الرؤية - ناصر العبري

قال الفنان الدكتور طالب بن محمد البلوشي، إنَّ الدراما العمانية تتميز بامتلاكها هوية خاصة تتمثل في العنصر البصري متجسدا في اللهجة والأزياء والعادات والتقاليد بالإضافة إلى البيئة الطبيعية التي يتم تسليط الضوء عليها لإبراز جمالها، مضيفاً أنَّ القضايا التي تتناولها الدراما العمانية قد تتشابه مع قضايا المجتمعات الأخرى سواء العربية أو الغربية، إلا أن بعض الأعمال تفردت بشكل مختلف من خلال تناول التراث والثقافة والسياحة والتاريخ والحياة العمانية.

وأوضح - في تصريح لـ"الرؤية- أن الدراما العمانية طرحت الكثير من الأعمال التي تنوعت ما بين القرية والمدينة والبدو والحضر، باعتبار أن المجتمع العماني  يزخر بالتنوع البيئي والحضاري كما أنه غني بالإرث الثقافي.

وتابع قائلاً: "عندما يتم مناقشة أي قضية مجتمعية في العمل الدرامي، يكون هناك حرص على طرح العمل بجرأة وبصورة تناسب البيئة العمانية وعاداتها وتقاليدها، إذ إن الدراما دائمًا ما تعكس الواقع الاجتماعي والثقافي للمجتمعات، مؤكداً أن الأعمال الدرامية العمانية لم تتجرد من الهوية التي تفردت بهات وإنما اكتسبت احترام الجميع بما تطرحه من نماذج مشرفة".

وحول أبرز النجوم والممثلين العمانيين الذين حققوا نجاحا كبيرا في الدراما العمانية، قال الدكتور طالب البلوشي: "كل نجوم الدراما والجيل الذي تلاهم شكلوا حضورا لافتا، فبعضهم له حضور عربي وإقليمي، وبعضهم صنع بصمة واضحة، كما أن أجيال اليوم أبناء أبي الفنون مبدعون، الأمر الذي جعل الدراما العمانية تحظى بشعبية كبيرة في الدول العربية، نظير تميزها وحفاظها على هويتها واحترامها للعادات والتقاليد".

وتحدث البلوشي عن التحديات التي تواجه صناعة الدراما العمانية في الوقت الحالي، قائلاً: "أهم التحديات هو سؤال أطرحه دائما: هل نريد دراما وهل نستطيع أن نعيد للدراما العمانية تألقها، والجواب للأسف لا يملكه أحد اليوم، وآخر جواب سمعته من أحدهم هو (نمشي الحال) وهذا يعني أنَّه لا نية عند القائمين على الدراما لتطوير هذا المجال أو عودة الروح إليها، لأنه إذا غابت النية فلن نحقق الرجاء، ونحن نحتاج لفكر حقيقي لصناعة دراما عمانية تسير مع أهداف عمان 2040".

ويأمل الفنان طالب البلوشي أن تحظى الدراما العمانية باهتمام من قبل مولاي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم، وسمو السيد ذي يزن"، مبيناً أن الدراما العمانية تساهم في تعزيز السياحة الثقافية في سلطنة عمان، لكنها تحتاج إلى تشكيل مؤسسة استثمارية تهتم بالدراما بعيدا عن تدخلات غير المقتنعين بدور الدراما في الترويج السياحي والثقافي للدول، ناهيك عن دورها في تعزيز الهوية الوطنية والانتماء للمجتمع العماني.

وأضاف أنَّه يمكن إحداث ترابط وتكامل بين الدراما العمانية والدراما العربية والخليجية من خلال تعزيز الوعي بأهمية الدراما وتأثيرها بالإضافة إلى دور المسرح والسينما.

 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الحركات اليسارية العمانية وظرفية حراكها

حركة التأريخ تحمل نقطتين مهمتين: الأولى لها اقتضاءاتها السابقة عنها والمؤثرة لحدوثها، والثانية لها تأثيرها كاقتضاء في خلق أحداث أخرى تكون سببا فيها، أو ناتجة عنها، ولا يمكن قراءاتها بعيدا عن هذه الظرفية التي نشطت فيها، ولا يمكن بحال نكران تأثيرها أيضا.

والحركات اليسارية العمانية لم تكن وليدة الصدفة، فهي جزء من المنظومة العالمية حينها، حيث كان اليسار أكبر مؤثر في العالم في المطالبة باستقلال الشعوب، ونيل حقوقها وفق قيم كبرى كالعدل والمساواة بين الجميع، وفي الوقت ذاته هو جزء من المنظومة العربية التي ارتبطت بضرورة العدالة الاجتماعية في جوها الماركسي من جهة، وربطت ذلك بالثورة والتثوير من جهة أخرى، فعمت هذه الرؤية غالب الدول العربية، كمصر والعراق والكويت والبحرين وليبيا وسوريا وغيرها من أقطار العالم العربي، هذان المؤثران العالمي والعربي لم تكن عُمان حينها بمعزل عنهما، بل كانت البيئة العمانية حينها خصبة لانتشار الفكر الماركسي والحركات اليسارية.

الاقتضاءات التي جرت إلى ذلك الوضع المعيشي الذي كان يعيشه العمانيون حينها، مما جعلهم شبه مشتتين في دول الجوار، طلبا للعيش، وبحثا عن الرزق، فكان منهم فريقان، فريق هم الأقلية الذين تعرفوا وارتبطوا بقيادات ماركسية، ومنهم من أصبح جزءا مهما في التنظيم، خصوصا الذين ذهبوا للدراسة أو العمل في العراق ومصر وسورية والكويت، وفريق عريض عاشوا حالة المقارنة بين الوضع المعيشي البالغ السوء، حيث كانوا يعيشون حياة القرون الوسطى، وبين النهضة المدنية والعمرانية التي عمت العالم، ومنها العديد من دول الوطن العربي، فغرس في قلوب العديد منهم إرادة التغيير، فوجدوا في الحركات اليسارية أملا في تحقيق ذلك.

هذا الوضع الاقتصادي السيئ كان مرتبطا بالفراغ السياسي، فهناك ثلاثة اتجاهات: اتجاه النظام العام الذي كان سائدا سابقا ومركزه مسقط، واتجاه الإمامة ذات الحكم الديني التقليدي ومركزه نزوى، واتجاه الجبهة اليسارية ومركزها ظفار، وأما النظام العام فلم يكن يملك مركزية الدولة القادرة على خلق مؤسسات مدنية، وحاول أن يحدث بعض التحديثات التي ابتدأت مع السلطان فيصل بن تركي (ت 1913م)، وابنه السلطان تيمور حيث أنشأ المدرسة السلطانية الأولى عام 1930م، وهي أول مدرسة نظامية عصرية في عمان، ثم ابنه السلطان سعيد بن تيمور (ت 1972م) وقد أنشأ المدرسة السعيدية عام 1936م، وكانت بعض الإصلاحات في مسقط ومطرح خصوصا، وكانت هناك إرادة من السلطان سعيد مع أخيه السيد طارق بن تيمور (ت 1980م) في وضع إصلاحات تحديثية وعصرية ودستورية شاملة؛ إلا أنّ الوضع السياسي والاجتماعي لم يكن مهيأ لذلك، كما أنّ الانقسامات العمانية اتسعت والتي تحولت إلى صراعات مسلحة كحربَي الجبل الأخضر وظفار، وثورات ومظاهرات الستينيات من القرن العشرين فأثرت سلبا في الواقع الأمني والمعيشي، فضلا عن هيمنة البريطانيين عسكريا، وفي العديد من القرارات المالية والاقتصادية والمدنية.

وفي المقابل لم تستطع الإمامة تكوين مفهوم الدولة العصرية، ولم تكن حاضرة لديها إلا في الفترة المتأخرة من عهد الإمام غالب بن علي (ت 2009م)، حيث أنشأ مدرسة في الدمام بالسعودية، ثمّ أرسل البعثات إلى بغداد ودمشق والقاهرة، ولكن غالبها ضمن التفكير الديني وليس العصري، وحاول الانفتاح في الخارج، وإنشاء مكاتب للإمامة، ولكنها جاءت في وقت متأخر جدّا، ورموزها كانوا خارج البلد، ولم يستطع الإمام غالب تقديم مشروع للدولة الحديثة، وقد أرسل له علماء الإصلاح في ميزاب بالجزائر رسالة مبكرة عقب وفاة الإمام الخليلي (ت 1954م) نصحوه فيها بتشييد المدارس والمعاهد والكليات، وإرسال البعثات، وتعميم الصناعات، وتأسيس المطابع والشركات، وإصدار الجرائد والمجلات، بيد أنّ الأمر كسابقه، حيث حاول سابقا المصلح الليبي سليمان الباروني باشا (ت 1970م) أن يجمع بين السلطان تيمور بن فيصل (ت 1965م)، والإمام الخليلي، وحثّ من الابتداء العمانيين على «ضرورة طلب العلم، ونبذ الجهل، وإصلاح المجتمع»، ممّا جعل الإمام الخليلي «يقلّد أمر تنظيم المملكة -أي عُمان- على الوجه العصري الموافق لروح الشريعة الغراء» إلى الباروني، فبدأ ببعض الإصلاحات المالية في إدارة المال العام، وأنشأ المدرسة البارونية في سمائل، إلا أنّ إصلاحاته تمت مواجهتها بالمعارضة من التقليديين والمنتفعين بدعوى «إنّ هذا الأمر بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، ومن قائل إنّ هذا من عمل النصارى لا نقبله، ومن قائل إنّ هذا لم نجد عليه آباءنا وأوائلنا، وهم أدرى منا بالأصلح في البلاد»، لهذا فشلت الإمامة في تقديم رؤية عصرية للدولة الحديثة.

في هذه الأجواء ولدت الحركات اليسارية في عمان، وبعضها اقتربت من التوجهات الإسلامية كالجمعية الخيرية الظفارية، والجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي، والحركات اليسارية كانت لها تحديثاتها العصرية في التعليم والصحة والزراعة والرعي في ظفار، وبعثت في الناس روح الثورة والتغيير، فكانت هناك مطالبات لسلطان عمان سعيد بن تيمور في كفالة الحريات العامة، وإيجاد دستور، وتنظيم الاقتصاد المالي، ووجد العديد من الشباب العماني في ظفار وفي الشمال ضالتهم فيها، فولدت العديد من الجبهات، ومع الزمن أحدث هذا شيئا من الانقسامات حولها، بجانب تطور التثوير العنفي فيها من المطالبة بالإصلاح إلى إسقاط النظام، مما أدى إلى الاصطدام مع السلطة في مسقط، بجانب إيمانها بالتشكل الجمعي وفق الجانب الفردي وليس القبلي، ما جعلها تصطدم بالمكونات القبلية، خصوصا ذات النزعة النفعية، كذلك نظرتها إلى الاتجاه الإمامي المقابل أنه شكل من أشكال التخلف المؤدي إلى الحكم الثيوقراطي، فلقيت ذاتها ابتداء في صراع مع الاتجاهين الذين قابلاها بتهمة الإلحاد والمروق عن الدين والإفساد في الأرض، ثمّ وجدت نفسها أيضا في انقسامات وصراعات بين أتباعها، وصل إلى حدّ العنف وأحيانا التصفية، ومع هذا كانت أكثر تقدما في وجود رؤية إصلاحية مدنية من الاتجاهين الآخرين، لهذا لقيت رواجا عند العديد من الشباب حينها كما أسلفتُ.

هذه الاتجاهات ومنها الحركات اليسارية، بعيدا عن السلبيات التي نتجت أو حدثت عنها، إلا أنّ اقتضاءاتها عجلت مرحلة التغيير في تكوين دولة مدنية مركزية، ذات مؤسسات مدنية، تجمع العمانيين في دولة وطنية واحدة، حيث يعد 23 يوليو 1970م علامة فارقة في تاريخ عمان الحديث، حيث انبعث روح التحديث الذي لازم كافة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والتعليمية والقانونية والإعلامية؛ هذا سيؤثر بلا شك على الجوانب الدينية والثقافية وتأثيرها وتأثرها في الوقت ذاته بالاجتماع البشري في عمان، ابتداء من الانفتاح على العالم، وغلق العزلة التي عاشتها عُمان لأسباب سياسية، ثمّ الوحدة، وظهور الدولة المدنية القطرية المركزية الواحدة، وما لازمها من وجود مؤسسات مدنية ترقى بالإنسان العماني.

ومع هذا، مع شعار «عفا الله عما سلف» الذي أطلقه السلطان قابوس بن سعيد (ت 2020م) مبكرا، ومع الرغبة في الانفتاح على الجميع لأجل بناء عمان، إلا أنّ الرؤية غير واضحة في بدايتها عند الجميع، وطبيعي أنّ النتاج لا يكون في يوم وليلة؛ لأنّ البناء وعلى رأسه بناء الإنسان يحتاج إلى مرحلة زمنية قد تطول وفق الإمكانات المتاحة، لهذا ظلت الاضطرابات وضبابية الرؤية عند بعضهم ردحا من الزمن، ثمّ بدأت تنكشف شيئا فشيئا، حتى أدرك الجميع صدق الإرادة الأولى والتي انطلقت عام 1970م.

واليوم يمكن إدراك ما حدث وفق اقتضاءاته من زاوية أكثر قربا ودقة من السابق، لهذا ينبغي دراسة هذه المرحلة من الدائرة الواسعة؛ لأنّ غاية الجميع -كما أسلفنا- حينها عمان، وكان الواقع السياسي والمعيشي جرهم إلى ذلك، ولا ينبغي عند دراسة هذه المرحلة الزمنية التوقف عند السرديات، بقدر ما ينبغي التركيز على سننية المرحلة، واقتضاءاتها الظرفية، وفق دراسات نقدية بما تحمله تلك الذاكرة من حسنات وسيئات، لطبيعة أي ذاكرة بشرية، طالت أم قصرت، لأجل الحفاظ على ما نحن عليه اليوم من نعمة الاستقرار، ووضوح الدولة الوطنية، والتي نرجو لها تطورا مدنيا ومعرفيا واقتصاديا، واستقرارا وعدالة اجتماعية في اليوم والغد ولأجل الأجيال القادمة.

* ملحوظة: النّصوص في المقالة بين «» مقتبسة من كتاب سليمان الباروني باشا في أطوار حياته؛ لأبي اليقظان إبراهيم، ط الدّار العمانيّة، 1376هـ/ 1956م.

مقالات مشابهة

  • الموت يغيب رجل الأعمال حمود بن هلال الرشيدي
  • بنك نزوى يدعم برنامج "سدرة" لتطوير مهارات القيادات النسائية الشابة
  • شاركت في مؤتمر (أونكتاد).. السعودية تستعرض جهودها لتعزيز المنافسة
  • انطلاق ملتقى مناخ الاستثمار في ظل التحولات التقنية دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز ريادة الأعمال
  • اعتماد البعثة العمانية المشاركة بـ"أولمبياد باريس 2024"
  • مها المصري تكشف السبب الحقيقي لتشوه وجهها| من المُلام على غيابها الفني؟ (صور)
  • بعد تصدره التريند بسبب صفعه لشاب.. محمد رمضان ينشر فيديو مع ابنة دنيا سمير غانم
  • الحركات اليسارية العمانية وظرفية حراكها
  • العداء العُماني علي البلوشي يحرز ذهبية سباق 100 متر في البطولة العربية لألعاب القوى بمصر
  • المستقبل اللوجستي وفق "عمان 2040" (2)