الموقف، حتى اقترح الكثيرون جعله رمزا لحملات إعلانية للمنتجات المصرية التي تروج كبديل لمنتجات المقاطعة والمملوكة لشركات أجنبية، وخرج العشرات من أهل الفن للإشادة بموقف سلام، وقالوا إنه عبر عن ضمير الفن المصري والعربي، وذلك رغم ما تعرض له من نقد وضغوط من الجانب السعودي، وذلك بعد الحرج الذي شعروا به من الاستمرار في عروض موسم الرياض رغم ما يتعرض له أهل غزة، ولكن إن خسر هجرس آلاف الدولارات، ومستقبل تعاون مع جهة انتاج تعد الأضخم في المنطقة العربية، إلا أنه كسب قلوب الملايين بالشارع العربي، وسطر اسمه في قائمة الشرف للفن المصري.

 

 

 

برتغالي ينافس شعبية رونالدوا بالإنسانية .. أنطونيو غوتيريش

 

 

 

لا يختلف عربي على نظرته السلبية لمواقف الدول الغربية، سواء داخل أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد الدعم الغير مسبوق لإسرائيل، إلا أن أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، أصبح البرتغالي الذي ينافس مواطنه كريستيانو رونالدوا على شعبيته داخل الأوساط العربية، وذلك بعد موقفه البطولي من دعم غزة، وذلك رغم ما يتعرض له من ضغوط من الدول الغربية، بل وهجوم وتطاول من مندوب إسرائيل بالأمم المتحدة.

 

وكان غوتيريش، أول مسئول أممي كبير يحضر إلى معبر رفح في أول يوم له عمل بعد بدء حرب طوفان الأقصى، وخال مؤتمره الصحفي تحدثت عن معاناة أهل غزة، وتكرر موقفه داخل أروقة الأمم المتحدة، حتى قال صراحتا، إن ما تقوم به إسرائيل جرائم ضد الإنسانية، ولا يوجد مبرر له، وهو ما جعله في مرمى سهام هجوم منودبي الدول الداعمة لإسرائيل بعد أن أحرجهم بهذا الموقف، وكشف ازدواجية المعايير التي قال إنها تهدد مستقبل منظمة الأمم المتحدة كرمز للعدالة الدولية.

 

وغوتيريش المولد في أبريل 1949، هو سياسي برتغالي يتولّى منصب الأمين العام للأمم المتحدة منذ 1 يناير 2017 خلفاً لبان كي مون، وكان قبلها رئيس وزراء البرتغال من 1995 حتى 2002، كما تولى لفترة رئاسة الأممية الاشتراكية، وشغل أيضاً منصب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من يونيو 2005 حتى ديسمبر 2015.

 

 

 

بكت على أطفال غزة وأبكت العالم معها .. التونسية أنس جابر 

 

 

 

 

ما يقارب من 7 مليون حول العامل، استمع لرسالة لاعبة التنس التونسية الشهيرة أنس جابر، وهي تبكي على أطفال فلطسين، وذلك داخل صفحة واحدة نشرت تلك اللحظات الإنسانية التي خلدت موقف أنس البطولي، رغم ما يمكن أن تتعرض له من هجوم غربي، أو عقوبات قد تنالها في ظل فزاعة "معاداة السامية" التي يرفعها داعمي إسرائيل ضد من ينتقد جرائمها بغزة.

 

وأعلنت جابر أنها ستتبرع بجزء من المكافأة النهائية التي ستحصل عليها بعد مشاركتها في البطولة الختامية لموسم الرابطة العالمية للاعبات التنس المحترفات، لمساعدة الضحايا الفلسطينيين بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وجاء ذلك بعد فوزها على ماركيتا فوندروسوفا، في أول انتصار لها بالبطولة الختامية المقامة بالمكسيك، وانهمرت الدموع من جابر خلال المقابلة التي أجرتها عقب المباراة، وقالت جابر: "أنا سعيدة للغاية بالفوز، ولكن لأكون صريحة، لم أشعر بالسعادة مؤخرا، فالوضع العالمي لا يجعلني أشعر بالسعادة، فمن الصعب رؤية الأطفال والرضع يموتون كل يوم، إنه أمر محزن للغاية، لذلك قررت أن أتبرع بجزء من جائزتي لمساعدة الفلسطينيين".

 

 

 

 

 

سأدافع عن غزة بالكونجرس مهما كان الثمن.. رشيدة طليب 

 

 

 

ليس من السهل أن يصل مهاجر من أصول عربية مكانة داخل المجتمع الأمريكي، ويصبح نائبا في الكونجرس الأمريكي، والأصعب هو الحفاظ على تلك المكانة دون التنازل عن مبادئك، ومن يستطيع أن يفعل ذلك فهو بحق يستحق أن يكون رمزا وبطلا في عيون الملايين، وهذا ما فعلته النائبة الأمريكية من أصول فلسطينية رشيدة طليب. 

 

 

 

وفي محاولة لإرهاب طليب، أصدر مجلس النواب الأمريكي قراراً يفرض فيه الرقابة ويلوم النائبة الديمقراطية، رشيدة طليب، بسبب تعليقات تنتقد إسرائيل وتدعم الفلسطينيين في حرب إسرائيل وغزة، وكان التصويت بأغلبية 234 صوتاً مقابل 188، حيث صوت أربعة جمهوريين ضد قرار اللوم وصوت 22 ديمقراطياً لصالحه، ولكن تلك المحاولة كانت دافعة لطليب بأن تتمسك أكثر بموقفها، ودافعت عن نفسها في مواجهة محاولات اللوم، معتبرة أنها محاولة لإسكاتها، وألقت خطابا في قاعة مجلس النواب قالت فيه إن انتقاداتها للحكومة الإسرائيلية لا ينبغي الخلط بينها وبين معاداة السامية.

 

 

 

وكان لموقف طليب أثرا كبيرا في تحرك العشرات من النواب الأمريكان لعقد وقفات وندوات للتنديد بجرائم إسرائيل داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وخرج الكثير من هؤلاء النواب ليدافع عن طليب بالاسم، ويعبر عن دعمه لها في موقفها، وأنها تعبر عن ضمير العالم المتحضر الذي غاب عن مواقف الحكومات الغربية، والإدارة الأمريكية.

 

المصدر: صدى البلد