البيان الختامي لقمة المناخ "كوب 28"
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
علي الرئيسي **
توصلت 200 دولة اجتمعت في قمة المناخ "كوب 28" والتي عُقدت في دبي بالإمارات العربية المتحدة، خلال الجلسة العامة الختامية يوم الأربعاء الماضي، إلى اتفاق تاريخي بشأن التوجه نحو التخلي تدريجيًا عن استغلال الوقود الأحفوري، والمقصود هنا بالوقود الأحفوري النفط والغاز والفحم الحجري.
بينما اعتبر البعض- وخاصة الدول الأوروبية وأمريكا الذين خاضوا مناقشات مضنية لمدة أسبوعين مع الدول المصدرة للنفط بقيادة المملكة العربية السعودية- أن البيان والاتفاق خطوة مهمة، واعتبر آخرون- من ضمنهم مناصرون للبيئة والدول الجُزرية والتي تعاني بلدانها من ارتفاع منسوب مياه البحر- أن الاتفاق كان سيئًا ولا يذهب بعيدًا في التخلي عن الوقود الأحفوري.
بحسب العلماء، فإنَّ الوقود الأحفوري يُعد أكبر مساهم في تغيُّر المناخ العالمي؛ إذ يتسبب في أكثر من 75% من انبعاثات الغازات الدفيئة وحوالي 90% من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وارتفعت الانبعاثات العالمية من 25 إلى 33 مليار طن متري سنويًا من ثاني أكسيد الكربون؛ وذلك خلال العقد الأول من القرن الحالي. حصة الصين السنوية من هذه الانبعاثات ارتفعت بنسبة 31 بالمائة. لذلك لتجنب آثار تغير المناخ، يجب خفض الانبعاثات بمقدار النصف تقريبًا بحلول عام 2030 والوصول بها إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050. ولتحقيق ذلك يدعو البيان الى التخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري والاستثمار في مصادر بديلة للطاقة تكون نظيفة ومستدامة.
ويتفق معظم العلماء على أن تغير المناخ هو ظاهرة مُثبتة علميًا، وأن هذه الظاهرة من صنع أنشطة البشر؛ مثل حرق الوقود الأحفوري والتصحُّر. وتعتمد أدلة تغير المناخ بشكل شامل على مجموعة واسعة من المصادر؛ بما في ذلك سجلات درجات الحرارة، وانكماش الجليد والتغيرات العنيفة في أنماط الطقس، والغرق التدريجي لبعض الجزر.
الآن أصبح هناك شبه إجماع على مسألة تغير المناخ، رغم الاختلافات في كيفية التصدي لهذه الظاهرة ومن هو المسؤول عن التلوث، لذلك اعتقد أن علينا التفكير، والعمل بجدية كدول ريعية تعتمد في مصادر دخلها على الوقود الأحفوري؛ حيث يشكل بالنسبة لبلد مثل سلطنة عمان حوالي 80% من إيرادات الحكومة، و60% من دخل الصادرات و40% من الناتج المحلي الإجمالي. واذا ما تم الاستغناء عن النفط من الدول المستوردة فإن الصادرات النفطية ستختفي، وستنخفض الإيرادات العامة، وبالتالي ستنخفض الموازنة العامة للدولة، كما إن احتمالات انخفاض وتذبذب سعر صرف العملة سيكون واردًا؛ نظرًا لانخفاض قيمة الصادرات، مما سيؤدي الى انخفاض الدخول الحقيقية للموظفين وأصحاب الدخول الثابتة، وستتفاقم البطالة وسيصاب الاستثمار بالشلل الكامل.
إن هذا السيناريو الكارثي يحثُنا ويفرض علينا أهمية وضرورة التحسب والعمل الجاد في إطار السعي إلى تنمية مستدامة، بحيث يُوظَّف جزء كبير من الإيرادات النفطية لتنويع الاقتصاد، وتنشيط القطاعات غير النفطية، والعمل بالسرعة المطلوبة لإنشاء البنية الأساسية للطاقة البديلة وخاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وبالتالي عدم وضع اقتصاد البلد تحت رحمة سلعة ناضبة تحاول الدول الكبرى الاستغناء عنها. وهذا سيضاعف التحديات على المعنيين بالتنوع الاقتصادي.
** باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الاقتصاد الأخضر حجر الزاوية في العلاقات الدولية
د. طارق عشيري **
لعل انشغال البعض بالأحداث السياسية المعتادة يجعلهم لا ينتبهون إلى صراعات قد تبدو في الأفق خاصة في الدول النامية التي يسعى البعض منها لترتيب أبسط مقومات الحياة؛ بينما هناك دول تسعى إلى السيطرة على موارد الطاقة وتضع من الدراسات ما يؤمِّن مستقبلها، وتنفق على البحوث والدراسات الملايين، بل وتضع من الاحترازات الكفيلة بما بحقق رضا شعوبها. وهنا ياتي دورنا في لفت الانتباه لما يجري في العالم من تسابق محموم حول موارد الطاقة والمياه والغذاء وخاصة على صعيد (الصراع حول المياه العذبة) أو في (مستقبليات الاقتصاد الأخضر).
ونؤكد أن العالم اليوم وغدا سيشهد تحولًا غير مسبوق في العلاقة بين المناخ والطاقة والسياسة الدولية، حيث باتت التغيرات المناخية واحدة من أبرز القضايا التي تؤثر في صياغة التوجهات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية.
ومع ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الكوارث الطبيعية، يتزايد الضغط على الدول لتبني استراتيجيات مستدامة للطاقة، مما أعاد تشكيل التحالفات الدولية وأولويات الأمن القومي.
وفي هذا السياق، لم تعد مصادر الطاقة التقليدية وحدها محور النزاعات والتنافس، بل أصبحت تقنيات الطاقة النظيفة والموارد النادرة اللازمة لها ميدانًا جديدًا للصراع والتعاون على حد سواء.
إن فهم تأثير المناخ والطاقة على السياسة العالمية يفتح نافذة على مستقبل مليء بالتحديات، ولكنه يحمل أيضًا فرصًا لإعادة تشكيل العالم نحو نظام أكثر استدامة وعدالة.
ويشهد العالم تحولًا جذريًا في العلاقة بين المناخ والطاقة، حيث أصبحت هذه القضايا محورًا رئيسًا للتغيرات السياسية والاقتصادية العالمية. ومع تصاعد تأثيرات تغير المناخ، مثل ارتفاع درجات الحرارة والكوارث الطبيعية المتزايدة، أصبح من الواضح أن الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية لم يعد مستدامًا، مما دفع الدول إلى البحث عن بدائل نظيفة وفعالة لتلبية احتياجاتها.
وهذا التحول لم يقتصر على الجانب البيئي فحسب، بل امتد ليُعيد تشكيل خرائط القوة والنفوذ على الساحة الدولية.
واليوم، تتنافس القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، على قيادة التحول نحو الاقتصاد الأخضر، بينما تواجه الدول النامية تحديات معقدة تتعلق بتمويل هذه الانتقالات. وفي الوقت نفسه، أفرزت ندرة الموارد الحيوية للطاقة النظيفة، مثل (الليثيوم) و(الكوبالت)، سباقًا جديدًا للسيطرة على هذه المعادن، مما زاد من حدة التوترات الجيوسياسية.
ومن ناحية أخرى، سوف يتسبب تغير المناخ في أزمات إنسانية متزايدة، مثل الهجرة البيئية وندرة المياه، مما يعزز من احتمالات الصراعات الإقليمية ويدفع بالمجتمع الدولي إلى ضرورة تبني حلول جماعية لمواجهة هذه التحديات.
وفي ظل هذه الديناميكية المتسارعة، باتت السياسات المرتبطة بالمناخ والطاقة تمثل حجر الزاوية في صياغة مستقبل العلاقات الدولية وتحقيق الاستقرار العالمي؛ حيث يشهد العالم مرحلة دقيقة من التغيرات العميقة التي تربط بين المناخ والطاقة والسياسة، فقد أصبحت قضايا البيئة والطاقة النظيفة أكثر من مجرد تحديات علمية أو اقتصادية؛ بل باتت عوامل حاسمة في رسم ملامح العلاقات الدولية وإعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية.
ومع اشتداد ظاهرة الاحتباس الحراري وازدياد الكوارث الطبيعية، أصبح من الواضح أن أزمة المناخ ليست تهديدًا مستقبليًا فحسب، بل واقعًا يفرض نفسه على جميع الدول، مهددًا الأمن الغذائي والمائي، وملقيًا بظلاله الثقيلة على استقرار المجتمعات.
وفي هذا الإطار، يتزايد التحول نحو الطاقة المتجددة كضرورة بيئية واستراتيجية، حيث تعيد الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين، صياغة سياساتها الداخلية والخارجية لضمان موقعها في السباق العالمي نحو الاقتصاد الأخضر. هذا التحول يفتح أفقًا جديدًا للتنافس على الموارد الحيوية مثل(الليثيوم) و(الكوبالت) الضروريين في صناعة وتكنولوجيا البطاريات والطاقة الشمسية، مما يثير نزاعات جديدة ويدفع بتحالفات غير تقليدية.
وفي المقابل، تعاني الدول النامية من ضغوط مزدوجة، تتمثل في تحمل آثار تغير المناخ من جهة، ومحاولة اللحاق بركب التحول الأخضر من جهة أخرى، وسط تحديات التمويل والتكنولوجيا. وفي الوقت ذاته، تؤدي أزمات الهجرة المناخية والنزاعات على الموارد إلى تصعيد الأوضاع الإقليمية، مما يعزز الحاجة إلى استجابات جماعية واتفاقيات دولية أكثر عدالة وفعالية.
ويبقى القول.. إنَّ العلاقة المتشابكة بين المناخ والطاقة لم تعد مجرد قضية علمية أو اقتصادية؛ بل أصبحت معركة سياسية متعددة الأوجه، تتطلب إرادة دولية حقيقية لإعادة صياغة النظام العالمي بما يضمن التوازن بين التنمية المستدامة والعدالة المناخية، ويؤسس لعالم أكثر استقرارًا وإنصافًا.
** أكاديمي سوداني