لجريدة عمان:
2025-04-26@10:59:07 GMT

مرفأ قراءة.. الخيال التاريخي في الفكر الأوروبي

تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT

مرفأ قراءة.. الخيال التاريخي في الفكر الأوروبي

- 1 -

ما بين تطور الشعر والأدب والبحث التاريخي في القرن التاسع عشر، وتطور مناهج الكتابة التاريخية ومحاولة فحص الحدود بين الكتابة الأدبية والتاريخية في القرن العشرين، برز مفهوم "السرديات التاريخية" في العلوم الإنسانية والاجتماعية. وارتبط مفهوم "السردية" بالطريقة التي تصاغ بها الأفكار حول موضوع معين في أي حقل من حقول المعرفة الإنسانية.

مصطلح "سردية" أو "سرديات" من المصطلحات التي بات منتشرة الآن، وعلى نطاق واسع، في أدبيات التاريخ والعلوم الاجتماعية والإنسانية عمومًا... فهل هناك مدلول محدد يُستخدم به في إطار النقاشات العلمية والأوراق البحثية في هذه العلوم؟

توجهت بهذا السؤال إلى المؤرخ والأكاديمي المصري شريف يونس الذي تصدى لترجمة عمل هايدن وايت الكبير (الخيال التاريخي في أوروبا القرن التاسع عشر) وصدرت ترجمته العربية عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة في العام الأخير.

يعرِّف المؤرخ والأكاديمي المصري شريف يونس مفهوم "السرد" (ويقال أيضًا السردية في الاستخدام الشائع) بأنه، نوع من الكتابة النثرية يتميز بالقَص، أي أنه يُروى. لذلك يقال عن "التاريخ" مثلًا أنه "سرد". وبالتالي فهو أوسع من مختلف أنواع النصوص الأدبية النثرية، لكنه أضيق من صنف النثر العام الذي يحتوي السرد، وغيره. ومع البنيوية وما بعدها أصبح السرد narrative شاغلًا نظريا أساسيا في كثير من العلوم الإنسانية والفلسفة.

- 2 -

يعود تاريخ هذه العلاقة الملتبسة بين الأدب والتاريخ أو بين الخيالي والواقعي إلى فجر الفلسفة الإنسانية والانشغال بقضايا الفكر والإبداع.

فإذا ما عدنا إلى أقدم تاريخ لبحث العلاقة بين التاريخ والأدب (الشعر) فإننا نجد أن أرسطو يقول في بداية الفصل الثامن من كتابه "فن الشعر": "لا يختلف الشاعر عن المؤرخ في الكتابة بالشعر أو بالنثر؛ فعمل هيرودوت ربما يكتب شعرًا، ولكنه يظل نوعًا من التاريخ، موزونًا أو من دون وزن.

إن الفارق الحقيقي في أن أحدهما يحكي ما حدث، بينما يحكي الآخر ما يمكن حدوثه؛ وهكذا يكون الشعر أكثر فلسفة من التاريخ؛ لأنه يميل إلى التعبير عما هو عام، بينما يميل التاريخ إلى التعبير عما هو خاص. وأنا أعني بكلمة "عام" الكيفية التي يتكلم بها أو يتصرف بها شخص ما وفقًا لقانون الاحتمال والضرورة".

كان هذا هو الطرح الأول والأقدم وكلاسيكية في بحث حدود هذه العلاقة.

مع مرور العقود والقرون وتطور التفكير ومناهج البحث، برز توجه آخر يرى أن التاريخ والسرد يتشابهان إلى أبعد حد، وربما يتطابقان؛ فالرواية -من جهة- هي نوع من التأريخ المستند إلى بحث ووثائق ومعاينة وربما معاناة للأحداث والوقائع المحكية، والتاريخ -من جهة أخرى ومن وجهة نظر ما- لن يكون تاريخًا حقيقيًّا، إلا إذا استند إلى رؤية أو فلسفة ذاتية، تجمع الوقائع وتصوغها في صورة قصة لها حبكة وفيها صراع ونتائج.

إذن فالتاريخ والرواية كلاهما نوع من محاكاة الوقائع وسردها، وكل منهما يصوغ الوقائع والوثائق من منظور معين، وكل منهما يستخدم اللغة في صياغة هذه الحقائق.

- 3 -

وفي مقابل هذين التوجهين التقليديين، هناك توجهان آخران يقومان على نظريات السرد الحديثة، وما بعد الحديثة، تلك النظريات التي -كما يقول هايدن وايت مؤلف كتاب "الخيال التاريخي"- "نقضت التفرقة بين الخطاب الحقيقي، والخطاب المتخيل، التفرقة القائمة على تصور اختلاف أنطولوجي بين مرجعية الخطابين، أي المرجعية الحقيقية والمرجعية الخيالية. وقد جاء نقض هذه التفرقة لصالح تأكيد الجانب المشترك بين الخطابين".

إن الفصل بين ما هو تاريخي وما هو أدبي يواجه اليوم -كما تقول ليندا هاتشيون- تحديًا كبيرًا من قِبَل فن (ونظرية) ما بعد الحداثة، "وتتجه القراءات النقدية الحديثة للتاريخ والرواية إلى التركيز على أوجه التشابه لا الاختلاف بين هذين الشكلين من الكتابة؛ فقد لوحظ أن كليهما يستمد قوته من التشابه مع الواقع، وليس من أي حقيقة موضوعية. وكذلك فإنهما يعدان بناءين لغويين استقرت لهما أشكالهما السردية، ولا يمتلك أيهما اليقين الكامل من ناحية اللغة أو البناء، كما أنهما يبدوان متساويين في مسألة التناص، أي استخدام نصوص سابقة في النسيج النصي المعقد لكل منهما".

أحد التوجهين يرى أن "السرد" و"السردية" هما الظاهرة الأشمل، التي تضم كل ما في حياتنا من ظواهر، وأن السرد تمامًا كاللغة، خاصية جوهرية للإنسان، وأن الإنسان لا يستطيع أن يفهم الحياة ولا أن يصوغها بعيدًا عن هذه الخاصية؛ فهو يؤرخ بالسرد، ويكتب العلوم بالسرد، ويفكر بالسرد، ويتحدث سردًا. أو كما سبقت الإشارة إلى عبارة جوناثان كوللر "إننا نتعقل الأحداث من خلال قصص ممكنة. ويذهب فلاسفة التاريخ إلى أن التفسير التاريخي لا يتبع منطق السببية العلمية، وإنما منطق القصة، فلكي تفهم الثورة الفرنسية، مثلًا، عليك فهم السرد الذي يظهر الكيفية التي أفضى بها حدث إلى غيره، فالأبنية السردية منتشرة في كل مكان".

- 4 -

هذه العلاقات الإشكالية بين الرواية والتاريخ، حاضرة دائمًا في كلام منظري ما بعد الحداثة عن قضايا كثيرة، مثل التناص والذاتية والأيديولوجيا، وبعضهم ينظر اليوم إلى القص بوصفه "الأمر الأكبر" الذي يشمل هذه القضايا كلها، لأن عملية خلق القص قد أصبحت شكلاً جوهريًّا من أشكال الفكر الإنساني، وتلعب دورها في فرض المعنى والاتساق الشكلي على فوضى الأحداث، والقص من وجهة نظرهم هو الذي يترجم المعرفة إلى حكي، وهذه الترجمة بالتحديد هي ما يشغل رواية ما بعد الحداثة ومنظريها.

إنهم يميزون بين "أحداث" الماضي أو التاريخ أو حتى أحداث الحياة الواقعية، وبين "الحقائق" التي نتوصل إليها من هذه الأحداث أو نعطيها إياها؛ فالحقائق أحداث أعطيناها معنى. إن مناظير تاريخية مختلفة ستصل من نفس الأحداث إلى حقائق مختلفة.

وهذا الاتجاه يمثله كثير من دارسي التاريخ وفلاسفته على وجه الخصوص، ولعل من أهمهم هنا كولنجوود، وجوتشلك. وقد ركز كولنجوود في كتابه "فكرة التاريخ" على ما سماه بـ "الخيال التاريخي"، وهو الذي يقوم بعمليات ذاتية مهمة، منها الاختيار من بين الوقائع والوثائق المتاحة، وصياغة الفكرة، ثم النقد، وكلها علامات على الاستقلالية التي لا غنى عنها للمؤرخ.

كما أن كولنجوود يتحدث عن الثغرات التي يسدها خيال المؤرخ عبر النقد والإنشاء، بقوله: "الخيال -"هذه الملكة العمياء التي لا غنى عنها"، والتي لا نستطيع على حد تعبير "كانت" أن ندرك العالم المحيط بنا بدونه- ضروري كذلك للتاريخ.

وهذا الخيال الذي ينشط في صورة استدلال عقلي بحت، لا صورة خرافة تهذي وتتخبط، هو الأصل في كل إنتاج للصياغة التاريخية.. يجب أن تنطوي الرواية، كما ينطوي التاريخ، على مغزى، بحيث لا ينبغي أن يقحم في أحدهما تفصيل لا يفرضه منطق الأحداث. والذي يقرر هذه الضرورة المنطقية في الحالتين هو الخيال.

- 5 -

ستجد أن الرواية والتاريخ على حد سواء، يحملان في طياتهما من العناصر ما يكفل تفسيرهما وتبريرهما، بحيث يبدو كل منهما نتاج نشاط مستقل، أو نشاط يفرض نفسه، كما أن النشاط في الحالتين هو نشاط الخيال الإبداعي العقلي.. ولا يوجد ثمة فارق بين إنتاج المؤرخ، وبين إنتاج الروائي؛ بوصف الاثنين من نسج الخيال.

والنقطة التي يختلفان فيها، هي أن الصورة التي يرسمها المؤرخ قصد بها أن تكون صورة صادقة: إن الروائي ليلتزم بشيء واحد فقط- ذلك هو رسم صورة متشابكة متماسكة، صورة ذات مغزى. أما المؤرخ فيلتزم بواجبين معًا- أن صورته يجب أن تستوفي هذا الوصف السابق، بالإضافة إلى رسم صورة ترسم الأشياء بالوضع الذي كانت عليه، وتصف الأحداث على نحو ما حدثت فعلاً"..

لكن بحث المسألة برمتها سيختلف جذريا وموضوعيا ومنهجيا مع سفر هايدن وايت الكبير "ما بعد التاريخ: الخيال التاريخي في أوربا القرن التاسع عشر" الذي ترجمه إلى العربية شريف يونس وصدر عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة... لكن هذا يقتضي حديثا آخر.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التاریخی فی کل منهما ما بعد

إقرأ أيضاً:

هل قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة تجعل الله ينظر لقائلها ويغفر له؟

تكثر الاستفهامات والأسئلة عن حقيقة هل قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة تجعل الله ينظر لقائلها ويغفر له؟، والتي يزيد معها الحرص والانتباه بقدر العظمة والمنزلة، وحيث إننا في شهر شوال المبارك وآية الكرسي أعظم آيات القرآن، والصلاة هي ثاني أركان الإسلام الخمس من هنا ينبع السؤال عن هل قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة تجعل الله ينظر لقائلها ويغفر له؟ ، باعتباره أحد أسرار آية الكرسي الخفية ، وهي إحدى آيات سورة البقرة، ولعل حث رسول الله لنا على قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة يشير إلى فضلها العظيم، الذي لا ينبغي تضييعه أو الاستهانة به وتفويته، فقد تحمل معها مفتاحًا لبوابات الخير والرزق والبركة، وهذا ما يطرح السؤال عن هل قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة تجعل الله ينظر لقائها ويغفر له؟.

فضل آية الكرسي.. هل قراءتها 50 مرة في الصباح تجلب الرزق؟هل يجوز قراءة سورة الكهف بعد العشاء يوم الجمعة؟.. لديك فرصة بــ10 آياتدعاء سورة قل هو الله أحد.. ردده ولن يعرف الفقر والنكد عنوانكهل قراءة أواخر سورة البقرة تغني عن قيام الليل؟.. اعرف 5 حقائقهل قراءة سورة يس يوميا بدعة محرمة؟.. اغتنمها لـ5 أسبابلماذا يجب قراءة آخر آيتين من سورة البقرة قبل النوم؟.. 7 عجائبهل قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة

قال الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن قراءة آية الكرسي بعد صلاة الفرض أو السنة لها فضل عظيم ونقرأها بعد الصلاة مباشرة.

واستشهد " عويضة" في إجابته عن هل قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة تجعل الله ينظر لقائها ويغفر له؟، بما  روي عن جابر بن عبدالله وأنس بن مالك ، وحدثه الشوكاني في الفوائد المجموعة، الصفحة أو الرقم : 299، حديث : ( مَن قرأَ آيةَ الكرسيِّ في دبرِ كلِّ صلاةٍ ، خرقَت سبعَ سمواتٍ ، فلَم يلتَئم خرقُها حتَّى ينظرَ اللَّهُ إلى قائلِها فيغفرُ لَهُ ، ثمَّ يبعَثُ اللَّهُ ملَكًا فيَكْتبُ حسَناتِهِ ويمحو سيِّئاتِهِ إلى الغدِ من تلكِ السَّاعةِ) ، وهو حديث إسناده باطل وله سند آخر فيه مجاهيل.

وجاء أن لقراءتها بعد كل صلاة مكتوبة أجر عظيم، حيث إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ آية الكرسي بعد كل صلاةٍ؛ حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: «مَن قرأَ آيةَ الكرسيِّ دبُرَ كلِّ صلاةٍ مَكْتوبةٍ، لم يمنَعهُ مِن دخولِ الجنَّةِ، إلَّا الموتُ»، ‏أنها تحفظ القارئ لها من العين، والسحر، والمس؛ إذ إن الله- تعالى- جعلها حرزًا من الشيطان، والجن والسحرة، والمشعوذين، فمن قرأها في الصباح حفظه الله تعالى حتى المساء، ومن قرأها في المساء حفظه الله تعالى حتى الصباح، كما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأها عند النوم؛ ليدفع بها الشياطين.

وقال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير آية الكرسي من سورة البقرة: هذه آية الكرسي ولها شأن عظيم قد صح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنها أفضل آية في كتاب الله .. عن أُبي هو ابن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله أي آية في كتاب الله أعظم قال: الله ورسوله أعلم فرددها مرارا ثم قال: آية الكرسي».

ودلت السنة النبوية على فضل قراءة آية الكرسي بعد الصلاة ، فروى أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: عن رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، إِلا الْمَوْتُ». أخرجه النسائي في السنن الكبرى، والطبراني في المعجم الكبير، وابن السني.

ويوضح الحديث أن المداومة على قراءة آية الكرسي بعد الصلاة ويستمر على قراءتها يستحق الجنة والفاصل بينه وبينها هو الموت لأنه بالموت قد انقطع العمل واستحق الجزاء -الجنة-، وآية الكرسي هي قوله تعالى: «اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» سورة البقرة الآية 255، وسميت بهذا الاسم لذكر الكرسي فيها، ومن يقرأها في الليل أو النهار بأي عدد (أقلها ثلاث مرات) تشرح الصدور وتكشف الهموم والغم والكربات وتحفظ النفس والأولاد والمال.‏

فضل قراءة آية الكرسي بعد الصلاة

قال الإمام ابن كثير رحمه الله عن فضل قراءة آية الكرسي بعد الصلاة ، مفسرًا آية الكرسي من سورة البقرة: هذه آية الكرسي ولها شأن عظيم قد صح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنها أفضل آية في كتاب الله .. عن أُبي هو ابن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله أي آية في كتاب الله أعظم قال: الله ورسوله أعلم فرددها مرارا ثم قال: آية الكرسي».

دلت السنة النبوية على فضل قراءة آية الكرسي بعد الصلاة ، فروى أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: عن رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، إِلا الْمَوْتُ». أخرجه النسائي في السنن الكبرى، والطبراني في المعجم الكبير، وابن السني.

ويوضح الحديث أن المداومة على قراءة آية الكرسي بعد الصلاة ويستمر على قراءتها يستحق الجنة والفاصل بينه وبينها هو الموت لأنه بالموت قد انقطع العمل واستحق الجزاء -الجنة-، وآية الكرسي هي قوله تعالى: «اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» سورة البقرة الآية 255.

وسميت بهذا الاسم لذكر الكرسي فيها، ومن يقرأها في الليل أو النهار بأي عدد (أقلها ثلاث مرات) تشرح الصدور وتكشف الهموم والغم والكربات وتحفظ النفس والأولاد والمال.‏

فضل آية الكرسي

ورد أنَّ آية الكرسي من الآيات العظيمة جداً، وَقد رَدَ فضلها في العديد من الأحاديث النبويّة ومنها :

أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (يا أبا المُنْذِرِ، أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ. قالَ: يا أبا المُنْذِرِ أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: {اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا هو الحَيُّ القَيُّومُ} [البقرة:255]. قالَ: فَضَرَبَ في صَدْرِي، وقالَ: واللَّهِ لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المُنْذِرِ)، فهي أعظم آية في كتاب الله بِدليل ما أخرجه مسلم في صحيحه، ومن الجدير بالذكر أنَّ أبي بن كعب -رضي الله عنه- هو سيّدُ القرّاء.

وقد بيّن فضله النبي في الحديث حين لقّبه بأبي المُنذر تكريماً له -رضي الله عنه- وإشارة إلى منزلته العالية، وعندما أجاب عن سؤاله -عليه السلام- دعا له بالبركة في العلم الذي فتح الله به عليه. إنَّ آية الكرسي حرزٌ للإنسان وحِصنٌ له من دخول النّار، بدليل الحديث الذي ورد عن أبي أمامة الباهلي السابق الذكر. إنَّ آية الكرسي حِصنٌ للبيوتِ من دخول الشياطين والجنِّ.

وقد ثبت عن أُبيّ بن كعب أنه رأى جنّياً يريد أن يسرق من طعامه، فسأله أُبيّ بعد أن علِم أنه جنّي: (فما يُنَجِّينَا مِنكُم، قال: هذه الآيةُ التِي في سورةِ البقرةِ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هو الْحَيُّ الْقَيُّومُ مَنْ قالَها حِينَ يُمسِي أُجِيرَ مِنَّا حتَى يُصْبِحَ، ومَن قالَها حينَ يصبحُ أُجِيرَ مِنَّا حتى يُمسِي، فلَمَّا أصبحَ أتَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليِه وسلَّمَ فذكر ذلكَ له فقال : صَدَقَ الخبيثُ).

وورد أنّ آية الكرسي خيرُ حافظ ٍللإنسان في يومه، فعند الالتزام بقراءتها قبل النوم تحفظه حتى يصبح، وعند قراءتها حين يُصبح تحفظه حتى يُمسي، مصداقاً لما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا أوَيْتَ إلى فِراشِكَ فاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَنْ يَزالَ معكَ مِنَ اللَّهِ حافِظٌ، ولا يَقْرَبُكَ شيطانٌ حتَّى تُصْبِحَ).

تفسير آية الكرسي

بدأت الآية الكريمة بإعلان وحدانية الله تعالى؛ فهو الإله الحقّ الذي يستحق العبادة والتأليه، وهو الحيّ القائم بشؤون الكون، لا يغفل عنه بالنوم، ولا يشاركه في ملك السماوات والأرض أحدٌ، ولا يشفع عنده أحد من العالمين دون إذنه، وهو المحيط العليم بتفاصيل الأمور ودقائقها، ويعجز ما دونه عن الإحاطة به -سبحانه وتعالى- إلا بما يريد، وسلطانه واسع، لا يثقله التدبير، وهو العليّ بقدره وكمال صفاته، العظيم بجبروته.

ومَدَحَ الله -سبحانه وتعالى- نفسَه بالآية الكريمة بقوله -تعالى-: (الْحَيُّ الْقَيُّومُ)، والحيُّ القيوم صفتان جليلتان تحمل كُلُّ معاني أسماء الله الحسنى، فالحيّ هو الذي لا يموت، وهو الذي لا يَسبقه عدمٌ ولا يلْحقُه زوال، فكل شيءٍ هالكٌ إلا وجهَهُ -سبحانه وتعالى-، ومعنى القيوم؛ أنَّ الله قائمٌ بذاته لا يحتاج إلى أحدٍ من خلقه، وكُلُّ الخلق تَفتقر إليه، فهو الغنيُّ عن جميع خلقه، ومن تمام حياته وقيّوميّته جاء الوصف الإلهي بقول -تعالى-: (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ)، وكُلُّ ما في الوجود له -سبحانه وتعالى- ومِلكٌ وعبدٌ له، كما أنَّ الله -عز وجل- لا ينام ولا يُصيبه النعاس، وهذا من كمال قيّوميّته.

كما أنَّ الله -تعالى- عليمٌ بكلّ شيء، فهو الذي يَعلم ما في الماضي والحاضر وما سيقع في المستقبل، وهو الذي يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، وكُلُّ مَن يعلمُ بعلمٍ على الأرض لم يكن لِيعلمه لولا أنَّ الله أذِنَ له بذلك، و لا تحدث شفاعة عند الله إلا برضاه وبعد إذنِه، وحتى الرسول -عليه السلام- إذا أراد الشفاعة من الله يأتي تحت العرش ويخرُّ ساجداً ويدعو الله ويَحمده ويُثني عليه، فلا يرفع رأسه إلا بعد أن يأذن الله -تعالى- له ويقبل طلبه بالشفاعة.

وسُمّيت آية الكرسيّ بهذا الاسم لورود الكرسيِّ العظيم فيها، قال الله -تعالى- في القرآن الكريم: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)، والمقصود بالكرسيّ هو كناية عن عِظَم العلم وشموله، وهو القول المشهور عن ابن عباس، وفي هذا إظهار لِسعة ملكه -سبحانه وتعالى-.

وقد استوى الله -عز وجل- على العرش استواءً يليق بجلاله، والله لا يعجزه حِفظُ جميعِ مخلوقاتِه في وقتٍ واحدٍ، وهذا شيءٌ يَسير على الله -سبحانه وتعالى-، ولا يُعجزه ولا يُثقله شيء، فهو الذي جلَّ وعلا بذاته، وعليٌّ بقهره وسلطانه، وعليٌّ بمكانه، وفي الآية إشارة إلى كمال قدرة الله بعظم مخلوقاته، وكمال قدرته وحفظه ورحمته، فلا يُثقله ولا يعجزه شيء.

آية الكرسي

تُعتبر آية الكرسي من أعظم آيات القرآن الكريم، وهي الآية رقم "255" من سورة البقرة، وتضمّنت أسماء الله -عزّ وجلّ- وصفاته وأفعاله، وورد فيها اسم الله الأعظم، وهو اسم: الحيّ القيوم، وذكر النوويّ اتفاق العلماء على أنّ ما يُميّز آية الكرسي أنّها جمعت من أصول الأسماء والصفات: الألوهيّة، والوحدانيّة، والحياة، والعلم، والملك، والقدرة والإرادة، وهذه السبعة هي أصول الأسماء والصفات، وسُمّيت الآية باسم آية الكرسيّ؛ لاحتوائها على مفردة الكرسي في قوله تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)، ولم يرد ذكر هذه المفردة في غير هذا الموضوع من القرآن كلّه.

وقد نزلت آية الكرسي في المدينة المنورة ليلاً، فأمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- زيداً بكتابتها، وذكر محمد بن الحنفية أنّه لما نزلت آية الكرسي: سقطت الأصنام، وخرّ الملوك وسقطت التيجان عن رؤوسهم، وهربت الشياطين يضرب بعضها بعضاً حتى أخبروا إبليس بالأمر، فأمرهم بالتحقّق، فجاءوا إلى المدينة المنورة، فوجدوها قد نزلت، ومن الجدير بالذكر أنّ آية الكرسي تضمّنت توحيد الله تعالى وصفاته العلا، وذكر ابن عباسٍ؛ أنّ أشرف آيةٍ في القرآن الكريم، هي آية الكرسي.

  طباعة شارك هل قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة هل قراءة آية الكرسي قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة فضل قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة آية الكرسي بعد كل صلاة فضل قراءة آية الكرسي بعد الصلاة قراءة آية الكرسي بعد الصلاة فضل آية الكرسي آية الكرسي تفسير آية الكرسي

مقالات مشابهة

  • قراءة في خطاب الرئيس المشاط خلال اجتماعه مع لجنة الدفاع الوطني
  • هل قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة تجعل الله ينظر لقائلها ويغفر له؟
  • استجواب رئيس الحكومة اللبنانية السابق في ملف انفجار مرفأ بيروت
  • الثلاثاء.. مؤتمر ثقافي بالغربية يناقش «الإبداع الأدبي بين الخيال والهوية»
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • هاني رمزي: «لام شمسية» من أعظم الأعمال الدرامية التي قدمت على مدار التاريخ
  • تكريم الفائزين في مسابقة دار الفكر للقراءة والإبداع بدورتها العاشرة في دار الأوبرا بدمشق
  • 100 عام من مهاتير محمد صاحب نهضة ماليزيا الذي لم يفلت من قسوة التاريخ
  • العنف في الملاعب ومشاريع هامة على طاولة الوزير الأول
  • أغرب وأفخم سيارة مرسيدس.. قطعة من الخيال