البوابة نيوز:
2024-12-17@06:56:03 GMT

الحوار هو الحل

تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT

الأمة التي تفتقد إلى أدب الحوار وقواعده لا يمكن أن يعرف التقدم والتحضر إليها سبيلًا. ولقد حثت جميع الأديان السماوية على غرس قيمة أدب الحوار بين المختلفين؛ نظرا إلى أهميتها. وقديما قالوا "اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية"، كما قيل- أيضا- "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب". هذه هي الأدبيات والقيم التي من المفترض أن تنشأ عليها المجتمعات الإنسانية.

ولعل المجتمع المصري- عبر تاريخه الطويل- يمثل نموذجا فريدا في تأكيد قيمة الحوار، واحترام آراء المختلفين معك. غير أنه في الفترة الأخيرة التي سيطرت فيها تيارات الإسلام السياسي بتصارعاتها وتحزباتها على المشهد المصري إلى حد كبير، إلى جانب عوامل أخرى بنيوية وثقافية، كل هذا أدى إلى تغير الخريطة الثقافية المصرية بعض الشيء، كما حدث زلزال عنيف ضرب بنسيج القيم الاجتماعية، والتي كان على رأسها قيمة أدب الحوار بين المختلفين. لذلك رأيت أهمية تخصيص عدد من المقالات للتعرض لمعالجة هذا الأمر الذي يعوق تقدمنا، بل يعيدنا إلى قرون فكرية مظلمة. ولقد زادت حل التشنج الحواري فيما بعد عام 2011، فخلال هذه الفترة أصبح الرأي يفرض بالقوة، قوة الصوت، وقوة الحشد، وقوة الأتباع، بدلا من قوة الحجج والبراهين والأدلة. أصبحنا مؤخرا نأمل أن نستدعي الحالة الحوارية والفكرية والعقلية التي كانت تسود المجتمع المصري بدايات القرن العشرين. نحن في أمس الحاجة لاحترام حق الاختلاف بين الشباب والشيوخ، (عمريا)، بين الرجال والنساء (جندريا)، وبين الطالب والأستاذ (فكريا)، وبين المسلم والمسيحي، والمسلم واليهودي (دينيا)، بل بين المسلم والمسلم (اعتقاديا)، وبين مشجعي الأهلي ومشجعي الزمالك (رياضيا). إلى غير ذلك من الثنائيات المجتمعية، التي تبدو مختلفة أحيانا، أو متناقضة أحيانا أخرى، وفي حقيقة الأمر هي ليست كذلك، بل هي ثنائيات كل طرف منها يكمل الطرف الآخر، بل كلٌ منهما في أمس الحاجة للآخر، إذ لا يستطيع أي منهما العيش دون الآخر، بل لا تكون للحياة متعة دون في وجود أي منهما دون الآخر. وسوف أستهل طرح أول هذه الثنائيات من خلال ثنائية الشباب والشيوخ.

ثنائية الشباب والشيوخ (1)

يحدد الموروث الشعبي المصري العلاقة بين الصغير والكبير، أو بين الشباب والشيوخ، من خلال قانونين شعبيين مهمين، يمثلان قيمتين اجتماعيتين بارزتين، أول هذين المثلين، يقول: "إن كبر ابنك.. خاويه"، فهذا المثل الشعبي يحدد طبيعة العلاقة بين الشباب والشيوخ، هذه العلاقة التي قد تكون أسرية، بين الأب وابنه، أو فكرية بين الأستاذ وتلميذه. وهي علاقة ينبغي أن يسودها احترام الأكبر سنا (الأب أو الأستاذ) للأصغر سنا (الابن أو التلميذ)، فلا يسفِّه الكبير من رأي الصغير، أو يحقر من شأنه أو دوره، بل عليه أن يدعمه، ويوجهه، ويفرح بنجاحه، وألا يعتبره خصما أو منافسا أو منازعا له، سواء داخل البيت أو الجامعة، أو في أي مكان يجمع بين هاتين الفئتين العمريتين. ويأتي ثاني هذين المثلين ليحكم علاقة الأصعر سنا بالأكبر سنا، فيقول المثل الشعبي: "العين ما تعلاش عن الحاجب". فهذا المثل موجه للشباب (مثل الأبناء أو طلاب العلم) بألا ينخدعوا بشبابهم أو طاقتهم، أو بما تحصلوه من معارف، لم تتح الظروف للكبار أن يتحصلوا عليها. فهذا المثل رسالة اجتماعية موجهة إلى الشباب بأن يحترموا الكبير ويوقروه، وألا يأخذهم الغرور فيسيئوا التصرف والتعامل معهم، فيهتز النسيج الاجتماعي، مما يهدد استقراره. على هذا النحو الفلسفة الشعبية طبيعة علاقة الصغير بالكبير، وكذلك الكبير بالصغير، فإذا كان أول المثلين يوجب استيعاب الكبير لهنات الصغير وطيشه وتمرده أحيانا، فإن ثاني المثلين يفرض على الصغير ضرورة احترام الكبير، وإن صدر منه ما يعكر صفو هذا الاحترام. مثل هذه العلاقة القائمة على الاحترام المتبادل بين فئتي الشباب والشيوخ، تجعل المجتمع أكثر استقرارا، وقابلية لإقامة  حوار خلاق بينهما، يفيد منه المجتمع ككل، بدلا من حالة الصراع بين الأجيال التي يمكن أن تهدد أواصر المجتمع؛ حيث يحاول كل منهما إثبات ذاته، وأحقيته وأهليته. ولعل في حكاية "الملك اللي أمر بقتل العواجيز"، ما يرسخ لحالة الحوار، بدلا من الصراع بين الأجيال. وهو ما سنستكمله في مقالنا السابق. 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أدب الحوار الأديان السماوية الشباب والشیوخ

إقرأ أيضاً:

الخط التركي

منذ الأمس الميديا تحلل في اتصال أردوغان بالبرهان. وقد وجدت تقزم ضالتها في ذلك. وضربت في شجر البوادي طرحا وجمعا لذلك الاتصال. حسنا فعلت تقزم ذلك. ونعتبر ما أقدمت عليه نقطة إلتقاء مع الشارع السوداني. ولطالما تقدمت تقزم شبرا نحو الحل فإن البرهان يخطو ذراعا في ذلك. وهو مأمور بأمر رباني (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها). ولتعلم تقزم بأن المبادرة التركية مازالت في طور التكوين. وهي محتاجة لوقت لكي تتبلور. ومن ثم تناقش الأزمة. وتضع الحلول. ولكن قبل ذلك لتمتلك تقزم الشجاعة والجرأة لتطالب المرتزقة بتنفيذ منبر جدة. ومناشدة الكفيل (الأمارات) بإيقاف الدعم. هذا هو أقصر الطرق لنجاح المبادرة. لأن التمهيد ضروري في الوقت الراهن. لكن أن يتم تكبيل البرهان ورميه في يم الأزمة وتحذيره بأن يبتل بالماء. فهذا غير مقبول ولا يصب في خانة الحل. وخلاصة الأمر نرحب بالمبادرة التركية وغيرها من المبادرات لطالما تساعد في إيقاف الحرب. نحن دعاة سلام. وما خوضنا للحرب إلا من باب (مجبر أخاك لا بطل). لأن تقزم فرضتها على الشارع. فأصبحت خطى كتبت عليه. ولابد له من مشيها.

د. أحمد عيسى محمود
عيساوي
الأحد ٢٠٢٤/١٢/١٥

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • القصة الكاملة .. مجدي الهواري يكشف أخطر الجرائم التي هزت المجتمع المصري
  • أريدُ حلًا
  • إعلان الفائزين في مسابقة تطوير وادي دارسيت.. وتدشين مبادرة "هِمّة مسقط" لتعزيز مشاركة المجتمع
  • جامعة بنها تنظم ندوة عن " مناهضة العنف ضد المرأة "
  • وزير الأوقاف: المفتي الراصد الأول لمخاطر المجتمع التي تهدد الأمن الفكري
  • النائب أيمن محسب يطالب المجتمع الدولي بالتصدى للانتهاكات الإسرائيلية التي تمس السيادة السورية
  • هزاع بن زايد: التواصل مع أبناء الوطن ترسيخ لقيم التلاحم التي يتحلى بها المجتمع الإماراتي
  • الخط التركي
  • وزير الشباب يرأس اجتماعاً للمفوضية العامة للكشافة
  • الحكيم: الكوزة هي المحجبة العفيفة التي لا تتمكيج ولا …