طالما أكّدت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) معارضتها لانقلاب النيجر 26 يوليو/تموز 2023 ووعدت بالتدخل العسكري لإعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم إلى منصبه.

وبعد مرور 5 أشهر على الانقلاب، وجدت المجموعة الاقتصادية نفسها أمام أمر يجسده الواقع، ويسانده المحيط، ويتعامل معه الخارج، فراجعت سقف المطالب، وأصدرت يوم 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري بيانا أعلنت فيه اعترافها بوقوع الانقلاب، وأن بازوم لم يعد رئيسا للبلاد، وشكلت لجنة رئاسية للتفاوض مع المجلس العسكري في نيامي.

في التقرير التالي نحاول التعرف على الأسباب التي أدت لهذا التراجع:

مصالح أميركا

تبنّت الولايات المتحدة الأميركية موقفا مغايرا لإيكواس حيث عارضت التدخل العسكري، لأنها تعتبر الاستقرار في النيجر عاملا أساسيا لديمومة توسعها في المنطقة، إذ توجد لها قاعدة كبيرة في منطقة أغاديز على الحدود مع الجزائر وليبيا.

وهي قاعدة محورية للتواجد في منطقة الساحل التي تصنّف مرتعا للمسلحين وحركات التمرد المسلّح، يوجد بها 1000 جندي، وقد كلّف بناؤها 100 مليون دولار أميركي، كما تكلّف صيانتها سنويا 30 مليون دولار.

وفور الانقلاب العسكري في النيجر قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يوم 27 يوليو/تموز الماضي إن الولايات المتحدة تقف إلى جانب الشعب النيجري.

وفي تصريحات للصحافة الدولية في الثامن من أغسطس /آب الماضي قال بلينكن إن الحل الدبلوماسي هو الطريق الأمثل لأزمة النيجر.

وعلى نفس النهج، قالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية سابرينا سينغ إن إدارة الرئيس جو بايدن ملتزمة بالتوصل لحل دبلوماسي لأن النيجر شريك لا تريد الولايات المتحدة أن تخسره.

روسيا صديقة الحكام الجدد

أما روسيا التي حمل المتظاهرون أعلامها في المسيرات المؤيدة للانقلاب ورفعوا شعارات ترحب بها في المنطقة، فإن أي محاولة للحل العسكري ستكون في مواجهته عبر حلفائها في مالي وبوركينا فاسو.

وردا على قرار إيكواس تجميع قواتها الاحتياطية للقيام بعملية عسكرية في النيجر، حذّرت الخارجية الروسية من التدخل العسكري وقالت إنه سيؤدي إلى مواجهة طويلة الأمد.

ويوم 11 أغسطس/آب قالت الخارجية الروسية إن التدخل العسكري من شأنه أن يزعزع منطقة الساحل بأكملها.

فيتو جزائري

منذ اللحظات الأولى للانقلاب، أبدت الجزائر التي تشترك مع النيجر في حدود تصل إلى 1000 كيلومتر معارضتها لأي تدخل عسكري، لما سيسببه من عمليات نزوح وتدهور أمني نحو حدودها.

وفي 29 أغسطس/آب أعلنت الجزائر عن خطة سياسية تقوم على رفض التدخل العسكري، وإمهال الانقلابيين 6 أشهر.

وقد كلّف الرئيس عبد المجيد تبون وزير الخارجية أحمد عطاف بالتوجه إلى نيامي للتشاور مع المعنيين، ورغم أن المجلس العسكري رفض الفترة الانتقالية المقترحة فإن الجزائر كانت أول من وقف في وجه التدخل العسكري بشكل علني.

تلاشي النفوذ الفرنسي

وبدا من خلال أزمة النيجر أن فرنسا لم تعد تحتفظ بنفوذها في هذه المنطقة الملتهبة من أفريقيا.

لقد تعهدت باريس بإعادة بازوم لمنصبه ودخلت في خصومة مباشرة مع الانقلابيين.

وبدل فرض موقفها، تلاشى نفوذها في النيجر مع طرد سفيرها من نيامي وإلغاء تأشيراته الدبلوماسية بتاريخ 29 أغسطس/آب 2023، ورحيل قواتها الذي سيكتمل في 22 ديسمبر/كانون الأول الجاري.

اتحاد الانقلابيين

في 17 سبتمبر/أيلول الماضي وقّعت مالي والنيجر وبوركينا فاسو "ميثاق ليبتاغو-غورما" المؤسس لتحالف دول الساحل الثلاث والذي يهدف إلى إنشاء هيكلة للدفاع المشترك بين هذه الدول الثلاث.

وكانت مالي وبوركينا قد أعلنتا في وقت مبكّر الوقوف مع النيجر في وجه تهديدات الإيكواس، واعتبرتا أن أي اعتداء على النيجر هو اعتداء عليهما.

وهذا يعني أن الحرب لن تكون ضد دولة واحدة وإنما هي ضد مجموعة من الدول على رأسها دولة مالي التي يحتل جيشها المرتبة الثالثة في جيوش الإيكواس، وبوركينا فاسو التي يقع جيشها في المرتبة الخامسة ضمن جيوش المجموعة، ولديها الكثير من حركات الدعم المحلية التي تساند القوات المسلّحة.

وتشترك هذه الدول في كونها شهدت انقلابات متتالية، أولها في مالي 2021، وثانيها في بوركينا فاسو 2022 وثالثها انقلاب النيجر 2023، ورفعت الدول الثلاث شعار العداء مع مستعمرتها السابقة فرنسا.

مخاوف من الانهيار

فجأة وجدت المجموعة الاقتصادية نفسها أمام تحد كبير، حيث لوّحت غينيا، والدول الأعضاء في تحالف الساحل الجديد بإمكانية الانسحاب من إيكواس.

وقد أعلن التحالف الجديد في الساحل أن المنظمة الاقتصادية تحتاج إلى الشرعية وإعادة الهيكلة.

وإضافة لذلك تشهد الدول الأعضاء في المجموعة مواقف متباينة إزاء الانقلاب في النيجر، فبينما تتحفظ نيجيريا الأكثر نفوذا في إيكواس على التدخل العسكري، وتقترح فترة انتقالية لا تزيد عن عامين، تظهر المواقف المتشددة للسنغال وبنين الداعمة للحل العسكري.

وقد غاب عن قمة نيجيريا المنعقدة في أبوجا يوم 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري الرئيس السنغالي ماكي صال، والزعيم الإيفواري حسن واتارا بسبب التوجه نحو عدم التصعيد مع العسكريين.

إسدال الستار على الأزمة

وفي البيان الختامي لقمة المجموعة الاقتصادية التي انعقدت في عاصمة نيجيريا أبوجا، تم الإعلان عن تشكيل لجنة رئاسية للتفاوض مع المجلس العسكري الحاكم في النيجر.

وتتكون اللجنة من رؤساء: توغو، وسيراليون، وبنين، وهدفها التوصل إلى خريطة طريق انتقالية قصيرة الأمد، والعمل على استعادة النظام الدستوري بسرعة.

وقالت إيكواس إن اللجنة الرئاسية إذا توصلت إلى نتائج إيجايبة سيتم تخفيف العقوبات تدريجيا عن النيجر، وأضافت أنه إذا لم تأت المحادثات مع المجلس العسكري بحلول ونتائج ستبقى العقوبات جارية مع احتمال التدخل العسكري.

ومساء أمس الجمعة وصل إلى نيامي وزير الخارجية التوغولي روبرت دوسي بوصفه ممثلا شخصيا لرئيس جمهورية توغو فور غناسينغبي القائم بأعمال الوساطة بين المجلس العسكري ومنظمة إيكواس.

وقال رئيس الدبلوماسية في توغو إنه اتفق مبدئيا مع رئيس الوزراء علي الأمين زين على مضمون وتوقيت المرحلة الانتقالية، وسينقل محاور الاتفاق إلى اللجة المكلفة من طرف المجموعة الاقتصادية.

وأضاف دوسي أنه سيعود إلى نيامي في يناير القادم مع نظيره السيراليوني.

وتعتبر جمهورية توغو من الدول الداعمة لمواقف المجلس العسكري في نيامي، وسبق للجنرال عبد الرحمن تياني أن قام بزيارة لها قبيل انعقاد قمة أبوجا، وناقش مع الرئيس غناسينغبي سبل رفع العقوبات عن بلده.

وأمس الجمعة، وصلت مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية مولي في إلى نيامي، وقالت إن الولايات المتحدة مستعدة لاستئناف تعاونها مع النيجر شريطة التزام العسكريين بفترة قصيرة، وتنظيم انتخابات ديمقراطية تفضي إلى تسليم السلطة للمدنيين.

وتصنّف الولايات المتحدة الفاعل الخارجي الأقوى في النيجر بحكم قواتها المنتشرة وقاعدتها الكبرى في أغاديز، خاصة بعد رحيل القوات الفرنسية وتعليق التعاون الأمني والعسكري مع الاتحاد الأوروبي.

وفي نفس السياق قدمت السفيرة الأميركية الجديدة المعينة في النيجر أوراق اعتمادها لرئيس المجلس العسكري الجنرال عبد الرحمن تياني، وهو ما يعني الاعتراف بالحكومة العسكرية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المجموعة الاقتصادیة الولایات المتحدة المجلس العسکری التدخل العسکری وزیر الخارجیة فی النیجر إلى نیامی

إقرأ أيضاً:

هل تستطيع أوروبا تعويض كييف عن المعدات العسكرية التي أوقفتها واشنطن؟.. خبراء يجيبون

لا شك أن تجميد المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا لفترة طويلة سيكون له تأثير كبير في المجالات التي يصعب على الأوروبيين التعويض عنها، لكن بعض المجالات أسهل من غيرها مثل القذائف، وفقا لخبراء.

يرى معهد كيل الألماني أن الولايات المتحدة قدمت بمفردها نحو نصف قيمة المساعدات العسكرية لأوكرانيا في الفترة من 2022 إلى 2024. ويقول مصدر عسكري أوروبي لوكالة "فرانس برس" إن جزءا من المساعدات سُلم بالفعل، ولكن إذا لم يشهد الوضع على الجبهة تحولا في مواجهة الروس "فسيكون الأمر معقدا في أيار/ مايو وحزيران/ يونيو، بدون مساعدات جديدة" بالنسبة للأوكرانيين.

ويقول المحلل الأوكراني فولوديمير فيسينكو: "إذا أخذنا في الحسبان ما تم تسليمه وما لدينا وما ننتجه، فإننا قادرون على دعم المجهود الحربي لستة أشهر على الأقل من دون تغيير طبيعة الحرب بشكل كبير".



ويرى يوهان ميشال، الباحث في جامعة ليون 3، أن "في معادلة حرب الاستنزاف أنت تضحي إما بالرجال أو بالأرض أو بالذخيرة. وإذا نفدت ذخيرتك، فإنك إما أن تنسحب أو تضحي بالرجال".

في ما يلي أربعة مجالات عسكرية قد تتأثر بتعليق المساعدات الأمريكية:

الدفاع المضاد للطائرات
 تتعرض أوكرانيا باستمرار لوابل من الصواريخ والمُسيَّرات ضد مدنها وبلداتها أو بنيتها التحتية. تؤدي هذه الهجمات الكبيرة إلى إنهاك الدفاعات الأوكرانية وإجبارها على استخدام كميات كبيرة من الذخيرة.

بعيدا عن خط المواجهة، تمتلك أوكرانيا سبعة أنظمة باتريوت أمريكية حصلت عليها من الولايات المتحدة وألمانيا ورومانيا، ونظامين أوروبيين من طراز "SAMP/T" حصلت عليهما من روما وباريس لتنفيذ عمليات اعتراض على ارتفاعات عالية. ولدى كييف قدراتها الخاصة وحصلت على أنظمة أخرى تعمل على مدى أقل.

يقول الباحث الأوكراني ميخايلو ساموس، مدير شبكة أبحاث الجغرافيا السياسية الجديدة، وهي مؤسسة بحثية في كييف، إن "الصواريخ البالستية مهمة جدا لحماية مدننا، وليس قواتنا. لذا فإن ترامب سيساعد بوتين على قتل المدنيين".

ويشرح ليو بيريا-بينييه من مركز إيفري الفرنسي للأبحاث: "مع الباتريوت، كما هي الحال مع جميع الأنظمة الأمريكية، لدينا مشكلتان، مشكلة الذخائر ومشكلة قطع الغيار للصيانة. في ما يخص قطع الغيار، هل سنتمكن من شرائها من الأمريكيين وتسليمها للأوكرانيين أم أن الأمريكيين سيعارضون ذلك؟ لا نعلم".

لتوفير ذخائر الباتريوت، تقوم ألمانيا ببناء أول مصنع لها خارج الولايات المتحدة، ولكن من غير المتوقع أن يبدأ الإنتاج قبل عام 2027. وسوف تجد أوروبا صعوبة في تعويض أي نقص في هذا المجال.

ويقول ميشال: "إن أوروبا تعاني من بعض القصور في هذا المجال؛ فأنظمة "SAMP/T" جيدة جدا ولكنها ليست متنقلة، ويتم إنتاجها بأعداد صغيرة جدا. لا بد من زيادة الإنتاج، حتى لو كان ذلك يعني تصنيعها في أماكن أخرى غير فرنسا وإيطاليا". لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت. ويؤكد بيريا-بينييه أن "العملية كان ينبغي أن تبدأ قبل عامين".

ويضيف يوهان ميشال: "إن إحدى طرق التعويض تتمثل في توفير مزيد من الطائرات المقاتلة لتنفيذ عمليات اعتراض جوي وصد القاذفات الروسية التي تضرب أوكرانيا"، فالأوروبيون زودوا أوكرانيا بطائرات "إف-16" و"ميراج 2000-5"، ولديهم مجال لزيادة جهودهم في هذا المجال.

ضربات في العمق
يمكن للمعدات الأمريكية توجيه ضربات من مسافة بعيدة خلف خط المواجهة، وهو ما يجعلها بالغة الأهمية بفضل صواريخ "أتاكمس أرض-أرض" التي تطلقها راجمات "هايمارز" التي أعطت واشنطن نحو أربعين منها لأوكرانيا.

ويشير ميشال إلى أنها "إحدى المنصات القليلة في أوروبا".

ويقول بيريا-بينييه: "إن أولئك الذين يملكونها يبدون مترددين في التخلي عنها، مثل اليونانيين". ويقترح ميشال أن "هناك أنظمة تشيكية، ولكنها أقل شأنا. يتعين على الأوروبيين أن يطوروا بسرعة أنظمة خاصة بهم، أو إذا كانوا غير قادرين على ذلك، أن يشتروا أنظمة كورية جنوبية".

ويشير ساموس إلى أن هناك إمكانية لتوجيه ضربات عميقة من الجو، ولدى "الأوروبيين والأوكرانيين الوسائل التي تمكنهم من ذلك"، مثل صواريخ "سكالب" الفرنسية، و"ستورم شادو" البريطانية.

ولكن بيريا-بينييه يشير إلى أن "المشكلة هي أننا لسنا متأكدين على الإطلاق من أن هناك أوامر أخرى صدرت بعد تلك التي أُعلن عنها".

القذائف المدفعية والأنظمة المضادة للدبابات
في هذا المجال، الأوروبيون في وضع أفضل.

يقول ميشال: "ربما يكون مجال الأسلحة المضادة للدبابات هو الذي طور فيه الأوكرانيون أنظمتهم الخاصة. فالصواريخ، مثل صواريخ جافلين الشهيرة التي زودتهم بها الولايات المتحدة، تكمل أنظمة المُسيَّرات "FPV" بشكل جيد".

وفي ما يتعلق بالمدفعية، يشير بيريا-بينييه إلى أن "أوروبا حققت زيادة حقيقية في القدرة الإنتاجية، وأوكرانيا في وضع أقل سوءا".

في أوروبا، تسارعت وتيرة إنتاج القذائف وتسليمها إلى أوكرانيا، ويخطط الاتحاد الأوروبي لإنتاج قذائف عيار 155 ملم بمعدل 1,5 مليون وحدة بحلول عام 2025، وهذا يزيد عن 1,2 مليون وحدة تنتجها الولايات المتحدة.



 الاستطلاع/الاستعلام
 تشتد الحاجة إلى الولايات المتحدة في هذا المجال الأساسي بفضل أقمارها الاصطناعية وطائراتها ومُسيَّراتها التي تقوم بجمع المعلومات ومعالجتها.

ويقول فيسينكو: "من المهم جدا أن نستمر في تلقي صور الأقمار الاصطناعية".

ويشير ميشال إلى أن "الأوروبيين لديهم بعض الأدوات، ولكنها ليست بالحجم نفسه على الإطلاق، والعديد منهم يعتمدون بشكل كامل على الولايات المتحدة في هذا المجال".

مقالات مشابهة

  • هل تستطيع أوروبا تعويض كييف عن المعدات العسكرية التي أوقفتها واشنطن؟.. خبراء يجيبون
  • واشنطن توقف الدعم العسكري لأوكرانيا
  • “أكسيوس”: ترامب يعقد اجتماعا اليوم لمناقشة الأزمة الأوكرانية بما في ذلك تعليق الدعم العسكري لكييف
  • واشنطن تمنع سفر مواطنيها إلى اليمن بينما تعزز وجودها العسكري غير المشروع
  • عصر جديد بين واشنطن وموسكو والهوة تتسع بين أميركا وأوروبا
  • ما هي الدول الأوروبية التي ستشارك في "تحالف الراغبين" من أجل أوكرانيا؟
  • زيلينسكي يواجه ضغوط التغيير وأوروبا تؤكد دعمها لكييف وسط تقارب واشنطن وموسكو
  • العراق بقلب العاصفة.. تقارب واشنطن وموسكو يحرج طهران ويدفعها لـ4 خيارات
  • تبون يقاطع القمة العربية بشأن فلسطين في مصر.. هذه أسباب القرار
  • تحذير من عدم كفاية التزامات اتفاقية باريس لمنع كارثة مناخية