تزيد لهيب الإسلاموفوبيا.. لماذا تطارد فرنسا ثانوية ابن رشد الإسلامية؟
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
باريس – في قرار نادر ومثير للجدل، أعلن والي الشمال ومنطقة "أوت دو فرانس" فرانسوا لوكلير إنهاء عقد الشراكة الحكومية مع مدرسة "ابن رشد" الثانوية الإسلامية الخاصة في مدينة ليل الفرنسية.
وتعتبر "ابن رشد" أول مدرسة ثانوية إسلامية تأسست في فرنسا قبل 20 عاما، وحظيت بجائزة أفضل ثانوية في البلاد سنة 2013.
وجاء في بيان المحافظة أن المؤسسة "لا تمثل قيم الجمهورية وتشبه المؤسسة الانفصالية"، مع اتهامات بـ "الحصول على تمويلات خارجية وتعليم تحوم حوله علامات الاستفهام".
ومن خلال البحث في تفاصيل القضية، تبين للجزيرة نت وجود ثغرات في تقرير المحافظ المؤلف من 12 صفحة. كما حاولنا التواصل مع الوالي للحصول على معلومات، إلا أنه امتنع عن الإدلاء بأي تصريح.
مدرسة ابن رشد الثانوية تقبل الطلاب من كل الأديان والأعراق في فرنسا (الجزيرة) ثغـرات في الوثيقةيفتتح الوالي فرانسوا لوكلير الوثيقة بانتقاد مادة الأخلاق الإسلامية، بوصف أن مضمونها "سلفي"، مستشهدا بأحد مقالات الكاتب محمد اللويزي الذي قام بحملة ضد هذه المدرسة الثانوية لسنوات، وتُنشر بعض مدوناته على وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة مثل "كوسور".
ويبدو أن لوكلير تغافل عن الإشارة إلى أن اللويزي لا تربطه أي علاقة بالمؤسسة، ولم يكن متحدثا أو عضوا في فريقها التعليمي.
وتوجد وثيقتان رسميتان تتعارضان مع نسخة المحافظ، ففي تقرير تفتيش المؤسسة الذي أجري هذا العام، تمت الإشارة إلى دورات الأخلاق الإسلامية دون ذكر أي تحذير. أما تقرير التفتيش الأكاديمي الصادر في يونيو/حزيران 2020، فذكر أنه "لا يوجد في النتائج التي توصلت إليها البعثة ما يشير إلى أن ممارسات التدريس تنحرف عن الأهداف والمبادئ الراسخة وقيم الجمهورية".
كما لفت المحافظ إلى منشور لمعلم كان مسؤولا عن دورة الأخلاقيات على حسابه الخاص في عام 2015، وذلك في أعقاب الهجمات ضد شارلي إيبدو، مما أوحى بأنه يؤيدها. لكن عند فحص الوثيقة تبين أن المحافظ لم يوضح أن المعلم أدان الهجوم بوضوح في المنشور نفسه، وأنه غادر المؤسسة منذ 18 شهرا.
تعتبر "ابن رشد" أول مدرسة ثانوية إسلامية تأسست في فرنسا قبل 20 عاما (الجزيرة) الشذوذ الجنسي والتمييز ضد المدارس الإسلاميةواعتمد المحافظ على عملية تفتيش أجريت العام الماضي للتطرق إلى غياب الموارد الثقافية والشذوذ الجنسي والعلمانية والإجهاض. لكن ما لم يذكره هو إشارة هيئة المفتشين إلى عدم تمكنهم من إجراء بحث رقمي دقيق لتحديد هذه الأمور بسبب مشكلة برمجية، مما دفعهم إلى إجراء بحث يدوي غير مكتمل.
في هذا السياق، يرى مدير جميعة "ابن رشد" مخلوف مامش أن ما قاله الوالي فيه خطأ كبير، إذ قدمت الإدارة لائحة بالكتب والمجلات والبحوث الموجودة بمكتبة المدرسة التي تتحدث عن كل الأديان. ويوجد 28 كتابا يتناول ديانات غير الإسلام و75 مرجعا عن العلمانية، فضلا عن 45 مصدرا حول الشذوذ الجنسي و32 مصدرا حول الإجهاض.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف مامش أن محافظة ليل تزعم أن المكتبة تعرض كتبا لحسن إكيوسن (الإمام الذي تم إبعاده من فرنسا في يناير/كانون الثاني 2023) رغم أنه لم ينشر أي كتاب في حياته. والواقع أن المحافظ يخلط بين عمل نشره ابنه عثمان والكاثوليكي كريستيان ديفبفر بعنوان "السلام عليكم، نعم الأديان خُلقت لتتحد"، الذي سمحت به السلطات.
بدوره، يتساءل رئيس منظمة "عدالة وحقوق بلا حدود" فرانسوا ديروش عن سبب الترويج للشذوذ الجنسي في الثانوية الإسلامية حصرا، في حين لا يطلب الأمر ذاته لباقي المؤسسات المسيحية أو اليهودية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يبرز ديروش التمييز الحالي بالقول "هناك مدرستان ثانويتان إسلاميتان فقط في فرنسا، بينما نجد نحو 5 آلاف ثانوية كاثوليكية و1700 ثانوية يهودية.
حظيت مدرسة "ابن رشد" الإسلامية على جائزة أفضل ثانوية في فرنسا عام 2013 (الجزيرة) الاتهامات الماليةأما فيما يخص الاتهامات المالية، كتب الوالي في تقريره أن مصادر تمويل ابن رشد "تثير التساؤلات".
وكانت جمعية ابن رشد قد حصلت على تبرعات منظمة دولية غير حكومية بمبلغ إجمالي قدره 943 ألف يورو بين عامي 2011 و2015. وهي تبرعات كانت معروفة لدى الدولة وتمت عبر البنوك، وفق مدير الثانوية.
وكانت المفتشية العامة للتعليم والرياضة والبحث قد أوضحت في يونيو/حزيران 2020، أن "الوضع يتلخص في التبرع الذي قدمته منظمة غير حكومية معترف بها دوليا لمؤسسة تعليمية. وهذه الممارسة قانونية بشرط ألا تخضع لتطبيق شروط تتعارض مع قيم الجمهورية، ولم يكن التبرع مرتبطا بأي شروط، ومنطقة أوت دو فرانس على علم بذلك من حيث المبدأ".
وفي هذا الصدد، يؤكد مامش أنه لا يوجد أي قانون فرنسي يحظر التبرعات الخارجية "حتى المدارس اليهودية والكاثوليكية تصلها تبرعات، وإذا كان ممنوعا فيجب منعه على الجميع وليس المسلمين فقط".
أنشطة ثقافية واجتماعية عدة تقوم بها مدرسة "ابن رشد" الثانوية الإسلامية في فرنسا (الجزيرة) مراقبة مستمرةولفت مدير "ابن رشد" إريك ديفور إلى أن الثانوية هي الأكثر مراقبة في فرنسا، إذ خضعت لعشرات عمليات التدقيق من الغرفة الجهوية للحسابات والإدارة الجهوية للمالية العمومية والتفتيش الأكاديمي.
وأثنى على الدعم المقدم للمؤسسة من النقابات والسياسيين -خاصة من اليسار- الذين يعتبرون ما يحدث تمييزيا، إذ لا تخضع باقي المؤسسات من الديانات الأخرى إلى هذا الكم من المراقبة.
وحددت بعثة المفتشين في عام 2020 أن "عمليات التفتيش الـ 13 للمعلمين التي تم إجراؤها في المؤسسة منذ عام 2015، يجعلها المؤسسة الأكثر مراقبة في الأكاديمية، دون الإدلاء بأي ملاحظات سلبية تتعارض مع مناهج التدريس المرصودة".
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار ديفور إلى أن "وزير التعليم قال إنه لا يملك شيئا ضد الثانوية، لكن وزارة الداخلية هي التي تدير الملف لأننا متهمون بالإسلام السياسي"، مضيفا أن "هناك أحزابا فرنسية، وأبرزها التجمع الوطني، الذي يقود حملات ضد المسلمين. ومن الواضح أن هناك ضغطا على المناخ السياسي في البلاد".
استئناف القراروأدان المحاميان فنسنت برينغارث وويليام بوردون عند حديثهما مع وسائل إعلام محلية ما أسماهما بـ "العصابة السياسية"، مشيرين إلى أنه سيتم "تقديم جميع سبل الاستئناف الممكنة وفي أقرب وقت ممكن" أمام المحكمة الإدارية.
وأكد مدير الثانوية في حديثه للجزيرة نت أن تقرير المحافظ "يحتوي على مغالطات وافتراءات كثيرة وسنثبت ذلك. ونتواصل دائما مع الموظفين وعائلات التلاميذ وسنبذل قصارى جهدنا للاستمرار".
وواثقا في النظام القضائي، يقول فرانسوا ديروش إن المدرسة خاضت 5 إجراءات مع الدولة وفازت في جميعها، متابعا "يعتبرون أن الإسلام خطير على الجمهورية، لكن الرجل الذي يذهب للصلاة في سلام لا يشكل خطرا، إنهم يخشون تشكل نخبة من الشباب المسلمين".
ويتساءل ديروش عما إذا كان الخوف سببه استقطاب عائلات فرنسية غير مسلمة للاستفادة من التعليم المتميز في البلاد، إذ لا تستقبل الثانوية المسلمين فقط، وإنما منفتحة على كل الديانات.
في حين أكد مامش أنهم يملكون دلائل قاطعة للوالي، لكنه عزم على فسخ العقد وكسر إنجازات الثانوية، مما أدى إلى قطع الاتصال معه والتوجه إلى القضاء من خلال مكتبين للمحاماة في باريس وليل، "لأن هذه المرة الأولى في تاريخ فرنسا، تفسخ الدولة عقدها مع مؤسسة تعليمية".
وإذا ثبت قرار المرسوم، فسيعني ذلك فقدان الثانوية -التي يحصل أكثر من 50% من طلابها على منح دراسية- 300 ألف يورو من الإعانات السنوية التي تحصل عليها من الحكومة منذ بداية العام الدراسة، وسيضع حدا لرواتب المعلمين من قبل وزارة التعليم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی فرنسا ابن رشد إلى أن
إقرأ أيضاً:
الكونغو.. تطورات متسارعة تزيد من أزمات إفريقيا
تشهد جمهورية الكونغو الديمقراطية تطورات ميدانية خطيرة ومتسارعة في الأيام الأخيرة، بعد تمكنتمكن متمردو حركة "إم 23" من السيطرة على مدينة جوما، العاصمة الإقليمية لمقاطعة شمال كيفو في شرق البلاد.
وأدت التطورات في الكونغو إلى إخلاء المطار الدولي في جوما وتعليق الرحلات الجوية، مع إعلان المتمردين عن إغلاق المجال الجوي للمدينة، والذي تزامن مع دخل المتمردون والقوات الرواندية المتحالفة معهم أطراف مدينة جوما، مما أدى إلى حالة من الذعر بين السكان وفرار الآلاف من منازلهم، ومقتل ما لا يقل عن 13 من قوات حفظ السلام الدولية.
وشهد الأسابيع الماضية زيادة في التوتر بين الكونغو الديقراطية و واندا بعد انهيار جهود الوساطة التي قادتها أنغولا ببين الجارتين منتصف ديسمبر 2024 والذي مثل مؤشرا خطرا على مدى التأزم الذي بلغته علاقات البلدين على خلفية الصراع المستمر في شرق الكونغو، والذي تتهم كينشاسا جارتها في منطقة البحيرات كيغالي بتعقيده من خلال دعم حركة إم 23 المتمردة الناشطة في مقاطعة شمال كيفو الإستراتيجية.
اتهمات لروانداوأعقب انهيار جهود الوساطة بين الكونغو الديمقراطية ورواندا تصاعد حدة المعارك بين الجيش الكونغولي ومسلحي حركة "أم 23" الذين تمكنوا من توسيع مناطق سيطرتهم في شمال كيفو، ومن ثم إعلانهم السيطرة على مدينة غوما عاصمة المقاطعة.
ونتيجة لهذه التطورات المتسارعة غادرت البعثات الأجنبية والصحفيون والموظفون الأمميون من غوما إلى داخل رواندا في أعقاب سيطرة المتمردين على المدينة -التي يسكنها أكثر من مليوني شخص- بعد أيام عدة من المواجهات مع القوات الحكومية.
من جانبها، نفت رواندا الاتهامات الموجهة إليها بدعم حركة "إم 23"، رغم اعترافها بوجود قواتها في شرق الكونغو لأسباب أمنية.
الولايات المتحدة تتدخلوحثت الولايات المتحدة مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة على بحث اتخاذ تدابير لوقف الهجوم الذي تشنه القوات الرواندية وقوات حركة "إم 23" المتمردة، وقالت القائمة بأعمال المبعوث الأميركي لدى الأمم المتحدة دوروثي شيا "إنه يجب على رواندا سحب قواتها من جمهورية الكونغو الديمقراطية والعودة إلى طاولة المفاوضات والعمل نحو حل سلمي دائم".
ومتابعة لتلك التطورات عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا طارئا لمناقشة تصاعد القتال في شرق الكونغو، وخلال الاجتماع أعربت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في الكونغو بنتو كيتا، عن قلقها البالغ إزاء تقدم المتمردين واستخدامهم للمدنيين كدروع بشرية.
تحذيرات أممية ودوليةفي حين حذرت الأمم المتحدة من أن هجوم حركة "إم 23" يثير مخاطر حرب إقليمية أوسع نطاقا، خاصة أن الكونغو تتميز بإمداداتها المعدنية الوفيرة، والتي كانت منذ فترة طويلة محط أنظار الشركات الصينية والغربية وكذلك الجماعات المسلحة.
وأعلن برنامج الغذاء العالمي اليوم "توقف" المساعدات الغذائية في محيط مدينة غوما، معربا عن القلق إزاء نقص الغذاء.
من جانبها دعت بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الثلاثاء، إلى تدخل دولي مع تصاعد العنف في البلاد، حيث أصبح جزء كبير من مدينة جوما شرقي البلاد تحت سيطرة المتمردين، واستقبلت البعثة عددا كبيرا من الأشخاص الذين يبحثون عن الحماية في جوما حيث يوجد مئات الآلاف من النازحين، وفق تصريح لـ فيفيان فان دي بيري، نائبة الممثل الخاص لحماية العمليات في بعثة الأمم المتحدة
المناطق المتأثرة والأضرار:
بالإضافة إلى سيطرة المتمردين على مدينة جوما، أفادت التقارير بأنهم تقدموا في مناطق أخرى في شرق البلاد، مما يهدد باندلاع نزاع إقليمي أوسع، وقد أدى هذا التصعيد إلى نزوح آلاف المدنيين، وتفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة.
تستمر الأوضاع في شرق الكونغو الديمقراطية في التدهور، مع تصاعد القتال بين المتمردين والقوات الحكومية، وسط دعوات دولية لوقف العنف والبحث عن حلول سلمية للأزمة.
تعد هذه التطورات امتدادا للصراعات المستمرة التي تعيشها منطقة شرق الكونغو الديمقراطية منذ عقود نتيجة تحولها إلى ساحة حرب تنخرط فيها مجموعة كبيرة من الفصائل المسلحة، حيث يوصف هذا الصراع بأنه واحد من أكثر النزاعات دموية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث يقدر عدد ضحاياها قرابة 6 ملايين.