لجريدة عمان:
2025-04-17@09:21:45 GMT

نوافذ: تحية الكتب إلى بعضها البعض!

تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT

يُلفت النظر في المجموعة القصصية «وقت قصير للهلع» للقاص العُماني يحيى بن سلام المنذري -التي أُعلِن قبل عدة أيام صعودها للقائمة القصيرة لجائزة الملتقى العربية للقصة- استدعاءه في إحدى قصص المجموعة مجموعةً قصصية قديمة للكاتب نفسه صدرت قبل عشرين عاما، هي «بيت وحيد في الصحراء». في تلك القصة (وهي «غليان الشاي») يوظّف المنذري يوميات كتبها عامل بنجالي عن حياته في عُمان، وخلال سرده ترد حكاية عن كتاب بعثته له أخته حسينة هدية من بنجلاديش، ويبدو أنه كتاب قصصي، ثم ما نلبث أن نعرف مع تقدم السرد أن الكتاب هو ترجمة إنجليزية لمجموعة قصصية ألّفها قاصّ عُماني عنوانها «بيت وحيد في الصحراء»!

لأول وهلة سيتبادر إلى ذهن القارئ أن يحيى سلام، حين رأى حاجة قصته إلى كتاب يقرأه أحد أبطالها اختار له عنوان إحدى مجموعاته القصصية من باب الترويج لها، بدلًا من اختيار عنوان عشوائي للكتاب، ومن نافل القول أن المؤلف له حرية اختيار أي عنوان يشاء.

لكننا ما نلبث أن نكتشف من تفاعل البنجالي مع الكتاب وتعليقاته على هوامشه -كما يخبرنا السارد- أنْ لا كتاب آخر يصلح لهذه القصة إلا «بيت وحيد في الصحراء» تحديدًا، كونه -أي الكتاب الحقيقي الذي تماهى مع كتاب القصة- تضمّن داخلَه مجموعة قصص عن العمال الهنود أسماها يحيى «زارعو غابة الإسمنت». وهكذا عاد كتاب قديم ليحيى سلام ليكون جزءًا حيويًّا من كتاب جديد، لا يمكن حذفه من القصة دون أن تتأثر.

وإذا كان المنذري قد أعاد إلى الواجهة -عن طريق الفن- كتابًا قديمًا من كتبه، فإن الروائي الكويتي سعود السنعوسي، وعلى النقيض تمامًا، بشر في روايته «ناقة صالحة» الصادرة عام 2019م، بكتاب مستقبلي له لم يصدر بعد! حين تحدث خلال هذه الرواية عن مدينة الطين، وعن روائيّ وقاص كويتي اسمه صادق بو حدب، وهو بالطبع شخصية خيالية تنتمي -حسب الرواية- إلى جيل أدباء الستينيات في الكويت، لنتفاجأ عند صدور رواية السنعوسي الجديدة «أسفار مدينة الطين» عام 2023م أنها مكتوبة بقلم صادق بو حدب هذا، كما يقول السنعوسي بعد صفحة الإهداء. بل إن «ناقة صالحة» توظف نفسها أيضًا كعمل أدبي يُسرَد عنه داخل الرواية، إذ أن السارد في معرض حديثه عن ذكر «ديار صالحة» في الأدب الكويتي يتحدث عن قصة عنوانها «ناقشة الحناء» من تأليف صادق بو حدب نُشِرتْ عام 1964م، ثم يضيف: «وبعد خمسٍ وخمسين سنة من تاريخ نشر تلك القصة أصدر الروائي الكويتي سعود السنعوسي روايته القصيرة «ناقة صالحة»، والتي تعيد إلى الأذهان قصة دخيل بن أسمر وصالحة آل مهروس التي ذكرها التاريخ بأكثر من رواية».

وإذا ما عدنا إلى رواية السنعوسي الأشهر «ساق البامبو» -الفائزة بجائزة البوكر للرواية العربية عام 2013م- فإننا نجدها تستدعي روايةً وكاتبها وتجعلهما مشاركَيْن فاعلين في الأحداث، إذْ أن بطل الرواية هوزيه ميندوزا (أو عيسى حسب اسمه الآخر) وفي معرضه بحثه المستميت عن أبيه راشد الطاروف، يذهب وأمه إلى رجل كويتي اسمه إسماعيل ويسألانه عنه، فيتضح أنه يعرفه، بل وشارك معه في مجموعة مقاومة أثناء الاحتلال العراقي للكويت، ويحدّث إسماعيل هذا الأم عن روايته التسجيلية التي وثق فيها أشهر الاحتلال السبعة، مضيفًا: «ليلة البارحة فقط انتهى دور راشد فيها واقعًا في أسر قوات الاحتلال»، ثم يخبرنا هوزيه في الهامش أن هذا الرجل هو الروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، وأنه «استقرّ في الفلبين بعد تحرير بلاده لحواليّ ست سنوات، أنجز خلالها روايته السباعية التي تؤرخ لزمن الاحتلال: «إحداثيات زمن العزلة». وهكذا فقد شكّل الروائيُّ الكويتي الراحل وروايتُه، حضورًا فنِّيًّا مهمًّا في «ساق البامبو».

هذه أمثلة من الأدب في الخليج على الحياة التي يُمكن أن يمنحها كتاب أدبي لكتاب أدبي آخر، وهو أمر طبيعيّ، ذلك أن رواية جيدة -على سبيل المثال- يمكن أن تبعث تحية محبة أو إشارة ودّ إلى رواية جيدة أخرى (لعل تحية «ذاكرة غانياتي الحزينات» لماركيز إلى «الجميلات النائمات» لكاواباتا مثال بارز على هذا الأمر)، بل إن ثمة روايات عظيمة يمكن أن تمهّد الطريق إلى روايات عظيمة أخرى؛ فعلى سبيل المثال يرى الناقد الألماني الأمريكي فالتر كاوفمان أن رواية «التحوّل» الشهيرة لكافكا التي لها واحدة من أشهر افتتاحيات الروايات في الأدب العالمي: «استيقظ جريجوري سامسا ذات صباح بعد كوابيس مزعجة، فوجد نفسه قد تحوّل في فراشه إلى حشرة هائلة الحجم»، يرى كاوفمان أن الخيط الذي قاد إلى هذه الرواية عبارة قصيرة قالها رجل القبو في رواية دستيوفسكي «مذكرات قبو» (أو «مذكرات من العالم السفلي» في ترجمة أخرى): «لقد حاولتُ مرارًا أن أغدو حشرة».

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

المرأة عدوة المرأة

ما الذي يحمي الموظف من المسؤول؟ كيف يواجه رئاسة القسم أو حتى إدارة الدائرة؟ قد يعادي المدير موظفًا لتفضيلات شخصية، وهذا لا يمكن التحكم فـيه ولا السيطرة عليه، فهو طبيعة بشرية مشروعة، لكن ألا ينبغي أن تكون هنالك آليات تضبط العلاقة وتوجهها؟ ثم لمن يلجأ الموظف الصغير والضئيل خصوصًا الذي لا يمارس الألعاب الاجتماعية والسياسة فـي مكان عمله عندما يتعرض لسوء المعاملة ممن هم فـي منصب أعلى؟ وكيف يمكن مواجهة الأفكار السائدة عن علاقة المرأة بالمرأة فـي العمل كعقبة لا يمكن التعامل معها، إذ هي من المسلمات التي يجري على إثرها الاستسلام وعدم محاولة علاج المشكلة؟

يحدثني موظف فـي شركة حكومية عريقة عن أحد زملائه الذي استبعد ونبذ وتمت معاملته برعونة فـي مناسبات عديدة لأنه وافد جديد يتفوق على المدير من حيث سنوات الخبرة والدرجة الجامعية، ما قام به هذا الموظف هو طلب لقاء المدير شخصيًا وقال له بوضوح: إنه لا يسعى لأخذ منصبه ولا تهديد مكانته، وأنه أصلًا لا يستطيع تحمل مسؤولية الإدارة وانتقاله لهذه المؤسسة كان لأسباب تتعلق بمحدودية المهام وإنجازها بطريقة تناسب وضعه الصحي. وقد لا يكون عداء المدير لك ناجما عن منافستك له بالضرورة، يمكن ألا يتجاوز الأمر عدم قبولك فـي داخله، فهو لا يحبك ولا تثير إعجابه.

يدعي المسؤولون بأننا نتوهم عداءهم لنا، إنه التلاعب ( gaslighting) وهي لعبة نفسية تعتمد على إيهامك بوجود مشكلة لديك، ولأوضح ذلك، فلنأخذ هذا المثال على ذلك، كان رجل يقلل من درجة الإضاءة فـي بيت الزوجية كل يوم، وعندما تسأل الزوجة عما إذا كان يلاحظ ذلك، ينكر أي تغيير ويبدأ بدفعها للتشكيك فـي بصرها. يدعي المسؤولون أمام من هم أعلى منهم أنهم موضوعيون، وكأن كلمتهم كافـية، أو كأنهم هم الأقدر على تحديد «الموضوعي» ودرجة الالتزام بها من عدمها. أما الاحتجاج الرسمي والعلني، فسيقابل بالرد بأن التصرف فردي ولا يمثل قيم المؤسسة وحرصها على تأمين بيئة صحية للموظفـين.

يواجه الكثير منا هذه المشكلة، عداء شخصي مجاني وغير مبرر بالنسبة للموظف. كنتُ قد أرهقتُ نفسي على مشروع، ظننتُ بأنني سأقدر به، وسأكافأ، دفعني الأمر للسؤال: ترى كيف يسير هذا العالم؟ كيف يمكن أن يحدث هذا بفجاجة دون أن يعتبر ذلك تسلطًا وتعديًا على حقوق موظف صغير لا حيلة له ولا قوة إلا الوثب السريع لينجز عملًا مقدرًا؟ قد يقول أحد منكم: لكن ما الذي يؤكد على أنني أنجزت بالفعل ما أدعي إنجازه؟ وهو سؤال أطرحه على نفسي إذ أشكك بها دومًا، لكن مسؤولين كبارا وآخرين قالوا سواء لديّ أو فـي اجتماعاتهم ما يؤكد مزاعمي هذه.

يقال: إن «المرأة عدوة المرأة»، وهذه عبارة ساذجة، إذ إنه وبقليل من التأمل نشاهد تنافسية الرجل والألعاب الاجتماعية التي يواري خلفها عداءه لزميل له مثلًا، بعكس المرأة التي لم تطور ممارسات واستراتيجيات كافـية للإقدام على السلوك نفسه، بسبب تاريخ عمل النساء وتأخرهن عن المهن، أو حتى معرفتهن للعالم داخل منازلهن فحسب. ما أقصده أن تنافسية الرجل غالبًا ما يتم توريتها بأساليب مدروسة إلا أنها موجودة بالفعل تكتب بيل هوكس فـي كتابها الهام «النسوية للجميع»، والذي ترجم للعربية مؤخرًا : «كان الترابط بين الذكور جانبًا مقبولًا ومؤكدًا للثقافة الأبوية. ببساطةٍ، كانت الفرضيَّة قائمةً على فكرةِ أنَّ الرجال المنظَّمين فـي مجموعات سوف يلتصقون ببعضهم البعض، ويدعمون بعضهم البعض، ويكونون لاعبين فـي الفريق، ويُعْلونَ مصلحة المجموعة على المكاسب الفردية وجلب الاعتراف، فـي حين أن النساء يختلفن فـي ذلك»، فـي إشارة إلى التَّحيّز الجنسي المبطَّن. لقد عرفنا جميعًا بشكل مباشر أننا قد نشأنا اجتماعيًا بوصفنا نساءً وفقَ التفكير الأبوي لنرى أنفسنا أدنى منزلة من الرجال، لنرى أنفسنا كما هو الحال دائمًا وفقط فـي منافسة مع بعضنا البعض للحصول على الموافقة الأبوية، للنظر إلى بعضنا البعض بمشاعرَ من قبيل الغيرة والخوف والكراهية. جعلنا التفكير الجنسي نحكم على بعضنا البعض من دون شفقة، ونعاقب بعضنا البعض بقسوة. ساعدنا التفكير النسوي فـي التخلص من كراهية الذات الأنثوية. لقد مكننا من التحرر من المنافسة المزعومة، تقول بيل هوكس: إن النساء طوّرن بهذا الوعي نوعًا من التضامن بين النساء أطلقن عليه «الأختية»، إلا أن النساء وفـي كثير من الأحيان رفضن مبدأ «الأختية» متجاهلات دور بنيوية النظام فـي إنتاج تنافسية النساء، وبهذا فإنهن يتراجعن ببساطة أمام هذه المنافسة السلبية الشرسة بين النساء، إلا أن النسويات الراديكاليات يواصلن بناء «الأختية» لجعل التضامن بين النساء حقيقة واقعة دون السيطرة على بعضهن البعض، ويمكن أن نلاحظ إذا ما نظرنا بدون تحيز أن هذه الحقيقة ملموسة فـي واقعنا اليومي.

تذهب بيتي فريدان فـي كتابها المهم الصادر فـي الستينيات «اللغز الأنثوي» لدراسة موضوع المنافسة بين النساء وهي ترى أن المنافسة ما هي إلا نتيجة للمنظومة التي تفرض الحرمان من الفرص التي أوهمهن بأن يتحدين بعضهن البعض من أجلها، ناهيك على الأدوار التقليدية للنساء وتكريسها للتنافسية، وبهذا فإن تنافسية النساء ليست فطرية. أما سارة أحمد أهم منظرات النسوية اليوم تكتب فـي كتابها الذي لم يترجم للعربية بعد «عيش حياة يومية نسوية» أن اعتراض النساء على الظلم قد يعزلهن ويضعهن فـي موقف متوتر داخل المجتمع الذي يعشن فـيه، مما يفسر نشأة المنافسة كنتيجة للضغوط الاجتماعية التي تدفع للامتثال مع ما هو سائد. وهي تؤكد ما ذهبت إليه فريدان عن كون المنافسة ليست طبيعية كما هو شائع، إذ إن البنى الثقافـية والسياسية هي التي تعزز قيم وتهمش أخرى، مما «يؤدي لتوترات داخلية بين النساء أنفسهن»، لا تتجاهل بيل هوكس الفروقات الطبقية ودور الرأسمالية فـي الدفع بالمنافسة إلى الواجهة: « أؤمن بأننا نبدأ بحب أنفسنا حقًا عندما نرى المرأة الأخرى كامتداد للذات لا كمنافسة»، وهو ما كتبته الشاعرة والنسوية ادريان ريتش أيضا :«لا تمثل المرأة الأخرى مرآة ولا ظلًا، بل حياة أخرى أتعلم منها وأحب من خلالها».

فـي الحقيقة لا توجد أدلة علمية كما يدعي الناس عن منافسة شرسة بين النساء والنساء على عكس الرجال، بل هي ومع كونها نتيجة للنظام الذكوري نفسه، فهي فكرة اخترعها الرجل لعدم التعامل مع عدالة المؤسسة والمنظومة وعدم وجود قوانين تفرض عدم التحيّز. يكفـي النظر لعدد النساء داخل أي دائرة مقارنة بعدد الرجال، وبأن المرأة عليها -ولكي تنجح- أن تثبت نفسها أضعاف ما يفعله الرجال، إذ إنها الطرف الأكثر قابلية للاستغناء عنه. إن أي رجل يقول ولكن الواقع يختلف، يتجاهل بوعي أو بغير وعي هذه الفكرة، كما أن مسؤولية التنظيم داخل أماكن ومؤسسات العمل هي مسؤولية تقع على عاتق المؤسسة التي ينبغي أن تخلق نظامًا حاكمًا يمنع مثل هذه الممارسات، وبهذا فإن مسؤولية التمييز لا تقع على عاتق «طبيعة المرأة» بل على المؤسسة وأحكامها.

مقالات مشابهة

  • حسيبة عبد الرحمن توقع السمّاق المر.. روايةٌ توثق جرائم النظام البائد عبر نصف قرن
  • تفاصيل احتفالات دار الكتب بـ"أديب نوبل" نجيب محفوظ.. صور
  • EDGEx 2025.. الرياض تفتح نوافذ التعليم نحو المستقبل
  • بين الرواية الرسمية وإنكار الإخوان.. مغردون: ماذا يحدث بالأردن؟
  • ملتقى القاهرة الأدبي يفتح نوافذ جديدة على الأدب والكتابة كأداة للتعافي
  • بين السجن والترحيل| القصة الكاملة للواقعة التي أثارتها الصحافة الهولندية حول سائحة اعتدت على شاب
  • المرأة عدوة المرأة
  • هل يجوز أداء ركعتين فقط بنية تحية المسجد والسنة القبلية..علي جمعة يوضح
  • الأمم المتحدة تكذب "رواية الصناديق".. كيف انتشرت في السودان؟
  • تحية لفلسطين وردّ مؤثر.. بيلا حديد تُشعل مواقع التواصل