من الذي حكم السودان بعد كرري من 1898م وصنع سودان 56 ؟!
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
من الذي حكم السودان بعد كرري من 1898م وصنع سودان 56 ؟!
يمكننا اعتبار كتاب الصراع السياسي على السودان 1840م – 2008م للاستاذ جمال شريف من أهم وأخطر المؤلفات الحديثة في تاريخ السودان التي لم تلق حظها من النقاش والمفاكرة.
تقوم الفكرة الجوهرية للكتاب من أجل إثبات أن فترة الحكم الثنائي البريطاني المصري من 1898م حتى 1955م لم تكن فترة حكم مشترك بين مصر وبريطانيا للسودان ولا هي فترة حكم بريطاني للسودان بشراكة صورية مع مصر حسبما يعتقد غالبية السودانيين.
إذن من كان حقيقة يحكم السودان خلال فترة الحكم الثنائي 1898م – 1955م ؟
(الإدارة البريطانية في الخرطوم) هي التي كانت تحكم.
هذا هو المصطلح الذي استخدمه المؤلف ، ويقصد به مجموعة البريطانيين من عسكريين ومدنيين تعاقبوا على منصب الحاكم العام بدءا من السردار كتشنر بعد كرري 1898م مباشرة ولأشهر معدودة وبعده ونجت باشا حتى 1917م ثم حتى آخر حاكم عام غادر الخرطوم في 1955م ومعهم مجموعات الإداريين البريطانيين الذين كانوا يحيطون بهم ويتولون المناصب الرئيسية في منظومة الحكم مثل السكرتير الإداري والمالي وقيادات المخابرات والمصالح الحكومية المهمة.
(الإدارة البريطانية في الخرطوم) لم تكن تمثل الحكومة البريطانية بل كانت تمثل نفسها وتعارض في كثير من الأحيان قرارات الحكومة البريطانية الخاصة بالسودان وتتغلب عليها وتلغيها ويرى أن هذه الإدارة البريطانية في الخرطوم كانت لها جماعات ضغط داخل بريطانيا تقوم نيابة عنها بالضغط على الحكومة من خلال الإعلام والبرلمان لتبني سياسات أو للتراجع من سياسات وأن هذه الإدارة البريطانية في الخرطوم كانت على درجة من القوة بحيث رفضت أحيانا تنفيذ قرارات من الحكومة البريطانية خاصة بالسودان وذلك بحجة أنهم كبريطانيين يعملون في السودان يتلقون رواتبهم من السودانيين وليس من الحكومة البريطانية ولذا فإن من واجبهم الحرص على مصالح السودانيين وطموحاتهم المشروعة للإستقلال.
ولولا هذه الإدارة البريطانية في الخرطوم لفاز التاج المصري باستعادة الإنفراد بالسيادة على السودان وهو الإنفراد الذي فقده منذ توقيع إتفاقية الحكم الثنائي في 1899م بين وزير الخارجية المصري بطرس غالي واللورد كرومر قنصل بريطانيا في مصر علما أن اللورد كرومر نفسه كان من مجموعة الإدارة البريطانية في الخرطوم.
ما إجتهد الاستاذ جمال شريف في إثباته في مؤلفه القيم صحيح باعتقادي ، فمثلا عند تتبع المراحل التي تم بها ترشيح واختيار غردون للحضور للسودان في المرة الثالثة والأخيرة التي قتل فيها يوم 26 يناير 1885م نجد أن حتى رئيس الوزراء البريطاني لم يكن له دور في عملية الاختيار والتعيين ، وبعد تعيينه وقبل أن يغادر غردون للخرطوم تم استدعائه للاجتماع بمجموعة يطلق عليها مجموعة المصالح ، فمن هم ؟!
طبعا بعدها توجه غردون للقاهرة لمقابلة الخديوي محمد توفيق لاستلام قرار التعيين من الحكومة المصرية من أجل إكمال الشكل القانوني فقط لا غير.
بالمناسبة ، في كل صفحات السفر القيم لن تجد المصطلحات المألوفة التي تعودنا عليها في أدبيات المؤامرات والحكومات الخفية ، ولكن غياب المصطلحات لا يعجزك عن الفهم بل ربما كان ذلك الغياب من عناصر التشويق والبعد عن التكرار الفج.
ونحن على اعتاب ذكرى الاستقلال في يناير 2024م أتساءل عما إذا قدرت مجموعة إدارة الخرطوم أن سودان 56 قد استنفذ أغراضه وحان وقت إعادة تشكيله من جديد ؟
#كمال _حامد ????
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الحکومة البریطانیة
إقرأ أيضاً:
الهزيمة العسكرية هي التي أدت إلى أن يتواضع آل دقلو للجلوس مع عبد العزيز الحلو
فقط الهزيمة العسكرية هي التي أدت إلى أن يتواضع آل دقلو للجلوس مع عبد العزيز الحلو ؛ و هو يمثل سودان ٥٦ ليس بأجندته العلمانية أو شعار الهامش الذي يرفعه ؛ بل الحركة العنصرية التي كانت تبحث عن النقاء العرقي و دولة “العطاوة” كانت لتهتم بالتكوين القبلي للحلو أكثر من “المنفستو” الذي يحمله.
فالحلو المولود لأب من المساليت و أم من النوبة يمثل كل شيء حاربته حركة النقاء العروبي في السودان. فبينما أذاقت مليشيا الدعم السريع كل قبائل السودان و مكوّناته الألم و الإذلال ؛ احتفظت لقبيلتيْ النوبة و المساليت بجحيم خاص في حربها. في بداية تمردها ضد الدولة و بينما كانت تحاصر القيادة العامة و تتوقع إسقاطها ؛ لم تصبر على قبيلة المساليت و ارتكبت فيهم أسوأ المجازر و لم يفهم الناس حينها لماذا تتمرد على الجيش لكنها تقتل المساليت بهذه الوحشية من دون الناس.
عرب العطاوة الذين أحضرتهم المليشيا شرسون جدا ضد النوبة. و هما يطلقون كلمة “أنباي” لكل ذي بشرة داكنة في السودان. و عند دخولها لمدينة الفولة مثلا، و رغم أنها لم تكن في مزاج الإنتهاكات لإعتقادها أن إقتحام المدينة كان بهدف تأديب بسيط لأبناء العمومة الضالين و الذين لا يوافقونها على مشروعها ، إلا أنها
أخرجت من بين صفوف المواطنين عشراتٍ من المنتمين للنوبة و قتلتهم رمياً بالرصاص فقط لأنهم من النوبة. و لذا إنضم المئات من جنود و ضباط جيش الحلو نفسه من إلى أبناء عمومتهم داخل مناطق الجيش السوداني لإدراكهم بطبيعة هذه الحرب التي يريد الحلو إنكار عدواتها للنوبة بعد عامين من العداء المطلق و العلني و المفضوح و هو يستوطن بلاد النوبة و يثري من رفع ظلاماتهم.
آل دقلو المهزومين عسكرياً استدعوا الحلو ليعلمهم فضيلة “التمرد لأجل التمرد” دون مشروع أو مطالب محددة. الحلو هو ملك الخندقة. و هو أولى من يعلمهم كيف لهم أن يتراجعوا إلى ركنٍ قصيٍّ من البلاد للعق جراحهم و الإكنفاء على أنفسهم دون محاولة السيطرة على الثور الهائج في الخرطوم . الحلو هو أنسب من يعزي آل دقلو عن مصابهم و يكشف عنه الندوب و الحروق في جسد الذين حاربوا سلطة الخرطوم و يقص على مسامعهم حكاوي شهداء التمرد من المغامرين الذين إغتالتهم ٥٦ أو شردتهم طوال عمرهم لمحاولة السيطرة عليها بالقوة ؛ قرنق و يوسف كوة و بولاد و القائمة تطول.
لم يكن متوقعاً من دقلو صاحب مشروع النقاء العروبي أن يسعى للقاء الحلو لولا فشل مشروعه . دقلو الجريح يقلّب الآن في دفاتر مليشيات السودان القديمة عن شركاء في الهزيمة و النواح ؛ و عن مشروع يتيم كي يتبناه. دقلو يحاول إقامة مشروع مزدحم يقيه غضب ٥٦ و صيادها المترصد و الغاضب . يحاول خلط الأوراق مخافة الإستفراد به بينما ٥٦ في أفضل أحوالها عسكرياً بعد أن أخذ هو “عرضته” الراقصة ثم وهن و انكسر و تراجع.
ظهور عبد الرحيم دقلو بالبدلة خارج السودان بينما ما زال العطا و كباشي مثلاً لا يظهران بغير الكاكي ، و بينما يصفي الجيش ما تبقى من مغامرات دقلو العسكرية بالخرطوم و كردفان يكشف هو أولوياته الجديدة. إنتهت عنتريات القائد الميداني إلى فضاء المعارض السياسي صاحب المشروع. لا خطة للإنسحاب تشغل باله و لا توجيه بإنقاذ جنوده المحاصرين و إستبقاء حياتهم. بل غسل اليد من دمائهم و الإبتعاد مسافة حتى لا يسمع آلة الجيش الهائلة تطحن أجسادهم إلى العظم. إنهم بعض الماهرية “الشهداء” و كثير من الحبش و الجنوبيين الذين لا بواكي لهم و يستحقون أي مجازفة لإنقاذهم.
عمار عباس
إنضم لقناة النيلين على واتساب