لجريدة عمان:
2024-07-06@08:58:37 GMT

محمد أبو زيد: الرواية «ضرورة شعرية» لحياتي!

تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT

محمد أبو زيد: الرواية «ضرورة شعرية» لحياتي!

يملك الكاتب المصري محمد أبو زيد سيرة ذاتية مميزة، فقد أصدر عددا كبيرا من الأعمال التي لاقت نجاحا نقديا، وهو من الأسماء التي يُنظر إليها بجدية في الوسط الثقافي العربي.

أصدر في الشعر «ثقب في الهواء بطول قامتي»، و«قوم جلوس حولهم ماء»، و«مديح الغابة»، و«طاعون يضع ساقا فوق الأخرى وينظر للسماء»، و«مدهامتان» و«مقدمة في الغياب»، و«قصيدة الخراب»، ومختارات بالفرنسية، و«سوداء وجميلة»، و«جحيم»، كما أصدر ديوانا للأطفال بعنوان «نعناعة مريم»، وفي الرواية «أثر النبي»، و«عنكبوت في القلب»، وفي النقد «الأرنب خارج القبعة».

حصل أبو زيد على جائزة سعاد الصباح في الشعر عن ديوان «أمطار مرت من هنا»، وجائزة يحيى حقي بالمجلس الأعلى للثقافة، عن رواية «ممر طويل يصلح لثلاث جنازات متجاورة»، ووصلت روايته «عنكبوت في القلب» إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد، وجائزة الدولة التشجيعية في الشعر عن ديوان «جحيم»، وجائزة ساويرس في الرواية، فرع كبار الأدباء، عن رواية «عنكبوت في القلب».

في هذا الحوار يتحدث محمد أبو زيد عن روايته الجديدة «ملحمة رأس الكلب» ومزاوجته بين الشعر والسرد، ورؤيته للجوائز والكتابة بشكل عام.

- ما سبب اختيارك لـ«الكلب» تحديدا، ليحمل إنسان رأسه؟ هل لفكرة الامتهان التي تتعلق بذلك الحيوان في الثقافات الشعبية العربية؟

• يحمل الكلب أبعادا مختلفة في الثقافة الإنسانية، وكان رفيقا للإنسان على مدار 15 ألف سنة كما تقول بعض الدراسات، وحتى في أفلام وروايات الديستوبيا، التي تصور العالم بعد أن ينتهي، لا يتبقى سوى إنسان في صحبة كلب. ويمكن أيضا تتبع دور الكلب في تراثنا الديني والعربي، في قصة أهل الكهف مثلا، ومن كُنى العرب في الجاهلية كلب وكليب وكلاب. ورغم أن الحيوان عند العرب إما يكون ممدوحا مثل الحصان والجمل، أو مذموما مثل الخنزير، لكن الكلب تحديدا يجمع بين الصفتين، المدح والذم، فهو يوصف بالنجاسة ورغم ذلك هو أوفى صديق للإنسان، ورغم أن ابن المزربان فضَّله على البشر في كتابه «فضل اﻟﻜﻼب ﻋﻠﻰ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻤﻦ ﻟﺒﺲ اﻟﺜﻴﺎب»، إلا أن الجاحظ مثلا يورد صفات فيها ذم له. وهذه الحالة التي يمتاز بها الكلب في ثقافتنا العربية من مدح وذم، من خير وشر، تشبه حالة الإنسان، فهو ليس خيرا كاملا ولا شرا محضا، بل يجمع بين المتناقضين.

بالإضافة إلى ذلك، فإن ما جعلني أختار الكلب بطلا للرواية، هو رغبتي في استدعاء صورة إله الموتى الفرعوني أنوبيس، كصورة لبطل العمل. فأنوبيس هو رجل برأس كلب، كان حاميا للمقابر وجسرا بين الحياة والموت، ومن مهامه أن يكون مرشدا للأرواح في الحياة الأخرى، ويحضر عملية «وزن القلب»، التي تحدد ما إذا كان سيتم السماح للروح بدخول عالم الموتى أم لا. وبالمناسبة كان معروفا ومقدسا في الحضارات الأخرى، لدرجة أن أفلاطون يذكر في حواراته أن سقراط كان يقسم بـ«كلب مصر»، يقصد أنوبيس الذي يعتبره حاكما للحقيقة في العالم الآخر.

لو نظرت إلى الدور الذي لعبه رأس الكلب في حياة البطلة (دو)، ستجد أنه يوازي الدور الذي يلعبه أنوبيس في حياة الأحياء في طريقهم للعالم الآخر، مرورا بعملية الميزان. بل إن الرحلة التي قطعها في«مدينة التائهين» هي محاولة لخلق حياة موازية للواقع، ويمكن أن تعتبرها هي الجسر الذي أعاده مرة أخرى إلى الحياة.

- تكتب في الرواية أن «اليوتوبيا لا تعني مجتمعا ملائكيًا». هل أردت منذ البداية أن تضرب المفهوم التقليدي لليوتوبيا؟ ولماذا؟

• فكرة اليوتوبيا المطروحة في الرواية، هي محاولة لمقاربة أفكار الأجيال الجديدة التي تسعى الرواية لقراءة أفكارهم والتحاور معهم. أبناء هذه الأجيال بالرغم من الانفتاح والانفجار المعرفي الحادث في حياتهم إلا أنهم يسيرون باتجاه مزيد من الانغلاق. ولذلك أشرت إلى الهيكيكوموري، وهو مصطلح ياباني شهير يشير إلى عزلة تصيب ملايين المراهقين والشباب الآن، فيقضي الشاب شهورا لا يخرج من بيته، لأن كل شيء تحت يده، يستطيع أن يطلب طعامه وملابسه وأي شيء يريده «أون لاين»، ويستطيع أن يصل إلى أي أغنية أو فيلم أو كتاب أو معلومة يريدها عبر الإنترنت، ويكتفي بالتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتى مشاعره وضحكه وبكائه يحولها إلى«إيموجي» هذه الأجيال من الهيكيكوموري ـ ومنهم «لبنى» و«دو» بنسب متفاوتةـ يعتقدون أنهم بهذا يصنعون يوتوبيا خاصة بهم، «دو» المنغمسة تماما في عالم مواز من التواصل الاجتماعي ولا تستطيع مواجهة الواقع ولا فهمه. ولبنى التي تقرر أن تغلق على نفسها باب شقتها وتكتفي بالألعاب والأفلام والمسلسلات والديليفري. هذه ليست يوتوبيا، ولا حتى الفكرة المنقولة عن رواية توماس مان الشهيرة «يوتوبيا» بسبب انغلاق أبطال الرواية على ذواتهم لم يعد باستطاعتهم تحمل صدمات الواقع، من كذب وخيانة وخداع وغيره. إنهم لا يريدون مجتمعا ملائكيا، ولكن يريدون من يشير لهم إلى مكان الخير والشر، لكي يستطيعون العودة والتفاعل مع الحياة دون خوف من صدماتها وخداعها.

- كيف تصف رحلة بطلتك «دو» لتجد نفسها في النهاية؟ وهل نجحت؟

• كلمة «ملحمة» تعني القصة الشعرية الممتلئة بالبطولات والتغيرات المجتمعية وتسرد جزءا من حركة الشعوب في التاريخ مع طابع أسطوري في بعض الأحيان، وهذا بالضبط ما يمكن قوله عن «دو»، فهذه ملحمتها الخاصة التي نقلتها من النقيض إلى النقيض، من الغرفة المغلقة إلى الشارع، من حكايات الحب الهزلية التي تخوضها أو تسمع عنها إلى أن يموت حبها بين يديها. رأس الكلب كان هو المحرك الأساسي لرحلة دو، فلولا ظهوره لما كانت الرحلة، ولما كانت الملحمة التي غيَّرتها الرواية من قصة تروي حكاية أمَّة إلى قصة تروي حكاية إنسان قد لا يكون موجودا من فرط ما غيَّبته مواقع التواصل الاجتماعي والتغيرات المجتمعية والتقنية والسياسية الحاصلة.

تنتهي الرواية في وقت ظهور فيروس كورونا، وهو الفيروس الذي غيَّر العالم لمدة ثلاث سنوات، وغيَّر البشر، ولا تزال آثاره موجودة وممتدة حتى يومنا هذا، لكن دو برحلتها الغرائبية التي خاضتها مع رأس الكلب، كانت مستعدة لهذا التغيير، بأن غيرت ذاتها، وأصبحت مستعدة لمواجهة العالم الذي تخاف منه، ففي المشهد الأخير حين يتجرأ عليها عامل أحد المنازل تصفعه على وجهه، في حين كانت قبل ذلك تختبئ من العالم في عربات المترو النسائية وتحتمي بجدران غرفتها، وتكتفي بما يقدمه لها هذا العالم عبر تيك توك وإنستجرام.

- من يقرأ أعمالك يفهم أنك لا تكتب الرواية بالشكل التقليدي، حيث هناك خطوط واضحة يمكن السير خلفها.. ما الشكل الذي يحكمك؟ ولماذا؟

• في رواياتي لا أسعى لأن أقدم حكاية، رغم أهميتها، بل أعتبر الرواية هي الطريقة التي يمكنني من خلالها أن أقول ما أود قوله بطريقة فنية. أحب التجريب طبعا، لكن بدون إفراط، أفكر في الكتابة كأحجية، كلغز يشغل بالك ويترك داخلك أسئلة تحتاج إلى إجابة بعد أن تنتهي منها، أكتب كأنني أمارس لعبة أحبها، وأحب أن يشاركني القارئ هذه اللعبة وأن يستمتع بوجوده فيها. في«ملحمة رأس الكلب» ستجد تقنيات كتابة السينما، ستجد تقنيات كتابة الكوميكس والمانجا، ستجد تناصا في الجزء الخاص بمدينة التائهين، مع طريقة السرد في ألف ليلة وليلة، ستجد تقنيات مسرحية، وشعرية، لأني أؤمن دائما بأن هناك طريقة أخرى لقول الأشياء غير تلك المتعارف عليها. نعرف فن السينما والمسرح والشعر والرواية والفن التشكيلي، لكنَّ هناك فنونا أخرى لم نستخدمها لأننا لم نعرفها بعد. ما أقوم به أشبه بعملية تحضير منتج كيميائي في المعمل، أن تضع قليلا من هذا المركب على هذا، بحثا عن مركب جديد. ليس من الضروري أن أنجح، لكني يجب أن أجرب وأن أحاول. هذا أيضا موجود في روايتي السابقة «عنكبوت في القلب»

هذا التجريب وهذا اللعب، هو ما أفعله في الشعر أيضا منذ ديواني الأول «ثقب في الهواء بطول قامتي»، يظهر بشدة في بعض الدواوين ويخفت في بعضها الآخر، لا أعرف إذا كنت سأصل لشيء في النهاية أم لا. لكنني أعتقد أنني إذا كتبت رواية عبارة عن مجرد حكاية عادية فلن أكون راضيا عنها.

- هناك كذلك في معظم أعمالك مزج بين الواقعي والفانتازي.. لماذا تراوح بين الشكلين؟

• ببساطة لأنني أرى العالم بهذه الصورة، حينما أكتب فإنني أضع لمساتي على الحياة، أغير بعض ما لا يعجبني، أصنع أجنحة للعجائز، وأجعل المصاعد تواصل صعودها للسماء. رواية «ملحمة رأس الكلب» تدور معظم أحداثها في وسط البلد، وهي المنطقة التي يحفظ ملامحها الجميع، لكن ما الذي يخصني فيها؟ إنه «حارة السماء» التي اخترعتها من لا شيء، هو تلك المدينة السحرية تحت وسط البلد، التي ذهبت إليها «دو»، وفكرت أنها إذا ذهبت إلى أسفل محل «سينابون» فربما تجد شجرة قرفة عملاقة، وإذا مرت أسفل مقهى زهرة البستان فربما تجد مقابر جماعية لزبائن المقهى القدامى العالقين فيه من زمن، وإذا مرت أسفل «عمارة الإيموبيليا» فقد تقابل ليلى مراد ونجيب الريحاني يحاولان إكمال فيلم«غزل البنات»، وأسفل صيدلية الإسعاف ستجد مخزنها السري الذي تخفي فيه آلاف الأدوية المختفية من السوق.

العالم ممل إذا قدمناه بصورته الطبيعية، لذلك في الرواية والشعر أقدم اقتراحي لتعديل العالم.. فربما يكون أكثر احتمالا.

- من أين تستمد حكاياتك وشخصياتك؟.. هل من الواقع أو من أحلام اليقظة أو هذيانات الخيال؟

• قد لا تصدق إذا قلت لك: إن كل ما في رواياتي وقصائدي قد عرفته بشكل أو بآخر. أو قد أكون رأيته بعين خيالي إذا جاز التعبير. عندما تمر في الشارع وتسمع شخصا يشتم آخر بقوله: «أنت بني آدم برأس كلب»، في هذه الحالة قد تفكر.. ماذا لو كان هناك إنسان فعلا برأس كلب؟»، كنت أكتب الرواية بينما قطة تجلس على المكتب بجواري، أفكر عندما أنظر إلى وجهها وعينيها وفمها أنها تشبه شخصا أعرفه، هذه الأفكار وغيرها تجدها في الرواية. إنها أفكار ليست مفتعلة، بل تمثل طريقتي في رؤية العالم والتعايش معه.

- لماذا تلجأ في معظم أعمالك إلى الأسماء الغريبة التي تشي بغرابة الأطوار، مثل رأس الكلب و«دو» وغيرهما؟

• هذا جزء من لعبة الكتابة.. ما الذي يمكن أن يقدمه الاسم للشخصية؟ في بعض الشخصيات أفكر في أبسط الأسماء، حتى لا يتم تحميلها أكثر مما تحتمل، وكي تكون الشخصية أكثر خفة، بطل رواية «أثر النبي» كان بلا اسم. «دو» في رواية «ملحمة رأس الكلب»، و«بيبو» و«إتش» في رواية «عنكبوت في القلب»، كنت أقدم اسما من حرف واحد تقريبا، لمنح الشخصيات خفة وغرائبية، في حين أن هناك شخصيات تأخذ أسماء كاملة كمحاولة لربطها بالواقع أكثر مثل «ميرفت عبد العزيز»، والتي تم تقديمها في الرواية السابقة باعتبارها شخصية غريبة، تفعل أشياء غريبة، على عكس«بيبو» الذي كان شخصية عادية تحدث لها أشياء غريبة.

- تركز في الشعر والسرد.. أيهما تجد نفسك فيه أكثر؟ ولماذا؟

• ظل هذا السؤال يشغلني طويلا، وظللت لفترات طويلة أقول لكل من يسألني عن الرواية إنني شاعر ولست روائيا، ثم وجدت أن الإجابة غير مقنعة لأحد، بعد أن فازت روايتي السابقة «عنكبوت في القلب» بجائزة ساويرس للرواية فرع كبار الأدباء، ووصلت للقائمة الطويلة في جائزة الشيخ زايد.

لكن لا أخفيك أنني لم أعد أفكر في الأمر، لأنني لست مشغولا بما يريده القارئ أو الناقد أو الناشر، بل بما يمكنني تقديمه.. ما فائدة أن أقدم رواية سيئة لمجرد أن يقال عني روائي؟ وما جدوى أن أصدر ديوانا بلا معنى لمجرد أن يقال إن فلانا أصدر ديوانا؟ وفي ذهني دائما جملة محمد حسنين هيكل الشهيرة «أن يسألك الناس لماذا لا تكتب أفضل من أن يسألك الناس لماذا تكتب؟»

كل ما أفكر فيه الآن هو أن أقدم كتابا جيدا، يسعد من يقرأه، بغضِّ النظر عن محتوى هذا الكتاب، شعرا كان أم رواية. إذا كانت لديَّ فكرة رواية جيدة سأقدمها، والأمر نفسه مع الشعر. تجاوزنا مرحلة أن نفرح بإصدار كتاب جديد، لا أفكر في «السكرة»، بل في «الفكرة» آخر ديوان صدر لي كان منذ حوالي 5 سنوات، وهذه أطول فترة توقف مرَّت عليَّ منذ بدأت نشر الشعر، لم أتوقف عن نشر الشعر لأنني انحزت للرواية، ولا لأنني توقفت عن كتابة الشعر، بالعكس، لأنني أريد أن أقدم أفضل ما يمكنني تقديمه. لديَّ الكثير من القصائد، لكن ليس لديَّ ما يمثل إضافة لما قدمته من قبل. ويمكنك أن تقيس الأمر نفسه على الرواية.

- هناك من يقول: إن التشتت بين فنيْن أو أكثر لا يجعل صاحبهما كاتبا كبيرا.. ما ردك على هذه المقولة؟

• لا أفهم المقصود بجملة «كاتب كبير»، وما الوصفة المثالية التي بمقتضاها يمكن أن نطلق على كاتب وصف «كبير»، هل يجب أن يكون متخصصا في فرع واحد من الفن حتى يحمل هذا اللقب؟

أعتقد أن فكرة التخصص هذه مستحدثة، ربما أخذت شكلها الواضح مع جيل الستينيات وليس بالضرورة أن تكون صحيحة. انظر مثلا إلى التراث العربي، ستجد مئات الكتَّاب الموسوعيين، مثل الجاحظ وابن سينا والفارابي وغيرهم. وفي العصر الحديث ستجد أن نجيب محفوظ ترجم وكتب المقال والمسرحية والقصة القصيرة والرواية، وطه حسين ترجم وجرَّب الشعر وكتب الرواية والنقد والتاريخ، وتوفيق الحكيم كتب المسرح والرواية والنقد والقصة. وأحمد شوقي كتب المسرحية والشعر الفصحى والعامية وكتب للأطفال، وعبد الرحمن الشرقاوي، كتب الرواية والشعر والمسرحية وإدوار الخراط كتب الشعر والرواية والقصة والنقد. وعالميا هناك الكثير من الأسماء التي كتبت الشعر والسرد مثل بول أوستر وسيلفيا بلاث وميلان كونديرا الذي بدأ شاعرا، وجونتر جراس.

أعتقد أن ما يحدد الأمر في النهاية، هو ما الذي يمكن أن يقدمه الكاتب في هذا الصنف الأدبي؟ وهل يضيف جديدا أم لا؟ وهذا ما أفكر فيه قبل أن أصدر أي عمل جديد شعرا أم نثرا. ولا أفكر في أن أكون كاتبا كبيرا أو صغيرا، بل ما يهمني أن تصل أفكاري للناس، بالطريقة المناسبة لهم ولي.

- بمن تحتذي في المزاوجة بين نوعين؟.. هل بورخيس مثلا؟

• لا أحتذي بأحد، لأني لا أفعل هذا تقليدا لكاتب معين، بل أكتب الشعر والرواية عن رغبة داخلية في قول شيء ما يخصني عن طريق هذا النوع من الفن. وأعتقد أنني أكتب رواية تشبهني، خارجة من عالمي الشعري، تتقاطع معه لكنها لا تماثله، تكمل فراغات موجودة فيه، وتترك أسئلة تجيب عليها قصائد أخرى. يمكن الفصل بين العالمين، لكن وضعهما بجوار بعضهما يجعلهما أكثر وضوحا، وربما كتابتي الرواية كانت ضرورة شعرية لحياتي.

- أنت في الشعر واضح ومحدد ولكن في السرد يكتنف الغموض عالمك.. ما السبب في وجهة نظرك؟

• ربما يكون هذا عكس المتوقع، فالمعتاد أن الشعر هو الغامض، والسرد هو الواضح. لكنني أعتقد أن ما أقدمه في الرواية ليس غموضا، لكنها محاولة كتابة رواية بطريقة مختلفة، وهذه إجابة على سؤالي لنفسي: كيف أكتب رواية؟ لا أسعى لأن أكتبها بالطريقة التي تُكتب بها عادة، بل أكتبها بالطريقة التي تناسب ذائقتي في الشعر والرواية، التي بها تجريب، التي تقول: إن هذا الكاتب قدم شيئا جديدا حين قرر أن يكتب الرواية بجوار الشعر.

- هناك لمحة رومانسية في أدبك.. مردها ربما لوجود الشخصيات الحالمة بالتغيير.. ما رأيك؟

• معظم شخصيات رواياتي أشخاص محبطون، يعيشون وحدهم، يهربون من الناس، قادمون من قرى بعيدة قرروا تركها عن طيب خاطر والبحث عن ذواتهم في المدينة، مثل بطل رواية «أثر النبي» الذي تنتهي به الرواية وهو يهرول في الشوارع هربا، «بيبو» في رواية «عنكبوت في القلب» أيضا ترك قريته وعاش مغامرة البحث عن ذاته، حتى انتهى به الأمر وحيدا في مشهد فانتازي، «رأس الكلب» قرر أن يهجر قريته بعد وفاة والديه هربا من سيطرة جده، قبل أن يجد نفسه يخوض تجربة التحول. أعتقد أن أبطال الروايات الثلاث ربما يكونون الشخصية ذاتها، لكنها تتطور في كل نص، بحثا عن نهاية مختلفة، لاحظ أن الروايات الثلاث تدور في منطقة «وسط البلد»، لكن في كل نص تجد شكلا جديدا لهذه المنطقة. كأنها اقتراحات للنجاة، لكن عندما تفشل يتم إعادة التشغيل بحثا عن مهرب آخر.

- فزت بأكثر من جائزة.. فماذا تعني الجوائز لك؟

• وقت إعلان الجائزة يشعر الكاتب بالتحقق، وأن تعبه لم يضع سدى، لكنه يتجاوز ذلك الشعور مع مرور الوقت، ويغرق مرة أخرى في هموم الكتابة، والبحث عن فكرة جديدة، والانشغال بأسئلة الكتابة الصعبة.

الجوائز مهمة، لأنها تشير لنا إلى أعمال تستحق القراءة، لذلك يمكن القول: إن الجوائز للأعمال الأدبية وليست للكاتب.

- هل أنت راض بشكل ما عما كتب عن أعمالك؟

• أكون سعيدا بكل من قرأ عملا، سواء كان ناقدا أم قارئا عاديا، فهدف الكاتب الأول هو أن يصل عمله إلى من يقرأه. أكون سعيدا بكل ما يُكتبُ عني، خاصة أنني لا أبذل مجهودا في توزيع كتبي، وأفاجأ بجميع المقالات التي تكتب عني، وأجدها منشورة في الصحف أو المواقع ويرسلها الأصدقاء إليَّ أو تقع تحت يدي بالصدفة. العمل الجيد سيبقى في النهاية وسيصل لقارئه، سواء كتب عنه وقت صدوره أو بعد ذلك بسنوات.

- أخيرا.. ما عملك القادم؟

• أعمل على ديوان جديد، ما أزال في مرحلة الحذف والاستبعاد، وهي أصعب مرحلة وأمتعها في عملية الكتابة برمتها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: کتب الروایة فی الروایة فی النهایة فی الشعر أعتقد أن أبو زید أن أقدم یمکن أن أفکر فی فی بعض

إقرأ أيضاً:

قراءة في مجموعة (ما وراء الضباب) للشاعرة لينا حمدان في ثقافي أبو رمانة

دمشق-سانا

سلطت الندوة التي أقامها المركز الثقافي في أبو رمانة وشارك فيها عدد من الشعراء والنقاد الضوء على الجماليات والمكونات الشعرية في المجموعة الجديدة (ما وراء الضباب) للشاعرة لينا حمدان.

وعن المجموعة قال الإعلامي والشاعر جمال الجيش: إنها متميزة ولها خصوصية وتتميز بالأصالة في زمن صعب، وهي حالة شعرية حقيقية بامتياز وامتداد للتطور الذي يمتلك خلجات النفس في الاتجاه الرومانسي.

وأضاف: إن المجموعة تظهر تطور الأدوات الشعرية وحداثة حقيقية، كما أنها لم تكن مألوفة في عودتها للرومانسية الحقيقية وفي الانتقال من البساطة إلى الشعر الحقيقي، مبيناً أن الشاعرة تدعو في أماكن عديدة للانتقام من الواقع القاسي والحياة الصعبة وللاستمرار في الحياة بشكل إيجابي، وهذا من مقومات فلسفة الحياة التي تميز ذات الشاعرة وتستفزها على طرح أسئلة الوجود في منجزها الجميل الذي يمتلك مقومات الشعر والحداثة.

بدورها أوضحت مؤلفة المجموعة الشاعرة لينا حمدان في تصريح لـ سانا أن المجموعة هي الخامسة، وفيها قصائد متنوعة بين أسلوب التفعيلة والشطرين عكست القضايا الوطنية والإنسان والحالات الوجدانية والغياب وأوجاع الأهل على بعد أبنائهم، وفيها أيضا تداعيات الحياة وأبعادها وما فيها من مصالح مختلفة.

من جهته أشار رئيس المركز الثقافي عمار بقلة إلى أهمية المجموعة لأنها جمعت بين الأصالة والحداثة، وتضمنت مقومات تقنع المتلقي بما قدمته، ولا سيما أنها تعكس همومه وقضاياه.

وقدم عدد من الشعراء والأدباء مداخلات أغنت المواضيع المطروحة في الشعر والحداثة ثم وقعت الشاعرة مجموعتها التي أهدتها لعدد من الحضور.

محمد خالد الخضر

مقالات مشابهة

  • في ذكرى اختراع أول مصل لعلاجه.. 6 معلومات عن داء الكلب القاتل
  • سنار .. رواية التاريخ وجغرافية المنطقة!!
  • مكتبة محمد بن راشد تستضيف أمسية شعرية بعنوان «قصة وقصيدة» 11 يوليو الجاري
  • طفل شجاع ينقذ شقيقته من أنياب كلب مفترس
  • بعد مقاضاة شقيقها بسبب الميراث.. أبرز المعلومات عن الإعلامية مها الصغير
  • كلب بيتبول شرس يهاجم طفلة 6 سنوات.. ماذا فعل شقيقها لإنقاذها؟
  • الشاعرة زوات حمدو: الشعر موهبة لها أسس ومقومات
  • قراءة في مجموعة (ما وراء الضباب) للشاعرة لينا حمدان في ثقافي أبو رمانة
  • أكلات تساعد على تطويل وتكثيف الشعر.. دليلك للتغذية السليمة لصحة شعرك
  • ثلاثة شعراء يتغنون بالحب والطبيعة بـ«بيت الشعر» بالشارقة